سر ارتفاع تكاليف بناء المنازل الميسرة في ولاية كاليفورنيا

يعتقد سيناتور أميركي وجود إفراط ومغالاة في الرقابة على سوق الإسكان في ولاية كاليفورنيا
يعتقد سيناتور أميركي وجود إفراط ومغالاة في الرقابة على سوق الإسكان في ولاية كاليفورنيا
TT

سر ارتفاع تكاليف بناء المنازل الميسرة في ولاية كاليفورنيا

يعتقد سيناتور أميركي وجود إفراط ومغالاة في الرقابة على سوق الإسكان في ولاية كاليفورنيا
يعتقد سيناتور أميركي وجود إفراط ومغالاة في الرقابة على سوق الإسكان في ولاية كاليفورنيا

تبلغ تكلفة المنزل المتوسط في الولايات المتحدة الأميركية نحو 240 ألف دولار. لكن في سان فرانسيسكو، المصنّفة بين أغلى مواقع البناء على مستوى العالم، تصل تكلفة بناء الشقة المكونة من غرفتين للنوم وفق معايير تكاليف البناء الميسرة نحو 750 ألف دولار.
وصارت تكاليف الإسكان المتصاعدة بلا ضابط في كاليفورنيا من أبرز مظاهر عدم المساواة في الولاية. وفي يوم الأربعاء، عاد غافين نيوزوم، حاكم الولاية، إلى ذكر تلك المسألة أكثر من 35 مرة متتالية في خطبة ساخنة للغاية، داعياً المشرعين خلالها إلى العمل على حل أزمة التشرد في الولاية من خلال زيادة وتيرة أعمال البناء.
غير أن أسعار الإسكان الباهظة للغاية في كاليفورنيا تعكس واقعاً يؤكد على صعوبة تحول الأقوال إلى أفعال. إذ يبلغ متوسط تكاليف بناء المساكن الميسرة (بأسعار معقولة) في ولاية كاليفورنيا ثلاثة أضعاف مثيلتها في ولايتي تكساس أو إلينوي، وفقاً لبيانات الحكومة الفيدرالية.
ومرجع أسباب ارتفاع تكاليف بناء المساكن في كاليفورنيا، كما يقول المطورون العقاريون، إلى ارتفاع أسعار الأراضي وأجور العمالة في الولاية. وفي سان فرانسيسكو وحدها، يتقاضى عامل البناء نحو 90 دولاراً عن الساعة الواحدة في المتوسط، وفقاً لبيانات صادرة عن شركة «تيرنر تاونسند» للاستشارات العقارية في المدينة.
بيد أن التكاليف الأخرى غير المتعلقة مباشرة بأعمال البناء تضيف زخماً كبيراً ومزيداً. فمع صرف النظر تماماً عن ارتفاع أسعار الأراضي، نجد أن ربع تكاليف بناء المنازل الميسرة في الولاية تذهب لتغطية الرسوم الحكومية، والتصاريح، والشركات الاستشارية، وذلك وفقاً لدراسة أجريت في عام 2014 من قبل وزارة الإسكان والتنمية المجتمعية في ولاية كاليفورنيا (وزارة محلية تتبع حكومة الولاية).
وحتى يندرج المبنى تحت تصنيف الإسكان الميسر، فلا بد من حصوله في المعتاد على الإعفاءات الضريبية والإعانات الحكومية. وتقول الباحثة كارولينا ريد – من مركز «تيرنر» التابع لجامعة كاليفورنيا فرع بيركلي ومؤلفة تحليل قيد النشر حول تكاليف الإسكان الميسر في الولاية «يتطلب مشروع الإسكان الميسر الواحد التمويل من ست جهات مختلفة»، ولقد وصفت تلك العملية بقولها «الوفاة بألف جرح قطعي!».
ويتذكر السيناتور براين جونز من كاليفورنيا العمل في أحد مشاريع الإسكان الميسر عندما كان يشغل منصبه في مجلس مدينة سانتي في كاليفورنيا بالقرب من سان دييغو: «استغرق الأمر منا قرابة ستة أشهر كاملة لحشد المحاميين لدينا، ومحاميي شركة التطوير العقاري، مع محاميي الحكومة الفيدرالية من أجل الموافقة على مستندات المشروع، وكان ذلك يتعلق بمجرد تأمين التمويل اللازم للمشروع. ولقد تنحيت عن متابعة العملية وأبلغت المطور العقاري وقتذاك أنني لا أصدق أن هذا المشروع يستلزم عدداً من المحاميين بأكثر مما يتطلب من عمال البناء».
وأضاف السيناتور جونز، وهو رئيس التجمع الحزبي الجمهوري في مجلس الشيوخ حالياً «هناك إفراط ومغالاة في الرقابة على سوق الإسكان في ولاية كاليفورنيا، بدءاً من (قانون الجودة البيئية) المعمول بها في الولاية».
وتسمح قوانين ولاية كاليفورنيا لأي مواطن بالاعتراض على أي مشروع من مشاريع البناء بموجب أحكام القانون المذكور، الذي اعتبر حين إقراره والتوقيع عليه من جانب رونالد ريغان، حاكم الولاية آنذاك، من الجهود الكبيرة المميزة في حماية البيئة من التنمية العقارية غير المنضبطة في الولاية.
ويقول السيناتور جونز رفقة الكثير من المطورين والخبراء العقاريين، إن القانون بات يستخدم الآن معول هدم قانونياً لدى أي مواطن يرغب في إبطاء مشروع من المشاريع أو إيقافه بالكلية. وقال دوغلاس آبي، المحاضر في الشؤون العقارية لدى كلية إدارة الأعمال التابعة لجامعة ستانفورد «يمكن لأي مواطن وبرسوم قليلة للغاية أن يستهدف مشروعاً عقارياً ويعلق الاستمرار فيه عبر سنوات من المماحكات القضائية العقيمة».
وتحظى حماية البيئة باهتمام بالغ في ولاية كاليفورنيا، مع وجود اتفاق ضمني بين ممثلي الحزبين الكبيرين على أن أسعار المساكن مرتفعة للغاية في الولاية. وحاول الحاكم نيوزوم الدفع من خلال الاستثناءات والإعفاءات في مواجهة «قانون الجودة البيئية» لصالح ملاجئ ومآوي المشردين في الولاية، وقال إنه ينبغي على حكومة الولاية النظر في المزيد من الإعفاءات لهذا الغرض.
وقال دوغلاس آبي، وهو المطور والمستثمر العقاري السابق، إن النوايا الحسنة في هذا الصدد غالباً ما ترجع بنتائج عكسية. وأضاف، أن القوانين التي تطالب شركات التطوير العقاري بناء نسبة معينة مخصصة للإسكان الميسر كجزء من مشاريع أسواق العقارات الخاصة بهم هي ليست سوى صورة من صور الضرائب الخفية، فضلاً عن كونها عقبة على طريق بناء المساكن الشاملة.
واستطرد مضيفاً «ما يتعين على حكومة الولاية والحكومات المحلية إدراكه أن نقص الإسكان هو بالأساس مشكلة في العرض. وهناك أعباء جمة تتعلق باستحداث وطرح المساكن الجديدة في الولاية».
وليس من غير المعهود بالنسبة لمشروع من المشاريع العقارية في كاليفورنيا أن يستغرق سنوات كثيرة في استكمال الأوراق والمستندات المطلوبة لتقسيم المناطق المخصصة أو الرد على اعتراضات أصحاب الممتلكات الأخرى قبل مجرد البدء في تهيئة الأرض للمشروع.
