مدنية الدولة ومخاوف العسكرة تقسّم قبائل ليبيا

أرشيفية لجنود ليبيون يحرسون نقطة تفتيش في مدينة الجفرة جنوب شرق البلاد بعد مواجهات مسلحة بين أطراف قبلية
أرشيفية لجنود ليبيون يحرسون نقطة تفتيش في مدينة الجفرة جنوب شرق البلاد بعد مواجهات مسلحة بين أطراف قبلية
TT

مدنية الدولة ومخاوف العسكرة تقسّم قبائل ليبيا

أرشيفية لجنود ليبيون يحرسون نقطة تفتيش في مدينة الجفرة جنوب شرق البلاد بعد مواجهات مسلحة بين أطراف قبلية
أرشيفية لجنود ليبيون يحرسون نقطة تفتيش في مدينة الجفرة جنوب شرق البلاد بعد مواجهات مسلحة بين أطراف قبلية

دعا مئات المواطنين وزعماء القبائل في مدن غرب ليبيا، أمس، إلى «الاحتشاد وراء القوات المدافعة عن العاصمة طرابلس من المعتدين»، مطالبين بدعمها بكل الوسائل الممكنة، حفاظاً على ما سموه بـ«مدنية الدولة».
وأكد المجتمعون في لقاء «ملتقى المدن والقبائل المؤيدة للدولة المدنية»، الذي ضم عشرات الممثلين عن قبائل مدن الغرب الليبي، أنه «لا بد من الاستمرار في الدفاع عن مكتسبات ثورة 17 فبراير (شباط)، التي قضي فيها مئات من أبنائهم للخلاص من الديكتاتورية والحكم الفردي»، لافتين إلى أن «مدنية الدولة» تعد من «مكاسب تلك الثورة».
ويأتي هذا الاجتماع رداً على اجتماع آخر، ضم مشايخ وأعيان قبائل ليبية بمدينة ترهونة (غرب) في 20 فبراير الماضي، دعا إلى الاصطفاف خلف القوات المسلحة العربية في حربها ضد الإرهاب، وقيامها بـ«تحرير» طرابلس وكامل التراب الليبي.
وعقب اجتماع ترهونة، طالبت بعض الأصوات المحسوبة على غرب البلاد بالكف عن «تسييس القبائل»، ورأت ضرورة الإبقاء على دورها الاجتماعي فقط، دون الزج بها في الخلافات السياسية. لكن المحسوبين على هذا التيار أنفسهم رفضوا التعليق على مؤتمر الزاوية؛ حيث هتف جميع من حضر به: «حكم العسكر لا... نموت شهداء». في إشارة واضحة إلى الحرب التي يشنها «الجيش الوطني» على طرابلس.
وفي مقارنة لا تخلو من تندر، قال بعض الحاضرين لاجتماع القبائل في الزاوية، أمس، إنه «لم ترفع صورة واحدة للسراج (رئيس المجلس الرئاسي) أو باشاغا (وزير داخليته) كما فعلت القبائل التي اجتمعت في ترهونة... فقط رفعنا أعلام ليبيا الحرة». وعلى خلفية تصاعد الغضب داخل الأوساط السياسية في عموم ليبيا، أمس، إثر الدعوة التي وجّهها الرئيس التونسي قيس سعيد إلى القبائل الليبية لعقد اجتماع موسع في بلاده، بهدف البحث عن حل ليبي - ليبي، دافع وزير الداخلية بحكومة «الوفاق» أمس عن الدور الاجتماعي للقبائل، ورأى ضرورة أن يستثمر هذا الدور في أعمال المصالحة بين المتخاصمين.
وأوضح باشاغا أنه التقى الرئيس التونسي، مبيناً أن «اللقاء كان فرصة رائعة لتأكيد المصير المشترك الذي يربط شعبينا، وتمسك الليبيين بالمؤسسات الرسمية، وبالشرعية الدولية»، موضحاً أن «ليبيا ليست أفغانستان، والقبيلة فيها تمثل غطاء اجتماعياً يجب أن يستثمر في المصالحة، لا أن يستبدل بمؤسسات الدولة».
وعقب «الثورة» التي أسقطت نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، تصاعد دور القبيلة في ليبيا، وحقق بعضها مكانة كبيرة بفضل قيامها بدور في المصالحة الوطنية، فيما تصاعد نفوذ البعض الآخر، وزادت سطوتها بفعل ما تمتلكه من سلاح. وفي هذا السياق، قال الناشط الليبي إمحمد إلياس لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن «هناك عملية استقطاب واسعة تتم لاجتذاب القبائل الليبية، وإدخالها إلى الساحة السياسية»، مشيراً إلى أن كل طرف بات يبحث عن دعم لدى القبائل، التي تقع في نطاق سيطرته، مكايدة للطرف الآخر، وهذا من شأنه أن يزيد حدة الانقسام والتشرذم بين المكونات الاجتماعية.
وكانت قبائل ترهونة قد دعت إلى «مقاومة كل أشكال التدخل الخارجي، وفي مقدمته الغزو التركي ومن يسانده»، وتوعدت بمقاضاة تركيا وقطر أمام المحاكم الدولية، مؤكدة أنها ستقف خلف «الجيش الوطني» بكل ما تملك.



