هموم أوروبية كبيرة بعد خروج بريطانيا

مواضيع «الفيتو» والعلاقات مع ترمب وتوسيع عضوية الاتحاد

هموم أوروبية كبيرة بعد خروج بريطانيا
TT

هموم أوروبية كبيرة بعد خروج بريطانيا

هموم أوروبية كبيرة بعد خروج بريطانيا

يُروى أن وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر أراد مرة أن يستمزج حلفاءه الأوروبيين في قضيّة خلافيّة بين واشنطن وموسكو، إلا أنه لم يتمكّن من تحديد الجهة التي ينبغي أن يتصّل بها في بروكسل – العاصمة البلجيكية والأوروبية – لمعرفة موقف الاتحاد الأوروبي منها، فأطلق تساؤله الشهير: «هل من يدلّني على نظيري في الاتحاد الأوروبي؟».
يقال إن هذا السؤال هو الذي دفع بالاتحاد الأوروبي إلى استحداث منصب المسؤول الأعلى عن السياسة الخارجية الأوروبية. وهو المنصب الذي كان أوّل من تولّاه، في عام 1999، وزير الخارجية الإسباني الأسبق الاشتراكي خافيير سولانا، قبل أن يُسند إليه، بعد ذلك، منصب الأمين العام لحلف شمالي الأطلسي (ناتو).
أُسّس الاتحاد الأوروبي، في أواخر عام 1993، على الدعائم التي كانت قد وطّدتها «السوق الأوروبية المشتركة»، التي بدورها انبثقت عن «المجموعة الاقتصادية الأوروبية» وريثة «المجموعة الأوروبية للفحم والصُلب». تلك كانت النواة المؤسسة للمشروع الأوروبي، ولقد كان راسخاً في اعتقاد دعاة هذا المشروع أنه لا يمكن أن يكتمل في غياب سياسة خارجية ودفاعية موحّدة. غير أن الكل كان يدرك أن أمام هذا الاكتمال عقبات كثيرة يصعب تذليلها، وحساسيات ليس من السهل تجاوزها لكونها تمسّ جوهر السيادة الوطنية التي يكاد يكون من المستحيل للدول أن تتنازل عنها أو أن تفرّط بها.
رغم ذلك نجح الأوروبيّون في تضمين معاهدة إنشاء الاتحاد ما يمكن اعتباره المدماك الأول للسياسة الخارجية والأمنية المشتركة بهدف «الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وتعزيز التعاون الدولي وتطوير النظم الديمقراطية وتوطيدها والنهوض بسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية». وكان لا بد من الانتظار حتى عام 1997 والمفاوضات «الماراثونية» الصعبة التي دارت في «قمّة أمستردام» (هولندا) للاتفاق على آلية جديدة أكثر فاعلية لاتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية. وكانت هذه تقوم على مبدأ «الامتناع البنّاء» والتصويت بالغالبية المشروطة لمنع الدول الأعضاء من ممارسة «حق النقض» (الفيتو) داخل «المجلس الأوروبي»، مع أن سقف الغالبية المطلوبة كان عالياً بحيث يكاد يوازي «الفيتو» في القرارات الحسّاسة.
في عام 2003 أقرّت الدول الأعضاء في «قمّة نيس» (فرنسا) إضافة تعديلات على آليّة القرار تهدف إلى ترشيدها، وكلّفت لجنة الأمن والسياسة التي كان المجلس قد أنشأها عام 2001 الإشراف السياسي والاستراتيجي على عمليات إدارة الأزمات. ثم، في عام 2009 قرّرت «قمّة لشبونة» (البرتغال) استحداث منصب الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية والرئيس الدائم للمجلس الأوروبي، وتعزيز سياسة الأمن والدفاع التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من السياسة الخارجية. وكان أوّل من تولّى المنصب الجديد البريطانية كاترين آشتون، ثم خلفتها الإيطالية فيديريكا موغيريني حتى أواخر العام الماضي، عندما تشكّلت المفوضّية الجديدة برئاسة الألمانية أورسولا فان در لاين، ووقع الاختيار على وزير الخارجية الإسباني جوزيب بورّيل ليكون الوجه الجديد للسياسة الخارجية الأوروبية.

