سر ارتفاع تكاليف بناء المنازل الميسرة في ولاية كاليفورنيا

يعتقد سيناتور أميركي وجود إفراط ومغالاة في الرقابة على سوق الإسكان في ولاية كاليفورنيا
يعتقد سيناتور أميركي وجود إفراط ومغالاة في الرقابة على سوق الإسكان في ولاية كاليفورنيا
TT

سر ارتفاع تكاليف بناء المنازل الميسرة في ولاية كاليفورنيا

يعتقد سيناتور أميركي وجود إفراط ومغالاة في الرقابة على سوق الإسكان في ولاية كاليفورنيا
يعتقد سيناتور أميركي وجود إفراط ومغالاة في الرقابة على سوق الإسكان في ولاية كاليفورنيا

تبلغ تكلفة المنزل المتوسط في الولايات المتحدة الأميركية نحو 240 ألف دولار. لكن في سان فرانسيسكو، المصنّفة بين أغلى مواقع البناء على مستوى العالم، تصل تكلفة بناء الشقة المكونة من غرفتين للنوم وفق معايير تكاليف البناء الميسرة نحو 750 ألف دولار.
وصارت تكاليف الإسكان المتصاعدة بلا ضابط في كاليفورنيا من أبرز مظاهر عدم المساواة في الولاية. وفي يوم الأربعاء، عاد غافين نيوزوم، حاكم الولاية، إلى ذكر تلك المسألة أكثر من 35 مرة متتالية في خطبة ساخنة للغاية، داعياً المشرعين خلالها إلى العمل على حل أزمة التشرد في الولاية من خلال زيادة وتيرة أعمال البناء.
غير أن أسعار الإسكان الباهظة للغاية في كاليفورنيا تعكس واقعاً يؤكد على صعوبة تحول الأقوال إلى أفعال. إذ يبلغ متوسط تكاليف بناء المساكن الميسرة (بأسعار معقولة) في ولاية كاليفورنيا ثلاثة أضعاف مثيلتها في ولايتي تكساس أو إلينوي، وفقاً لبيانات الحكومة الفيدرالية.
ومرجع أسباب ارتفاع تكاليف بناء المساكن في كاليفورنيا، كما يقول المطورون العقاريون، إلى ارتفاع أسعار الأراضي وأجور العمالة في الولاية. وفي سان فرانسيسكو وحدها، يتقاضى عامل البناء نحو 90 دولاراً عن الساعة الواحدة في المتوسط، وفقاً لبيانات صادرة عن شركة «تيرنر تاونسند» للاستشارات العقارية في المدينة.
بيد أن التكاليف الأخرى غير المتعلقة مباشرة بأعمال البناء تضيف زخماً كبيراً ومزيداً. فمع صرف النظر تماماً عن ارتفاع أسعار الأراضي، نجد أن ربع تكاليف بناء المنازل الميسرة في الولاية تذهب لتغطية الرسوم الحكومية، والتصاريح، والشركات الاستشارية، وذلك وفقاً لدراسة أجريت في عام 2014 من قبل وزارة الإسكان والتنمية المجتمعية في ولاية كاليفورنيا (وزارة محلية تتبع حكومة الولاية).
وحتى يندرج المبنى تحت تصنيف الإسكان الميسر، فلا بد من حصوله في المعتاد على الإعفاءات الضريبية والإعانات الحكومية. وتقول الباحثة كارولينا ريد – من مركز «تيرنر» التابع لجامعة كاليفورنيا فرع بيركلي ومؤلفة تحليل قيد النشر حول تكاليف الإسكان الميسر في الولاية «يتطلب مشروع الإسكان الميسر الواحد التمويل من ست جهات مختلفة»، ولقد وصفت تلك العملية بقولها «الوفاة بألف جرح قطعي!».