الأمم المتحدة تطالب بإغاثة 10 ملايين يمني

الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
TT

الأمم المتحدة تطالب بإغاثة 10 ملايين يمني

الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)

بالتزامن مع تحذيرها من تفاقم الأزمة الإنسانية، ووصول أعداد المحتاجين للمساعدات العاجلة إلى أكثر من 19 مليون شخص، أطلقت الأمم المتحدة وشركاؤها خطة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في اليمن للعام الحالي لمساعدة أكثر من 10 ملايين محتاج.

ويأتي ذلك في ظل تراجع حاد للعملة اليمنية، إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، بعد تجاوز سعر الدولار 2160 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، التي عجزت عن سداد رواتب الموظفين منذ 4 أشهر، بعد أكثر من عامين من تسبب الجماعة الحوثية في توقف تصدير النفط، واشتداد أزمات الخدمات العامة، وانقطاع الكهرباء في عدن حيث العاصمة المؤقتة للبلاد لأكثر من نصف اليوم.

ودعت الأمم المتحدة المجتمع الدولي والمانحين إلى توفير مبلغ 2.47 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية لليمن للعام الحالي، لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة لأكثر من 19.5 مليون شخص.

وجاءت الدعوة على لسان جوليان هارنيس، منسق الشؤون الإنسانية في اليمن، الذي طالب بتقديم الدعم اللازم لضمان الوصول إلى الفئات الأكثر ضعفاً وتقديم المساعدات المنقذة للحياة لـ10.5 مليون شخص، مشيراً إلى أن الجهود السابقة خلال العام الماضي، شملت أكثر من 8 ملايين شخص بدعم تجاوز 1.4 مليار دولار.

نصف الأطفال اليمنيين يعانون من سوء تغذية وتعدّ النساء والفتيات من الفئات الأكثر ضعفاً (الأمم المتحدة)

وشدَّد هاريس على أن الاحتياجات خلال العام الحالي تتطلب استجابة أوسع وأكثر شمولية لتحقيق الاستقرار وبناء قدرة المجتمعات على الصمود، منوهاً بأن تدهور الأوضاع الاقتصادية، والظروف المناخية القاسية، والتطورات العسكرية الإقليمية أسهمت في مضاعفة الاحتياجات الإنسانية.

ويواجه نصف السكان تقريباً انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، ويعيش أكثر من 13 مليون شخص في ظل نقص حاد في مياه الشرب النظيفة، بينما تعمل 40 في المائة من المرافق الصحية بشكل جزئي أو لا تعمل.

وكانت الأمم المتحدة طالبت العام الماضي بـ2.7 مليار دولار لخطة الاستجابة الإنسانية، لكنها لم تحصل سوى على تعهدات ضئيلة، ما تسبب في عجز كبير في تلبية احتياجات المستهدفين.

تناقض الاحتياجات والمطالب

ويؤكد جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أرقام الاحتياجات الإنسانية التي تعلن عنها الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الدولية، لكنه يشير إلى التناقض بين ما تعلن عنه من احتياجات ومساعيها للحصول على تمويل لتلبية تلك الاحتياجات، إلى جانب عدم قدرتها على الوصول إلى المستهدفين بسبب نقص المعلومات والبيانات، بالإضافة إلى التغيرات الديموغرافية الحاصلة بفعل النزوح.

استمرار الصراع ترك اليمنيين في حالة احتياج دائم للمساعدات (الأمم المتحدة)

وفي تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أعرب بلفقيه عن مخاوفه من عدم إمكانية الحصول على المبالغ المطلوبة لصالح الاستجابة الإنسانية بسبب سوء الترويج للأزمة الإنسانية في اليمن لدى المانحين، لافتاً إلى أن طرق تعامل المنظمات الدولية والأممية في الإغاثة لم تتغير منذ عام 2015، رغم فشلها في تلبية احتياجات اليمنيين، وإنهاء الأزمة الإنسانية أو الحد منها.

