الأرميتاج في «زمن كورونا» يخسر السياح ولا يلغي فعالياته الثقافية

باتت طوابير الزوار الطويلة جداً ظاهرة نادرة في ساحاته

طوابير طويلة من الزوار أمام بوابات الأرميتاج
طوابير طويلة من الزوار أمام بوابات الأرميتاج
TT

الأرميتاج في «زمن كورونا» يخسر السياح ولا يلغي فعالياته الثقافية

طوابير طويلة من الزوار أمام بوابات الأرميتاج
طوابير طويلة من الزوار أمام بوابات الأرميتاج

أعاد ظهور طوابير طويلة من الزوار أمام بوابات الأرميتاج للأذهان الصورة التقليدية التي كانت تتكرر يومياً، وعلى مدار السنة، في تلك الساحة التاريخية الشهيرة، التي يطل عليها هذا القصر - المتحف الشهير في مدينة بطرسبورغ، عاصمة روسيا الثقافية. إذ أثار ظهور حشود كبيرة من الزوار نهاية الأسبوع أمام المتحف، شكلوا طابورين امتد كل منهما 400 متر، اهتمام كثيرين في المدينة وخارجها، ورأى البعض في هذا المشهد «إشارة خير» تبشر بعودة نشاط حركة السياح والزوار إلى طبيعته في تلك الساحة، بعد تراجع وتيرة الحركة فيها خلال الفترة الماضية، حين أصبح الأرميتاج يعمل أيضاً «في زمن كورونا»، الذي حرمه من وفود كبيرة كانت تتدفق إليه يومياً من مختلف دول العالم، وبصورة خاصة من الصين.
وعلى الرغم من عودتها نهاية الأسبوع الماضي، وتحديداً يوم 8 مارس (آذار)، فإن طوابير الزوار لم توفر للأرميتاج دخلاً يعوض فيه خسارته خلال الفترة الماضية، الناجمة عن اختفاء السياح من الصين؛ إذ إن الدخول إلى المتحف ذلك اليوم كان مجانياً، في إطار فعالية أطلقتها إدارته بمناسبة يوم المرأة العالمي، وأعلنت الثامن من مارس يوم «الأبواب المفتوحة» يسمح فيه بالدخول مجاناً، للزوار من الجنسين ومن جميع الفئات العمرية. ولم يمنع الحديث عن تفشي «كورونا» المواطنين الاستفادة من ذلك العرض السخي، والتوجه لزيارة المتحف والتعرف على معروضاته، وما تحمله من دلالات وقيمة تاريخية.
وفي الأيام العادية، خارج المناسبات وفعاليات «الأبواب المفتوحة»، شهدت الآونة الأخيرة تراجعاً في أعداد زوار متحف الأرميتاج، الذي يعد من أكبر وأهم المتاحف التاريخية على مستوى العالم؛ وذلك بسبب القيود التي فرضتها السلطات في أكثر من دولة على حركة السفر، بما في ذلك توصيات السلطات الصينية المواطنين بالامتناع عن السفر خارج البلاد، ومن ثم قرار السلطات الروسية بوقف رحلات المجموعات السياحية من الصين، ومن ثم إغلاق المعابر البرية مع الصين، والذي أدى إلى توقف تام للسياحة بين البلدين. وأكد ميخائيل بيتروفسكي، مدير الأرميتاج، أن تراجع أعداد السياح الأجانب، وبالدرجة الأولى من الصين، أثر بشكل سلبي على إيرادات المتحف.
في الوقت ذاته، أكد بيتروفسكي، أن الوضع الذي خلفه انتشار فيروس كورونا لن يؤثر على خطط المتحف الثقافية، وقال إنه سيتم تنظيم المعارض المعلن عنها سابقاً في وقتها، من دون أن يستبعد احتمال تعديلات على مدتها الزمنية وصيغة العرض وطبيعة المشاركة، لافتاً إلى أن صالات الأرميتاج ستشهد يوم 25 مارس الحالي افتتاح معرض الفنون الكورية بعنوان «الرومانسية والحماسة. الفن المعاصر في كوريا الجنوبية»، في إطار مشروع «نظرة من كوريا 2020». وقال إن ممثلي الجانب الكوري قد لا يتمكنون من الحضور للمشاركة في افتتاح وفعاليات المعرض، لكن مع ذلك «لا ننوي تأجيل أي فعالية. ولا نعلم هل سيأتون أم لا بسبب (كورونا). لكن المعرض مُدرج على جدول الأعمال وسيتم في وقته المحدد». وبالنسبة لمعرض الفنان الصيني تشانغ هوان، المقرر في مايو (أيار) المقبل، قال بيتروفسكي: «سننتظر ونرى كيف يتطور الوضع»، وعبّر عن أمله بأن «تهدأ حالة الهلع بسبب الفيروس»، مرجحاً تنظيم المعرض في توقيته وفق خطة العمل.



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.