ويتذكر السيناتور براين جونز من كاليفورنيا العمل في أحد مشاريع الإسكان الميسر عندما كان يشغل منصبه في مجلس مدينة سانتي في كاليفورنيا بالقرب من سان دييغو: «استغرق الأمر منا قرابة ستة أشهر كاملة لحشد المحاميين لدينا، ومحاميي شركة التطوير العقاري، مع محاميي الحكومة الفيدرالية من أجل الموافقة على مستندات المشروع، وكان ذلك يتعلق بمجرد تأمين التمويل اللازم للمشروع. ولقد تنحيت عن متابعة العملية وأبلغت المطور العقاري وقتذاك أنني لا أصدق أن هذا المشروع يستلزم عدداً من المحاميين بأكثر مما يتطلب من عمال البناء».
وأضاف السيناتور جونز، وهو رئيس التجمع الحزبي الجمهوري في مجلس الشيوخ حالياً «هناك إفراط ومغالاة في الرقابة على سوق الإسكان في ولاية كاليفورنيا، بدءاً من (قانون الجودة البيئية) المعمول بها في الولاية».
وتسمح قوانين ولاية كاليفورنيا لأي مواطن بالاعتراض على أي مشروع من مشاريع البناء بموجب أحكام القانون المذكور، الذي اعتبر حين إقراره والتوقيع عليه من جانب رونالد ريغان، حاكم الولاية آنذاك، من الجهود الكبيرة المميزة في حماية البيئة من التنمية العقارية غير المنضبطة في الولاية.
ويقول السيناتور جونز رفقة الكثير من المطورين والخبراء العقاريين، إن القانون بات يستخدم الآن معول هدم قانونياً لدى أي مواطن يرغب في إبطاء مشروع من المشاريع أو إيقافه بالكلية. وقال دوغلاس آبي، المحاضر في الشؤون العقارية لدى كلية إدارة الأعمال التابعة لجامعة ستانفورد «يمكن لأي مواطن وبرسوم قليلة للغاية أن يستهدف مشروعاً عقارياً ويعلق الاستمرار فيه عبر سنوات من المماحكات القضائية العقيمة».
وتحظى حماية البيئة باهتمام بالغ في ولاية كاليفورنيا، مع وجود اتفاق ضمني بين ممثلي الحزبين الكبيرين على أن أسعار المساكن مرتفعة للغاية في الولاية. وحاول الحاكم نيوزوم الدفع من خلال الاستثناءات والإعفاءات في مواجهة «قانون الجودة البيئية» لصالح ملاجئ ومآوي المشردين في الولاية، وقال إنه ينبغي على حكومة الولاية النظر في المزيد من الإعفاءات لهذا الغرض.
وقال دوغلاس آبي، وهو المطور والمستثمر العقاري السابق، إن النوايا الحسنة في هذا الصدد غالباً ما ترجع بنتائج عكسية. وأضاف، أن القوانين التي تطالب شركات التطوير العقاري بناء نسبة معينة مخصصة للإسكان الميسر كجزء من مشاريع أسواق العقارات الخاصة بهم هي ليست سوى صورة من صور الضرائب الخفية، فضلاً عن كونها عقبة على طريق بناء المساكن الشاملة.
واستطرد مضيفاً «ما يتعين على حكومة الولاية والحكومات المحلية إدراكه أن نقص الإسكان هو بالأساس مشكلة في العرض. وهناك أعباء جمة تتعلق باستحداث وطرح المساكن الجديدة في الولاية».
وليس من غير المعهود بالنسبة لمشروع من المشاريع العقارية في كاليفورنيا أن يستغرق سنوات كثيرة في استكمال الأوراق والمستندات المطلوبة لتقسيم المناطق المخصصة أو الرد على اعتراضات أصحاب الممتلكات الأخرى قبل مجرد البدء في تهيئة الأرض للمشروع.
وقال جدسون ترو، مدير إحدى الإدارات في مجلس مدينة سان فرانسيسكو التي تسعى لتسريع وتيرة بناء المساكن في المدينة، إن عملية بناء المساكن الميسرة مرهقة ومعقدة للغاية «لا ينبغي لمشروع بهذا القدر من الأهمية أن يستغرق هذا الوقت الطويل أو يستلزم هذا القدر من الصعوبة والعناء».
وفي العام الماضي، شرعت مدينة سان فرانسيسكو في إنشاء 767 شقة بأسعار معقولة ومدعومة من حكومة الولاية، ووصف جدسون ترو الأمر بقوله «ذلك أقل بكثير مما نحتاج إليه فعلياً في المدينة».
وتسجل سان فرانسيسكو أعلى معدل لتكاليف البناء الشاملة على مستوى العالم، وفقاً لتقرير صادر في عام 2019 عن شركة «تيرنر تاونسند» للاستشارات العقارية.
ومتوسط تكاليف البناء في سان فرانسيسكو هو أعلى بنسبة 13 في المائة من نيويورك، وأعلى بنسبة 60 في المائة من شيكاغو، وهو أعلى بنسبة 75 في المائة من هيوستون، وفقاً للتقرير المذكور. كما تبلغ تكاليف البناء في سان فرانسيسكو، مركز التقنية الأميركي الأول، سبعة أضعاف مثيلتها في مدينة بنغالور عاصمة التقنية في الهند. وقال نيوزوم، إنه يدرك تماماً التهديدات التي يشكلها ارتفاع تكاليف البناء على جهود إيواء المشردين الكثر في شوارع الولاية.
ويبلغ متوسط بناء وحدة سكنية واحدة بأسعار معقولة نحو نصف مليون دولار في مدينة لوس أنجلوس، ونحو 600 ألف دولار في أوكلاند، وفقاً للبيانات الصادرة عن مركز تيرنر الجامعي.
ووصف السيد نيوزوم الأمر بأنه جنون محض في خطابه الأخير الشهر الماضي. وأردف أنه إذا استحال بناء المساكن الميسرة بأسعار معقولة فإن دافعي الضرائب لن يدعموا هذه السندات أبداً.
وطلب نيوزوم تخصيص مبلغ 6.8 مليار دولار من ميزانية عام 2020 لتمويل مشاريع الإسكان الميسر، بما في ذلك إعانات الرهون العقارية للمشترين للمرة الأولى والسندات لإسكان قدامى المحاربين. وقال «إنه يعتمد على الابتكارات المعمارية في بناء المساكن للمساعدة في خفض تكاليف البناء».
لكن حتى في ظل الوفورات المالية الكبيرة، يقول خبراء الإسكان، إنه من المحال بناء المنازل الجديدة لإيواء المشردين كافة في الولاية وفقاً لمستويات التكاليف الراهنة.
فسوف تتكلف نحو 70 مليار دولار لبناء المساكن لإيواء المشردين الحاليين كافة، الذين يبلغ عددهم نحو 150 ألف مشرد يسكنون الشوارع.
وقالت الباحثة كارولينا ريد من مركز «تيرنر» الجامعي، إنها تتفق مع الجهود الطارئة التي يبذلها نيوزوم لإيواء المشردين من الشوارع، فضلاً عن الحيلولة دون فقدان أصحاب المنازل منازلهم الحالية.
غير أن ولاية كاليفورنيا، كما قالت الباحثة، لا تملك الموارد الكافية لبناء المساكن لإيواء المشردين الحاليين كافة في الولاية، ناهيكم عن أولئك الذين ربما يصبحون بلا منازل يسكنون فيها خلال السنوات المقبلة.
وأضافت الباحثة ريد أخيراً «لن نتمكن من حل أزمة التشرد إذا كان كل ما يتوقعه الناس أن يتدخل مجلس المدينة ببناء المساكن ذات التكاليف الميسرة لكل فرد من هؤلاء، فذلك الأمر سوف يكلف الكثير من الأموال غير المتوافرة بالأساس».

- خدمة «نيويورك تايمز»
https://www.nytimes.com/2020/02/20/us/California-housing-costs.html


مقالات ذات صلة

«أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

عالم الاعمال «أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

«أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

أعلنت شركة «أنكس للتطوير»، التابعة لمجموعة «أنكس القابضة»، إطلاق مشروعها الجديد «إيفورا ريزيدنسز» الذي يقع في منطقة الفرجان.

الاقتصاد العاصمة السعودية الرياض (واس)

بفضل النمو السكاني... توقعات باستمرار ارتفاع الطلب على العقارات السعودية

تتوقع وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال» للتصنيف الائتماني، أن يظل الطلب على العقارات السكنية في السعودية مرتفعاً، لا سيما في الرياض وجدة، وذلك بفضل النمو السكاني.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جناح سلطنة عمان في معرض «سيتي سكيب العالمي 2024» بالرياض (وزارة الإسكان العمانية)

سلطنة عمان تعرض مشروعات استثمارية في معرض «سيتي سكيب» بالرياض

عرضت سلطنة عمان خلال مشاركتها في أكبر معرض عقاري عالمي، «سيتي سكيب 2024» الذي يختتم أعماله الخميس في الرياض، مشروعاتها وفرصها الاستثمارية الحالية والمستقبلية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ارتفعت الإيجارات السكنية بنسبة 11 % في أكتوبر (واس)

التضخم في السعودية يسجل 1.9 % في أكتوبر على أساس سنوي

ارتفع معدل التضخم السنوي في السعودية إلى 1.9 في المائة خلال شهر أكتوبر على أساس سنوي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد زوار يطلعون على أحد مشاريع الشركة الوطنية للإسكان في معرض «سيتي سكيب العالمي» (الشرق الأوسط)

«سيتي سكيب»... تحالفات محلية ودولية لرفع كفاءة العقار بالسعودية

شهد معرض «سيتي سكيب العالمي»، المقام حالياً في الرياض، عدداً من التحالفات المحلية والدولية ضمن الشركات المجتازة لبرنامج «الدعم والتمكين للتطوير العقاري».

بندر مسلم (الرياض)