وقال جدسون ترو، مدير إحدى الإدارات في مجلس مدينة سان فرانسيسكو التي تسعى لتسريع وتيرة بناء المساكن في المدينة، إن عملية بناء المساكن الميسرة مرهقة ومعقدة للغاية «لا ينبغي لمشروع بهذا القدر من الأهمية أن يستغرق هذا الوقت الطويل أو يستلزم هذا القدر من الصعوبة والعناء».
وفي العام الماضي، شرعت مدينة سان فرانسيسكو في إنشاء 767 شقة بأسعار معقولة ومدعومة من حكومة الولاية، ووصف جدسون ترو الأمر بقوله «ذلك أقل بكثير مما نحتاج إليه فعلياً في المدينة».
وتسجل سان فرانسيسكو أعلى معدل لتكاليف البناء الشاملة على مستوى العالم، وفقاً لتقرير صادر في عام 2019 عن شركة «تيرنر تاونسند» للاستشارات العقارية.
ومتوسط تكاليف البناء في سان فرانسيسكو هو أعلى بنسبة 13 في المائة من نيويورك، وأعلى بنسبة 60 في المائة من شيكاغو، وهو أعلى بنسبة 75 في المائة من هيوستون، وفقاً للتقرير المذكور. كما تبلغ تكاليف البناء في سان فرانسيسكو، مركز التقنية الأميركي الأول، سبعة أضعاف مثيلتها في مدينة بنغالور عاصمة التقنية في الهند. وقال نيوزوم، إنه يدرك تماماً التهديدات التي يشكلها ارتفاع تكاليف البناء على جهود إيواء المشردين الكثر في شوارع الولاية.
ويبلغ متوسط بناء وحدة سكنية واحدة بأسعار معقولة نحو نصف مليون دولار في مدينة لوس أنجلوس، ونحو 600 ألف دولار في أوكلاند، وفقاً للبيانات الصادرة عن مركز تيرنر الجامعي.
ووصف السيد نيوزوم الأمر بأنه جنون محض في خطابه الأخير الشهر الماضي. وأردف أنه إذا استحال بناء المساكن الميسرة بأسعار معقولة فإن دافعي الضرائب لن يدعموا هذه السندات أبداً.
وطلب نيوزوم تخصيص مبلغ 6.8 مليار دولار من ميزانية عام 2020 لتمويل مشاريع الإسكان الميسر، بما في ذلك إعانات الرهون العقارية للمشترين للمرة الأولى والسندات لإسكان قدامى المحاربين. وقال «إنه يعتمد على الابتكارات المعمارية في بناء المساكن للمساعدة في خفض تكاليف البناء».
لكن حتى في ظل الوفورات المالية الكبيرة، يقول خبراء الإسكان، إنه من المحال بناء المنازل الجديدة لإيواء المشردين كافة في الولاية وفقاً لمستويات التكاليف الراهنة.
فسوف تتكلف نحو 70 مليار دولار لبناء المساكن لإيواء المشردين الحاليين كافة، الذين يبلغ عددهم نحو 150 ألف مشرد يسكنون الشوارع.
وقالت الباحثة كارولينا ريد من مركز «تيرنر» الجامعي، إنها تتفق مع الجهود الطارئة التي يبذلها نيوزوم لإيواء المشردين من الشوارع، فضلاً عن الحيلولة دون فقدان أصحاب المنازل منازلهم الحالية.
غير أن ولاية كاليفورنيا، كما قالت الباحثة، لا تملك الموارد الكافية لبناء المساكن لإيواء المشردين الحاليين كافة في الولاية، ناهيكم عن أولئك الذين ربما يصبحون بلا منازل يسكنون فيها خلال السنوات المقبلة.
وأضافت الباحثة ريد أخيراً «لن نتمكن من حل أزمة التشرد إذا كان كل ما يتوقعه الناس أن يتدخل مجلس المدينة ببناء المساكن ذات التكاليف الميسرة لكل فرد من هؤلاء، فذلك الأمر سوف يكلف الكثير من الأموال غير المتوافرة بالأساس».

