زار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الهند، في الآونة الأخيرة، وهو رابع رئيس للولايات المتحدة يزور البلاد، بعد بيل كلينتون وجورج دبليو بوش وباراك أوباما، الذي زارها مرتين، وكان الضيف الرئيسي في يوم الجمهورية الهندي في 2015، وكان هناك الكثير من النقاش حول ما إذا كانت زيارته تمثل نقطة تحول في العلاقة أو الاستمرارية بين البلدين.
وعلى الرغم من أن زيارة ترمب قد استغرقت يومين فقط، فإنه يبدو بوضوح أنه كان سعيداً للغاية بالترحيب الحار الذي لاقاه هناك، إضافة إلى العناق المتكرر بينه وبين رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، دون أي تحفظ من جانب ترمب. وقد أشار ترمب في خطابه إلى العديد من النقاط الجذابة في الثقافة والحضارة في الهند، مستشهداً بإبداعات السينما الهندية، والمهرجانات والحرية الدينية. وقد كانت هناك أهمية كبيرة لهذه الزيارة من النواحي الجيوسياسية والاستراتيجية والعسكرية.
- أهمية الزيارة من الناحية الجيوسياسية
خلال كلمته التي ألقاها في موتيرا، أشار ترمب إلى الصين بشكل واضح، لكن دون تسميتها، وتحدث عن كيف شجعت الولايات المتحدة ودول أخرى صعود الهند، في حين أثار صعود الآخرين مقاومة قوية. إن الإشارة إلى الهند والمحيط الهادئ وبحر الصين الجنوبي، مع التركيز على حرية الملاحة والتجارة والرحلات الجوية، كان المقصود بها العند الصيني.
ويشير تقرير «استراتيجية منطقة المحيط الهادي الهندية»، الصادر عن البنتاغون، في 1 يوليو (تموز) 2019، إلى الهند، باعتبارها شريكاً استراتيجياً يدعم المصالح والقيم المشتركة، بينما يسلط الضوء على سلوك الصين العنيد الذي يقوض النظام الدولي والنظام القائم على القواعد.
ويقول الكاتب سويز ديساي، إن «الولايات المتحدة تنظر إلى نهوض الهند وقدراتها الدفاعية المتزايدة في المستقبل كوسيلة لتحقيق التوازن مع طموحات الصين في منطقة المحيط الهادئ الهندية، ومع ذلك، فإن الهند تقترب من هذه المنطقة مع بعض الحذر، فهي تدرك الآثار المترتبة على نهضة الصين، ولكنها تتراجع عن التصريح بذلك بشكل صريح، وقد ظهر ذلك ضمنياً في يونيو (حزيران) 2018 خلال خطاب رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، في ملتقى شانغريلا في سنغافورة، حيث قال إن استراتيجية الهند في منطقة المحيط الهادئ الهندية ليست ضد أي بلد ثالث».
وفي حين أن جاذبية الهند كوجهة ضخمة للسوق والاستثمار لا تزال تشكل عاملاً رئيسياً في اهتمام الولايات المتحدة بها، فإن نفوذ الهند المتزايد في الساحة الدولية يلعب أيضاً دوراً رئيسياً في هذا التحول في الموقف الأميركي تجاهها.
وبصرف النظر عن مسألة إبرام الصفقات، فإن زيارة ترمب للهند تظهر بوضوح الأهمية التي يوليها للهند ولرئيس الوزراء مودي، وذلك في الوقت الذي يواجه فيه الرئيس الأميركي عدة تحديات مختلفة على المستوى العالمي، خصوصاً الصين التي تلوح في الأفق في منطقة المحيط الهادئ الهندية.
وقد برز جانب مهم آخر من جوانب الجغرافيا السياسية، عندما قال ترمب، في المؤتمر الصحافي المشترك مع مودي، في نيودلهي: «معاً، أنا ورئيس الوزراء نعيد تنشيط المبادرة الرباعية بين الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان».
