مخاوف في الهند من الثمنين السياسي والاقتصادي لأعمال العنف الأخيرة

هل يواصل اليمين الهندوسي الحاكم تجاهل عواقب خطابه الطائفي؟

مخاوف في الهند من الثمنين السياسي والاقتصادي لأعمال العنف الأخيرة
TT

مخاوف في الهند من الثمنين السياسي والاقتصادي لأعمال العنف الأخيرة

مخاوف في الهند من الثمنين السياسي والاقتصادي لأعمال العنف الأخيرة

عبر ثلاثة أيام من الفوضى، وسقوط أكثر من 48 قتيلاً، مع الخسائر المادية بملايين الروبيات، شهدت العاصمة الهندية دلهي واحدة من أسوأ أعمال العنف والشغب المجتمعية في الآونة الأخيرة. إذ اندلعت أعمال شغب عنيفة بين الهندوس والمسلمين على مرأى ومسمع من وسائل الإعلام المحلية والعالمية، حال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الرسمية إلى البلاد. وأثناء جلوس الرئيس الأميركي على مأدبة الغداء مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، في مقر الرئاسة الهندية، كان المواطنون الهندوس والمسلمون يتضاربون ويطلقون الرصاص على بعضهم البعض في الشوارع، على مسافة لا تزيد أكثر من 15 كيلو متراً من مبنى وزارة الداخلية، في حين عانى الأبرياء أشد المعاناة في محاولات الدفاع عن منازلهم ومصالحهم وأعمالهم التجارية من الحرائق واللصوص.
مضى أسبوع كامل منذ بدء اندلاع أعمال العنف والشغب في شمال شرقي العاصمة الهندية دلهي - وما تبقى بعد المواجهات عبارة عن حفنة من المواطنين المرعوبين، والحارات والأزقة المحترقة، والمنازل والمتاجر المهجورة، وهدوء مشوب بعدم الاستقرار، مع مستقبل يكتنفه الكثير من الشك والقلق الذي يتجلّى في صمت مطبق عما شوهد في تلك المناطق من عنف وشغب وحرق وسفك للدماء على نطاق مجتمعي غير مسبوق.
لقد أشاع المسلحون من الدهماء أعمال العنف والشغب في مساحات شاسعة من شمال شرقي العاصمة. وبعضهم كان يتخفى وراء أقنعة الوجوه، وحمل معظمهم مختلف أنواع الأسلحة ما بين الأبيض منها والناري، فضلاً عن القضبان الحديدية أو ما شابه مما يمكن القتل به أو إحداث الإصابات. وتصاعدت أعمدة الدخان، واندفع الغوغاء بين مختلف الشوارع، بلا ضابط أو رقيب، يحرقون المتاجر، ويقذفون بالحجارة، ويهددون الأبرياء من السكان المحليين. وأفادت بعض المستشفيات بإصابة أكثر من 200 مواطن، من بينهم 48 فرداً من قوات شرطة مكافحة الشغب، فضلاً عن إصابة نصف ذلك العدد من المدنيين بجروح ناجمة عن الطلقات النارية العشوائية.
المآسي عديدة لعائلات فقدت أفراداً منها من الجانبين، وفي المقابل، تمكن كثيرون من النجاة بأعجوبة من أعمال العنف المريعة. مع العلم أن غالبية أعمال الشغب وقعت في محيط لا يتجاوز 5 كيلومترات مربعة في شمال شرقي العاصمة، على مسافة تبعد حوالي 15 كيلومتراً من مقر وزارة الداخلية، ونحو 10 كيلومترات أخرى من مقر شرطة العاصمة دلهي.
وفي حين لم يجر الإبلاغ عن أي حوادث غريبة في العديد من الأحياء والمناطق التي اجتاحتها أعمال العنف والشغب حتى الآن، فإن الصمت الشديد المطبق لا يزال يطارد الجميع. وفي حي شيف فيهار، وهو من أكثر المناطق تضرراً بأعمال العنف، كانت الحارات والأزقة شبه مهجورة من المارة وأغلب المنازل خاوية من السكان تقريباً. وفي حي مصطفى آباد، كان الناس أكثر حذراً وخوفاً من الخروج ومغادرة منازلهم حتى الآن.
وحتى وقت إعداد هذا التقرير، وعلى الرغم من الإعلان رسمياً عن سقوط 48 قتيلاً في أعمال العنف الأخيرة، ما زالت السلطات تستخرج جثثاً مجهولة الهوية من مختلف الخنادق ومجاري الصرف الصحي، بعدما تخلص الجناة منها هناك في أعقاب جرائم القتل المروعة.
هذا، وتخدم شبكة الصرف الصحي في شمال شرقي دلهي العديد من الأغراض. وهي بالنسبة للبعض وسيلة أكثر إراحة للتخلص من القمامة المنزلية، وللبعض الآخر من العلامات الجغرافية التي تعين زوار المرة الأولى للمنطقة في التعرف على والتنقل بين متاهة الممرات المتشابكة. ولكن تصدّرت شبكة الصرف الصحي المحلية مختلف العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام لسبب مختلف تماماً، إذ جرى انتشال 11 جثة مجهولة الهوية حتى الآن لأشخاص يرجح أنهم قتلوا خلال الأيام الخمسة الماضية، وذلك وفقاً لتقارير مختلف المستشفيات والإدارة المحلية هناك.

