لبنان: طلب مساعدة «صندوق النقد» ينذر بـ«اشتباك» سياسي

«حزب الله» يرفضها... واستبعاده يفاقم أزمة الاستيراد في ظل شح العملة الصعبة

رئيس الحكومة حسان دياب مجتمعاً مع وفد صندوق النقد في فبراير الماضي (رويترز)
رئيس الحكومة حسان دياب مجتمعاً مع وفد صندوق النقد في فبراير الماضي (رويترز)
TT

لبنان: طلب مساعدة «صندوق النقد» ينذر بـ«اشتباك» سياسي

رئيس الحكومة حسان دياب مجتمعاً مع وفد صندوق النقد في فبراير الماضي (رويترز)
رئيس الحكومة حسان دياب مجتمعاً مع وفد صندوق النقد في فبراير الماضي (رويترز)

بعد تجاوز لبنان «الكباش» (لي الأذرع) الداخلي بخصوص دفع ديونه المستحقة أو إعادة هيكلتها بإعلان رئيس حكومته حسان دياب مؤخراً قرار تعليق دفع هذه الديون، من المرتقب أن يكون هناك «كباش» جديد بين القوى السياسية الداعمة لطلب المساعدة المالية من صندوق النقد الدولي للنهوض بالوضعين المالي والاقتصادي من جديد، وبين «حزب الله» الذي استبق أي قرار بهذا المجال، معلناً رفضه «الخضوع لصندوق النقد الدولي ليدير الأزمة».
وتوالت مواقف القياديين في الحزب، فربط عضو المجلس المركزي فيه نبيل قاووق أي مساعدة خارجية بـ«شرط ألا يتم التسلل لفرض وصاية وهيمنة خارجية على لبنان»، مشدداً على رفض «رهن اقتصادنا ومجتمعنا ومستقبل أهلنا لجهات خارجية، وفي الوقت نفسه نحن حريصون على الإصلاحات التي تشجع الجهات الخارجية على تقديم المساعدات».
ويوم أمس، دعا مسؤول منطقة البقاع في «حزب الله» حسين النمر إلى «وضع اليد بيد الحكومة من أجل وضع رؤية اقتصادية شاملة تستطيع أن توقف الانهيار الحاصل ونتقدم إلى الأمام»، معتبراً أنه «إذا فكّر البعض أن ينقذ البلد بغير هذه الطريقة فهو واهم».
وفي مقابل موقف الحزب الذي يبدو في المرحلة الراهنة متشدداً بموضوع طلب مساعدة صندوق النقد الدولي، يُجمع سياسيون واقتصاديون على أنه لم يعد أمام لبنان خيار إلا اللجوء إلى الصندوق.
وفي هذا الإطار، رأت عضوة كتلة «المستقبل» النائبة ديما جمالي أن «طلب مساعدة صندوق النقد الدولي بات أمراً ضرورياً ومستعجلاً»، لافتة إلى أنه «لا يمكن تبرير رفض اللجوء إلى هذا الصندوق بحجة أنه سيفرض إجراءات صعبة وضرائب، لأن معالجة الأزمة الاقتصادية في بلد معين تتمّ وفقاً لوضع البلد، وحلول الصندوق إن طبّقت في دولة معينة ليس بالضرورة تطبيقها في أخرى، وبالتالي لا يمكن تكهّن الإجراءات والحلول التي سيقترحها الصندوق إلا بعد طلب مساعدته وتلقي جوابه». واعتبرت جمالي في تصريح إلى «الشرق الأوسط» أن «(حزب الله) يعارض اللجوء إلى صندوق النقد، لأنه يرى في ذلك وصاية مقنعة على لبنان، وكذلك لأسباب يعرفها كل الناس، أبرزها تقلص سيطرته على المعابر وبعض المؤسسات والإدارات في حال تطبيق الإجراءات الإصلاحية التي سيقترحها الصندوق».
من جهته، لفت رامي الريس مستشار رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط إلى أن «كل المنافذ الاقتصادية والمالية والنقدية باتت مقفلة، وأنه لن يعد لدينا خيار سوى اللجوء إلى صندوق النقد بعد التدمير المنهجي للسياسة الخارجية للبنان، ما أدى إلى تدهور العلاقات مع الدول المانحة، وفي طليعتها دول الخليج»، كاشفاً لـ«الشرق الأوسط» عن معلومات تشير إلى أن «أي من مقررات مؤتمر سيدر لن تنفذ إلا إذا ارتبطت بمواكبة صندوق النقد الدولي لعملية الإصلاح بعد فقدان المجتمع الدولي الثقة بالإدارة اللبنانية».
أما الخبير المالي والاقتصادي وليد أبو سليمان فأشار إلى أنه «حتى لو نجحت الحكومة اللبنانية بلجم العجز في ميزانية الدولة، فإنه في ظل شح المخزون باحتياطي العملات الأجنبية، سيكون لبنان مضطراً بسبب الخلل البنيوي القائم على استيراد 90 في المائة من المنتجات التي نستهلكها، إلى تأمين العملات الصعبة من صندوق النقد الدولي، خاصة مع التشنج الجيوالسياسي الحاصل، ما يؤدي إلى عدم التفات دول الخليج إلينا». وأوضح أبو سليمان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «صندوق النقد أنشئ أصلاً لمساعدة البلدان التي تعاني من مشكلات في ميزان المدفوعات»، لافتاً إلى إمكانية الحصول من الصندوق على مبلغ 8 مليارات و600 مليون دولار لفترة 3 سنوات، مضيفاً: «ختم صندوق النقد على الخطة الإنقاذية من شأنه أن يطمئن الدائنين حملة السندات، بعد ما راكمنا طوال السنوات الماضية انعداماً للمصداقية».
واستبعد الكاتب والمحلل السياسي المتخصص في شؤون «حزب الله» قاسم قصير أن «يكون موقف الحزب نهائياً بموضوع الموافقة على مساعدة صندوق النقد أو رفض ذلك»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «كل شيء لا يزال قيد الدرس في هذه المرحلة». وأضاف قصير: «ما يشدد عليه الحزب أمران أساسيان، الأول ألا تقترن أي مساعدة من الصندوق بفرض ضرائب كبيرة، والثاني ألا تكون هناك أي ارتباطات أو شروط سياسية مُقابلة».
وبحسب مركز «كارنيغي» لـ«الشرق الأوسط»، فإن رفْض «حزب الله» الاستعانة بصندوق النقد الدولي «قد يعني في نهاية المطاف انهيار حكومة دياب، ولبنان نفسه». ويشير المركز إلى أن «اللجوء إلى صندوق النقد لم يعد خياراً، بل بات ضرورياً»، موضحاً أن «المشكلة هنا أنه من دون إنقاذ صندوق النقد، لن يستطيع لبنان الحصول على الأموال لتعويم اقتصاده، أو تلقي العملة الصعبة الضرورية لاستيراد الضرورات الحيوية، كالمواد الغذائية والوقود. وما لم يرد (حزب الله) أن يرى النظام برمته يتهاوى من دون أي أفق للحل، فإنه يجب أن يسوّي مشكلته حول الصندوق».
إلى ذلك، قال وزير الاقتصاد اللبناني راؤول نعمة، لـ«رويترز»، أمس (الاثنين)، إن البلاد بانتظار اتخاذ حاملي سنداتها قراراً بشأن ما إذا كانوا سيتعاونون في إعادة هيكلة الدين، أو يسلكون مسار التقاضي، موضحاً أن ليس لديه علم حتى الآن بشأن الخيار الذي سيتخذه المستثمرون، لكنه يتوقع أن يستغرق اتخاذ القرار «أسابيع قليلة». وأضاف أن لبنان يستهدف إعادة هيكلة ديونه بشكل «كامل ونهائي».
وتابع نعمة: «نقترح عليهم العمل سوياً لإيجاد حل، وهو أفضل دائماً من التقاضي... لكن الخيار لهم لاتخاذ قرار بالتعاون أو سبيل التقاضي»، مشيراً إلى أن «البنوك في لبنان أعلنت أنها ستفضل التعاون وعدم اللجوء للتقاضي، وندرك أنها تجري محادثات مع حائزين أجانب لإقناعهم بالتعاون والقدوم إلى طاولة المفاوضات». وأوضح أن أي تحرك قضائي سيكون مسألة ضغط، وليس استرداداً «لأي مبلغ حقيقي». وقال «بإمكانهم الآن ودائماً الذهاب والتقاضي، ومحاولة مصادرة الأصول... لكن ذلك لن يجدي إذا تحدثنا من الناحية القانونية. القوانين في نيويورك ودول أخرى شديدة الوضوح - حصانة أصول الحكومة التي تستخدم في الأغراض الحكومية وكذلك (أصول) البنك المركزي».
وقال نعمة إنه من المبكر جداً الحديث عن تفاصيل عما قد تبدو عليه إعادة هيكلة الديون بالنسبة لحاملي السندات (حوالي 31 مليار دولار)، الذين قال بعضهم إنهم يسعون إلى تشكيل مجموعة ممثلة للدائنين، موضحاً أن لبنان يريد «التأكد من أننا نجري إعادة الهيكلة بشكل كامل ونهائي. أوضاعنا ليست مثل دول أخرى تعود كل بضع سنوات إلى حاملي السندات، وتقول لهم المعذرة».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم