هيلاري مانتل: أنا معتادة على رؤية الأشياء غير الموجودة

الروائية البريطانية الفائزة بـ«بوكر» مرتين تكمل ثلاثيتها

هيلاري مانتل
هيلاري مانتل
TT

هيلاري مانتل: أنا معتادة على رؤية الأشياء غير الموجودة

هيلاري مانتل
هيلاري مانتل

حققت روايتا «وولف هول – قصر الذئاب» و«برينغ أب ذا بوديز – أخرجوا الجثث»، وهما الروايتان الأوليان من ثلاثية توماس كرومويل، ملايين النسخ مبيعاً. والآن، تُنهي الكاتبة الحائزة على جائزة بوكر الأدبية مرتين المهمة التي بدأتها بالرواية الثالثة التي تحمل عنوان «ذا ميرور آند ذا لايت – المرآة والضياء». تقول الروائية هيلاري مانتل، التي كانت مهووسة بحياة السياسي الإنجليزي السير توماس كرومويل منذ نعومة أظفارها: «بمجرد الاستماع إلى هذه الأصوات، يبدو الأمر مثل تشغيل جهاز الراديو في الخلفية لمدة 15 عاماً كاملة. إنها لا تتلاشى على الإطلاق».
تعاني هيلاري مانتل من حلم قديم يعاودها باستمرار وتدور أحداثه داخل مكتبة، حيث تعثر على كتاب فيه حفنة من معلومات تاريخية كانت تبحث عنها، ولكن عندما تحاول قراءتها، تتلاشى الكلمات أمام عينيها. وتقول عن ذلك الحلم: «وعندما أستيقظ، أشعر بإيقاع العبارات يرنّ في ذهني، ولكنني أجهل تماماً ما تعنيه تلك العبارة».
إلا أنه على الرغم من تلاشي الشعور بمجرد الاستيقاظ، فإن تلك الأحلام أفادتها كثيراً: «لسوف يكون هناك دائماً أمر يفوق قدرتك على الفهم، ولكن يتعين عليك السعي لبلوغه رغم ذلك. إن كنت تظن أن الرواية هي الأمر بأكمله، فسوف يخبرك الحلم بمدى هشاشة الرواية».
تشعر السيدة مانتل بأنها مقيّدة أو ملزَمة بالحقائق إلى درجة غير اعتيادية بالنسبة إلى امرأة روائية مثلها. ولقد ساهمت تلك المقاربة في مشروعها الأدبي الأخير –الثلاثية التي خرجت في 1800 صفحة حول شخصية السير توماس كرومويل المحامي ورجل الدولة الإنجليزي من القرن السادس عشر. وهي الثلاثية الأكثر تعقيداً من أي عمل آخر قامت به خلال العقود الأربعة الماضية من عمرها في الكتابة والرواية.
تتتبّع الثلاثية، التي بدأتها مانتل في عام 2009 برواية «وولف هول»، صعود توماس كرومويل غير المحتمل، من أصوله الأولى كنجل لحدّاد متواضع وصولاً إلى بلاط الملك هنري الثامن. وتُختتم الثلاثية برواية السيدة مانتل الأخيرة تحت عنوان «ذا ميرور آند ذا لايت - المرآة والضياء»، وهي عبارة عن سرد شيق للسنوات الأربع الأخيرة من حياة توماس كرومويل، حيث يواصل جمع المزيد من الثروات، والنفوذ، والسلطة مع خسارته الأكيدة لأفضلية الملك، ثم فقدانه لرأسه أخيراً.
تحولت هيلاري مانتل إلى شخصية أدبية شهيرة على المستوى الوطني بفضل ثلاثية توماس كرومويل. ولقد حققت الروايتان الأوليان مبيعات بلغت 5 ملايين نسخة مع ترجمتهما إلى أكثر من 30 لغة. وحازت روايتي «وولف هول» لعام 2009 و«برينغ أب ذا بوديز» لعام 2012 على جائزة بوكر الأدبية، مما جعل من السيدة مانتل أول امرأة تحصل مرتين على الجائزة، وأول روائية تفوز بجائزة على رواية التَّتِمّة. ولقد تحولت الروايات إلى مسرحيتين نالتا العديد من الجوائز من إنتاج شركة «شكسبير الملكية» وهيئة الإذاعة البريطانية. وفي عام 2015، منح الأمير تشارلز السيدة مانتل لقب «السيدة الفارسة الحائزة على وسام الإمبراطورية البريطانية»، مما دفع بعض وسائل الإعلام إلى عقد مقارنات صارمة بين أفراد العائلة الملكية في العصر الحديث وبين سلوكيات الغدر والخيانة التي وصمت سمعة أسرة تيودور التي حكمت إنجلترا في القرن السادس عشر، وضمت الملك هنري الثامن الذي قطع رأس السير توماس كرومويل صاحب الثلاثية.
بدأت ثلاثية هيلاري مانتل برواية «وولف هول – قصر الذئاب» في عام 2009، وتلتها رواية «برينغ أب ذا بوديز – أخرجوا الجثث» في عام 2012، لتنتهي برواية «ذا ميرور آند ذا لايت – المرآة والضياء» في العام الجاري.
وطوال مشوار صعودها إلى الصدارة الأدبية، ظلت الروائية هيلاري مانتل بمعزل عن الآخرين. فلم تكن أبداً جزءاً من المحيط الأدبي اللندني، ويبدو أنها تفضّل الحياة مع شخصيات رواياتها التي فارقت الحياة عن كونها شخصية عامة ومعروفة للجميع. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، عاشت رفقة زوجها الجيولوجي المتقاعد غيرالد ماكوين في قرية «بودليه سالترتون» الصغيرة المطلة على ساحل ديفون الشرقي.
ورغم ذلك فهي أبعد ما تكون عن الخجل الشديد. فلقد أثارت السيدة مانتل الجدال أحياناً بسبب مواقفها المبتدعة بشأن العائلة الملكية البريطانية وسياسات البلاد. ففي عام 2013، نشرت الصحف الشعبية جملة من تصريحات قد أدلت بها في محاضرة وصفت فيها دوقة كامبريدج بأنها عارضة أزياء متواضعة بلا شخصية جادة. وبعد ذلك بعام، أثارت غضب الساسة البريطانيين المحافظين وفجرت اضطرابات كبيرة لدى وسائل الإعلام عندما نشرت قصة قصيرة تصوّر حادثة اغتيال مدبّرة لرئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر، على أيدي قناص من الجيش الجمهوري الآيرلندي المعارض.
وقال مديرها الأدبي بيل هاميلتون، الذي وصف القصة القصيرة بأنها مضحكة للغاية وغير ملائمة بالنسبة إليها: «لقد قبعت في منزلها لمدة أسبوع كامل لم تغادره حتى هدأت ثورة الصحافة ضدها تماماً».
وفي الآونة الأخيرة، طوردت السيدة مانتل من الصحافة البريطانية بسبب تأخر نشر الجزء الأخير من الثلاثية، والذي كان من المقرر إصداره الشهر المقبل بعد الإعلان الأول عن نشره في عام 2018، وأثار التأخير عدة تكهنات بأن مانتل تعاني من عقدة الكتابة، أو تشتت انتباهها بسبب الاقتباسات المسرحية والتلفزيونية لمؤلفاتها، أو ربما أنها تماطل في إصدار الجزء الأخير لتعلقه الشديد بواقعة إعدام السير توماس كرومويل الذي تعشقه. بلغت التوقعات الخاصة بالرواية آفاقاً غير مسبوقة، واستشعرت السيدة مانتل الضغوط المتزايدة بشأن الخروج بنهاية للثلاثية تستحق الانتظار.
وقالت الروائية مانتل عن ذلك في حالة من الحيرة وربما التوتر: «السبب وراء الوقت الطويل الذي استغرقه الجزء الأخير يكمن في صعوبته، وهذا تفسير كافٍ تماماً. ولكنّ هذا تفسير لا يحمل أي قيمة إخبارية معتبرة، لذلك يواصل الناس البحث عن قصة مفعمة بالإثارة لتفسير الأمر برمته».
كانت كتابة الجزء الأخير المعنون «ذا ميرور آند ذا لايت – المرآة والضياء»، والذي جاء في 800 صفحة كاملة، هي أطول وأعقد رواية من روايات الثلاثية، وكانت في بعض الأحيان من المهام شديدة القسوة على الروائية مانتل. وفي شهور الكتابة الأخيرة، حافظت السيدة مانتل –البالغة من العمر 67 عاماً وكانت تعاني من آلام وأمراض مزمنة منذ شبابها– على جدول زمني بالغ الصرامة. ولم تكن تعلم بالزخم الذي حازه المشروع الأدبي في الخارج حتى انتهت فعلياً من التأليف. والآن، وبعد انتهائها من الفصل الأخير من قصة السير كرومويل، قالت السيدة مانتل إنها انتهت لتوّها من كتابة قصة تاريخية كبيرة وتعتزم بعد ذلك التركيز على تأليف المسرحيات، وهو المجال الجديد بالكلّية بالنسبة إليها. وهي تغادر الروايات الأدبية بصفة جزئية لأنها تستشعر فقدانها القدرة على تحمل أعباء المشاريع البحثية الكبيرة، وبسبب عدم استطاعتها تصور العثور على شخصية تاريخية أخرى ذات جاذبية وأهمية مثل السير كرومويل تستحق الكتابة عنها.
تقول: «لن أقابل شخصية أخرى تضاهي توماس كرومويل أبداً، إن كنتم تدركون المجال الذي احتله ولا يزال من ضميري وإدراكي. كنت مثل الراهبة في منظومة دينية نذرت نذراً مطلقاً بالصمت الطويل. إنه لأمر عجيب، لأنني كنت أستمع طيلة الفترة الماضية للماضي البعيد، وإنني الآن أتحدث عن مشروع ذي قيمة مادية، وهو شعور بالغ التفاهة والخواء عند المقارنة مع السكون الذي كنت أحياه في كل يوم من السنوات السابقة».
تعد السيدة مانتل مناسبة تماماً لمهمة سبر غور الماضي البعيد وإعادة إحيائه. ومنذ كانت طفلة صغيرة، كانت تنتابها رؤى لمختلف الأشباح والأرواح الهائمة، وقالت عن ذلك: «اعتدت رؤية الأشياء غير الموجودة حولنا»، وذكرت ذلك في مذكراتها بعنوان «التخلي عن الأشباح».
نشأت هيلاري مانتل في أسرة آيرلندية كاثوليكية في هادفيلد، وهي قرية صغيرة من أعمال ديربيشاير، وكانت مهووسة منذ صغرها بالخرافات والأساطير والفولكلور والأمور الخارقة للطبيعة. وقبل بلوغها سن القراءة، أصرت أن يقرأ لها أقاربها حكايات من قصة الملك آرثر وفرسان المائدة المستديرة، وقالت: «كان رأسي محشواً بقصص الحكمة والفروسية، والثقة بالذات التي تتأتى من المعرفة الشاملة بفنون ركوب الخيل والمبارزة بالسيف».
ومع بلوغها 18 عاماً من عمرها، التحقت بكلية لندن للاقتصاد ودرست فيها القانون، على أمل أن تصبح محامية في يوم من الأيام. ولكنها لم تتحمل الاستمرار فترات طويلة في التدريب المهني القانوني المضني. وفي تلك الأثناء، كانت قد تقابلت مع السيد غيرالد ماكوين عندما كانا في العشرينات من عمرهما، وتزوجا، وانتقلا للعيش في مدينة مانشستر، حيث عثر زوجها على وظيفة في التدريس كما عملت هي في عدة وظائف قبل أن تبدأ في احتراف الكتابة والتأليف.
- خدمة «نيوريوك تايمز»


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.