تلهيج الفضاء العام

يزعزع أركان النظام الثقافي ذاته وليس النظام اللغوي وحسب

تلهيج الفضاء العام
TT
20

تلهيج الفضاء العام

تلهيج الفضاء العام

عندما تتواصل معنا شركات الهواتف الجوالة أو شركات إيصال الطعام والبريد باللهجة الدارجة عبر الرسائل النصية، فإنها لا تقترح علينا لغة تواصلية مبسطة لتفادي التعقيد وسوء الفهم الذي قد ينشأ بسبب استخدام اللغة العربية المعيارية المقعّدة، بقدر ما تفرض علينا نظاماً لغوياً نفعياً بالدرجة الأولى يتجاهل جماليات اللغة وظلالها التعبيرية، بمعنى الاكتفاء بالبعد الوظيفي للكلمات دون ارتداداتها الدلالية. وهو منحى يقوم في جوهره على الإبدال الثقافي، أي تلهيج الفضاء العام عوضاً عن فصاحة التواصل. ويعود هذا النهج إلى اللحظة التي ابتدعت فيها الفضائيات العربية ذلك الخطاب بأنماط لهجوية محلية مختلفة في إطار تغيير مواضعات إنتاج اللغة التي تعمل عنصراً بنائياً لأي مجتمع. الأمر الذي يزعزع أركان النظام الثقافي ذاته وليس النظام اللغوي وحسب.
اللغة ليست مجرد ألفاظ، بل هي عملية تفكير في المقام الأول تمثل الذات إزاء الوجود، بالنظر إلى كونها أداة لإنتاج المعرفة، لدرجة أن فريديناند دي سوسير يميل إلى الاعتقاد بأن اللسان مؤسسة اجتماعية، على اعتبار أن اللغة هي مستودع خبرات المجتمع الثقافية والدينية والطقسية، وبمجرد تقليص نظام علاماتها والحد من طاقتها الاستعارية تبطل مفاعيلها الفكرية والجمالية. وهذا هو بالتحديد ما تؤديه اللهجات الدارجة في توحشها واستئثارها بالفضاء العام، من حيث تأكيد سلطتها كأداة تفكير وتعبير، أي كغطاء لكل ما يمت للإنسان العربي بصلة، ليس على مستوى إنتاج المعرفة وتلقيها وحسب، بل حتى على مستوى الأداء الفني وما يتداعى عنه من جماليات.
إن الإصرار على استخدام اللهجات الدارجة في البرامج التلفزيونية شكل من أشكال التبشير بصيغة حياتية مغايرة تصل إلى حد الانقلاب على رؤية الوجود، أكثر من كونه مجرد حالة من التباسط اللغوي والاستجابة لشروط لحظة الميديا، لأن هذا الإبدال الثقافي إنما يشي بمشروع ثقافي مجتمعي سياسي تظهر أقل مساوئه في تدمير ما يبنيه النظام التربوي التعليمي. وهذا مجرد عرض بسيط جراء ما يحدث في عمق البناءات الوجدانية والفكرية للفرد والمجتمع، فلكل مجتمع نصوصه الثقافية والسياسية والاجتماعية وعندما تزيد جرعة النصوص المعروضة باللهجة الدارجة عن الحاجة يرتفع منسوب الخطر على السرديات التي تشكل هوية المجتمع.
عندما تخاطب الفضائيات الناس بلهجة دارجة بحجة أنها تقدم خدمة لمشاهدين عاديين ومواطنين وليس لمثقفين، فإنها تتعمد ارتكاب مغالطات مفهومية صريحة، فالخدمات الحياتية اليومية لا تشترط لغة أدبية رفيعة بقدر ما تتطلب لغة تواصلية مفهومة. وهذا ما يعزز المقاصد الاستهلاكية في تعميم اللهجات الدارجة، باعتبارها أداة غرائزية تجيد التعامل مع نداءات الحواس، كما يبدو ذلك على درجة من الوضوح في الإعلانات التجارية المصممة بإغواء بصري وبلغة محكية ذات وقع سحري يتقن تدبيره خبراء في التأثير على المتلقي. فهي لغة تعتمد على محاكاة لغة الشارع ومباسطات المجالس، وأبعد ما تكون عن لكنة الكتب والتماعات الثقافة أو عناوين الحياة الكبرى الآخذة بالتساقط على إيقاع صعود اللهجات ذات المرامي الاستهلاكية.
النخبة تتعرض للإماتة بأشكال وأدوات مختلفة، وفي هذا السياق يمكن التعامل مع ظاهرة تلهيج الفضاء العام. يساعدها في ذلك وسائط الميديا المحتلة بما بات يُعرف بالإنسان الرقمي الذيِ يميل إلى الترفيه والتسلية وإطلاق التعليقات اللامسؤولة عوضاً عن إنتاج الثقافة، وذلك لا يمكن أن يتأتى إلا داخل اللغة باعتبارها ركناً من أركان الجهاز المفاهيمي للفرد، وهي هنا في هذا المقام مجرد لهجة غير منضبطة على أي مستوى نحوي أو بلاغي أو حتى أخلاقي. وذلك في ظل وجود هوس بأن يتحول كل فرد إلى صانع رسالة وعدم اكتفائه بموقع المتلقي، وهؤلاء هم للأسف الذين تستقطبهم شركات الخدمات والفضائيات لتقديم خدمات التواصل سواء مذيعين لبرامج الاستعراض الخفيفة أو مخلّقين لرسائل التواصل مع العملاء، وهو الأمر الذي يحبس الفرد في دوامة اليومي بكل حمولاته الأدائية.
خفة الرسالة المفرغة من مكنوناتها الثقافية، المحمولة على خطاب لهجوي، لا تعكس هشاشة المؤسسة أو المرسل الذي دفعها في الفضاء العام وحسب، بل تشير إلى رداءة الوسائل وبؤس التلقي، حيث تشكل هذه الدائرة نظاماً ثقافياً محكم البناء يتخذ من اللهجة الدارجة أداته لتسطيح الإحساس بالوجود، خصوصاً تلك الرسائل المراهنة على الأبعاد الحسّية، التي تتعامل مع اللهجة من دون ضوابط أخلاقية، حيث لُوحظ ذلك التمادي في منظومة من الرسائل ذات المضامين والإيحاءات الجنسية؛ سواء في إعلانات الشوارع أو في خطاب الشاشات، وهو أمر متوقع لأن اللهجة تعمل في الخطابات السردية بمفهوم باختين بمثابة لغة القاع الاجتماعي، وهو المحل الذي تنطمس فيه كل وسائل التشفير. وهذا هو ما حدث بالفعل عندما نُقلت لغة القاع عبر قنوات الحداثة وما بعدها إلى مجمل منصات التواصل.
محاولة الحد من ظاهرة تلهيج الفضاء العام ليست ضرباً من ضروب إرهاب الطليعة، بقدر ما هي مراودة لفحص فحوى وشكل التبليغ الجمالي، بما هو الأُس الذي يقوم عليه أي نظام ثقافي، فالعالم ينبني بالكلمات المحقونة بالمعاني بالقدر ذاته الذي يتأسس فيه على الماديات. وبالتالي فإن هذه الكلمات التي تُنسج بها النصوص السياسية والاجتماعية والدينية والأخلاقية، تتجاوز كونها مجرد مصفوفات لفظية إلى أفق التفكير في الوجود وبنائه. وعليه يمكن تصور شكل وهوية المجتمع الذي يحتكم إلى لهجة منفلتة من كل الالتزامات ومتخففة من أي إرادة بنائية، وهذا هو بالتحديد ما يفسر مراودات الذات المستنقعة في النظام اللهجوي الجديد بتدمير كل معاني الحياة وإعلاء قيم الاستهلاك والسخرية المعلنة من كل ما هو جاد وبليغ ورصين، لأن هذه الذات المضطربة مكثت أكثر مما ينبغي في معبد النظام الثقافي المستخف بالحياة، وصارت تفكر داخل تلك اللهجة المسطحة وبها.
الآيديولوجيا أيضاً بما هي إحدى ركائز النظام الثقافي القديم، وما يتداعى عنها من عناوين قومية كبرى صارت تتفكك في متوالية الإماتات المعلنة، وهكذا جاءت الميديا وعبر توحش اللهجات لتقضي على ما كان يُعرف سياسياً باللغة المتخشبة، حيث صارت الخطابات السياسية للزعماء والمحللين والمفكرين تؤدى على الملأ بشعبوانية قوامها اللهجة الدارجة. بمعنى الاتكاء على لغة/لهجة تبسيطية قادرة على تسطيح كل شيء كالأفكار والعلاقات والأحاسيس وحتى الأحلام حد تفريغها من معانيها، والارتداد بالوعي إلى درجة الصفر، حيث الكلام الذي يتموضع في مرتبة أقل من اللغة بالمفهوم الفلسفي، وذلك عبر خديعة المشاركة التي تضع الفرد في حفلة جماعية صاخبة من دون عمق ولا فرادة. وبهذا تنتفي عن اللغة في بعدها اللهجوي كونها رؤية أو فعل تسمية لا تقبل الحياد إزاء الوجود.
هكذا يبدو تلهيج الفضاء العام عرضاً من أعراض ارتدادات ما بعد الحداثة، حيث التعامل مع كل ما هو فلكلوري أو شعبي كمنتج ثقافي، لدرجة الإقرار بثقافية السوقي. وهو أمر يبدو على درجة من الوضوح في الاعتراف بشقي القاموس لكل اللهجات: المتحضر الذي يحيل إلى المكانة الاجتماعية للمتكلم والمستقبل، وكذلك السوقي الذي يشير إلى الشيء ذاته، ولكن بكلمات ذات مدلول تعبيري محدود ومباشر حد الفجاجة. بمعنى حضور الذات عبر تمثيلات ذهنية سطحية تؤكد الاستلاب اللغوي، كأن هذه الذات لا تمتلك ما يستحق أن تشارك به الآخرين، وبذلك يتقلص عندها دور اللغة إلى مستوى اللهجة. أجل، اللهجة التي تخلق حقلها الدلالي المسطح لتلبي حاجات الفرد الأولية.
- ناقد سعودي



سعاد الصباح تشكّل عصابة مع الفراشات... ورواية تاج السر قهرت الشعر

العدد الجديد من مجلة «الإيسيسكو»
العدد الجديد من مجلة «الإيسيسكو»
TT
20

سعاد الصباح تشكّل عصابة مع الفراشات... ورواية تاج السر قهرت الشعر

العدد الجديد من مجلة «الإيسيسكو»
العدد الجديد من مجلة «الإيسيسكو»

انفرد العدد الجديد من مجلة «الإيسيسكو» الثقافية الفصلية (أبريل/ نيسان 2025) بإجراء حوار مع الشاعرة الكويتية الشيخة سعاد الصباح، كما حلّ الروائي السوداني الدكتور أمير تاج السر ضيفاً على هذا العدد، بينما اختتم الكاتب المعروف واسيني الأعرج صفحات المجلة بمقاله: «أصحابٌ ورقيون خالدون»، إلى جانب كثير من المواد المتنوعة في مجالات التراث، واللغة العربية، والخط، والمخطوط، والشعر، والفنون، والآداب... وغيرها.

وبين كل هذه المواد تناثرت قصائد الشعراء والمختارات المتفرقة من قوائم «الإيسيسكو» للتراث في العالم الإسلامي، والمقالات النوعية لكتاب هذا العدد من المجلة، الذين أثروها بمباحثهم النقدية ودراساتهم الرصينة.

حوى ملف «الخط العربي» دراسة عن «الخط العربي... الأصول والجماليات»، وملخصاً لكتاب «أنواع الخط»، ودراسة عن «تهجير المخطوطات». ونالت المرأة نصيباً مقدراً في العدد بمقال عن «المرأة السعودية بين فترتين»، ودراسة عن «نساء الأندلس... صانعات الحضارة وحافظات القيم»، وموضوع «النسوية في الإسلام»، وبمقال نقدي بعنوان «الأنا الشاعرة... نداء الأنوثة» الذي عرض لثلاث تجارب شعرية نسائية.

كما ضم العدد 3 قصائد لمدير عام «الإيسيسكو»، وللدكتور الشاعر عبد العظيم محمد أحمد، وللشاعرة سمية اليعقوبي، بالإضافة إلى كثير من الموضوعات ذات الصلة بمجالات عمل «الإيسيسكو» الثقافية والتربوية والعلمية.

مقابلة مع الشاعرة سعاد الصباح ضمن العدد الجديد من مجلة «الإيسيسكو»
مقابلة مع الشاعرة سعاد الصباح ضمن العدد الجديد من مجلة «الإيسيسكو»

سعاد الصباح: «عصابة مع الفراشات»

في الحوار الذي أجرته معها رئيسة التحرير، الشاعرة روضة الحاج، قالت الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح بشأن مدى رضاها عن مشوارها الأدبي، إنها قطعت مشواراً «مفروشاً بالشوك... بكثير من الشوك، اضطررتُ فيه إلى أن أشكّل مع الفراشات عصابة... لنُشهر التمرد، ولتعلن الورود غضبها وثورتها واحتجاجها... وهذا ما لا يرضي الإقطاعي (شهريار) الذي يريد أن تكون مقاليد حياة المرأة بين يديه؛ يحب متى شاء ويقتل متى شاء...».

وأضافت: «مشوارٌ طويلٌ... فيه كثير من الأحلام تقافزت أمامي مثل الأرانب البرية... فاصطدت بعضها، وزهدت في بعضها، وهرب مني بعضها الآخر... وقد رضيت بما كتب الله لي، وسعيدة بجهدي».

أما رؤية الشاعرة الكويتية لمسيرة المرأة الشاعرة الآن، فقالت عنها: «سعيدة جداً بالمستويات المتفوقة التي تحققت، وكُوّة النور التي ثقبناها في الجدار الإسمنتي... وحزينة جداً على الانجراف العالمي تجاه تمييع قضايا الفضيلة... عبر تسليع المرأة واستغلالها بشكل استهلاكي».

وقالت: «آمنت بأن المرأة خالدة في ثنايا اللغة وفي أعصابها، تمدّها بالحياة وبالرّبيع، فالمرأة كانت - وستظلّ - قلب هذا الجسد الأدبيّ الفاتن، رغم إهمال الحضور النّسائيّ في الشّعر العربيّ خصوصاً، والأدب العربيّ عموماً... فاللغة أنثى كما هي الحضارة والحياة... والغيمة والفرحة والقصيدة، ودون أنوثةٍ تفقد اللّغة خصوبتها وبقاءها وتناسلها ونعومتها».

وأضافت: «محاولات إقصاء المرأة تاريخياً، أوجدت عقليات فذة تجادل بعلم، وتعمل بإخلاص...

يقولون:

إنّ الكلام امتياز الرجال...

فلا تنطقي!!

وإنّ التغزّل فنّ الرجال...

فلا تعشقي!!

وإنّ الكتابة بحر عميق المياه

فلا تغرقي...

وها أنا ذا قد عشقت كثيراً...

وها أنا ذا قد سبحت كثيراً...

وقاومت كلّ البحار ولم أغرق...

يقولون:

إني كسرت بشعري جدار الفضيلة

وإن الرجال هم الشعراء

فكيف ستولد شاعرة في القبيلة؟؟

وأضحك من كل هذا الهراء

وأسخر ممن يريدون في عصر حرب الكواكب...

وأد النساء...

وأسأل نفسي:

لماذا يكون غناء الذكور حلالاً

ويصبح صوت النساء رذيلة؟

تاج السرّ: «الشعر لا ينهزم تماماً... بل يبقى... يطل برأسه بين حين وآخر»
تاج السرّ: «الشعر لا ينهزم تماماً... بل يبقى... يطل برأسه بين حين وآخر»