جذور موجة العنف
غُرست بذور الاستياء الأولى إثر إقرار الحكومة الهندية اليمينية، بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، قانوناً جديداً يحمل مسمى «قانون تعديل المواطنة». وهذا القانون يتيح لأبناء طوائف الهندوس والسيخ، والبوذيين والبارسيين والمسيحيين ممّن يتعرّضون للاضطهاد على أسس دينية في البلدان الإسلامية المجاورة الثلاث باكستان وأفغانستان وبنغلاديش - باستثناء المسلمين - وممن تمكنوا من الوصول إلى الهند قبل عام 2014، الحصول على الجنسية الهندية الكاملة.
واندلعت موجات الاحتجاجات المعارضة لـ«قانون تعديل المواطنة» الجديد منذ منتصف ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، ترافقاً مع ربط القانون الجديد مع تحديث «السجل السكاني الوطني» وتحضير «السجل الوطني للمواطنين» في البلاد. وكان السرد العام الذي أزعج، وربما أربك كثيرين، أن الجمع بين «قانون تعديل المواطنة»، و«السجل السكاني الوطني»، و«السجل الوطني للمواطنين» كان معداً في الأساس لاستهداف المسلمين من سكان الهند.
على الأثر، خرجت الحكومة الهندية بـ«توضيح» للموقف، ثم اتخذت خطوة للوراء عن موقفها الأول بشأن كل من «السجل السكاني الوطني»، و«السجل الوطني للمواطنين». غير أن ذلك لم يسفر عن أثر يُذكر على حركة الاحتجاجات الداخلية، التي واصلت المطالبة بضرورة وقف العمل بـ«قانون تعديل المواطنة». والحال أن كثيرين من مسلمي الهند - البالغ عددهم نحو 200 مليون نسمة - أن القانون الجديد مُعادٍ للمسلمين بالدرجة الأولى. بل يقول خبراء دستوريون إنها المرة الأولى في تاريخ الهند التي تصدر فيها الحكومة الاتحادية قانوناً يميز بين المواطنين على أساس الدين، وهذا يعد انتهاكاً صارخاً وفجاً لالتزام الهند بالمساواة بين طوائفها.
ثم إن ثمة قدراً كبيراً من المخاوف المتزايدة بين التقدميين الهنود وأبناء الطوائف غير الهندوسية بأن مودي، رئيس الوزراء القومي الهندوسي المتشدد، يحاول تفكيك تقاليد العلمانية الهندية الراسخة مع تحويل البلاد إلى دولة دينية وموطناً للهندوس في المقام الأول. وحقاً، يؤيد كثرة من أنصار مودي الهندوس اليمينيين تلك التحركات القومية. وللعلم، فإن مودي نفسه جاء من خلفية آيديولوجية تشدد على تفوق العنصر الهندوسي على ما سواه من الطوائف الأخرى في البلاد. ولكن، في المقابل، يعارض مودي أيضاً كثيرون من الهندوس الذين يريدون المحافظة على علمانية البلاد، تماماً على النحو الذي أراده لها مؤسّسها الأول المهاتما غاندي.
حتى اللحظة، رفضت الحكومة الهندية سحب القانون الجديد. ولقد استمرت حالة الجمود مع انعدام قنوات الاتصال النشطة والفعالة بين المتظاهرين والحكومة. وعلى مدى الشهور الماضية كانت الضغوط وكذلك الاحتقان الشعبي في غليان مستمر، مع تصاعد التوترات الاجتماعية في كل مكان، مدفوعة جزئياً بحملة الانتخابات «المسمومة» للبرلمان المحلي في دلهي التي عقدت في فبراير (شباط) الماضي. ولقد اندلعت أعمال العنف الجزئية داخل وفي محيط «الجمعية الملية الإسلامية» و«جامعة عليكرة الإسلامية»، احتجاجاً على «قانون تعديل المواطنة» الجديد.