ما بعد خروج بريطانيا
مع بداية عهد المفوضية الجديدة كان الاتحاد الأوروبي قد خسر أحد أعضائه البارزين للمرة الأولى منذ تأسيسه مع خروج بريطانيا – المملكة المتحدة – من الأسرة الأوروبية. ولقد جاء خروج بريطانيا بينما كانت الأزمات الخارجية والداخلية تتراكم بشكل غير مسبوق على مائدة الاتحاد، الذي ما زالت سياسته الخارجية مقصورة على إطفاء الحرائق وتقديم المساعدات، ومتعثرة بطيئة في آلياتها، وعاجزة عن توحيد المواقف والتأثير في المشهد الدولي بما يتناسب مع القوة الاقتصادية والوزن الديمغرافي والجغرافي للاتحاد.
ومع خروج بريطانيا رأى المتحمّسون لسياسة خارجية أوروبية أكثر فاعلية، وفي طليعتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرصة سانحة للارتقاء بهذه السياسة إلى مرتبة أعلى من السرعة في اتخاذ القرار، ومدّه بالمقوّمات المؤثرة في المحافل الدولية، بما يضمن للاتحاد الدور الوازن الذي يحلم به الأوروبيون في لعبة المحاور.
ومنذ خريف العام الماضي، ينكبّ فريق من الخبراء القانونيين والمحللّين الاستراتيجيين على تصوّر جديد للسياسة الخارجية الأوروبية، أصبح جاهزاً لمناقشته وبتّه في القمّة المقبلة، التي تقول مصادر المفوضيّة إنها ستشهد ولادة «مفهوم جديد في علاقات الاتحاد الخارجية يتماشى مع القدرات الأوروبية والمبادئ الأساسية التي قام عليها الاتحاد».
وينطلق هذا التصوّر من «الحاجة الملحّة إلى الخروج من الشلل الذي تفرضه قاعدة الإجماع في القضايا الحسّاسة»، واعتماد آليّة جديدة لاتخاذ القرار في السياسة الخارجية بسرعات مختلفة تتيح «تحييد» الدول الأعضاء التي تتردّد عادة في الانضمام إلى موقف أوروبي مشترك. وتفيد مصادر المفوضية بأن الهدف من الآليّة الجديدة هو تمكين الاتحاد من اتخاذ موقف واحد، واضح وحازم، وبسرعة، من القضايا والأزمات الدولية التي تتفاعل بسرعة تتجاوز الوتيرة البطيئة لآليات القرار داخل المؤسسات الأوروبية.