أمير تاج السر: الرواية قهرت الشعر عندي

في الحوار الثاني الذي أجرته روضة الحاج، مع الروائي السوداني أمير تاج السر، سلط الضوء على مسيرته منذ تقاسمه شمال السودان وشرقه في طفولته وصباه؛ وتشكلت ثقافته من مزيجين ثقافيين مختلفين إلى حد ما، فلكل بيئة مزاجها وخصوصيتها؛ ثم انتقاله إلى مصر ليدرس المرحلة الجامعية في مدينة طنطا، ليعود بعدها طبيباً متنقلاً في «مناطق الشدة» كما يطلق على الأطراف النائية والبعيدة في السودان، ثم استقراره أخيراً في العاصمة القطرية الدوحة بعد أن اختار أن يتخصص في الطب الباطني... وهو ترحال منحه ثراء لغوياً ومعرفياً وثقافياً، وأغنى عوالمه الإبداعية بعناصر مدهشة، وأضاف لقدراته السردية والتخيلية الكثير.

ربطته صلة قربى وثيقة بعبقري الرواية العربية الطيب صالح (خاله شقيق والدته) وإن كان كثير من النقاد يراهما من مدرستين مختلفتين، ولكن «أنَّى لروائي سوداني أن ينجو من سحر الطيب صالح» كما تقول روضة الحاج.

في إجابته عن سؤال بشأن غزارة عطائه المتصل الذي يتجاوز الثلاثين كتاباً، وكذلك التنوع في موضوعات القص، وتعدد تقنيات الكتابة دون تفريط في البصمة الخاصة به، أجاب أمير تاج السرّ: «أنا كنت أكتب في البداية بالنفَس الشعري، ثم حاولت أن أخفف حتى عثرت على صيغتي الخاصة، ابتداءً من رواية (مهر الصياح - 2002)، وأصبح لي نهجي في الأسلوب والتناول، وهكذا أنتجت نصوصاً تتبع الأسلوب نفسه في الغالب، مع وجود أفكار مختلفة. كل نص جديد أكتبه، هو نص قائم وحده، ليست لديّ تداخلات بين النصوص، ولا امتدادات للشخصيات، ولا أحب؛ أو لم أحاول كتابة ثنائيات أو ثلاثيات، تمتد فيها الأحداث والشخوص، النص عندي ينتهي بانتهاء ما أردت كتابته، حتى لو كان قصيراً، لا يهم».

أما عن غزارة الإنتاج، فقال: «أنا أكتب وفق مشروع مستمر، ومتى ما عثرت على فكرة جيدة، وبداية تعجبني، كتبت... بعضهم يقولون هذا كثير، لكن بالنسبة إليّ هذا شيء عادي، واعتدت الكتابة بهذه الطريقة».

وفي إجابته عن انفكاكه من أَسْر الشعر وانتقاله نحو السرد، أجاب: «نعم، في الماضي كان الشعر قوي الشخصية، يوثق أي شاعر إلى حباله المتينة، لذلك نجد كثيراً من الشعراء عاشوا وماتوا شعراء، وحتى الذين كتبوا منهم رواية، لم تكن روايتهم تشكل محوراً في حياتهم. نزار قباني مثلاً، ومحمود درويش، والبياتي... وكثيرون، عُرفوا بصفتهم شعراء فقط، ولم يتطلعوا إلى أي نشاط إبداعي آخر. في جيلي كان الأمر كذلك إلى حد ما، وهناك شعراء بدأوا معي أو قبلي قليلاً، استمروا مخلصين للشعر، رغم اهتزاز مكانته... أنا أختلف، فقد كنت حكّاء في المقام الأول، وأحب الحكايات جداً، وحتى قصائدي كانت فيها حكايات وشخوص، ولم أتردد مطلقاً».

وأضاف: «خضت مغامرة كتابة الرواية مبكراً، وتمنيت أن تستمر مع الشعر، لكنها قهرت الشعر عندي، واحتلت الذهن. لكن الشعر، مع ذلك، بقي حتى الآن، فأنا أستخدمه في لغة الرواية، وأيضاً أكتب نصوصاً شعرية داخل الروايات حين يقتضي الأمر، وأحياناً أكتب قصائد أنشرها في صفحتي على (فيسبوك) وفي منصة (إكس)، وهكذا نستطيع القول إن الشعر لا ينهزم تماماً، بل يبقى؛ يطل برأسه بين حين وآخر».