النظام المصرفي الهندي يتداعى

فقد 25 مليار دولار بسبب قروض متعثرة

تراجعت أسهم «يس بنك» رابع أكبر البنوك في الهند 57 % الجمعة (أ.ف.ب)
تراجعت أسهم «يس بنك» رابع أكبر البنوك في الهند 57 % الجمعة (أ.ف.ب)
TT

النظام المصرفي الهندي يتداعى

تراجعت أسهم «يس بنك» رابع أكبر البنوك في الهند 57 % الجمعة (أ.ف.ب)
تراجعت أسهم «يس بنك» رابع أكبر البنوك في الهند 57 % الجمعة (أ.ف.ب)

يعاني النظام المالي الهندي موجات من التداعي، الواحدة تلو الأخرى، في ظل انهيارات متكررة لبنوك هندية. وأفادت قناة «سي إن إن نيوز 18»، في وقت قريب، بأن النظام المصرفي الهندي فقد 24.8 مليار دولار، بسبب قروض متعثرة تخص 416 مؤسسة جرى إسقاطها.
والآن، أصبح الهيكل المالي بأكمله، والعديد من المؤسسات المالية المتنوعة؛ من بنوك عامة وخاصة ومؤسسات مالية غير بنكية وشركات تمويل إسكاني وبنوك تعاوني، هشة وممزقة وعرضة للكوارث. وخلال السنوات الأربع الأخيرة، كشف النقاب عن جرائم احتيال ومخالفات مالية ضخمة داخل بنوك القطاع العام. وخلال السنوات الثلاث الأخيرة فقط، خسر النظام المصرفي الهندي أكثر من 26 مليار دولار تتعلق بحسابات لقروض متعثرة تخص 416 مؤسسة.
وبالتالي، فإن أي تردٍ في المنظومة المصرفية تخلف وراءها صدمة عميقة وطويلة الأمد على الاقتصاد، وقد تؤدي إلى انهيار اقتصادي عاجلاً أم آجلاً داخل الهند. وبالفعل، قبل أيام قليلة فقط انهار «ييس بانك»، أكبر رابع بنك خاص على مستوى الهند. وجاء ذلك بعد خمسة شهور من انهيار بنك آخر؛ «إم بي سي».
الملاحظ أن القطاع المصرفي الهندي يعاني ظروفاً عصيبة على امتداد السنوات الخمس الأخيرة، في الوقت الذي شهدت أعداد الأصول غير العاملة ارتفاعاً صاروخياً. وحتى وقوع أزمة الأصول غير العاملة، أسهمت البنوك بما يزيد على 90 في المائة من الاعتمادات التجارية على مستوى الاقتصاد. وعليه، فإن العثرات التي تتعرض لها البنوك تخلف تداعيات عميقة وطويلة الأمد على الاقتصاد ككل.
جدير بالذكر أن «ييس بانك»، الذي يملك شبكة تجزئة واسعة، بدأ بالتركيز على إقراض الشركات، وكان لديه تعرض واسع في مواجهة العديد من الشركات التي جرى اليوم تصفيتها، أو يجري التحقيق بشأن وجود مخالفات بها.
بمرور الوقت، شرع «ييس بانك» في الإبلاغ عن قفزات ضخمة في مستويات الأصول غير العاملة والخسائر بدءاً من عام 2018، في ظل الظروف المثالية، وكان من المفترض أن يسفر الكشف بمعاونة أساليب متطورة عن أي انحراف كبير في الأرقام الفعلية عن الأخرى المتوقعة إلى إطلاق أجراس الإنذار داخل البنك منذ عام 2016 أو حتى قبل ذلك. إلا أن هذا لم يحدث.
جراء ذلك، اصطفت أعداد غفيرة من العملاء خارج فروع «ييس بانك» لدى إعلانه أن العملاء ليس باستطاعتهم سحب سوى 50.000 روبية (678 دولاراً) للفرد الواحد خلال الأيام الـ30 التالية، في الوقت الذي حاول بنك الاحتياطي الفيدرالي وضع خطة إنقاذ للبنك.
المؤكد أن المشكلات التي واجهها «ييس بانك» لا تقتصر عليه. وتكشف مشكلة الديون الرديئة المتفاقمة وجود مشكلات أعمق داخل صناعة الاقتراض، بدءاً من قطاع الطاقة إلى العقارات إلى المؤسسات المالية غير البنكية.
بطبيعة الحال، فإن استمرار عجز العديد من الشركات عن سداد ديونها دفع الكثير منها نهاية الأمر نحو الشروع في إجراءات الإفلاس، ما يعني أن جهات الإقراض كانت الأشد تضرراً.
في تلك الأثناء، تعكف الجهات الرقابية في الوقت الراهن على تحديد كم من الديون التي يتحملها «ييس بانك» جاءت نتيجة إجراءات إقراض متهورة وجشع من جانب الشركات أو فساد.
من جهته، ألقي القبض على رانا كابور، مؤسس «ييس بانك»، بتهمة التورط في جرائم احتيال ونصب مرتبطة بالبنك. وفي محاولة لتعويض المستثمرين والمودعين المتعاونين مع «ييس بانك»، كشف بنك الاحتياطي الهندي النقاب عن مسودة خطة يشارك بها البنك المركزي الهندي، وفي إطارها يشتري 49 في المائة من أسهم «ييس بانك». وأقرت السلطات الهندية موعداً نهائياً غايته 30 يوماً لإنجاز عملية الإنقاذ. وحث بنك الاحتياطي الهندي المودعين على عدم الذعر، مؤكداً على أن «مصالح المودعين بالبنك ستجري حمايتها بصورة كاملة». وبذلك، سيطر البنك المركزي الهندي على رابع أكبر جهة إقراض خاصة بالبلاد، وتولى كذلك قيادة خطة الإنقاذ الرامية للحيلولة دون فقدان الثقة في النظام المصرفي بالبلاد. وأعلن بنك الاحتياطي الهندي أنه «ليس أمامه بديل» سوى السيطرة على البنك، واستبدال مجلس إدارته وفرض قيود مؤقتة على سحب الأموال منه.