وقد شهدت المبادرة الرباعية تسارعاً كبيراً في الخطوات منذ إعادة انعقادها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، وكان من بين المعالم البارزة الأخيرة الاجتماع الذي عقد في سبتمبر (أيلول) 2019 على المستوى الوزاري، وذلك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وقد تمت هذه المبادرة، الذي تم تصميمها أصلاً في 2007، خلال أول ولاية لرئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، لضم 4 ديمقراطيات ذات حصص في الهيكل الإقليمي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ معاً، وذلك لإجراء مشاورات حول القضايا الإقليمية. وتعتبر إشارة ترمب إلى هذه المبادرة في الهند مهمة، بشكل خاص، لأن الهند هي العضوة الوحيدة في المبادرة التي لا تعد حليفة رسمية بموجب معاهدة للولايات المتحدة مثل اليابان وأستراليا. وقد كان المعلقون في كل من الهند والخارج يشعرون بالقلق من أنه من خلال التركيز أكثر من اللازم على التجارة، فإن ترمب يقوض الشراكة بين الهند والولايات المتحدة، كما رأوه وكأنه يضحي بالمنطق الاستراتيجي الأكبر على مذبح «المطالب التجارية المهمة». ويقول المعلق الهندي سوبهاش كابيلا، «لقد أدت زيارة ترمب إلى تخفيف حدة هذه المخاوف، حيث أشار الرئيس الأميركي إلى التعريفة الجمركية العالية للهند، وتعهد بتوقيع صفقة كبيرة شاملة في وقت لاحق من العام، لكنه بدا بشكل عام متسامحاً مع القرارات الإجبارية الهندية، وقلل من شأن الخلافات حول التجارة، وأبرز أهمية التعاون الاستراتيجي الأكبر، وهو ما انعكس في البيان المشترك».
بالنسبة لمودي، فإن الولايات المتحدة تعد دولة حاسمة للهند من الناحية الاستراتيجية، خصوصاً في الحفاظ على توازن مناسب للقوى في آسيا، ولقد بذل جهداً كبيراً لإبقاء ترمب على جانبه، وكانت النتيجة الإيجابية لزيارة الأخير للبلاد، من نواحٍ كثيرة، بمثابة انتصار لأسلوب مودي الدبلوماسي الفريد، وللسياسة الخارجية البراغماتية والحاسمة التي طالما دافع عنها لتأمين مكانة الهند.
ويقول أحد كبار الصحافيين في الهند، راغ شينغابا، «لقد عمل مودي على تنفيذ سياساته منذ أن أصبح رئيساً للوزراء في 2014، وما زال يفعل ذلك في ولايته الثانية، حيث لم يعد ترمب يعترف فقط به باعتباره قائداً استثنائياً ورائعاً وصديقاً حقيقياً، ولكنه قال أيضاً إن الهند ستكون لاعبة هائلة بالفعل، وإنه يمكنها لعب دور قيادي مهم في تشكيل مستقبل أفضل، وأنها تتحمل مسؤولية أكبر في حل المشكلات وتعزيز السلام في جميع أنحاء هذه المنطقة الرائعة».
- الأميركيون من أصل هندي
تعد الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي إلى الهند، قبل حوالي 8 أشهر من مواجهته للناخبين في محاولته للفوز بولاية ثانية في البيت الأبيض، في نوفمبر المقبل، مهمة للغاية، وذلك ليس فقط لما قد تسفر عنه في تعزيز العلاقة الاستراتيجية بين هاتين الديمقراطيتين الشقيقتين، ولكن لما تقوله عن مكانة الهند والأميركيين من أصل هندي المتزايدة على الساحة السياسية في الولايات المتحدة. وكان الهدف من زيارة ترمب هو الحصول على دعم الأميركيين من أصل هندي في الولايات المتحدة، وهو المجتمع الذي كان يميل في الماضي نحو الديمقراطيين، ففي 2016، صوَّت أكثر من 80 في المائة من الأميركيين الهنود لصالح منافسة ترمب الديمقراطية، هيلاري كلينتون، وذلك وفقاً لاستطلاع الرأي الذي أجراه الصندوق الآسيوي الأميركي للدفاع القانوني والتعليم. وفي ذلك العام، تم تسجيل حوالي 1.2 مليون أميركي هندي للتصويت، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 1.4 مليون في انتخابات 2020. وفي خطابه الذي ألقاه في «استاد موتيرا» في أحمد آباد، قال ترمب عن الأميركيين الهنود الذين يعيشون في الولايات المتحدة، والبالغ عددهم 4 ملايين، إنهم «أصدقاؤنا وزملاؤنا وجيراننا الرائعون الذين يقومون بإثراء كل جانب من جوانب حياتنا، فهم عمالقة في عالم الأعمال، وهم أكبر وأفضل رواد العلوم، وأسياد الفن، والابتكار التكنولوجي». ويقول رئيس الائتلاف الجمهوري الهندوسي، هاريباي باتل، الذي كان هناك خلال زيارة ترمب، إن «الصداقة الحميمة بين الزعيمين سيكون لها بالتأكيد تأثير إيجابي في الولايات المتحدة بين الجالية الهندية هناك». وبمجرد عودة ترمب للولايات المتحدة، تم إطلاق حملة بالفعل لجذب أصوات الناخبين الأميركيين من أصل هندي، فهناك إعلان على موقع «فيسبوك» للتواصل الاجتماعي يظهر فيه ترمب والسيدة الأولى، ميلانيا ترمب، يقفان أمام تاج محل الشهير، فيما هناك إعلان آخر مكتوب به «أميركا تحب الهند»، ويتضمن صورة لترمب ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي معاً.