وقبيل إطلاقها خطة الاستجابة الإنسانية للعام الحالي، حذّرت الأمم المتحدة، من اشتداد الأزمة الإنسانية في اليمن، بعد تجاوز أعداد المحتاجين إلى مساعدات إنسانية هذا العام 19.5 مليون شخص، بزيادة قدرها 1.3 مليون شخص مقارنة بالعام الماضي، مبدية قلقها على الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية، وعلى الفئات الأكثر تهميشاً من بينهم، مثل النساء والفتيات والنازحين البالغ عددهم 4.8 مليون شخص.

وقالت نائبة رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، جويس مسويا، أمام مجلس الأمن الدولي إنّ اليمنيين ما زالوا يواجهون أزمة خطرة على الصعيدين الإنساني وحماية المدنيين، مشيرة إلى أن تقديرات النداء الإنساني للعام الحالي الذي يجري إعداده، كشفت عن تفاقم الأزمة.

وباء الكوليرا عاد للتفشي في اليمن بالتزامن مع ضعف القطاع الصحي (رويترز)

ووفق حديث مسويا، فإنّ نحو 17 مليون يمني، أي ما يقدر بنصف سكان البلاد، لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية، وما يقرب من نصف الأطفال دون سنّ الخامسة يعانون من تأخر خَطرٍ في النمو بسبب سوء التغذية، مع انتشار مروّع لوباء الكوليرا، بينما يعاني النظام الصحي من ضغوط شديدة.

انهيار العملة

وواصلت العملة اليمنية تراجعها إلى أدنى المستويات، وتجاوز سعر العملات الأجنبية المتداولة في البلاد 2160 ريالاً للدولار الواحد، و565 ريالاً أمام الريال السعودي، بعد أن ظلت تتراجع منذ منتصف العام الماضي، وهي الفترة التي شهدت تراجع الحكومة اليمنية عن قراراتها بفرض حصار على البنوك التجارية المتواطئة مع الجماعة الحوثية.

ويرجع الخبراء الاقتصاديون اليمنيون هذا الانهيار المتواصل للعملة إلى الممارسات الحوثية ضد الأنشطة الاقتصادية الحكومية، مثل الاعتداء على مواني تصدير النفط الخام ومنع تصديره، وإجبار الشركات التجارية على الاستيراد عبر ميناء الحديدة الخاضع للجماعة، إلى جانب المضاربة غير المشروعة بالعملة، وسياسات الإنفاق الحكومية غير المضبوطة وتفشي الفساد.

العملة اليمنية واصلت تدهورها الحاد خلال الأشهر الستة الماضية (رويترز)

ويقدر الباحث الاقتصادي اليمني فارس النجار الفجوة التمويلية لأعمال الإغاثة والاستجابة الإنسانية، بأكثر من 3 مليارات دولار، ويقول إن تراكمات هذا العجز خلال السنوات الماضية أوصل نسبة تغطية الاحتياجات الإنسانية في البلاد إلى 52 في المائة.

ولمح النجار في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى تضرر الاقتصاد اليمني بفعل أزمة البحر الأحمر وما سببته من تحول طرق التجارة العالمية أو ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، مع عدم بروز إمكانية لتحسن اقتصادي دون توقف الجماعة الحوثية عن ممارساتها أو إلزامها بالكف عنها، بالتوازي مع إجراءات داخلية لتحسين الإيرادات.

استهداف الحوثيين للسفن التجارية في البحر الأحمر ضاعف من تدهور الاقتصاد اليمني (أ.ف.ب)

وحثّ النجار الحكومة اليمنية على اتباع سياسات تزيد من كفاءة تحصيل الإيرادات المحلية، وتخفيف فاتورة الاستيراد، ومن ذلك تشجيع الأنشطة الزراعية والسمكية وتوفير فرص عمل جديدة في هذين القطاعين اللذين يشكلان ما نسبته 30 في المائة من حجم القوى العاملة في الريف، وتشجيع زراعة عدد من المحاصيل الضرورية.

يشار إلى أن انهيار العملة المحلية وعجز الحكومة عن توفير الموارد تسبب في توقف رواتب الموظفين العموميين منذ 4 أشهر، إلى جانب توقف كثير من الخدمات العامة الضرورية، ومن ذلك انقطاع الكهرباء في العاصمة المؤقتة عدن لمدد متفاوتة تصل إلى 14 ساعة يومياً.