قرارات بالغالبية البسيطة
يقول مسؤول أوروبي، إن الاتحاد الأوروبي في أمسّ الحاجة اليوم إلى قرارات تُتخَذ بالغالبية البسيطة في الشؤون الخارجية، وعندما يقتضي الأمر، إلى تشكيل تحالفات تقتصر على الدول المستعدّة للتحرّك الجدّي في أزمات معيّنة. ويضرب المسؤول مثالاً على ذلك البيان الذي صدر أخيراً عن الاتحاد الأوروبي لرفض «صفقة القرن» التي اقترحها الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول أزمة الشرق الأوسط - إذ رفضتها 25 دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وتحفظّت اثنتان - أو العملية البحرية التي قادتها فرنسا في مضيق هرمز وانضمّت إليها 7 دول لاحقاً.
بعض القادة الأوروبيين، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وبنسبة أقل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، يذهبون أبعد من ذلك، فيقترحون اعتماد هذا المبدأ وتعميمه على مجالات أخرى من النشاط الأوروبي، مثل السياسة المالية أو الاجتماعية. ويقترح ماكرون أن تصبح هذه قاعدة العمل في النادي الأوروبي، الذي شهد بعد توسيعه السريع، خلال السنوات الأخيرة، تزايد التفاوت الاقتصادي والاجتماعي والتاريخي بين أعضائه، وتفاقم التشتّت السياسي، بينما راحت شهيّة التكامل والاندماج تتراجع في عدد من العواصم الأوروبية.
من جهة ثانية، يؤكد مسؤول دبلوماسي من الحلقة الضيّقة حول الممثل الأعلى للسياسة الخارجية، الذي تولّى مهامه رسمياً مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أن بورّيل «ليس مستعدّاً للانتظار طويلاً، وهو يحاول التوصّل إلى إجماع أوروبي حول أزمة أو قضيّة معّينة، بحيث عندما يتحقق هذا الإجماع يكون قد فات الأوان ويأتي مشفوعاً بشروط كثيرة تنزع منه أي قدرة على التأثير».
ويضرب المسؤول مثالاً على ذلك ردّ الممثل الأعلى على مبادرة الرئيس الأميركي لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. إذ يذكر أن الممثّل الأعلى أعلن، بعد أربعة أيام من طرح المبادرة، الرفض الأوروبي القاطع لها، وحذّر إسرائيل من أن الاتحاد الأوروبي سيطعن في أي احتلال للأراضي الفلسطينية ينشأ عن المبادرة. هذا، وتجدر الإشارة إلى أن الرفض الأوروبي لخطة ترمب أعلنه بورّيل كموقف للاتحاد الأوروبي اتخذته الدول الأعضاء بأكثرية ساحقة بهدف التقليل من أهمية الاعتراض عليه. ولقد أثار الإعلان عن الموقف الأوروبي ردّاً عنيفاً من الجانب الإسرائيلي، في حين سارعت الحكومة المجرية اليمينية المتشدّدة - التي اعتادت الخروج عن الإجماع الأوروبي - إلى تأكيد معارضتها لتصريحات الممثل الأعلى وأبلغت واشنطن وتل أبيب أنها لا توافق عليها. لكن رغم ذلك كان رفض «صفقة القرن» قد أصبح هو الموقف الأوروبي الرسمي على الساحة الدولية.
وفي المقاربة الجديدة للسياسة الخارجية الأوروبية يعتبر خبراء المفوضية أن «الإجماع سيبقى مستحيلاً في القريب المنظور حول القضايا الكبرى، ولن يكون من السهل إرساء أسس ثقافة استراتيجية مشتركة؛ لأن لكل دولة تقاليدها وتاريخها في هذا المجال». غير أن هؤلاء يؤكدون أن الرئيسة الجديدة للمفوضية، وهي الوزيرة الألمانية السابقة أورسولا فان در لاين، وكذلك رئيس «المجلس الأوروبي» البلجيكي شارل ميشال، على اقتناع تام بأن الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يستمرّ رهينة لقاعدة الإجماع، بعد خروج بريطانيا.
وحقاً، بدأت دول عدة في الاتحاد، مثل إسبانيا وهولندا وبلجيكا، تميل علناً إلى تأييد فكرة الرئيس الفرنسي بإنشاء ما يسمّيه ماكرون «الدوائر المتداخلة»، وقبول دعوته إلى الاقتداء بتجربة «اتفاق شينغن»، الذي اقتصر في البداية على خمس دول ليشمل اليوم 26 دولة، منها أربع خارج الاتحاد الأوروبي. ولا تتردد دول مثل هولندا بالمطالبة بتطبيق قاعدة الغالبية على جميع قرارات السياسة الخارجية، كالعقوبات الاقتصادية على روسيا وفنزويلا، من غير إعطاء حق النقض لأي من الأعضاء.

«حق النقض» المستحيل
مع ذلك، إلغاء «حق النقض» (الفيتو) يواجه عقبة شبه مستحيلة؛ لأن إقراره يحتاج إلى إجماع الدول الأعضاء، وهذا ما ليس متاحاً في الوقت الحاضر. لذا؛ يميل الممثل الأعلى للسياسة الخارجية إلى تجاوز «الفيتو» باللجوء إلى حلول براغماتية، حتى إذا استدعى الأمر البحث عنها خارج الإطار القانوني الأوروبي المعقّد كما حصل أخيراً عندما تمكّن «المجلس الأوروبي» من تجاوز «فيتو» بولندا على «الميثاق الأخضر»، واكتفت القمة بتسجيل الاعتراض البولندي في نص الاتفاق من غير أن يحول ذلك دون مضي المفوضيّة في الإجراءات التشريعية اللازمة لتنفيذ الميثاق. ويتوقّع خبراء المفوضية أن يفرض هذا النهج البراغماتي نفسه على السياسة الخارجية والدفاعية الأوروبية التي تعتبر أرضاً خصبة لمشاركة مجموعات من الدول الأعضاء في سياسات أو عمليات تقع ضمن نطاق مصالحها الحيوية والاستراتيجية، كما حصل أخيراً عندما أطلقت فرنسا من قاعدتها البحرية في أبوظبي عملية لحماية النقل البحري في مضيق هرمز بعد الاعتداءات والتهديدات الإيرانية الأخيرة.
وكان الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية بورّيل قد أعلن في ميونيخ خلال مشاركته في مؤتمر الأمن السنوي أن «أوروبا في حاجة إلى تنمية شهيتها للسلطة»، ودعا إلى المزيد من المرونة والاستقلالية في السياسة الخارجية، مؤكداً على ما كان قد عرضه سابقاً الرئيس الفرنسي ماكرون. وقال بورّيل، إن التحديات التي تتراكم أمام الاتحاد الأوروبي، في الداخل كما في الخارج، «لا يمكن التصدّي لها فقط بالإعراب عن القلق، بل بتوافر الرغبة في التحرّك واستخدام لغة القوة والتخلّي عن قاعدة الإجماع عند الاقتضاء».
في أي حال، «لغة القوة» في قاموس المفوضية الجديدة لا تقتصر على القوة العسكرية، بل يجب أن تشمل جوانب عديدة أخرى، مثل مكافحة تغيّر المناخ. وهنا يعكف فريق من الخبراء على وضع «دبلوماسية مناخية» لأن الجهود الأوروبية، مهما بلغت، لن تكون كافية في غياب توافق دولي واسع في هذا المجال. ومن الإجراءات التي تلحظها هذه الدبلوماسية أن يكون تغيّر المناخ بنداً ثابتاً في كل مفاوضات تجارية يخوضها الاتحاد. وكذلك، بالنسبة لاحترام حقوق الإنسان وفرض قاعدة الغالبية في كل ما يتصّل بها من قرارات.

العلاقات مع ترمب
على صعيد آخر، العلاقات مع الولايات المتحدة ما زالت تثير متاعب كثيرة داخل البيت الأوروبي منذ وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وهي مرشّحة لمزيد من التعقيدات إذا ما أعيد انتخابه في الخريف المقبل. وترى المفوضية الجديدة «أن المصارحة هي السبيل الأفضل لمقاربة هذه العلاقات الحيوية بالنسبة للأوروبيين. ولا بد من القبول بأن ثمّة اختلافاً جوهريّاً في الرأي حول بعض القضايا مع الإدارة الأميركية الحالية، مثل الاتفاق النووي مع إيران».
وتدعو الرؤية الجديدة للسياسة الخارجية الأوروبية إلى تجاوز الاكتفاء بمعارضة الموقف الأميركي من الملف النووي الإيراني أو خطة السلام للشرق الأوسط؛ لاقتناع الأوروبيين بأنها لن تحقق النتيجة المنشودة. ومن ثم، فهم يرون أن يكون الاتحاد الأوروبي قادراً على طرح حلول أو أفكار بديلة ومستعداً لذلك.
«ناتو» بالنسبة للأوروبيين لا يزال ضرورة حيوية في نظر المفوضية الجديدة «لأن أوروبا ليست قادرة وحدها على الدفاع عن نفسها». إلا أنهم، في المقابل، يعتقدون أنه لا يجوز أن أوروبا تقع فريسة «لعبة المحاور» التي تجنح اليوم نحو ثنائية جديدة بين بكّين وواشنطن. وفي التصوّر الجديد للسياسة الخارجية الأوروبية، أن الحرب التجارية الدائرة بين الصين والولايات المتحدة تخفي الصراع الحقيقي بين العملاقين، ألا وهو الصراع التكنولوجي الذي كانت المعركة حول شبكة الجيل الخامس من الاتصالات أولى تجلّياته. ويشدّد هذا التصوّر على أن يكون للبلدان الأوروبية سياستها التجارية مع الصين مستقلّة عن المصالح الأميركية.
بيد أن هذا التصوّر الجديد، الذي تضع فرنسا كامل زخمها خلفه، ما زال يواجَه بتردّد من جانب ألمانيا التي انتقد ماكرون أخيراً قلة تجاوبها مع مقترحاته، وتحدّث عن «نفاد الصبر» إزاء صمت المستشارة ميركل. لكن المفاجأة جاءت من الداخل الألماني عندما تعرّضت ميركل نفسها للانتقاد في صفوف حزبها بسبب إحجامها، حتى الآن، عن ملاقاة الرئيس الفرنسي ودعم مقترحاته لتعديل آليات العمل واتخاذ القرار داخل المؤسسات الأوروبي في هذه المرحلة الدقيقة التي يمرّ بها الاتحاد. وكان لافتاً أن الانتقادات الأقسى جاءت على لسان آرمين لاسخيت، رئيس حكومة ولاية الراين الشمالي ووستفاليا (رينانيا)، الذي هو المرشّح الأوفر حظاً لخلافة ميركل في زعامة حزبها الديمقراطي المسيحي. وقال لاسخيت «الرئيس الفرنسي يتقدّم باقتراحات ونحن نتباطأ في الردّ والتجاوب معها، وكنت أتمنى حدوث العكس في مثل هذه المرحلة المصيرية».