- خدمة «نيويورك تايمز»
https://www.nytimes.com/2020/02/20/us/California-housing-costs.html


مقالات ذات صلة

«أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

عالم الاعمال «أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

«أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

أعلنت شركة «أنكس للتطوير»، التابعة لمجموعة «أنكس القابضة»، إطلاق مشروعها الجديد «إيفورا ريزيدنسز» الذي يقع في منطقة الفرجان.

الاقتصاد العاصمة السعودية الرياض (واس)

بفضل النمو السكاني... توقعات باستمرار ارتفاع الطلب على العقارات السعودية

تتوقع وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال» للتصنيف الائتماني، أن يظل الطلب على العقارات السكنية في السعودية مرتفعاً، لا سيما في الرياض وجدة، وذلك بفضل النمو السكاني.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جناح سلطنة عمان في معرض «سيتي سكيب العالمي 2024» بالرياض (وزارة الإسكان العمانية)

سلطنة عمان تعرض مشروعات استثمارية في معرض «سيتي سكيب» بالرياض

عرضت سلطنة عمان خلال مشاركتها في أكبر معرض عقاري عالمي، «سيتي سكيب 2024» الذي يختتم أعماله الخميس في الرياض، مشروعاتها وفرصها الاستثمارية الحالية والمستقبلية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ارتفعت الإيجارات السكنية بنسبة 11 % في أكتوبر (واس)

التضخم في السعودية يسجل 1.9 % في أكتوبر على أساس سنوي

ارتفع معدل التضخم السنوي في السعودية إلى 1.9 في المائة خلال شهر أكتوبر على أساس سنوي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد زوار يطلعون على أحد مشاريع الشركة الوطنية للإسكان في معرض «سيتي سكيب العالمي» (الشرق الأوسط)

«سيتي سكيب»... تحالفات محلية ودولية لرفع كفاءة العقار بالسعودية

شهد معرض «سيتي سكيب العالمي»، المقام حالياً في الرياض، عدداً من التحالفات المحلية والدولية ضمن الشركات المجتازة لبرنامج «الدعم والتمكين للتطوير العقاري».

بندر مسلم (الرياض)

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
TT

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه

غالباً ما ينظر النشطاء في مجال الإسكان بالولايات المتحدة الأميركية إلى بناء المباني السكنية الجديدة على أنه هو المشكلة، حيث يتم السماح للمطورين العقاريين ببناء مزيد من المساكن، لا سيما في الأحياء الفقيرة، مما يجعل المستأجرين والجيران في هذه المناطق يخشون من ارتفاع أسعار السوق وزيادة تكلفة الإيجارات عليهم، في حين يميل الاقتصاديون، من ناحية أخرى، إلى رؤية المباني الجديدة بوصفها الحل وليست المشكلة، حيث يقولون إن الطريقة الوحيدة لتخفيف النقص في عدد الشقق، الذي بدوره يؤدي إلى رفع الإيجارات، هي بناء مزيد من المساكن، فهم يؤكدون أن بناء ما يكفي من المساكن سيؤدي لانخفاض الإيجارات بشكل عام.
وتعدّ الإشكالية بين هذين الرأيين أساس حالة الجدل المثارة حول البناء الفردي والمعارك الأوسع حول كيفية تخفيف أزمة الإسكان في الولايات المتحدة. وحتى وقت قريب، لم تكن هناك أي بيانات تقريباً على نطاق الأحياء لحل هذه الأزمة، ويبدو أن كلا الرأيين صحيح في الوقت نفسه، فالمساكن الجديدة قد تساعد في خفض الإيجارات في مناطق المترو على سبيل المثال وذلك حتى في الوقت الذي قد يعني فيه ذلك زيادة الطلب على هذه المناطق مما يزيد من قيمة الإيجارات فيها.
وتقدم دراسات جديدة عدة أخيراً بعض الأدلة المشجعة، إن لم تكن كاملة، حيث نظر الباحثون في جامعة نيويورك و«معهد آب جون»، وجامعة مينيسوتا، إلى ما يحدث بشكل مباشر مع بناء المساكن الجديدة، واسعة النطاق، والتي تُباع بسعر السوق (دون قيود على قيمة الإيجار)، حيث تشير دراسات عدة بالفعل إلى أن المناطق التي تبني مزيداً من المساكن تكون أسعارها معقولة، وتتساءل هذه الدراسات الحديثة عما إذا كان هذا النمط يظل ثابتاً عند النظر إلى بناء المساكن الفردية وليس المجمعات السكنية الكبيرة.
وتشير النتائج، مجتمعة، إلى أن المساكن الجديدة يمكن أن تخفف من حدة ارتفاع الإيجارات في المباني الأخرى القريبة، لكن جاء رأي هذه النتائج مختلطاً حول ما إذا كان المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض يستفيدون بشكل مباشر من المباني الجديدة أيضاً.
وتمثل أنواع المباني التي تصفها هذه الدراسات، والتي تخضع لسعر السوق وتتكون من 50 وحدة سكنية أو أكثر، غالبية المباني الجديدة الآن، كما تستهدف الغالبية العظمى من الشقق الجديدة اليوم المستأجرين من ذوي الدخل المرتفع، حيث يبلغ متوسط الإيجار لوحدة جديدة الآن 1620 دولاراً أميركياً في الشهر، أي أعلى بنسبة 78 في المائة من متوسط الإيجار على مستوى البلاد، وذلك وفقاً لـ«مركز هارفارد المشترك للدراسات الإسكانية»، (كما أن الهوة بين هذه الأرقام آخذة في الاتساع)، وتميل هذه المباني أيضاً إلى أن تكون الأكثر ظهوراً في المعارك المتعلقة بالإسكان في مختلف الأحياء الأميركية.
وتقول الزميلة في «مركز فورمان» بجامعة نيويورك، والتي درست تأثير المباني الجديدة في نيويورك، شياودي لي: «المستأجرون لا يحبون فكرة بناء المباني الشاهقة الجديدة، وذلك لأنهم يجدون هناك ارتفاعاً أيضاً في قيمة الإيجارات لديهم».
وقد يفترض الجيران أن المباني الجديدة تتسبب في ارتفاع الإيجارات، وهذا أمر مبرر إذا كانت المباني الجديدة تجذب كثيراً من السكان الأكثر ثراءً، والذين بدورهم يجذبون وسائل الراحة الراقية التي تجعل الحي مرغوباً فيه بشكل أكبر.
وتضيف لي: «السؤال الرئيسي هنا هو: ما التأثير الحقيقي لبناء هذه المباني؟». وقد وجدت لي أن المباني الجديدة في نيويورك تجذب مزيداً من المطاعم والمقاهي في المناطق المجاورة، لكنها خلصت إلى أن أي تأثير قد يؤدي لرفع الإيجارات في المناطق المجاورة لهذه المرافق، سيتم وقفه بسبب زيادة المعروض من المباني، وهو الأمر الذي يؤدي لخفض الإيجارات، كما وجدت أنه مقابل كل زيادة بنسبة 10 في المائة في المعروض من المساكن، فإن إيجارات العقارات التي تقع على مسافة 500 قدم تنخفض بنسبة واحد في المائة، وذلك مقارنة بالمناطق الأخرى التي يرتفع فيها الطلب.