هل تعزز زيادة الإيجار من مستقبل جزيرة كوني في نيويورك؟

أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
TT

هل تعزز زيادة الإيجار من مستقبل جزيرة كوني في نيويورك؟

أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل

يتعين على ديانا كارلين الانتهاء من تأليف الكتاب الذي تعمل عليه بشأن متعة امتلاك بوتيك لولا ستار، ذلك المتجر الصغير والساحر للغاية في ممشى كوني آيلاند، على مدى السنوات الـ19 الماضية. لكن بدلا من ذلك، انتابت السيدة كارلين حالة من الخوف والتوتر منذ أن عرض عليها مالك المتجر الذي تعمل فيه عقدا جديدا للإيجار منذ عدة أسابيع - تزيد فيه القيمة الإيجارية بنسبة 400 في المائة دفعة واحدة. وقالت: «إنني أتساءل إن كان ينبغي علي أن أطلب لافتات (التوقف عن العمل!)».
وفي الصيف الماضي، كانت كوني آيلاند في حي بروكلين بمدينة نيويورك تزدحم بالباحثين عن الاستمتاع على الشواطئ ومختلف أشكال الترفيه الأخرى، ولكنها تميل لأن تكون أكثر هدوءا في فصل الشتاء. وقبل أكثر من عشر سنوات مضت، تعهدت مدينة نيويورك بإنشاء وجهة سياحية ذات حديقة مائية، وساحة كبيرة، وحلبة للتزلج على الجليد، تعمل على مدار السنة، مع ملايين الدولارات من الاستثمارات السكنية والتجارية.
وفي الأثناء ذاتها، قال مايكل بلومبيرغ - عمدة مدينة نيويورك آنذاك، إنه سوف تتم حماية مطاعم الأكل والمتاجر الرخيصة في المنطقة. وكان مارتي ماركويتز رئيس مقاطعة بروكلين قد أعلن في عام 2005 أن الخطة المزمعة سوف تحافظ على الروعة التي تنفرد بها كوني آيلاند مع روح المحبة والمرح المعهودة. ولكن على غرار الكثير من الخطط الكبرى في مدينة نيويورك، لم تتحقق الرؤية الكاملة للمشروع بعد. فلقد بدت كوني آيلاند خالية بصورة رسمية بعد ظهيرة يوم من أيام يناير (كانون الثاني) الماضي، وصارت بعيدة كل البعد عما تعهدت به إدارة المدينة عن الجاذبية والنشاط على مدار العام كما قالت. إذ تهب الرياح الصاخبة على منشآت مدن الملاهي الشهيرة مثل لونا بارك وستيبلشيز بارك، ولكن لا وجود لحلبة التزلج أو الحديقة المائة، حيث لم يتم إنشاء هذه المنشآت قط.
والآن، وفي مواجهة آلة التحسين التي تتحرك بوتيرة بطيئة للغاية، أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند مجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل. تقول السيدة كارلين: «إنهم يحاولون الآن تحويل ساحة اللعب المخصصة لعوام الناس إلى ملعب خاص بالأثرياء فقط».
وكانت السيدة كارلين، رفقة 5 آخرين من أصحاب الشركات الصغيرة في كوني آيلاند - وهم: ناثان فاموس، وروبي بار آند جريل، وبولز دوتر، ومطعم توم، وبيتش شوب - يتفاوضون على عقود جديدة للإيجار تمتد لمدة 10 سنوات مع شركة «زامبيرلا»، وهي الشركة المالكة للمتنزه الإيطالي التي تعاقدت معها مدينة نيويورك قبل عشر سنوات لبناء وإدارة منطقة لونا بارك الترفيهية في كوني آيلاند، والتي تعد الشركات الصغيرة المذكورة جزءا لا يتجزأ منها.
وجاءت شركة «زامبيرلا» بشروط جديدة: زيادة القيمة الإيجارية من 50 إلى 400 في المائة لكل شركة من الشركات المذكورة. وتقول السيدة كارلين عن ذلك: «إنني أعشق كوني آيلاند، والحصول على هذا المتجر على الممشى السياحي كان من أحب أحلام حياتي. ولكن ليست هناك من طريقة أتمكن بها من تحمل الشروط الجديدة».
وفي رسالة وصلت إلى صحيفة «نيويورك تايمز» من أليساندرو زامبيرلا رئيس الشركة المذكورة، جاء فيها: «نحن نهتم بشؤون كوني آيلاند ومستقبلها، ونحن ملتزمون بتحويلها إلى أقوى مجتمع يمكن بناؤه. وذلك هو السبب في تواصلنا مع المستأجرين لضمان نجاح أعمالهم ضمن المحافظة على شخصية كوني آيلاند المميزة».
