تخيل نفسك وأنت تسوح في أحد بلدان الأرض، ثم دخلت مقهى لكي تشتري قدحا من القهوة، ولكن ليس بعملة البلد الذي تتجول فيه بل.. بالنقود الإنترنتية المشفرة المسماة «بت كوين» (bitcoin) وتوظف هذه النقود عادة للدفع بين «الندّ والند» أي بين شخص وشخص آخر، أو جهة وأخرى.
وتعمل في براغ عاصمة دولة التشيك مقهى لا يتسلم أصحابه أي نقود، سوى «بت كوين» التي يعني اسمها «نقود البت» (بت هي أدنى وحدة معلوماتية). ولا يحتاج المرء إلا إلى تنفيذ أمر بسيط، من دون استعمال أي هاتف ذكي، بل عليه أولا، وقبل كل شيء، اقتناء «محفظة بت كوين»، التي تكون في البداية خاوية، وليس فيها أي مال. وتحتوي هذه المحفظة على رموز مشفرة من الأرقام الفريدة من نوعها. الرقم الأول هو مفتاح الزبون العمومي الذي يسمح له بتسلم النقود الإنترنتية. والرقم الثاني مفتاح خصوصي لصرف المبالغ أو إرسال تحويلاتها. ويوضع كل رمز أيضا ضمن رموز أخرى توجد بجانبها تسمى رموز «كيو آر» (QR) تستخدم لإجراء التحويلات بسهولة بواسطة جهاز مسح (سكانر) خاص برموز «كيو آر». ويمكن للزبون تسجيل مفاتيحه على ورقة إن شاء، لتذكرها. و«كيو آر» اختصار لعبارة «رموز الاستجابة السريعة» (Quick Response Code).
وما إن يحصل الزبون على المحفظة حتى يتوجه إلى آلة الصرف الأوتوماتيكية الخاصة بـ«بت كوين» التي يقوم جهاز المسح فيها بالتعرف على الرمز الخاص بالمفتاح العمومي الموجود ضمن رموز «كيو آر»، ثم على الزبون أن يتعرف أولا على قيمة تبديل «بت كوين» مقابل الدولار أو أي عملة أخرى، ثم اختيار اللغة المناسبة له. وأخيرا فإنه يضع العملة الحقيقية المتداولة داخل الآلة، ويقتني النقود الإلكترونية التي تدخل إلى المحفظة.
وللحصول على البضاعة المطلوبة، يقترب الزبون من موقع الشراء ويأخذ قدح القهوة، وعندها يقوم جهاز مسح آخر بالتعرف على المفتاح الخصوصي للمحفظة لسحب المبلغ المطلوب، وإيداعه في حساب المقهى، وفقا لما ذكره مراسل «واشنطن بوست» التقني عند زيارته للمقهى.
المقهى التشيكي هذا الذي يسمى «العالم الموازي» يقع في شارع دلنيكا في براغ، غريب في ترتيب قطع أثاثه، ويجعلك مندهشا لعدم وجود طابور من الزبائن أو آلة لاستحصال النقود، كما لا ترى للوهلة الأول أي نادل. ويقول ميكال نافاراتي مدير أعمال المقهى: «إن فكرة المقهى تكمن في عدم توفير بزة خاصة بالعاملين فيه، إذ لا نريد خلق حاجز بين الزبون والعمال، ولهذا فلا يمكنك التمييز بينهم»، كما أن جميع العمال متشاركون في المقهى ولا توجد تراتبية بين الرؤساء والعمال. وتشرف على المقهى مجموعة من الفنانين والقراصنة الإلكترونيين السابقين التائبين.
و«العالم الموازي» هو جزء من جهودهم لتوعية السكان بعيدا عن تسلط المؤسسات المركزية. وهم يرغبون حاليا في وضع كومبيوترات جديدة في المقهى، وإدخال برامج «تور» (TOR) الإلكترونية التي توفر طبقات من السرية، (مثل طبقات البصل)، مما يسمح للزبائن بالدخول إلى الإنترنت من دون رصد حركاتهم.
وإلى جانب مميزات التعامل بـ«البت كوين»، فهناك سلبيات أو مشاكل، منها على سبيل المثال تعرض «بورصة بت كوين» لهجمات من قراصنة الإنترنت أسفر عن خسارة بلغت 850 ألف من عملة «البت كوين». إضافة إلى ذلك فالعملة تتعرض لتقلبات واضحة؛ ففي أيام تزيد قيمتها وبالتالي أرباح المقهى حتى لو لم تزد المبيعات من القهوة عن اليوم السابق.
في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى…