إعادة هيكلة النظام المصرفي مقدمة لعمليات دمج مؤجلة

خبراء أكدوا لـ «الشرق الأوسط» أن لا قيامة اقتصادية للبنان من دون صندوق النقد

TT

إعادة هيكلة النظام المصرفي مقدمة لعمليات دمج مؤجلة

توقف خبراء لبنانيون في الشأنين الاقتصادي والمالي أمام قول رئيس الحكومة حسان دياب في كلمته التي وجّهها إلى اللبنانيين بأن لبنان لا يحتاج إلى قطاع مصرفي يفوق أربعة أضعاف حجم اقتصاده، وأن الحكومة ستعمل على إعادة هيكلة القطاع بما يتناسب مع حجمه الاقتصادي، وسألوا ما إذا كان يمهّد للقيام بعملية دمج بين عدد من المصارف؟ وهل الظروف المالية القاهرة التي يمر بها البلد تسمح بحصولها طوعياً أو قصرياً؟
وقال هؤلاء الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن عملية الدمج تتم طوعياً مع أن بعض المصارف مُنيت بخسائر مالية بعد قرار رئيس الحكومة تعليق سداد سندات الـ«أوروبوندز»، لأن الجزء الأكبر من موجوداتها هو الآن في هذه السندات التي بدأت قيمتها تتراجع ولم تعد لديها القدرة لتغطية خسائرها من خلال زيادة رأسمالها، وبالتالي فهي مضطرة للاندماج في مصارف قادرة على ضخ أموال جديدة.
ولفت الخبراء أنفسهم إلى وجود صعوبة لإتمام عملية الدمج بين المصارف على نطاق واسع، إلا في حال تأمّنت السيولة لضخ أموال جديدة يبدو أنها ليست متوافرة في المدى المنظور، إضافة إلى عدم جدوى إشراك بعض المودعين في المصارف كمساهمين جدد طالما أن هناك صعوبة في تأمين أموال جديدة.
واعتبروا أنه من السابق لأوانه الشروع في عملية الدمج بين بعض المصارف قبل إنضاج الظروف لإطلاق الخطة الإصلاحية التي وعد بها الرئيس دياب كمدخل لتكبير حجم الاقتصاد وتوليد فرص عمل جديدة.
وقال هؤلاء الخبراء إن الجميع ولو من موقع الاختلاف يتحدثون عن الخطة لكن ليس هناك من يسأل عن مضامينها وما إذا كانت الظروف السياسية الراهنة تسمح بالعبور فيها إلى بر الأمان في ظل الركود الاقتصادي الذي لا يزال يحاصر البلد الذي يتموضع حالياً في قعر البئر وهو ينتظر قطع الطريق على انهياره بالكامل.
وسألوا: هل ينتقل لبنان من النظام المصرفي المعمول به حالياً إلى نظام لم تتوضح حتى الساعة هويته المالية والاقتصادية؟ ورأوا أن أركان الدولة والقوى الداعمة للحكومة أو معظمها على الأقل، يضعون الآن حاكم مصرف لبنان (رياض سلامة) وجمعية المصارف في «قفص الاتهام»، عبر تحميلهما مسؤولية الانهيار الحاصل في البلد، وذلك في محاولة منهم للحصول على براءة ذمّة.
كما أن هؤلاء يلقون بكامل المسؤولية على الحكومات السابقة وكأنهم - كما تقول المصادر - لم يشاركوا فيها ونأوا بأنفسهم عن المخالفات والتجاوزات التي حصلت على مر السنوات الماضية، وبالتالي فالمسؤولية تقع على عاتق السياسات السابقة في إشارة غير مباشرة إلى «الحريرية السياسية».
ناهيك بأن الخبراء أنفسهم يسألون عن الأسباب الكامنة وراء تفاؤل رئيس الجمهورية ميشال عون قبل وما بعد انطلاق الانتفاضة الشعبية، وتحديداً بقوله إن لا خطر على الاستقرار النقدي، ثم ليعود إلى تحميل المسؤولية للسياسات السابقة.
وأكدوا أن ليس هناك من يعفي سلامة وجمعية المصارف من مسؤوليتهما حيال تدهور الوضع المالي، لكن لديهما شركاء في تحمّل هذه المسؤولية، وإلا لماذا تبادر القوى السياسية إلى تغطية المخالفات لقانون النقد والتسليف التي تتمثل بوقف التحويلات من لبنان إلى الخارج، وفرض قيود جائرة على سحوبات المودعين في المصارف المحلية؟
ولم يعرف هؤلاء الخبراء كيف سيحافظ رئيس الحكومة، كما تعهد في كلمته، على حقوق المودعين الصغار، وما هي الإجراءات التي يتحضّر لها، إلا إذا كانت ستأتي من خلال الخطة الإصلاحية.
ولاحظوا أن انتظام الوضعين الاقتصادي والمالي للبنان لن يتحقق من دون التعاون مع صندوق النقد الدولي من جهة، ومن جهة ثانية الإسراع إلى تصحيح علاقة لبنان بالدول العربية القادرة التي دمّرها وزير الخارجية السابق جبران باسيل بتمرّده على البيانات الوزارية للحكومات السابقة التي شارك فيها، الذي تمثّل في خرق سياسة النأي بالنفس والانحياز على المكشوف إلى جانب محور الممانعة لاسترضاء «حزب الله».
وفي هذا السياق، سأل قطب سياسي، فضّل عدم ذكر اسمه، عن سبب تجاهل الحكومة الحالية ومعها الرئيس عون للأضرار الكبرى التي ألحقها باسيل بلبنان في الوقت الذي يركّز كل هؤلاء على التراكمات السلبية الناجمة عن السياسات التي اتُّبعت منذ 30 عاماً.
ودعا القطب السياسي الحكومة إلى عدم إضاعة الوقت وهدر الفرص، وقال إن لا قيامة للبنان إلا بالتعاون مع صندوق النقد وإعادة تصحيح علاقته بالعدد الأكبر من الدول العربية، وإن كانت هذه العملية لن تتحقق بلمح البصر وإنما تحتاج إلى اتباع نفس طويل، وإن كانت محاولات «التحرش» بها سواء عبر وسطاء أو موفدين سريين لم تبلغ حتى الساعة الغاية المرجوّة منها.
وسأل الحكومة لماذا لا تتجرّأ على اتخاذ قرار للتعاون مع صندوق النقد بشروط مقبولة، رغم أن وصفاته لخلاص لبنان ما هي إلا نسخة طبق الأصل عن رزمة الشروط الموضوعة من قبل مؤتمر «سيدر»؟ وقال إن الخروج ولو على مراحل من الانكماش الاقتصادي والشحّ في السيولة بالعملات الصعبة، يتطلب التعاون بلا أي تردّد مع الصندوق كأساس لتأمين التمويل، لأن تأمينه من الداخل بات معدوماً.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.