موضوع التوسعة
كذلك يدعو الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية إلى إعادة النظر في «سياسة التوسعة» التي قال إنها أظهرت قصورها، خاصة بالنسبة لدول البلقان الغربي التي تقف منذ سنوات في طابور الانتظار للدخول إلى النادي الأوروبي. إلا أن جهات أخرى في الاتحاد، يتقدّمها شارل ميشال، رئيس «المجلس الأوروبي»، تذهب في الاتجاه المعاكس وتدعو إلى تجنّب التسرّع في إطلاق موجة جديدة من التوسيع قبل معالجة الأزمات الداخلية التي ما زالت تشكّل خطراً على تماسك المشروع الأوروبي.
ويقول مقرّبون من بورّيل، إنه عازم على الدفاع عن تصوّره للسياسة الخارجية الأوروبية حتى النهاية، مهما كانت الصعوبات، وينقلون عنه «إذا لم يتحرّك الأوروبيون أمام سياسات ترمب وبوتين وإردوغان، فإنهم لن يتحركوا أبداً».

الدول الأعضاء... وتاريخ انضمامها
بلجيكا........... دولة مؤسسة
فرنسا........... دولة مؤسسة
ألمانيا*........... دولة مؤسسة (عندما كانت ألمانيا الغربية، أو الاتحادية)*
إيطاليا.......... دولة مؤسسة
لوكسمبورغ... دولة مؤسسة
هولندا.......... دولة مؤسسة
الدنمارك...... أول يناير (كانون الثاني) 1973
آيرلندا......... أول يناير 1973
اليونان........ أول يناير 1981
البرتغال...... أول يناير 1986
إسبانيا........ أول يناير 1986
النمسا......... أول يناير 1995
فنلندا.......... أول يناير 1995
السويد........ أول يناير 1995
قبرص........ أول مايو (أيار) 2004
تشيكيا......... أول مايو 2004
إستونيا........ أول مايو 2004
المجر......... أول مايو 2004
سلوفاكيا...... أول مايو 2004
سلوفينيا...... أول مايو 2004
لاتفيا.......... أول مايو 2004
ليتوانيا....... أول مايو 2004
مالطا........ أول مايو 2004
بولندا........ أول مايو 2004
بلغاريا....... أول يناير 2007
رومانيا...... أول يناير 2007
كرواتيا...... أول يوليو (تموز) 2013
بريطانيا..... انضمت في أول يناير 1973 وخرجت رسميــــاً يوم 31 يناير 2020



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.