تحليل إخباري: الطريق الطويل نحو الحكومة الإسرائيلية

TT

تحليل إخباري: الطريق الطويل نحو الحكومة الإسرائيلية

هل هي «الثالثة الثابتة» التي ستكرس فوز بنيامين نتنياهو، كما قيل بعد برهة من نهاية الاقتراع في الانتخابات التشريعية الإسرائيلية؟ تقدم عمليات الفرز يشير إلى أن المسألة ليست بهذه البساطة، وأن نتنياهو ربما يكون منتصراً على المستوى الشخصي، من خلال عودته القوية كأبرز زعيم حزبي إسرائيلي، وقضائه على مستقبل منافسه الأبرز بيني غانتس السياسي، وتحالف «أزرق أبيض» (كحول لفان)؛ لكنه منتصر من دون فوز – على ما عنونت إحدى الصحف – بسبب جسامة التحديات القضائية والسياسية التي سيواجهها، والتي قد تجدد وتعمِّق الأزمة الإسرائيلية المستمرة منذ عام.
الانتصار الموصوف بـ«التاريخي» الذي حققه مرشحو «القائمة المشتركة» العربية بحصولهم على 15 مقعداً في الكنيست المؤلف من 120 نائباً، لم يعطِ فلسطينيي الأراضي المحتلة سنة 1948 العدد الأكبر من الممثلين، منذ أن قرروا المشاركة في الحياة السياسية الإسرائيلية فحسب؛ بل نقلهم إلى موقع بالغ التأثير في صوغ الحكومة المقبلة. فبعد إصرار غانتس على النأي بنفسه عن الوسط العربي - وهو ما أدى إلى خسارته للقسم الأكبر من الأصوات العربية التي صبت لمصلحته في انتخابات أبريل (نيسان) وسبتمبر (أيلول) 2019 - عاد إلى التلميح إلى إمكان تشكيل حكومة مع نواب «القائمة المشتركة» ما أثار غضباً شديداً في معسكر «الليكود» الذي خرج زعيمه نتنياهو لاتهام غانتس «بزعزعة أسس الديمقراطية عبر الارتباط مع مؤيدي الإرهابيين».
لا يسع أياً من الحزبين الكبيرين: «الليكود» و«أزرق أبيض» بلوغ الرقم السحري 61، الضروري لتشكيل حكومة أكثرية، إذا لم يتخذا خطوات تنطوي على مغامرات تصل إلى مستوى التهديد الوجودي للحزبين: «الليكود» وحلفاؤه الذين حصلوا على 58 مقعداً (بعد فرز 99 في المائة من الأصوات) يحتاجون إلى ثلاثة مقاعد ليست في متناولهم. «إسرائيل بيتينو» بزعامة وزير الدفاع السابق حصل على سبعة مقاعد؛ لكن القوى الدينية: «شاس» و«يهودوت هاتوراه»، ترفض التعاون مع ليبرمان الذي يبادلها الجفاء. من جهة ثانية، لا يحبذ نتنياهو حضور ليبرمان في الحكومة، نظراً إلى المنافسة الشديدة بين الرجلين على زعامة اليمين؛ بل إن ليبرمان لم يتردد قبل أسابيع قليلة في الإعلان عن نهاية نتنياهو السياسية، واختتام حقبة زعامته لليمين.
في المقابل، لا تبدو آمال «أزرق أبيض» أفضل. فالتحالف فاز بثلاثة وثلاثين مقعداً؛ لكنه غير قادر على إيصال العدد إلى 61 نائباً مؤيداً لغانتس، حتى لو تحالف مع ائتلاف يسار الوسط «العمل - غيشر - ميريتز» الذي حظي بسبعة مقاعد. الفرصة الوحيدة أمام غانتس هي جذب «القائمة المشتركة» إلى حكومة برئاسته، خارقاً بذلك التعهد الذي قطعه أثناء الحملة الانتخابية بعدم التعاون «مع غير الصهاينة»، أي مع نواب من غير اليهود.
حكومة الوحدة الوطنية التي تضم الحزبين الكبيرين تواجه - من جهتها - عقبات كبيرة؛ ذاك أن نتنياهو بات مقتنعاً بأنه حقق انتصاراً كبيراً على المؤسستين السياسية والقضائية في إسرائيل، من خلال تحويل الاتهامات الموجهة ضده بالفساد إلى حملة على القضاء الإسرائيلي، الذي صوره زعيم «الليكود» بأنه القلعة الأخيرة للأشكيناز الذين حكموا إسرائيل بين قيامها والتسعينات، ومارسوا التمييز ضد السفارديم الذين يدافع نتنياهو منذ انتخابه في المرة الأولى سنة 1996 عن مصالحهم. يضاف إلى ذلك أن نتنياهو أفلح في جذب غانتس إلى ساحته المفضلة، من خلال إطلاق التصريحات المعادية للعرب، والتحذير من دورهم السياسي وخطرهم الثقافي، ما أوقع غانتس في فخ هذا السباق، وأدى إلى خسارته القليل من التعاطف الذي أبداه قسم من الناخبين العرب في الدورتين السابقتين؛ بل جعله يتخذ مواقف أكثر تشدداً وتطرفاً مما كان يرغب؛ حفاظاً على شعبيته بين أنصار اليمين الإسرائيلي.
عليه، ستكون حكومة الوحدة الوطنية بلسماً للجراح القاتلة التي أصاب نتنياهو بها خصمه الأهم، وفرصة لغانتس لالتقاط الأنفاس، والاستعداد لجولة مقبلة من الصراع على السلطة. وهذا طبعاً ما لا يود نتنياهو رؤيته بحال من الأحوال.
في المقابل، وعلى الرغم من التهويل الذي أحاط نتنياهو به الاتهامات الموجهة ضده، فإنه لا مفر أمامه من المثول أمام قاضي التحقيق في القدس خلال الأسبوعين المقبلين، ما سيترك آثاراً كبيرة على قدرته على تشكيل أي تحالف حكومي، وحتى على صورته كقائد عائد من معارك طاحنة.
لذلك، تبدو الأقوال عن أن انتخابات الأول من مارس (آذار) ستنهي الاضطراب السياسي الإسرائيلي، وستثبت نتنياهو كزعيم تاريخي لا مثيل له منذ 1948، متسرعة، وتحمل من أمنيات القائلين بها أكثر مما تشتمل على وقائع. العثرات ما زالت كثيرة أمام الحكومة الإسرائيلية، ولا بد من مناورات قاسية و«خدع قذرة» كما يقول الإسرائيليون عن سياساتهم، للوصول إلى حكومة تتسم بحد أدنى من الاستقرار.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.