ورفض السيد زامبيرلا، الذي كان في رحلة سفر إلى إيطاليا، الإجابة عن أسئلة محددة طرحتها عليه صحيفة «نيويورك تايمز»، غير أنه أضاف يقول إن ثلاثة من أصل ست شركات قد وافقت بالفعل على عقود الإيجار الجديدة ووقعت عليها، وإن الشركات الأخرى تحقق تقدما ملموسا على هذا المسار.
أثارت الزيادات المقترحة في القيمة الإيجارية على الشركات الست الصغيرة حالة من الشد والجذب الشديدة المستمرة منذ سنوات داخل كوني آيلاند.
ففي عام 2009، وبعد مواجهة استغرقت 4 سنوات كاملة حول أفضل خطط إحياء وتجديد المنطقة، ابتاعت المدينة تحت رئاسة مايكل بلومبيرغ 7 أفدنة في منطقة الترفيه المضطربة من المطور العقاري جوزيف سيت مقابل 95.6 مليون دولار.
وأراد مايكل بلومبيرغ استعادة المنطقة إلى سابق عهدها، والتي بدأت تواجه الانخفاض منذ ستينات القرن الماضي، من خلال تعزيز تطوير المتاجر والشقق على طول طريق سيرف في المنطقة. وكانت الشركات التي افتتحت في فصل الصيف تنتقل إلى جدول زمني للعمل على مدار العام، مما يساعد على تعزيز رؤية مايكل بلومبيرغ باعتبار كوني آيلاند أكبر مدينة للملاهي الترفيهية والحضرية في البلاد.
ثم استأجرت شركة «زامبيرلا» الأرض من المدينة، مما أتاح لها افتتاح مدينة لونا بارك الترفيهية في عام 2010، مع إملاء عقود الإيجار الخاصة بالشركة مع أصحاب الشركات الصغيرة، ومطالبة هذه الشركات بتسليم جانب من الأرباح المحققة إلى المدينة.
وتعرضت الشركات العاملة على الممشى السياحي في المنطقة للإغلاق، حيث عجزت عن الاتساق مع الرؤية الجديدة للشركة الإيطالية. وكانت شركات صغيرة أخرى، مثل متجر السيدة كارلين، قد عاد للعمل بعد قرار الإخلاء الذي تعرضت له في عهد المطور العقاري جوزيف سيت.
وبحلول عام 2012، كانت جهود الانتعاش جارية على قدم وساق، وشهدت المنطقة نموا في الجماهير والإيرادات. وقالت السيدة كارلين إنها حققت أرباحا بنسبة 50 في المائة تقريبا بعد تولي شركة «زامبيرلا» مقاليد الأمور.
وقال سيث بينسكي، الرئيس الأسبق لمؤسسة التنمية الاقتصادية، حول المنطقة: «يعتقد أغلب الناس أنه قد جرى تطوير المنطقة لتتوافق مع التاريخ المعروف عن كوني آيلاند». ومع ذلك، فإن منطقة الملاهي لا تعمل على مدار السنة. وقال مارك تريغر، عضو مجلس المدينة الممثل لقطاع بروكلين الذي يضم كوني آيلاند، إنه يعتقد أن الوضع الراهن نابع من ندرة الاستثمارات من قبل مجلس المدينة وعمدة نيويورك بيل دي بلاسيو ضمن أهداف المدينة لعام 2009. وقال السيد تريغر: «لا تعرف الشركات إلى أين تذهب كوني آيلاند في ظل إدارة دي بلاسيو للمدينة. فهناك قصور واضح في الرؤية ولا وجود للخطط الشاملة بشأن تحسين المنطقة». وأضاف أن الوعود غير المتحققة منحت شركة «زامبيرلا» قدرا من النفوذ لإضافة المزيد من الأعباء على المستأجرين للمساعدة في استرداد الأرباح المهدرة. وقال إن هؤلاء المستأجرين قد استثمروا أموالهم هناك تحت فكرة تحول هذه المنطقة إلى وجهة سياحية تعمل طوال العام، مع حركة السير على الممشى طيلة السنة، على العكس من 3 إلى 4 أشهر من العمل فقط في العام بأكمله. ولا يمكن لأحد السماح بتحويل الأراضي العامة إلى سلاح باسم الجشع لإلحاق الأضرار بالشركات الصغيرة.