المدى والتوقيت المريب
لم يقتصر الأمر على دلهي وحدها. إذ توسع التوتر في أجزاء أخرى من البلاد أيضاً. وكانت الخطب النارية الاستفزازية والدموية تنطلق في مختلف أرجاء الهند على ألسنة زعماء الهندوس والمسلمين، لتشعل مشاعر العداء والحقد والكراهية بين جموع الجماهير من أبناء الطائفتين. ومجرد التصوّر أن الحكومة الاتحادية ما كانت تتوقع اندلاع المواجهات كان من الأمور المحيرة والمربكة للغاية، إذ كانت الأجهزة الحكومية في غفلة من أمرها، ربما عن عمد أو لغير ذلك من الأغراض. كذلك، فإن وقوع هذه المواجهات العنيفة إبان الزيارة الرسمية لرئيس الولايات المتحدة الأميركية، من الأمور المحيرة أيضاً للغاية. فآخر ما كانت تريده الحكومة الهندية الحالية هو تشويه المناسبة الاحتفالية الرسمية بالنعرات والتصرفات المزرية وأعمال العنف الديني في شوارع العاصمة.
بالمناسبة، ترتبط دلهي، كونها العاصمة الوطنية للهند، بنظام معقّد من السيطرة الحكومية المزدوجة. إذ بينما لديها حكومة كـ«حكومة ولاية»، لكن سلطات هذه الحكومة محدودة للغاية، بينما جُل السلطات الحقيقية، بما في ذلك سيادة القانون والنظام العام، بأيادي الحكومة الاتحادية عبر وزارة الداخلية. وراهناً، يشغل منصب وزير الداخلية الاتحادي آميت شاه، الذي هو أحد أوثق المقربين من رئيس الوزراء ناريندرا مودي، كما أنه رئيس أسبق لحزب «بهاراتيا جاناتا» الهندوسي الحاكم. بيد أن الوزارة تدير شؤون العاصمة عبر مكتب نائب الحاكم، وهو مسؤول يعين تعييناً ولا يُنتخَب.
وخلال يومين من أيام أعمال العنف الثلاثة، كان آميت شاه منشغلاً بالإشراف على ترتيبات زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إلى معقله ومعقل مودي السياسي ولاية غُجَرات. وفعلاً، انتقلت الحكومة الاتحادية بأسرها إلى مدينة أحمد آباد (كبرى مدن غُجَرات)، حيث كان مقرراً للرئيس ترمب ورئيس الوزراء مودي أن يتكلما في اجتماع سياسي حاشد في 24 فبراير الماضي. وقال أحد المسؤولين المطلعين على مجريات الأمور «نعم، كنا نتوقع اندلاع المزيد من الاحتجاجات ضد قانون تعديل المواطنة أثناء زيارة الرئيس الأميركي، لكننا لم نفشل في توقع شدة العنف فحسب، بل تغافلنا عن إشارات كانت واضحة لاحتمالات العنف الدموي الوشيك».
أعمال العنف اندلعت يوم الأحد 23 فبراير، أي قبيل وصول ترمب، واندفع المتظاهرون في شمال شرقي دلهي على نحو مفاجئ، واحتشدوا حول محطة مترو جفر آباد، ثم احتلوا طريقاً رئيسية، وأغلقوا حركة المرور هناك. واشتعلت المظاهرات - تتقدمها النساء - في غفلة من شرطة المدينة، التي سرعان ما استفاقت لمواجهة الوضع، مع خشيتهم من أن تؤدي محاولات التفريق القسري للمتظاهرين إلى تفاقم العنف والشغب قبل زيارة الرئيس الأميركي.
وتفاقمت الأوضاع تلك الليلة إثر وصول كابيل ميشرا - وهو قيادي في حزب «بهاراتيا جاناتا» كان قد خسر في انتخابات ولاية دلهي الأخيرة - وقيادته جموعاً من الغوغاء في جفر آباد، وتهديده المتظاهرين والشرطة. وفي مقطع للفيديو نشره على «تويتر»، هدد ميشرا المتظاهرين والشرطة، وحذر من اتخاذ إجراءات عنيفة إن لم يتفرّق المتظاهرون خلال ثلاث ساعات على الأكثر. وشوهدت قوات الشرطة في ذلك الفيديو تقف إلى جانبه وهو يتفوه بتحذيراته تلك. وبعد بضع ساعات، توافدت جموع مسلحة على المنطقة، بينما كانت قوات الشرطة في وادٍ آخر تماماً.
الصحافي راجديب سارديساي، قال معلقاً: «هذا عصر الغوغاء الذين يستغلون منصّات التواصل الاجتماعية في تضخيم أصواتهم ودعاويهم الفجة. وفي دلهي، أتقن سياسي هامشي مثل كابيل ميشرا فنون تصدّر عناوين الأخبار من خلال التصريحات الاستفزازية». وتابع: «ميشرا متهمٌ بإشعال نيران العنف التي اجتاحت جزءاً من العاصمة الوطنية عن طريق تهديده المتظاهرين المعارضين لقانون تعديل المواطنة في الشوارع، إما بالانسحاب الفوري، أو مواجهة العواقب الوخيمة. وكان نفسه قد وصف انتخابات دلهي المحلية بأنها (معركة الهند ضد باكستان)، في إشارة فئوية فاقعة غايتها بث الكراهية لكسب مزيد من الأصوات في الانتخابات التي خسرها عن جدارة. والآن يجب محاسبته على دوره المشؤوم المزري في أحداث العنف التي شهدتها العاصمة».
ولكن كابيل ميشرا، لم يكن وحده عنصر تأجيج لأحداث العنف الأخيرة. ففي الأسبوع الماضي، حذّر وارث باثان، وهو قيادي محلي في «مجلس اتحاد المسلمين في عموم الهند» بمدينة مومباي، من أن «150 مليون مسلم هندي يستطيعون التغلب على مليار هندوسي» في سياق الاحتجاجات الرامية إلى إسقاط «قانون تعديل المواطنة».
والحقيقة أن المخاوف الحقيقية هي في أن تكون أحداث العنف في دلهي مجرد شرارة البداية تنتشر بعدها أعمال عنف وشغب مماثلة في أماكن أخرى من الهند، لا سيما، أنه لا مؤشرات على أن الحزب الهندوسي الحاكم قد استفاد من دروس الماضي، أو أنه رغب فعلياً في ردم الهوة الدينية المتسعة. فهو لو كان راغباً حقاً بذلك، لكان أخرس ألسنة أمثال كابيل ميشرا بدلاً من إتاحة المجال أمامه، بل وإضفاء الشرعية على خطاباته السامة. ولكن إذا كان ينوي ردم الهوة، فعليه أن يشرع في حوار مع المتظاهرين بدلاً من إقصائهم ونبذهم. إن سياسات الكراهية المضادة للمسلمين ربما ترسخ من قاعدة التأييد الهندوسي لـ«بهاراتيا جاناتا» حالياً، لكنها ستؤدي في نهاية المطاف إلى حالة استقطاب خطيرة إن شاعت بين أوصال المجتمع قد تقضي نهائياً على اللحمة الوطنية.

مؤشرات خطر أمام مودي

هناك العديد مما يجب أن يُشعر حكومة ناريندرا مودي بالقلق، على رأسها تشويه «العلامة الوطنية» للهند كدولة علمانية ديمقراطية. هذا سيؤثر سلباً على الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تمس صميم الحاجة إلى إنعاش الاقتصاد الهندي الراكد وتعزيز آفاق النمو. لقد كانت أغلب وسائل الإعلام العالمية حاضرة في نيودلهي لتغطية زيارة الرئيس ترمب الرسمية. ومع ذلك، وبدلاً من مظاهر الأبهة التي استعان بها مودي لإبهار الرئيس الأميركي وبقية دول العالم، صارت أعمال العنف في العاصمة محط الاهتمام الدولي آنذاك. وبدت الهند دولة غارقة في الفوضى والاضطراب الاجتماعي، وفي شوارع على بعد بضعة كيلومترات فقط من المكان الذي شهد اجتماعات الزعيمين الكبيرين. وهذا يحدث بينما يحاول المساعدون والمستشارون الحكوميون العثور على الطرق والوسائل الممكنة لاحتواء الضرر. وتنشغل العديد من الإدارات الحكومية في سلسلة مستمرة من الاجتماعات اليومية لمناقشة الخطوات المزمع اتخاذها في المرحلة المقبلة. ولكن لم تظهر للعلن بعد أي خطة عمل واضحة بعد.
الصحافية الهندية آرتي جيراث قالت، «لا بد أن يستشعر مودي القلق الشديد على انهيار الجهد الذي بذله خلال فترة ولايته الأولى لبناء صورته دولياً، وحيازة القبول العالمي كزعيم تُحسب له الحسابات. أي مستثمر يرغب في ضخ أمواله في دولة تشهد شوارع عاصمتها أعمال عنف طائفية دينية إبان زيارة رسمية لرئيس دولة أجنبية كبيرة ومؤثرة؟ وأي ثقة يُمكن أن توضع في دولة تنهار أجهزتها الإدارية، وتثير عناصر حزبها الحاكم مشاعر الحقد والكراهية بين أبناء الشعب الواحد؟».
أيضاً ترى الصحافية الهندية المخضرمة تافلين سينغ، في تعليقها على الأحداث، «لقد تعرّضت صورة ناريندرا مودي كرجل دولة للاهتزاز الشديد، ولا يتحمل أحد اللوم سواه. ولا نقول هذا عن أعمال العنف الرهيبة في دلهي فحسب، وإنما عن خطابات الكراهية التي سمح مودي لكبار رجال دولته بإلقائها في مختلف المناسبات. كانت خطابات الكراهية السبب الرئيس في اندلاع العنف، ومعها بدأ المسلمون يشعرون بالغربة في وطنهم إبان ولاية مودي الأولى... شخصياً، لا أذكر فترة كانت فيها التوترات الطائفية بين الهندوس والمسلمين أكثر اشتعالاً مما هي عليه الآن. والسبب أنه في (الهند الجديدة) يعتقد الرجال والنساء الهندوس المفعمون بالكراهية ضد المسلمين أنهم يملكون الضوء الأخضر من زعماء الهند لمعاملة مسلميها كمواطنين من الدرجة الثانية».
وأردفت: «إن رئيس الوزراء، على اعتباره بطلهم، وحده يستطيع وقف حملة الكراهية الشديدة التي عصفت بمكانته الشخصية على المستويين المحلي والدولي. ومن المهم فعل ذلك بسرعة، لأنه ليس من الجيد أبداً بالنسبة للهند كدولة كبيرة أن تظل طائفة تبلغ 200 مليون نسمة من مواطنيها في حالة من العزلة والإقصاء المستمرين».

فتش عن «قانون تعديل المواطنة»
> علّقت الصحافية الهندية فرح نقوي، في أعقاب أعمال الشغب في دلهي، «كان من المهم قبل اندلاع أعمال العنف الأخيرة النظر في ومراجعة تداعيات القانون الطائفي الجديد من قبل (التحالف التقدمي الهندي المتحد)، قبل أن يحول إلى قانون نافذ المفعول. الهند في أمسّ الحاجة إلى قانون يتعامل مع جريمة نشر الكراهية. كما تحتاج البلاد إلى قانون ينص على معاقبة الأشخاص الذين يتقاعسون عن إجراءات اللازمة لمنع وقوع أعمال الشغب المجتمعية والتصرف بأسلوب صحيح فور وقوعها. وفي اللحظة الراهنة، نترك الأمر برمته إلى الضمير الأخلاقي للحكومات. ولا بد أن يصير الأمر من المتطلبات القانونية التي لا محيد عنها بحال».
وترى نقوي أن الاحتجاجات على «قانون تعديل المواطنة» من التحولات المهمة جداً في الهند، وأن الباب الذي أُوصد قسراً في وجه المسلمين يحاولون الآن فتحه عنوة وبكل قوة. وهم يؤكدون على هويتهم كمواطنين كاملي المواطنة في الهند، مع التأكيد على جنسيتهم وكل حقوقهم الدستورية الأخرى.