وتثير أزمة «ييس بانك» في الأذهان الأزمة التي تعرض لها بنك بارز آخر، «بنجاب ماهاراسترا بانك»، المعروف اختصاراً باسم «بي إم سي بانك»؛ في سبتمبر (أيلول) 2019، اكتشف بنك الاحتياطي الهندي أن «بي إم سي بانك» خلق حسابات وهمية، وحاول التمويه على قروض رديئة بالاعتماد على 21000 حساب زائف، الأمر الذي أثار ذعر المودعين والمستثمرين ومسؤولين حكوميين.
ووقف «بي إم سي بانك»، المصنف بين أكبر 10 مصارف تعاونية في الهند، على حافة الإفلاس، ما عرض المودعين لديه لخطر داهم. كان البنك قد قضى أكثر عن ثلاثة عقود في تقديم خدمات مالية إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة من تجار وصغار مزارعين ونساء عاملات ومديرين وتجار تجزئة صغار. وعانى البنك مشكلات خطيرة بسبب سياسات الإقراض الفاسدة التي انتهجها، وكذلك شركة «هاوسينغ ديفلبمنت إنفراستركتشر ليمتد»، تضمنت تزييف سجلات وخلق 21049 حساباً زائفاً من أجل «حماية سمعة البنك».
وبلغت الأزمة التي ضربت سمعة البنوك حداً أجبر بنك الاحتياطي الهندي على إصدار بيان في الأول من أكتوبر (تشرين الأول)، حاول خلاله إعادة طمأنة الجماهير بأن «النظام المصرفي الهندي آمن ومستقر، وأنه ليس هناك ما يستدعي الشعور بالذعر بسبب مجرد شائعات»، وذلك في واحدة من التعليقات النادرة التي يصدرها البنك.
من ناحية أخرى، كانت الهند ترزح تحت تداعيات أزمة سيولة سببتها حالة شبه انهيار وقعت منذ أكثر عن عام لـ«إنفراستركتشر ليسينغ آند فايننشال سيرفيسز ليمتيد»، واحد من أكبر بنوك الظل على مستوى البلاد، الذي يعتبر مسؤولاً عن جزء كبير من عمليات إقراض المستهلكين.
وبسبب تردد البنوك بعد ذلك إزاء تقديم قروض، تفاقمت مشكلات الاقتصاد الهندي الذي يعد ثالث أكبر اقتصاديات آسيا، وتباطأت وتيرة النمو للربع السابع على التوالي قبل أن يترفع على نحو طفيف ليحقق 4.7 في المائة خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من عام 2019.
وتركت هاتان الأزمتان الأخيرتان بقطاع البنوك ندبات مالية عميقة، وأضرت بالكثير من المودعين، وأثارت حالة من الذعر في صفوف الملايين غيرهم عبر مختلف أرجاء البلاد، بغض النظر عن البنك الذي يتعاملون معه.
أما العائد على الاستثمارات، فقد انكمش إلى الحضيض خلال السنوات القليلة الماضية، وذلك عبر جميع القطاعات الاستثمارية تقريباً. من جهته، أشار تقرير صادر حديثاً عن مؤسسة «غولدمان ساكس» إلى الفترة بين يناير (كانون الثاني) ويوليو (تموز) 2019 باعتبارها أطول فترة تباطؤ في تاريخ الاقتصاد الهندي.
جدير بالذكر أن بعض الأصوات المخضرمة بالمجال الاقتصادي رصدت مؤشرات تبعث على القلق بخصوص «إنفراستركتشر ليسينغ آند فايننشال سيرفيسز ليمتيد» و«ييس بانك»، قبل وقوع الأزمة الفعلية بثلاث أو أربع سنوات. والواضح أنه كان يتعين على بنك الاحتياطي الهندي التحرك في وقت أكثر تبكيراً حيال مثل تلك المؤسسات، بجانب أنه كان يتعين عليه فرض سيطرة أكبر على التفاعلات داخل النظام المصرفي. تجدر الإشارة هنا إلى أنه على امتداد فترة طويلة للغاية عمد البنك المركزي الهندي إلى تصوير نفسه باعتباره مؤسسة تعنى بصياغة السياسات النقدية ومراقبة التضخم، وليس مؤسسة مهمتها مراقبة عمل البنوك، وتنظيمه، بل وطلب بعض محافظي البنك المركزي إعفاءهم من مهمة الإشراف على جهات الإقراض. ومع هذا، تظل الحقيقة أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يضم في عضويته مديرين من مجالس إدارات جميع البنوك، ويضم كذلك قسماً كاملاً مخصصاً للإشراف على العمليات البنكية. وحتى يجري تغيير هذا النظام، لا يبدو أمام بنك الاحتياطي الهندي بديل عن التدخل، وبقوة.