- أهمية الزيارة من ناحية الدفاع
خلال خطابه في موتيرا، قال ترمب إن الولايات المتحدة تتطلع إلى تزويد الهند بأفضل المعدات العسكرية، وأكثرها رعباً للأعداء، بما في ذلك الطائرات والصواريخ والسفن وأنظمة الدفاع الجوي المتقدمة والمركبات الجوية المسلحة وغير المسلحة، وأضاف: «أعتقد أن الولايات المتحدة يجب أن تكون الشريك الأول للدفاع في الهند، وسندافع معاً عن سيادتنا وأمننا للحفاظ على منطقة المحيط الهادئ حرة ومفتوحة». وتشير بيانات معهد استوكهولم الدولي لبحوث السلام إلى أن صادرات الأسلحة الأميركية إلى الهند في الفترة بين 2013 - 2017 قد زادت بنسبة 557 في المائة عن الخمس سنوات التي سبقت تلك الفترة. وتؤكد الزيارة الأخيرة التي قام بها ترمب، هذه البيانات، حيث كانت أكبر نتائج هذه الزيارة الارتقاء بالعلاقة بين الهند والولايات المتحدة إلى «شراكة استراتيجية عالمية شاملة»، حيث أعلن الرئيس الأميركي عن صفقة دفاع بقيمة 3 مليارات دولار أميركي، التي بموجبها ستشتري الهند طائرات هليكوبتر من طراز «إم إتش - 60 آر» البحرية، وطائرات «أباتشي إيه إتش - 64 إي»، وغيرها من المعدات العسكرية من الولايات المتحدة.
وفي العام الماضي، أقر مجلس الشيوخ الأميركي قانون إقرار الدفاع الوطني، الذي جعل الهند على قدم المساواة مع حلفاء حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وذلك من خلال زيادة شراكات الدفاع وتبادل تقنيات الدفاع المتقدمة، وأثناء إصدار هذا القانون، سعى الكونغرس إلى إطلاع البنتاغون على سبل ووسائل زيادة التعاون الدفاعي الأميركي - الهندي، والمشاركة العسكرية في منطقة المحيط الهادئ الهندية، ومن المقرر أن تظهر هذه البيانات قبل 1 مارس (آذار) 2020.
وفي العام الماضي، عقدت الولايات المتحدة والهند أول مناورات عسكرية برمائية ثلاثية على الإطلاق باسم «النمر المنتصر»، قبالة الساحل الشرقي للهند، وكان هذا بالإضافة إلى 3 تدريبات بحرية أخرى، ووقعت كل منهما على مذكرة اتفاق للتبادل اللوجستي، واتفاقية الاتصال والتوافق والأمان.
لكن حتى في ظل استمرار المفاوضات الحميمة بين الزعيمين، فقد اندلعت أعمال شغب مجتمعية في شمال شرقي دلهي، ما أسفر عن مقتل ما يقرب من 40 شخصاً وإصابة المئات، وقد زاد هذا التوتر القبيح عشية زيارة ترمب ووصل إلى نقطة أزمة أثناء وجوده في دلهي، ما أثار تساؤلات حول دوافع هذه التوترات، فهل كانت مجرد محاولة لإحراج مودي أثناء استقباله لأكثر ضيف حظي بهذا التكريم في الهند؟