مشاعر فنية عن العمود الفقري والصبر في «محاولات البقاء»

أكاديمية وتشكيلية مصرية تقدم تجربة لافتة

أمنية محمد سيد بين لوحتين تحاكيان العمود الفقري فنياً (الشرق الأوسط)  -  لوحة العمود الفقري أول عمل رسمته بعد الحادث (الشرق الأوسط)
أمنية محمد سيد بين لوحتين تحاكيان العمود الفقري فنياً (الشرق الأوسط) - لوحة العمود الفقري أول عمل رسمته بعد الحادث (الشرق الأوسط)
TT

مشاعر فنية عن العمود الفقري والصبر في «محاولات البقاء»

أمنية محمد سيد بين لوحتين تحاكيان العمود الفقري فنياً (الشرق الأوسط)  -  لوحة العمود الفقري أول عمل رسمته بعد الحادث (الشرق الأوسط)
أمنية محمد سيد بين لوحتين تحاكيان العمود الفقري فنياً (الشرق الأوسط) - لوحة العمود الفقري أول عمل رسمته بعد الحادث (الشرق الأوسط)

يستسلم «العمود الفقري» بتعقيداته التشريحية أمام رؤى «أمنية» الفنية، فهي تجعل منه ساقاً يحمل زهرة حمراء يافعة على وشك إنبات مزيد من البراعم المُلونة والأوراق الخضراء، أو تُنبت له جناحين كأنه على وشك الانطلاق الحُر الوشيك، في كل الأحوال، فإن العمود الفقري حاضر دوماً في مشروع أمنية الفني، والسبب أنه «هو الذي تتحدث عنه كل يوم، وتُفكر فيه طول الوقت، هو الجزء الذي اختلط فيه الإحساس بالألم والأمل، الإحساس واللا إحساس، العظم والحديد، كل يوم ينبت فيه أمل ودعوات».
بدأ كل شيء قبل أكثر من ثلاث سنوات، حينها كانت أمنية محمد سيد، طالبة واعدة في كلية الفنون الجميلة جامعة حلوان بمصر، أعدّت مشروع تخرجها آنذاك عن التناول الفني لمصابي «متلازمة داون»، كان دافعها أن تظهر أن وراء الخطوط والألوان، التي تبدو للبعض «شخبطة»، كثيراً من الانفعالات والشحنات العاطفية والإنسانية، «أردت أن أبحث عنهم فيما بين النقاء الخالص والنبذ المُجتمعي»، حسب وصفها.
قادها تفوقها إلى أن يتم تعيينها مُعيدة في الكلية، واستقرت على موضوع «الحالات الخاصة في فن التصوير»، ليكون موضوع رسالتها للماجستير، واختارت محور الرسالة التي تدور عن تناول الفن للحالات الخاصة في الحضارات القديمة، كالأقزام مثلاً ومبتوري الحروب، مروراً بفصل حول الفنانين الذين اضطرتهم الظروف القدرية لممارسة الفن، وهم مُصابون، منهم الفنانان الفرنسيان رينوار الذي تأثرت يده في آخر سنواته الفنية، وماتيس الذي جلس فترة على كرسي متحرك، وكذلك الأسطورة المكسيكية فريدا كاهلو التي تعرضت لحادث أجلسها على كرسي متحرك، وكانت ترسم عليه أعظم أعمالها.
ولم تكن أمنية، الفتاة العشرينية، تعلم أن قدرها الشخصي سيلحقها بدراما مُلهمي رسالتها للماجيستير، حيث تعرضت لحادث كبير أدى لإصابات بالغة أقعدتها عن الحركة؛ تنقلت بين غرف الجراحة، والعلاج الطبيعي، وجاءها في هذا الوقت اتصال من أستاذها الفنان الدكتور رضا عبد السلام، يحثها فيه على النهوض ومواصلة الرسم، «سأذكرك أنكِ ستكونين فريدا كاهلو مصر» هكذا قال، وهي العبارة التي ظلت تؤنس أمنية وهي تتنقل بين غرف الجراحة والعلاج الطبيعي، تتذكر: «تأثرت وقتها أعصاب يدي، ومن ثم القدرة على الرسم لفترة طويلة، وكانت لدي رهبة كبيرة من أن أعود للرسم من جديد».
كانت صدمتها الأولى بعد علمها بضعف احتمال قدرتها على الحركة من جديد، وظلت نظرة الطبيب الذي نقل لها خبر عدم قدرتها على السير لا تفارقها ونقلتها في لوحاتها، وكذلك كلمته «أنت تحتاجين صبراً»، وكرر كلمة الصبر أكثر من مرة، وظلت هذه الكلمة أيضاً مركزاً لحياتها الجديدة.
بدأت أمنية برسم العمود الفقري، استلهمت تفاصيل إصابته، وقامت بمُحاكاته فنياً، أنبتت على رأسه وردة، وكانت هي نُواة مشروعها الذي عملت عليه على مدار عامين، وأطلقت عليه «محاولات البقاء الخمس»، وعرضته في كلية الفنون الجميلة بحي الزمالك أخيراً، الذي تتمنى أن يعرض للجمهور بأحد الغاليرهات العامة خلال الفترة المقبلة، ويضم أعمالها التي تشهد على محاولاتها للبقاء والصمود، ويضم المشروع عدة محاور، أولها «مقامات الصبر الخمسة»، مفتاحه كلمة «الصبر» نص نصيحة الطبيب لها، وقادتها الكلمة لتأملات طويلة وصلت بها إلى نبات الصبار، تقول «قمت بزيارة حديقة للصبار، تأملته كرمز للصبر، قوة التحمل، وجدت فيه عنصراً غنياً للتشكيل، رغم عزوف الكثيرين عن رسمه، ورأيته غنياً بالجماليات، فصار ركناً من أركان مشروعي».
جعلت أمنية مقامات الصبر والصبار علامة على محطات رحلتها مع الألم، الأولى لوحة أطلقت عليها «القدر»، والثانية «الحلم» التي تدور في العناية المركزة، والثالثة «ليلة بكى فيها القمر»، والرابعة «عُزلة» عن عزلة العلاج الطبيعي والاكتئاب، وأخيراً «اكتمال القمر»، وهي جميعاً مراحل رحلتها.
تقول أمنية: «اللوحات الخمس تتغير في كل منها رمزية الصبار، ففي واحدة منها التي تُعبر عن أشد مراحل الرحلة، كنت أنا نفسي نبتة الصبار، مرشوقة بالمسامير، في رمزية للمسامير التي تم تركيبها في ظهري، ومن خلفي مُربعات كأنها سقف المستشفى التي لم أكن أرى غيرها لشهور طويلة وأنا راقدة على سرير لا أملك غير النظر للسقف، ويُطل في اللوحة وجه الطبيب والقمر دموي أحمر، لذلك أطلقت عليها اسم (ليلة بكى فيها القمر)، لأن هذه كانت أول ليلة أبكي بها منذ بداية الحادث، وهي الليلة اللي قال لي فيها الطبيب عن نصيحته لي بالصبر، وغادر بقلب بارد، عندها فهمت وبكيت طويلاً».
يضم المشروع أيضاً أعمالاً مستوحاة من العمود الفقري، وقسماً آخر يضم بورتريهات ذاتية لها، وعرضت هذه البورتريهات في «صالون الشباب» في دورته الأخيرة، وحازت به «جائزة الفيديو آرت والفنون التفاعلية»، بمشاركة زميلتها فاطمة الزهراء سامي، تقول عنها «رسمت نفسي والتغيرات التي حلّت في ملامح وجهي بعد الأزمة»، وبه تُطل بوجوه متعددة بين ظلال الأبيض والأسود، تظهر بندوب متفرقة، واستخدمت وسائط فنية كالخيط في رمز للخيوط الجراحية، وفي بعضها ظهرت بتاج من ورود، في التقاء يمكن به الاقتراب من صور فريدا كاهلو الشهيرة التي تظهر فيها عادة بورود كبيرة مُنسقة على رأسها، ولم تكن أمنية تعلم أن اسمها سيرتبط بها بهذا الشكل، بعد أن صار لقباً ملازماً لها بين زملائها من أهل الفن التشكيلي.



موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.