ولقد أعربت السيدة كارلين رفقة العشرات من العمال الآخرين في كوني آيلاند عن اعتراضهم على زيادة القيمة الإيجارية وذلك بالوقوف على درجات سلم مجلس المدينة في أوائل شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وفي مقابلة أجريت مع صحيفة «نيويورك تايمز»، وصف نورمان سيغيل محامي الحقوق المدنية قرار شركة «زامبيرلا» بأنه غير مقبول تماما، وأضاف أنه ينبغي على عمدة نيويورك بيل دي بلاسيو التدخل في الأمر. وأضاف المحامي سيغيل أن إدارة مجلس المدينة يجب أن تطالب الشركة الإيطالية طرح شروط إيجارية معقولة، وإذا لم يحدث ذلك، فينبغي على المدينة التفكير جديا في سحب عقد الإيجار من شركة «زامبيرلا»، التي أفادت في محاولة لتحسين النوايا بأنها سوف تمدد الموعد النهائي للسيدة كارلين لتوقيع عقد الإيجار الخاص بها حتى يوم الأربعاء المقبل.
وقالت السيدة كارلين عن ذلك: «يقضي صاحب الشركة عطلته في إيطاليا في حين أنني أبذل قصارى جهدي لمجرد إنقاذ متجري الصغير ومصدر معيشتي الوحيد». ورفض السيد زامبيرلا وأصحاب الشركات الخمس الأخرى التعليق على عقود الإيجار الخاصة بهم، برغم أن الكثير من الشخصيات المطلعة على الأمر أكدوا أن الزيادة تتراوح بين 50 في المائة للمتاجر الكبيرة و400 في المائة لمتجر السيدة كارلين الصغير، والتي قالت إنها تعتقد أن الشركات الأخرى لم تتحدث عن المشكلة علنا خشية الانتقام من الشركة الإيطالية ومخافة قرارات الطرد.
وأضافت السيدة كارلين تقول: للتعامل مع الزيادات المطلوبة في الإيجار قرر أصحاب المتاجر رفع الأسعار، وإن أحد المطاعم أجرى تغييرات للانتقال من مطعم للجلوس وتناول الطعام إلى مطعم للوجبات السريعة للحد من التكاليف.
واستطردت السيدة كارلين تقول: «حاولت تقديم الالتماس إلى مجلس المدينة مرارا وتكرارا من خلال المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني والاحتجاجات خلال الشهر الماضي - ولكن لم يتغير شيء حتى الآن. وقال لها مجلس المدينة إنه غير قادر على المساعدة وليس هناك الكثير مما يمكن القيام به، ولكنني لا أوافق على ذلك، فهم أصحاب الأرض التي يستأجرها منهم زامبيرلا».
وقال المحامي سيغيل إن الزيادات باهظة للغاية لدرجة أنها قد تكون سببا وجيها للتقاضي، وأضاف: «هناك عدد من السوابق القضائية في ذلك إذا قررت المحكمة أن ما تقوم به الشركة غير معقول، ويمكن أن يكون ذلك من المطالب القانونية المعتبرة في حد ذاتها».
وليست هناك مؤشرات عامة في مجلس المدينة بشأن خطط سحب عقد الإيجار من زامبيرلا، أو التدخل، إذ إن زيادة القيمة الإيجارية لا تنتهك الاتفاقية المبرمة بين مجلس المدينة وبين شركة زامبيرلا. ونفت السيدة جين ماير، الناطقة الرسمية باسم عمدة نيويورك، الادعاءات القائلة بأن إدارة المدينة تفتقد للرؤية الواضحة أو الخطة الشاملة حيال كوني آيلاند. وقالت إن المدينة أنفقت 180 مليون دولار على تطوير البنية التحتية في كوني آيلاند خلال السنوات العشر الماضية، مع التخطيط لتوسيع نظام النقل بالعبّارات في نيويورك إلى كوني آيلاند بحلول عام 2021.
وأضافت السيدة ماير تقول: «تلتزم إدارة المدينة بالمحافظة على شخصية كوني آيلاند مع ضمان الإنصاف والمساواة والاستعداد للمستقبل». في حين تساءل المحامي سيغيل: لمن يُخصص هذا المستقبل؟ وهو من مواطني المدينة ونشأ في حي بروكلين، واعتاد قضاء فترات من الصيف على الممشى السياحي هناك، ويتذكر إنفاق دولار واحد لدخول مدينة الملاهي ثم العودة لتناول وجبة العشاء الشهية لدى مطعم ناثان فاموس المعروف، وقال: «علينا مواصلة الكفاح لإنقاذ كوني آيلاند التي نحبها».
- خدمة «نيويورك تايمز»