ولكن يبدو أن هذه الفوائد ستذهب للمستأجرين في المباني الراقية والمتوسطة القريبة، حيث يفترض أن مالكي العقارات يرون منافسة جديدة في الجوار مما يدفعهم لتعديل قيمة إيجارات مساكنهم بما يتناسب مع هذه المنافسة، لكن «لي» وجدت أن المباني الجديدة ليس لها أي تأثير على إيجار العقارات التي تقع على بُعد أكثر من 500 قدم، وأنها لا تؤثر أيضاً على إيجارات الوحدات منخفضة التكلفة القريبة، وذلك لأنه ربما لا يرى ملاك هذه الوحدات الأبراج الفاخرة الجديدة على أنها منافسة لهم بشكل مباشر.
وفي دراسة منفصلة، وجد براين أسكويث وإيفان ماست من «معهد آب جون»، وديفين ريد في «بنك فيلادلفيا الفيدرالي»، مجموعة مماثلة من النتائج في 11 مدينة رئيسية، بما في ذلك أتلانتا وأوستن وشيكاغو ودنفر، وشملت الدراسة المباني الجديدة التي تضم 50 وحدة على الأقل والتي تم بناؤها في أحياء يقطنها ذوو الدخل المنخفض في وسط المدينة، ويقدر هؤلاء الباحثون أن هذه المباني الجديدة تؤدي لخفض الإيجارات بنسبة بين 5 و7 في المائة في المناطق المجاورة بشكل مباشر، وذلك مقارنة بقيمة الإيجارات المتوقعة في حال لم يكن قد تم بناء هذه المباني الجديدة.
ولكن لا تعني الدراسة أن الإيجارات تنخفض بالفعل، إلا إنها تشير، بدلاً من ذلك، إلى أن المباني الجديدة تبطئ وتيرة زيادة الإيجارات في أنواع الأحياء التي يصفها المطورون العقاريون بأنها مرتفعة بالفعل، حيث إنه بحلول الوقت الذي يصل فيه هؤلاء المطورون إلى حي ما، خصوصاً مع وجود خطط لمشاريع كبيرة الحجم، فإنه من المرجح أن ترتفع الإيجارات بشكل سريع.
وعن تفسيره النتائج التي توصل إليها في اجتماع عام بشأن الرؤية السابقة، يقول ماست: «الأثرياء يتطلعون بالفعل إلى الانتقال إلى حي ما، ولذلك فإنه يمكننا بناء ذلك المبنى الذي يمنحهم شكل الوحدة التي يريدون أن يعيشوا فيها، وفي حال لم نفعل ذلك، فإنهم سيقومون بشراء وحدة في مكان قريب ثم سيقومون بتجديدها».
وقد يكون هذا الرأي غير مريح بالنسبة للمقيمين في الأحياء منذ فترة طويلة، خصوصاً أولئك الذين يشعرون بالقلق من التغيرات التي تحدث في أحيائهم والتي تتجاوز فكرة قيمة الإيجارات فقط، لكنه يمثل رداً على نقطة واحدة على الأقل فيما يخص الجدل المثار حول بناء المباني السكنية الجديدة.
ويقول الأستاذ في جامعة نيويورك، إنغريد غولد إيلين: «هذه النتائج تشير ببساطة إلى أن بناء مزيد من المساكن في أحد الأحياء لن يؤدي إلى تفاقم أعباء الإيجار المرتفعة، ولكنه قد يساعد في التخفيف من حدتها».
ويأتي أحد التحذيرات في الأبحاث التي أجراها أنتوني داميانو وكريس فرينير، اللذان يدرسان للحصول على الدكتوراه في جامعة مينيسوتا، حيث قاما بدراسة المباني الجديدة واسعة النطاق التي بنيت في مينابولس، وقد وجدوا أن بناء المساكن الجديدة قد ساعد في تخفيف حدة ارتفاع قيمة الإيجارات للوحدات الراقية القريبة، لكنهم خلصوا إلى أنه في الثلث الأسفل من السوق يكون للمباني الجديدة تأثير معاكس، حيث ترتفع قيمة الإيجار بشكل سريع.
ومن الممكن في بعض السياقات أن يتسبب بناء الشقق الجديدة، التي تباع وفقاً لسعر السوق، في قيام ملاك العقارات في المناطق القريبة بكبح جماح قيمة إيجار شققهم، لكنه قد يتسبب أيضاً في رؤية مجموعة أخرى من الملاك أن قيمة إيجاراتهم تعد قليلة مقارنة بالأسعار الجديدة، ومن المحتمل أن يشعر المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض بالغضب من المساكن الجديدة في البداية، وذلك حتى لو كانوا سيستفيدون منها على المدى الطويل، وذلك لأنه مع تقدم عُمر هذه المباني الجديدة، فإن أسعارها تصبح في المتناول.
وبشكل عام، فإن هناك أدلة في هذه الدراسات كافة على أن العرض والطلب يعملان على النحو الذي يتوقعه الاقتصاديون، وذلك حتى على نطاق الحي الواحد، ولكن هناك أيضاً أدلة على تحقيق مخاوف المستأجرين الأكثر فقراً.
ويقول داميانو: «هؤلاء هم الأشخاص الذين مروا بعدد كبير من التجديدات الحضرية، وإنشاء الطرق السريعة، والاستثمار العام في الإسكان، وإخفاقات التخطيط الأوسع والمؤسسات الحكومية على مرّ الأجيال، وأعتقد أن الخوف من مجرد جملة (مبنى جديد) هو خوف حقيقي ومبرر، والأمر متروك للمخططين وصانعي السياسات للنظر إلى تلك المخاوف بشكل جيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»