- مئوية فيلليني: تحية معجب
أول كلمة نسمعها في فيلم فديريكو فيلليني «الشيخ الأبيض» هي «روما».
«الشيخ الأبيض» (1952)، عن امرأة مغرمة رومانتيكياً بصورة أمير عربي، كان أول ما أخرجه فيلليني منفرداً. قبله أخرج «أضواء المنوعات» ( Variety Lights) بالاشتراك مع مخرج جيد آخر، إنما من مدرسة مختلفة 180 درجة، هو ألبرتو لاتوادا. وقبل ذلك كان مساعد مخرج لبعض أفلام روبرتو روسيليني (من بينها «روما مدينة مفتوحة»، 1945) ولفيلم واحد من أفلام لاتوادا هو «بلا رحمة» (1948).
طبعاً، روما في «روما مدينة مفتوحة» لا علاقة لها بروما كما انعكست على/ وفي أفلام فديريكو فيلليني سواء في «الشيخ الأبيض» أو في «روما فيلليني» (1972). روما حسب فيلليني مدينة تاريخ وحنان وحب. في أرشيف مجلة «ذا نيويوركر» سنة 1965 نص مقابلة أقدمت عليها المجلة التي لا غنى عن قراءتها حتى اليوم، وفيها قال فيلليني:
«أمي من روما. حال وصلت إلى المدينة صغيراً مع والدتي شعرت بأنني في مدينتي. الآن أعتبر روما شقتي الخاصة. هذا هو الإغراء السري لروما. ليس كما لو كان المرء في مدينة، بل كما لو كان في شقة. الشوارع كالممرات. روما لا تزال هي الأم».
إنه حنين رائع وحب كبير لمدينة تطرق إليها المخرج في أكثر من هذين المثالين المذكورين. وفي أحد أفلامه بكاها. الفيلم هو «تمارين الأوركسترا» سنة 1978، الذي مر من تحت رادار كثيرين من النقاد معتبرين إياه عملاً ثانوياً. فيه تعرض فيه لتاريخ روما وثقافتها وفنونها منهوباً بسبب تطوّر عصري يحيل كل شيء إلى حيطان مهدمة كحال المشهد الأخير من الفيلم.
قبله في «81-2» (عام 1963) أقدم على النقاش التاريخي نفسه، هذه المرّة محاطاً بحكاية بطله (مارشيللو ماستروياني) حين يدرك أنه وحقيقة روما متباعدان. لاكتشاف وضعه لا يلجأ بطله إلى الانغماس أكثر في المدينة بل لهجرانها، لحين يستعيد قراره مع نفسه… ولكي يفعل ذلك يختار بحر مدينة أخرى أحبها فيلليني هي مدينة ريميني التي وُلد فيها قبل مائة سنة.
ريميني خصها بفيلمه الرائع والساحر والساخر معاً «أماركورد» (1973). هناك سرد أحداث من ذاكرته كفتى شاب. صوّر المدينة وصوّر ساحلها. أحب في المدينة حاراتها ولياليها وعبثها. وفي البحر ملاذه وفضاؤه.
البحر بالنسبة إليه كان الراحة المثلى. لا عجب أن بطله في «ثمانية ونصف» اختار البحر، لكي يستعيد حياته من جديد.
مرَّت مائة سنة على مولده (و27 سنة على رحيله) وما زالت أفلامه (معظمها على الأقل) أعمال مبهرة اليوم كما كانت بالأمس.