الاقتصاد الألماني يخشى «ضربة محتملة» من ترمب

ترام يسير في أحد شوارع مدينة هامبورغ الألمانية (د.ب.أ)
ترام يسير في أحد شوارع مدينة هامبورغ الألمانية (د.ب.أ)
TT

الاقتصاد الألماني يخشى «ضربة محتملة» من ترمب

ترام يسير في أحد شوارع مدينة هامبورغ الألمانية (د.ب.أ)
ترام يسير في أحد شوارع مدينة هامبورغ الألمانية (د.ب.أ)

قال رئيس البنك المركزي الألماني يواكيم ناغل، يوم الجمعة، إن اقتصاد ألمانيا سينكمش للعام الثاني على التوالي هذا العام، وسيكون تعافيه باهتاً، وربما يتفاقم بسبب حرب تجارية مع الولايات المتحدة.

وتعاني ألمانيا، أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، منذ سنوات، منذ أن فقد قطاعها الصناعي القوي القدرة على الوصول إلى الطاقة الروسية الرخيصة، وأيضاً مع تضاؤل ​​شهية الصين للصادرات الألمانية.

ومن المتوقع الآن أن يشهد الاقتصاد الألماني ركوداً خلال أشهر الشتاء ثم يتعافى بأبطأ وتيرة ممكنة؛ حيث سيكون الارتفاع المتوقع في الاستهلاك الخاص أقل ما كان مرتقباً، وقد يضعف سوق العمل أكثر وتتعافى استثمارات الأعمال ببطء.

وقال ناغل: «الاقتصاد الألماني لا يكافح فقط الرياح الاقتصادية المعاكسة المستمرة، ولكن أيضاً المشاكل البنيوية. كما تستجيب سوق العمل الآن بشكل ملحوظ للضعف المطول للنشاط الاقتصادي».

ويتوقع البنك المركزي الألماني الآن انكماش الاقتصاد الألماني بنسبة 0.2 في المائة هذا العام، بعد أن توقع في يونيو (حزيران) توسعاً بنسبة 0.3 في المائة، بينما تم خفض توقعات النمو لعام 2025 إلى 0.2 في المائة من 1.1 في المائة سابقاً.