أعمال عنف... أم أكثر؟!
> ثار جدل حول ما إذا كان ينبغي توصيف الأحداث التي شهدتها العاصمة في الأسبوع الماضي على أنها من أعمال الشغب أو أمر أكثر خطورة - ربما «مذبحة مدبرة» مثلاً. وتعتبر «المذابح المدبرة» درجة خاصة من أعمال الشغب التي تتجاوز مجرد الصدام المؤقت بين جماعتين من المتعارضين. بدلاً من ذلك، تناصر قوات الشرطة إحدى الجماعات، إما عن طريق غض الطرف تماماً، أو عن طريق التحريض غير المباشر، أو ربما المشاركة المباشرة في أعمال العنف في بعض الأحيان. ويكمن الاختلاف بين أعمال الشغب و«المذابح المدبرة» في تصرفات الدولة نفسها - من خلال أفعال قوات الشرطة خلال الأحداث. وبدأ مصطلح «المذابح المدبرة» في الظهور إبان روسيا القيصرية مع إطلاق المذابح المروّعة ضد اليهود الروس.
وهنا يقول الكاتب رافي أغاروال، «يُعتقد أن أعمال الشغب بين الهندوس والمسلمين في العاصمة دلهي خلال الأسبوع الماضي تحمل بعض السمات المميزة للمذابح المدبرة. ولقد شهدت الهند مثل تلك الأعمال من قبل: ففي عام 2002، في ولاية غُجَرات، عندما كان مودي يشغل منصب رئيس وزراء الولاية، سقط أكثر من 1000 قتيل في أعمال شغب دينية، معظمهم من المسلمين. ومع تبرئة ساحة مودي حينذاك من ارتكاب أي مخالفات من قبل القضاء، قال النقاد إنه كان بإمكانه فعل الكثير للحؤول دون وقوع الهجمات».
ومرة أخرى سابقة في عام 1984، في العاصمة دلهي، جرى استهداف وقتل أكثر من 3 آلاف من طائفة السيخ في أعقاب حادثة اغتيال رئيسة الوزراء أنديرا غاندي، على أيدي حراسها الشخصيين من السيخ. وفي كلتا الحالتين - حسب الخبراء - ما كان ممكناً اندلاع أعمال الشغب من دون تواطؤ واضح من جانب قوات الشرطة الحاضرة.
في أي حال، أكدت شرطة العاصمة دلهي أن هذه هي أول أعمال الشغب التي تندلع بين الهندوس والمسلمين باستخدام واسع النطاق لمختلف الأسلحة. وذكرت مصادر في الشرطة «أن مثل هذا الاستخدام الكبير للأسلحة النارية، لا سيما الأسلحة المصنعة محلياً، يعكس بوضوح أن الناس كدّسوا مسبقاً هذه الأسلحة قبل اندلاع الأحداث».



فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟
TT

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية، بقيادة ميشال بارنييه، في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)، على رأس الحكومة الجديدة. يأتي قرار التعيين في الوقت الذي تعيش فيه فرنسا أزمة برلمانية حادة بسبب غياب الأغلبية وهشاشة التحالفات، مما يضفي على الحياة السياسية جواً من عدم الاستقرار والفوضى. كان هذا القرار متوقَّعاً حيث إن رئيس الوزراء الجديد من الشخصيات المعروفة في المشهد السياسي الفرنسي، والأهم أنه كان عنصراً أساسياً في تحالف ماكرون الوسطي وحليف الرئيس منذ بداية عهدته في 2017. تساؤلات كثيرة رافقت إعلان خبر التعيين، أهمها حظوظ رئيس الوزراء الجديد في تحقيق «المصالحة» التي ستُخرِج البلاد من الأزمة البرلمانية، وقدرته على إنقاذ عهدة ماكرون الثانية.

أصول ريفية بسيطة

وُلِد فرنسوا بايرو في 25 مايو (أيار) عام 1951 في بلدة بوردار بالبرينيه الأطلسية، وهو من أصول بسيطة، حيث إنه ينحدر من عائلة مزارعين، أباً عن جدّ. كان يحب القراءة والأدب، وهو ما جعله يختار اختصاص الأدب الفرنسي في جامعة بوردو بشرق فرنسا. بعد تخرجه عمل في قطاع التعليم، وكان يساعد والدته في الوقت ذاته بالمزرعة العائلية بعد وفاة والده المفاجئ في حادث عمل. بدأ بايرو نشاطه السياسي وهو في سن الـ29 نائباً عن منطقة البرانس الأطلسي لسنوات، بعد أن انخرط في صفوف حزب الوسط، ثم رئيساً للمجلس العام للمنطقة ذاتها بين 1992 و2001. إضافة إلى ذلك، شغل بايرو منصب نائب أوروبي بين 1999 و2002. وهو منذ 2014 عمدة لمدينة بو، جنوب غربي فرنسا، ومفتّش سامٍ للتخطيط منذ 2020.

شغل بايرو مهام وزير التربية والتعليم بين 1993 و1997 في 3 حكومات يمينية متتالية. في 2017 أصبح أبرز حلفاء ماكرون، وكوفئ على ولائه بحقيبة العدل، لكنه اضطر إلى الاستقالة بعد 35 يوماً فقط، بسبب تورطه في تحقيق يتعلق بالاحتيال المالي. ومعروف عن فرنسوا بايرو طموحه السياسي، حيث ترشح للرئاسة 3 مرات، وكانت أفضل نتائجه عام 2007 عندما حصل على المركز الثالث بنسبة قاربت 19 في المائة.

مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف (إ.ب.أ)

شخصية قوية وعنيدة

في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون: كيف ضغط رئيس (الموديم) على إيمانويل ماكرون»، كشفت صحيفة «لوموند» أن رئيس الوزراء الجديد قام تقريباً بليّ ذراع الرئيس من أجل تعيينه؛ حيث تشرح الصحيفة، بحسب مصادر قريبة من الإليزيه، أن بايرو واجه الرئيس ماكرون غاضباً، بعد أن أخبره بأنه يريد تعيين وزير الصناعة السابق رولان لوسكور بدلاً منه، واستطاع بقوة الضغط أن يقنعه بالرجوع عن قراره وتعيينه هو على رأس الحكومة.

الحادثة التي نُقلت من مصادر موثوق بها، أعادت إلى الواجهة صفات الجرأة والشجاعة التي يتحّلى بها فرنسوا بايرو، الذي يوصف أيضاً في الوسط السياسي بـ«العنيد» المثابر. ففي موضوع آخر نُشر بصحيفة «لوفيغارو» بعنوان: «فرنسوا بايرو التلميذ المصاب بالتأتأة يغزو ماتنيون»، ذكرت الصحيفة أن بايرو تحدَّى الأطباء الذين نصحوه بالتخلي عن السياسة والتعليم بسبب إصابته وهو في الثامنة بالتأتأة أو الصعوبة في النطق، لكنه نجح في التغلب على هذه المشكلة، بفضل عزيمة قوية، واستطاع أن ينجح في السياسة والتعليم.

يشرح غيوم روكيت من صحيفة «لوفيغارو» بأنه وراء مظهر الرجل الريفي الأصل البشوش، يوجد سياسي محنّك، شديد الطموح، بما أنه لم يُخفِ طموحاته الرئاسية، حيث ترشح للرئاسيات 3 مرات، و«لن نكون على خطأ إذا قلنا إنه استطاع أن يستمر في نشاطه السياسي كل هذه السنوات لأنه عرف كيف يتأقلم مع الأوضاع ويغيّر مواقفه حسب الحاجة»، مذكّراً بأن بايرو كان أول مَن هاجم ماكرون في 2016 باتهامه بالعمل لصالح أرباب العمل والرأسماليين الكبار، لكنه أيضاً أول مع تحالف معه حين تقدَّم في استطلاعات الرأي.

على الصعيد الشخصي، يُعتبر بايرو شخصية محافظة، فهو أب لـ6 أطفال وكاثوليكي ملتزم يعارض زواج المثليين وتأجير الأرحام، وهو مدافع شرس عن اللهجات المحلية، حيث يتقن لهجته الأصلية، وهي اللهجة البيرينية.

رجل الوفاق الوطني؟

عندما تسلّم مهامه رسمياً، أعلن فرنسوا بايرو أنه يضع مشروعه السياسي تحت شعار «المصالحة» ودعوة الجميع للمشاركة في النقاش. ويُقال إن نقاط قوته أنه شخصية سياسية قادرة على صنع التحالفات؛ حيث سبق لفرنسوا بايرو خلال الـ40 سنة خبرة في السياسة، التعاون مع حكومات ومساندة سياسات مختلفة من اليمين واليسار.

خلال مشواره السياسي، عمل مع اليمين في 1995، حيث كان وزيراً للتربية والتعليم في 3 حكومات، وهو بحكم توجهه الديمقراطي المسيحي محافظ وقريب من اليمين في قضايا المجتمع، وهو ملتزم اقتصادياً بالخطوط العريضة لليبيراليين، كمحاربة الديون وخفض الضرائب. وفي الوقت ذاته، كان فرنسوا بايرو أول زعيم وسطي يقترب من اليسار الاشتراكي؛ أولاً في 2007 حين التقى مرشحة اليسار سيغولين رويال بين الدورين الأول والثاني من الانتخابات الرئاسية للبحث في تحالف، ثم في 2012 حين صنع الحدث بدعوته إلى التصويت من أجل مرشح اليسار فرنسوا هولاند على حساب خصمه نيكولا ساركوزي، بينما جرى العرف أن تصوّت أحزاب الوسط في فرنسا لصالح اليمين.

ومعروف أيضاً عن رئيس الوزراء الجديد أنه الشخصية التي مدّت يد المساعدة إلى اليمين المتطرف، حيث إنه سمح لمارين لوبان بالحصول على الإمضاءات التي كانت تنقصها لدخول سباق الرئاسيات عام 2022، وهي المبادرة التي تركت أثراً طيباً عند زعيمة التجمع الوطني، التي صرحت آنذاك قائلة: «لن ننسى هذا الأمر»، كما وصفت العلاقة بينهما بـ«الطيبة». هذه المعطيات جعلت مراقبين يعتبرون أن بايرو هو الأقرب إلى تحقيق التوافق الوطني الذي افتقدته الحكومة السابقة، بفضل قدرته على التحدث مع مختلف الأطياف من اليمين إلى اليسار.

ما هي حظوظ بايرو في النجاح؟رغم استمرار الأزمة السياسية، فإن التقارير الأولية التي صدرت في الصحافة الفرنسية توحي بوجود بوادر مشجعة في طريق المهمة الجديدة لرئيس الوزراء. التغيير ظهر من خلال استقبال أحزاب المعارضة لنبأ التعيين، وعدم التلويح المباشر بفزاعة «حجب الثقة»، بعكس ما حدث مع سابقه، بارنييه.

الإشارة الإيجابية الأولى جاءت من الحزب الاشتراكي الذي عرض على رئيس الوزراء الجديد اتفاقاً بعدم حجب الثقة مقابل عدم اللجوء إلى المادة 3 - 49 من الدستور، وهي المادة التي تخوّل لرئيس الحكومة تمرير القوانين من دون المصادقة عليها. الاشتراكيون الذين بدأوا يُظهرون نيتهم في الانشقاق عن ائتلاف اليسار أو «جبهة اليسار الوطنية» قد يشكّلون سنداً جديداً لبايرو، إذا ما قدّم بعض التنازلات لهم.

وفي هذا الإطار، برَّر بوريس فالو، الناطق باسم الحزب، أسباب هذا التغيير، بالاختلاف بين الرجلين حيث كان بارنييه الذي لم يحقق حزبه أي نجاحات في الانتخابات الأخيرة يفتقد الشرعية لقيادة الحكومة، بينما الأمر مختلف نوعاً ما مع بايرو. كما أعلن حزب التجمع الوطني هو الآخر، وعلى لسان رئيسه جوردان بارديلا، أنه لن يكون هناك على الأرجح حجب للثقة، بشرط أن تحترم الحكومة الجديدة الخطوط الحمراء، وهي المساس بالضمان الصحّي، ونظام المعاشات أو إضعاف اقتصاد البلاد.

يكتب الصحافي أنطوان أوبردوف من جريدة «لوبنيون»: «هذه المرة سيمتنع التجمع الوطني عن استعمال حجب الثقة للحفاظ على صورة مقبولة لدى قاعدته الانتخابية المكونة أساساً من كهول ومتقاعدين قد ترى هذا الإجراء الدستوري نوعاً من الحثّ على الفوضى».

كما أعلن حزب اليمين الجمهوري، على لسان نائب الرئيس، فرنسوا كزافييه بيلامي، أن اليمين الجمهوري سيمنح رئيس الحكومة الجديد شيئاً من الوقت، موضحاً: «سننتظر لنرى المشروع السياسي للسيد بايرو، ثم نقرر». أما غابرييل أتال، رئيس الوزراء السابق عن حزب ماكرون، فأثنى على تعيين بايرو من أجل «الدفاع على المصلحة العامة في هذا الظرف الصعب».

أما أقصى اليسار، الممثَّل في تشكيلة «فرنسا الأبية»، إضافة إلى حزب الخضر، فهما يشكلان إلى غاية الآن الحجر الذي قد تتعثر عليه جهود الحكومة الجديدة؛ فقد لوَّحت فرنسا الأبية باللجوء إلى حجب الثقة مباشرة بعد خبر التعيين، معتبرة أن بايرو سيطبق سياسة ماكرون لأنهما وجهان لعملة واحدة.

فرانسوا بايرو يتحدث في الجمعة الوطنية الفرنسية (رويترز)

أهم الملفات التي تنتظر بايرو

أهم ملف ينتظر رئيس الوزراء الجديد الوصول إلى اتفاق عاجل فيما يخص ميزانية 2025؛ حيث كان النقاش في هذا الموضوع السبب وراء سقوط حكومة بارنييه. وكان من المفروض أن يتم الإعلان عن الميزانية الجديدة والمصادقة عليها قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2024، لولا سقوط الحكومة السابقة، علماً بأن الدستور الفرنسي يسمح بالمصادقة على «قانون خاص» يسمح بتغطية تكاليف مؤسسات الدولة وتحصيل الضرائب لتجنب الشلّل الإداري في انتظار المصادقة النهائية. أوجه الخلاف فيما يخّص القانون تتعلق بعجز الميزانية الذي يُقدَّر بـ60 مليار يورو، الذي طلبت الحكومة السابقة تعويضه بتطبيق سياسة تقشفية صارمة تعتمد على الاقتطاع من نفقات القطاع العمومي والضمان الاجتماعي، خاصة أن فرنسا تعاني من أزمة ديون خانقة حيث وصلت في 2023 إلى أكثر من 3200 مليار يورو. الرفض على المصادقة قد يأتي على الأرجح من اليسار الذي يطالب بإيجاد حل آخر لتغطية العجز، وهو رفع الضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء. وكان فرنسوا بايرو من السياسيين الأكثر تنديداً بأزمة الديون، التي اعتبرها مشكلة «أخلاقية» قبل أن تكون اقتصادية؛ حيث قال إنه من غير اللائق أن «نحمّل أجيال الشباب أخطاء التدبير التي اقترفناها في الماضي».

الملف الثاني يخص نظام المعاشات، وهو ملف يقسم النواب بشّدة بين اليمين المرحّب بفكرة الإصلاح ورفع سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة، إلى اليسار الذي يرفض رفع سنّ التقاعد، معتبراً القانون إجراءً غير عادل، وبالأخص بالنسبة لبعض الفئات، كذوي المهن الشاقة أو الأمهات.

وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا كانت قد شهدت حركة احتجاجات شعبية عارمة نتيجة إقرار هذا القانون، وبالأخص بعد أن كشفت استطلاعات الرأي أن غالبية من الفرنسيين معارضة له. صحيفة «لكبرس»، في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون ماذا كان يقول عن المعاشات» تذكّر بأن موقف رئيس الوزراء بخصوص هذا الموضوع كان متقلباً؛ فهو في البداية كان يطالب بتحديد 60 سنة كحّد أقصى للتقاعد، ثم تبنَّى موقف الحكومة بعد تحالفه مع ماكرون.

وعلى طاولة رئيس الوزراء الجديد أيضاً ملف «الهجرة»؛ حيث كان برونو ريتيلو، وزير الداخلية، قد أعلن عن نصّ جديد بشأن الهجرة في بداية عام 2025، الهدف منه تشديد إجراءات الهجرة، كتمديد الفترة القصوى لاحتجاز الأجانب الصادر بحقهم أمر بالترحيل أو إيقاف المساعدات الطبية للمهاجرين غير الشرعيين. سقوط حكومة بارنييه جعل مشروع الهجرة الجديد يتوقف، لكنه يبقى مطروحاً كخط أحمر من قِبَل التجمع الوطني الذي يطالب بتطبيقه، بعكس أحزاب اليسار التي هددت باللجوء إلى حجب الثقة في حال استمرت الحكومة الجديدة في المشروع. وهذه معادلة صعبة بالنسبة للحكومة الجديدة. لكن محللّين يعتقدون أن الحكومة الجديدة تستطيع أن تنجو من السقوط، إذا ما ضمنت أصوات النواب الاشتراكيين، بشرط أن تُظهر ليونة أكبر في ملفات كالهجرة ونظام المعاشات، وألا تتعامل مع كتلة اليمين المتطرف.

إليزابيث بورن (أ.ف.ب)

بومبيدو

دوفيلبان

حقائق

رؤساء الحكومة الفرنسيون... معظمهم من اليمين بينهم سيدتان فقط


منذ قيام الجمهورية الخامسة عام 1958، ترأَّس حكومات فرنسا 28 شخصية سياسية، ينتمي 8 منها لليسار الاشتراكي، بينما تتوزع الشخصيات الأخرى بين اليمين الجمهوري والوسط. ومن بين هؤلاء سيدتان فقط: هما إيديت كريسون، وإليزابيث بورن.هذه قائمة بأشهر الشخصيات:جورج بومبيدو: ترأَّس الحكومة بين 1962 و1968. معروف بانتمائه للتيار الوسطي. شغل وظائف سامية في مؤسسات الدولة، وكان رجل ثقة الجنرال شارل ديغول وأحد مقربيه. عيّنه هذا الأخير رئيساً للوزراء عام 1962 ومكث في منصبه 6 سنوات، وهو رقم قياسي بالنسبة لرؤساء حكومات الجمهورية الخامسة. لوران فابيوس: ترأَّس الحكومة بين 1984 و1986. ينتمي للحزب الاشتراكي. شغل منصب وزير المالية، ثم وزيراً للصناعة والبحث العلمي. حين عيّنه الرئيس الراحل فرنسوا ميتران كان أصغر رئيس وزراء فرنسي؛ حيث كان عمره آنذاك 37 سنة. شغل أيضاً منصب رئيس الجمعية الوطنية. تأثرت شعبيته بعد محاكمته بوصفه مسؤولاً عن الحكومة في قضية الدم الملوّث الذي راح ضحيته أكثر من 4 آلاف فرنسي. كما تكرر اسمه في مفاوضات الملف النووي الإيراني.جاك شيراك: إضافة لوظيفته الرئاسية المعروفة، ترأَّس جاك شيراك الحكومة الفرنسية مرتين: المرة الأولى حين اختاره الراحل فاليري جيسكار ديستان وكان ذلك بين 1974 و1976، ثم إبان عهدة الرئيس فرنسوا ميتران بين 1986 و1988. شغل مناصب سامية، وتقلّد مسؤوليات عدة في مؤسسات الدولة وأجهزتها، حيث كان عمدة لمدينة باريس، ورئيس حزب التجمع الجمهوري اليميني، ووزيراً للزراعة.دومينيك دوفيلبان: شغل وظيفة رئيس الحكومة في عهدة الرئيس جاك شيراك بين 2005 و2007، وكان أحد مقربي الرئيس شيراك. كما شغل أيضاً حقيبة الخارجية ونال شعبية كبيرة بعد خطابه المعارض لغزو العراق أمام اجتماع مجلس الأمن في عام 2003. حين كان رئيس الوزراء، أعلن حالة الطوارئ بعد أحداث العنف والاحتجاجات التي شهدتها الضواحي في فرنسا.فرنسوا فيون: عيّنه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في منصب رئيس الوزراء بين 2007 و2012، وهو بعد بومبيدو أكثر الشخصيات تعميراً في هذا المنصب. شغل مناصب وزارية أخرى حيث كُلّف حقائب التربية، والتعليم، والشؤون الاجتماعية، والعمل. أصبح رسمياً مرشح حزب الجمهوريون واليمين والوسط للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017، وأُثيرت حوله قضية الوظائف الوهمية التي أثّرت في حملته الانتخابية تأثيراً كبيراً، وانسحب بعدها من الحياة السياسية.