خلاف بين «حزب الله» و«الوطني الحر» حول التعاون مع {النقد الدولي}

زعيما «الوطني الحر» و «حزب الله» في لقاء سابق.
زعيما «الوطني الحر» و «حزب الله» في لقاء سابق.
TT

خلاف بين «حزب الله» و«الوطني الحر» حول التعاون مع {النقد الدولي}

زعيما «الوطني الحر» و «حزب الله» في لقاء سابق.
زعيما «الوطني الحر» و «حزب الله» في لقاء سابق.

برز مؤخراً تباين في المواقف بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» تجاه مقاربة الأزمة المالية؛ فبعدما أعلن «الحزب» موقفاً واضحاً برفض أي تعاون مع صندوق النقد الدولي وحصر أي اتصال به في الاستشارات، ساد استياء لدى بعض القياديين في «التيار الوطني الحر» الذين أعلنوا رفض المواقف المسبقة في هذا المجال في ظل خطورة الوضع الراهن وغياب البدائل الجدية.
وكان أول من أعلن عن موقف «حزب الله»، نعيم قاسم، نائب أمينه العام، الذي قال إن «(الحزب) لا يقبل بالخضوع لأدوات استكبارية في العلاج؛ أي لا يقبل بصندوق النقد الدولي ليدير الأزمة». وبعد موقف قاسم أعلن عضو تكتل «لبنان القوي» النائب ألان عون عدم موافقته على موقف «الحزب» من التعاون مع صندوق النقد الدولي، وقال عون إنه يجب عدم اتخاذ مواقف مسبقة، باعتبار أنه «قبل رفض أي خيار، يجب أن يكون لدينا خيار بديل».
وشدد عون في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أنه «لا يجوز تحميل الاختلاف بالرأي حول نقطة معيّنة أبعاداً سياسية كبيرة، خصوصاً أن الأزمة المالية موضوع جديد على النقاش بعدما عاشت الطبقة السياسية حالة رخاء واسترخاء على صعيد النظام التمويلي للدولة لم تسمح لها بالتفكير والتحضير ليوم الوقوع في الهاوية كما يحصل الآن»، لافتاً إلى أن «النقاش يتشعب اليوم وتتعدّد الآراء حول طريقة المعالجة والخروج من المأزق المالي، وهذا شيء طبيعي، لكن الأهمّ هو أن نصل في نهاية المطاف إلى تصوّر مشترك ونضع خارطة طريق لحلول واقعية وجدّية».
وجدد عون التأكيد على وجوب «عدم إطلاق مواقف مسبقة من أي موضوع؛ أكان الصندوق الدولي أو غيره»، قائلاً: «نحن اليوم في طور دراسة ونقاش خطّة إنقاذ؛ وبناء عليها نأخذ قراراتنا. هذه الخطّة يجب أن تتضمّن الحاجات التمويلية المطلوبة، بالإضافة إلى الأمور الأخرى؛ كإعادة هيكلة الدين، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي... وغيرهما». وأضاف: «عندما نحددّ حجم تلك الحاجات والأبواب التي يمكن أن نلجأ إليها (صندوق نقد دولي، دول صديقة... إلخ)، حينها يمكننا أن نقوم بخياراتنا»، مشدداً على أن «أي خيار يجب أن يبقى طبعاً ضمن احترام سيادتنا وضمن شروط يقدر مجتمعنا على تحمّلها».
ويطرح «حزب الله» بدائل عن صندوق النقد الدولي لتأمين السيولة اللازمة لتنشيط الاقتصاد المحلي، كتحميل المصارف جزءاً من الأعباء وإعادة الأموال التي تم تهريبها إلى الخارج خلال الأزمة الأخيرة. وتشير مصادر مطلعة على أجواء «الحزب» إلى 3 نقاط أساسية يقوم عليها موقف الحزب: أولا؛ الموافقة على الأخذ بالمشورة الفنية لصندوق النقد من دون التقيد بشروطه. ثانياً؛ السير بإعادة هيكلة الدين العام. ثالثاً؛ البحث خلال الأشهر الثلاثة المقبلة عن مصادر سيولة بديلة، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «البلاد تحتاج لنحو 4 مليارات دولار ونصف حتى شهر حزيران (يونيو)، ونحن قادرون على تأمين المبلغ؛ سواء من خلال إجراءات داخلية، أو من خلال مساعدات خارجية؛ سواء فرنسية أو غيرها».
في المقابل، يعدّ مدير «معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية» الدكتور سامي نادر أنه «لم يعد لدى لبنان خيار إلا الاستعانة بصندوق النقد الدولي، لأننا وصلنا إلى مرحلة لم تعد فيها الإصلاحات على ضرورتها كافية»، مشدداً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على «وجوب ضخ سيولة بالاقتصاد اللبناني تقدر بنحو 10 مليارات دولار خلال العام الحالي»، مضيفاً: «لا شك في أن هذا الخيار صعب، لكن وفي حال لم نقم بذلك، فسنتجه إلى مزيد من الانكماش الاقتصادي، وبالتالي إقفال مزيد من المؤسسات وصرف مزيد من الموظفين». ويرى نادر أن الحملة التي يشنها «حزب الله» على صندوق النقد، حملة سياسية لاعتباره أن الصندوق تتحكم به الولايات المتحدة، مستهجناً رفض البعض الخضوع لشروط سيفرضها الصندوق، قائلاً: «كيف يتوقعون أن نحصل على قروض إذا كان الطرف الذي سيعطينا الأموال لا يضمن استعادة أمواله وأن يكون المشروع الذي يستثمر فيه مشروعاً ناجحاً؟».
وتواصلت أمس ردود الفعل المستغربة للمواقف المسبقة لـ«حزب الله» تجاه صندوق النقد، فقال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أمام وفد إعلامي زاره بمقر إقامته في معراب: «الشيخ نعيم قاسم اعتبر أن صندوق النقد الدولي هو (الشيطان الرجيم) ووصفه بالإمبريالية. فليأت الشيخ نعيم إذن بشيطان غير رجيم لإنقاذ الوضع في لبنان. الواقع اليوم لا يحتاج لهذه الآيديولوجيات».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم