موسكو ترصد انتهاكات في إدلب وتدعو إلى الالتزام بالهدنة

دمشق تتوقع فتح طريقين رئيسيين شمال سوريا

دبابة تابعة للنظام السوري قرب سراقب على طريق حلب - دمشق (أ.ف.ب)
دبابة تابعة للنظام السوري قرب سراقب على طريق حلب - دمشق (أ.ف.ب)
TT

موسكو ترصد انتهاكات في إدلب وتدعو إلى الالتزام بالهدنة

دبابة تابعة للنظام السوري قرب سراقب على طريق حلب - دمشق (أ.ف.ب)
دبابة تابعة للنظام السوري قرب سراقب على طريق حلب - دمشق (أ.ف.ب)

أعلن رئيس مركز المصالحة الروسي في سوريا، أوليغ جورافليوف، أن موسكو رصدت 6 انتهاكات خلال اليوم الأول من بدء سريان قرار وقف النار الذي تم التوصل إليه الخميس خلال محادثات الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان. وقال المسؤول العسكري الروسي إن «المسلحين المتمركزين في منطقة إدلب نفذوا 6 عمليات قصف منذ فرض نظام وقف إطلاق النار في المنطقة».
وأوضح أن عمليات القصف استهدفت عدداً من البلدات ومواقع القوات الحكومية السورية في محافظتي حلب واللاذقية. ودعا جورافليوف قادة الفصائل المسلحة إلى التخلي عن الاستفزازات، وتبني طريق التسوية السلمية.
وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أعربت عن ارتياح بسبب الالتزام بالهدنة «على الرغم من بعض الخروقات».
وتوصل بوتين وإردوغان، خلال محادثات أجرياها في موسكو، إلى اتفاق لتخفيف التوتر في إدلب اشتمل، فضلاً عن وقف النار، تفاهماً على إنشاء ممر آمن على جانبي الطريق (إم 4)، بعمق 6 كيلومترات من كل جانب، على أن يبدأ الطرفان تسيير دوريات مشتركة في هذه المنطقة من منتصف الشهر.
ومع بروز تشكيك من جانب قطاع واسع من الخبراء في روسيا حول قدرة الطرفين على تطبيق الاتفاق، برزت أصوات في البرلمان الروسي تؤكد أن الاتفاق الأخير يشكل نقلة نوعية، وسوف يمكن من تنفيذ كل الاتفاقات السابقة.
ورأى رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الفيدرالية (الشيوخ)، قسطنطين كوساتشيف، أن الاتفاق بين موسكو وأنقرة «سيسمح بتطوير الاتفاقات الثنائية التي تم التوصل إليها في وقت سابق حول منطقة إدلب بشأن التصعيد»، ورأى أن لدى موسكو «أسباباً تدعو إلى التفاؤل». لكنه نبه إلى أن التفاهمات على المستوى الرئاسي لا تعني «تحصين الوضع من وقوع أزمات جديدة في سوريا»، واستخدم مقولة روسية شائعة، مفادها أن «الشرق أمر حساس»، مشيراً إلى أنه «حيث يكون الوضع حساساً وهشاً للغاية، فإنه يمكن أن يتعرض للكسر بسهولة». وشدد كوساتشيف على أن «هذا الاتفاق سيؤدي إلى تغييرات إيجابية، سواء في الشرق الأوسط أو في أوروبا».
وقال ليونيد سلوتسكي، رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما (النواب)، إن الاتفاقات التي توصل إليها بوتين وإردوغان «تقطع عقدة التناقضات»، موضحاً أن «روسيا وتركيا ستظلان شريكين استراتيجيين في القضايا السياسية والاقتصادية، بما في ذلك على مستوى الدبلوماسية البرلمانية». وأضاف أن موسكو وأنقرة ستواصلان تعاونهما، رغم محاولات قوى خارجية «دق إسفين بينهما».
ورأى النائب في مجلس الدوما ديمتري نوفيكوف أن روسيا وتركيا توصلتا إلى اتفاقات وسط «تهيئ الظروف لتطبيع الوضع نهائياً»، لافتاً إلى أنه «سوف يعتمد كل شيء على تنفيذ هذه الاتفاقيات، وعلى مسؤولية الأطراف، بما في ذلك درجة التزام أنقرة بتنفيذ تعهداتها».
وأمل نائب آخر، هو سيرغي جيليزنياك، في أن يكون وقف النار في سوريا «نقطة الانطلاق لدفع عملية السلام». وقال البرلماني إن «أهم نتيجة للمحادثات هي تأكيد الجانبين على مبادئ الحفاظ على وحدة الأراضي، ووحدة واستقلال سوريا، بناءً على قرارات مجلس الأمن الدولي».
وفي المقابل، قال خبير السياسات فيكتور نادين - رايفسك إن العنصر الأكثر أهمية في الاتفاق الروسي - التركي هو «عدم التراجع عن المناطق التي سيطر عليها الجيش الحكومي خلال الفترة الماضية، ومنع العودة إلى السلوك الجامح للإرهابيين»، وأشار إلى أن بوتين وإردوغان قد أعلنا عن «ضرورة تدمير جميع المقاتلين الذين اعترفت الأمم المتحدة بأنهم إرهابيون». وحذر الخبير العسكري أليكسي بودبيريزكين من أن «المشكلات لا تزال قائمة، ولكن تم اتخاذ قرار مهم».
وفي دمشق، قالت المستشارة السياسية في الرئاسة السورية، بثينة شعبان، إن الاتفاق التركي - الروسي بشأن إدلب «مؤقت ولمنطقة معينة واستكمال لتنفيذ اتفاق سوتشي»، ولفتت إلى أنه «جزء من مسارات سياسية وعسكرية ودبلوماسية عدة. وبموجبه، سيتم فتح طريقي (M4) و(M5)، مع التأكيد على استمرار مكافحة التنظيمات الإرهابية».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.