روسيا تعزز وجودها العسكري في سوريا وتستحضر التاريخ العثماني ـ الروسي

TT

روسيا تعزز وجودها العسكري في سوريا وتستحضر التاريخ العثماني ـ الروسي

أظهرت بيانات الرحلات الجوية ومراقبة حركة السفن أن روسيا سارعت الخطى لتعزيز قواتها في سوريا عن طريق البحر والجو قبل القمة بين الرئيسين؛ التركي رجب طيب إردوغان، والروسي فلاديمير بوتين في موسكو أمس. كما اختارت سفينتين تحملان اسمين «إشكاليين» بين البلدين.
واتفق الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان على الاجتماع بعد تصاعد التوتر بين بلديهما نتيجة القتال في محافظة إدلب السورية بين قوات الحكومة السورية المدعومة من روسيا والمعارضة المتحالفة مع تركيا.
وأثار القتال احتمال وقوع اشتباك مباشر بين الجيشين الروسي والتركي اللذين يدعمان طرفين متناحرين في الصراع السوري، ويأمل إردوغان في أن تسفر المحادثات عن وقف لإطلاق النار في إدلب.
وأظهر تحليل أجرته «رويترز» لبيانات الرحلات الجوية ومراقبة المراسلين للملاحة في مضيق البوسفور في شمال غربي تركيا أن روسيا بدأت في زيادة الشحنات البحرية والجوية إلى سوريا في 28 فبراير (شباط) الحالي، أي بعد يوم من مقتل 34 جندياً تركياً في ضربة جوية بسوريا. وأثار هذا الحادث قلقاً في موسكو من احتمال أن تغلق تركيا مضيق البوسفور أمام السفن الحربية الروسية وتمنع طائرات النقل العسكرية الروسية من استخدام المجال الجوي التركي.
ولم ترد وزارة الدفاع الروسية حتى الآن على طلب للتعليق. وقال مسؤول تركي طلب عدم الكشف عن هويته إنه لا توجد خطة لإغلاق المضيق الذي سيجبر روسيا على سلك مسارات أطول إلى سوريا.
لكن يبدو أن روسيا تعمل على تعزيز وجودها في سوريا بأسرع معدل لها منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي حين انسحبت القوات الأميركية من بعض أنحاء سوريا وسارعت موسكو لملء الفراغ.
وتظهر مراقبة «رويترز» للبوسفور منذ 28 فبراير الماضي أن روسيا أرسلت 5 سفن حربية باتجاه سوريا خلال 6 أيام. ويتجاوز ذلك الحد المعتاد وهو إرسال سفينة حربية واحدة أو اثنتين في الأسبوع.
وأعلن الجيش الروسي عن انطلاق الفرقاطة «الأدميرال غريغوروفيتش» والفرقاطة «ماكاروف» إلى سوريا، لكن 3 سفن حربية أخرى تبعتهما في تحرك لم يعلن عنه؛ إحداها السفينة «أورسك» القادرة على حمل 20 دبابة و50 شاحنة أو 45 ناقلة جند مدرعة ونحو 400 جندي. والسفينتان الأخريان هما «نوفوتشيركاسك» و«سيزار كونيكوف»، وتقدران على حمل أكثر من 300 جندي ودبابة ومدرعة. وردت تركيا بتعزيز بروتوكول مرافقة السفن الحربية الروسية التي تستخدم مضيق البوسفور؛ إذ رافقت 3 سفن دوريات تركية وطائرة هليكوبتر الفرقاطتين الروسيتين بينما تبحر مثل هذه الفرقاطات عادة بمصاحبة سفينة واحدة تابعة لخفر السواحل.
أظهرت بيانات الرحلات أن ما لا يقل عن 5 طائرات ركاب وطائرات شحن يشغلها الجيش الروسي وصلت إلى سوريا، بينها 3 طائرات في يوم واحد منذ 28 فبراير الماضي.
جاء ذلك في أعقاب وصول 12 طائرة عسكرية أخرى خلال 18 يوماً. ويمثل ذلك أكبر نشاط عسكري جوي روسي في سوريا منذ أكتوبر الماضي. ولا تقدم بيانات التعقب المتاحة علناً سوى لمحة عن الرحلات العسكرية الروسية لسوريا لأنه ليس بالإمكان تعقب كل هذه الطائرات.
وقال أحد الأشخاص الذين يعملون عن قرب مع القوات الروسية في سوريا إن مساعي موسكو تهدف إلى البعث برسالة لأنقرة، كما أنها «استعراض عضلات». وأضاف الشخص أن الحشد السريع هو بطاقة ضمان في حال فشل اجتماع بوتين وإردوغان وفرضت أنقرة قيوداً على مضيق البوسفور أو مجالها الجوي. وتبدي تركيا مؤشرات على أنها رصدت التعزيزات الروسية لقواتها قرب «حميميم»؛ وهي قاعدتها الجوية الرئيسية في محافظة اللاذقية. وقال مسؤول أمني تركي: «روسيا تقوم بعمليات تعزيز كبيرة قرب (حميميم)»، مضيفاً أن موسكو كثفت الدعم اللوجيستي للجيش السوري. وقال: «هذه تحركات قد تضر بالأجواء الإيجابية التي ربما تسود اجتماع الغد»، لكنه عبر عن أمله في «نتائج إيجابية».
وقالت صحيفة «يني شاغ» التركية، إن اسمي فرقاطتين روسيتين، ذكّرا بالحروب العثمانية - الروسية. وأضافت أن السفينتين حملتا اسمي: «الأدميرال ماكاروف»، و«الأدميرال غريغوروفيتش»، وعبرت كلتاهما مضيق البوسفور، وتحملان صواريخ «كروز»، واتجهتا إلى سواحل سوريا.
وستيبان ماكاروف، هو الأدميرال الذي وجّه الضربة الأولى للبحرية العثمانية في الحـرب العثمانية - الروسية (1877 - 1878) المعروفة باسم «حرب 93»، فيما يعدّ إيفان غريغوروفيتش، آخر وزير لبحرية الإمبراطورية الروسية؛ من عام 1911 إلى 1917، وهو أدميرال البحرية الروسية لدى قصفها السواحل العثمانية في الحرب العالمية الأولى.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.