ولكن حتى هذه الأرقام قد تكون مفرطة في التفاؤل، كما حذر البنك، نظراً للتهديدات الناجمة عن الحمائية المتزايدة والصراعات الجيوسياسية وتأثير التغيير الهيكلي على الاقتصاد الألماني.

وأضاف البنك المركزي الألماني أن محاكاة الرسوم الجمركية المتزايدة المتوقعة من إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، تظهر أن الولايات المتحدة ستعاني من أكبر ضربة للنمو، ولكن ألمانيا ستخسر أيضاً ما بين 1.3 و1.4 في المائة من الناتج حتى عام 2027، وقد يرتفع التضخم أيضاً بسبب هذه التدابير.

وقال البنك المركزي الألماني إن التضخم سيرتفع بنسبة 0.1 إلى 0.2 في المائة سنوياً حتى عام 2027 بسبب سياسة الحماية التي ينتهجها ترمب، لكن نموذج المعهد الوطني للاقتصاد القياسي العالمي توقع انخفاضاً بنسبة 1.5 في المائة العام المقبل، و0.6 في المائة في عام 2026. وقال البنك المركزي الألماني: «المخاطر التي تهدد النمو الاقتصادي حالياً تميل إلى الجانب السلبي، والمخاطر التي تهدد التضخم تميل إلى الجانب الإيجابي»، مضيفاً أن الانتخابات الفيدرالية الألمانية في الأشهر المقبلة قد تغير التوقعات المالية.

وهذا الضعف المستمر هو أحد الأسباب الرئيسية وراء خفض البنك المركزي الأوروبي لأسعار الفائدة يوم الخميس، والتلميح إلى المزيد من التيسير في المستقبل، مع تراجع مخاوف التضخم إلى حد كبير وتحول التركيز نحو النمو.

لكن البنك المركزي الألماني ليس مستعداً بعد لإعلان الفوز في معركة التضخم؛ حيث قال يوم الجمعة إن تضخم أسعار المواد الغذائية قد يقفز، وإن تضخم الخدمات سيظل مرتفعاً، مما يبقي الزيادات في الأسعار أعلى من متوسط ​​منطقة اليورو.

وفي غضون ذلك، أظهرت البيانات يوم الجمعة تراجع الصادرات الألمانية على نحو ملحوظ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وأعلن مكتب الإحصاء الاتحادي في فيسبادن أن الصادرات انكمشت في أكتوبر بنسبة 2.8 في المائة مقارنة بسبتمبر (أيلول) السابق عليه، إلى 124.6 مليار يورو. كما انخفضت الصادرات بنفس النسبة على أساس سنوي.

وانخفضت الصادرات إلى الولايات المتحدة، أكبر سوق للصادرات الألمانية، بنسبة 14 في المائة على أساس شهري لتصل إلى 12.2 مليار يورو. وفي الوقت نفسه، انخفضت الصادرات الألمانية إلى الصين بنسبة 3.8 في المائة. وفي التجارة مع دول الاتحاد الأوروبي، انخفضت الصادرات الألمانية بنسبة 0.7 في المائة.

وكتب كبير الاقتصاديين في مصرف «في بي»، توماس جيتسل، أن بداية الربع الأخير من عام 2024 لا تبشر بالخير مع الانخفاض الذي سجلته الصادرات في أكتوبر الماضي، وأضاف: «حتى لو كان الانخفاض الكبير في الصادرات إلى الولايات المتحدة يتعلق على الأرجح بالطلبيات الكبيرة، فإن التراجع يعطي لمحة عما يمكن أن يحدث في حالة حدوث نزاعات جمركية كبيرة مع الولايات المتحدة».

وتسببت المنافسة المتزايدة في الأسواق العالمية من الصين، على سبيل المثال، فضلاً عن مشكلات هيكلية في الصناعة الألمانية، مثل ارتفاع تكاليف الطاقة والأعباء البيروقراطية الكثيرة، في إنهاك ألمانيا بوصفها دولة تصديرية لفترة طويلة. وكانت الصادرات قد انخفضت بالفعل في سبتمبر الماضي.

وانخفضت الواردات إلى ألمانيا بنسبة 0.1 في المائة في أكتوبر مقارنة بسبتمبر إلى 111.2 مليار يورو. وبالمقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي، كانت هناك زيادة بنسبة 1.7 في المائة. وكان الميزان التجاري إيجابياً عند 13.4 مليار يورو.