علم الأسلوب من منظور عربي

قضية صعبة يثيرها كتاب جديد

محمد عناني
محمد عناني
TT

علم الأسلوب من منظور عربي

محمد عناني
محمد عناني

ما المقصود بعلم الأسلوب ولماذا نستخدمه؟ ما صلته بفن أو علم الترجمة؟ كيف نحقق توازناً بين الشكل والمضمون في نقل نص من لغة أجنبية إلى لغتنا العربية؟ كيف نترجم الشعر المرسل والكتابة العلمية والنصوص المسرحية؟ ما نوع الجمهور الذي تتوجه إليه الترجمة؟ هذه كلها قضايا يثيرها كتاب صادر باللغة الإنجليزية في القاهرة في هذه الأيام هو كتاب «حول ترجمة الأسلوب إلى اللغة العربية وإلى اللغة الإنجليزية. مدخل أسلوبي إلى الترجمة»، من تأليف الدكتور محمد عناني أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة ومترجم شكسبير وميلتون وبيرون وغيرهم (الناشر مكتبة الأنجلو المصرية 2020).
علم الأسلوب أو الأسلوبيات مبحث حديث نسبياً، مقارنة بغيره من المباحث المعرفية، وهو فرع من فروع علم اللغة أو الألسنية الحديثة يحلل تفصيلاً الأسلوب الأدبي أو الاختيارات اللغوية التي يعمد إليها الكتاب أو المتكلمون في سياقات غير أدبية. ومن الجهود الرائدة فيه في مصر كتاب عباس محمود العقاد «اللغة الشاعرة» وكتاب محمد مندور «في الميزان الجديد» وكتاب شكري عياد «مدخل إلى علم الأسلوب» وأبحاث محمد عبد المطلب التي تصطنع منهجاً إحصائياً يرمي إلى استنطاق مكونات النص واستكشاف حقوله الدلالية. هذا إلى جانب جهود أخرى لأساتذة من مشرق العالم العربي ومغربه.
يتألف كتاب عناني من تصدير فمقدمة فعشرين فصلاً أو قسماً فتذييل فببليوغرافيا. ومن الموضوعات التي يناقشها: مستويات اللغة العربية المختلفة، أسلوب الصحافة، الأسلوب التأملي، البعد الجمالي في النصوص، الترجمة القانونية، الشعر الغنائي، التعادل والتراسل بين اللغة المصدر (المترجم منها) واللغة المستهدفة (المترجم إليها)، الترجمة بين التقريب والتغريب، الأسلوب القصصي، الأسلوب الجليل، مكونات الإيقاع الصوتي، ترجمة أساليب الأدب الحداثي المتسم بتعدد الأصوات والإبهام والإلماع إلى أعمال أخرى والتناص. وعلى كون هذه المباحث أقرب إلى التنظير فإن المؤلف يخفف أو يحاول أن يخفف من جفافها بإيراد أمثلة عينية كثيرة وإيراد قصص من خبراته الشخصية في البحث العلمي والترجمة والتدريس كحديثه عن تجربته في ترجمة رواية صربية من خلال لغة وسيطة هي الإنجليزية إلى اللغة العربية. وبأمانة محمودة يعترف بأنه على كثرة ما حاول أخفق في أن يتذوق رواية جيمز جويس «يوليسيز»، وهي ما هي مكانة وشهرة. كما يذكر تأنيباً رفيقاً تلقاه ذات مرة من الدكتور شكري عياد.
يهدي عناني كتابه إلى أستاذين راحلين جليلين من أساتذة جامعة القاهرة: الدكتور مجدي وهبة أستاذ الأدب الإنجليزي، والدكتور شكري عياد أستاذ الأدب العربي. ويتصدر الإهداء بيت من لبيد يورده عناني على النحو التالي:
ذهب الذين نعيش في أكنافهم
وبقيت في خلف كجلد الأجرب
وأذكر عرضاً أني وقعت على هذا البيت برواية أخرى تقول «يعاش» وليس «نعيش». ولا أدري أيهما الأصوب مع اختلاف الرواة واحتمالات التحريف لكن «يعاش» تبدو لي أبلغ وأجمل.
يعرف قارئ عناني قبل أن يفتح كتاباً له ما هو مقبل عليه: علم غزير هو ثمرة عكوف طويل منذ الصبا على آثار الأقدمين والمحدثين، إجادة فائقة لكل من الإنجليزية والعربية (أتم حفظ القرآن الكريم منذ طفولته وصباه)، عقل قوي قادر على تمثل النظريات الفلسفية والفكرية، حس أدبي رهيف، ذائقة مستجيبة لنصوص من مدارس شتى، ملكة شعرية ومعرفة عميقة بأعاريض الشعر تجعله يترجم الشعر شعراً. وكل هذه الصفات تتجلى هنا فهو يطالعك بكثير من الملاحظات النقدية الصائبة كملاحظته أن مسرحية شكسبير «روميو وجولييت» ليست مأساة (وإن أدرجها النقاد والمحررون عادة في باب المآسي)، وإنما هي أقرب إلى الحكاية الفولكلورية. وثمة ترجمات فائقة الجمال وبالغة الدقة في الوقت ذاته لنصوص عربية وأجنبية. إنه ينقل شعراً ونثراً نصوصاً للمتنبي والمعري (كان المعري يسمي ديوان المتنبي: معجز أحمد) وأحمد شوقي والفقرة الافتتاحية من الجزء الأول لـ«أيام» طه حسين ومقتطفاً من رواية في شكل رسائل لهذا الأخير عنوانها «خطبة الشيخ» كانت مجهولة إلى أن كشف عنها الدكتور جابر عصفور النقاب وقام عناني بترجمتها إلى الإنجليزية مع دراسة عن مشكلات ترجمة طه حسين إلى لغة شكسبير وميلتون. كذلك يترجم أبياتاً لعبد الحميد الديب وقصيدتين لصلاح عبد الصبور «الخروج» و«أغنية إلى القاهرة». وينقل من الإنجليزية إلى العربية نصوصاً لشكسبير وميلتون وبوب وبيرنز ووردزورث وشللي. وقد يأتي عناني بترجمتين أو ثلاث ترجمات مختلفة من قلمه للنص الواحد على سبيل التنويع أو لفتاً إلى مواضع المقارنة شأن العازف الموسيقي الماهر الذي يجري تنويعات على لحن، أو شأن الحاوي البارع الذي يتلاعب في الهواء بعدة كرات ملونة يتقاذفها علواً وسفلاً في آنٍ فلا تسقط واحدة منها إلى الأرض.
لكن الكتاب يجابهنا بمشكلة جعلت منها عنواناً فرعياً لهذا المقال. هذه المشكلة هي: كيف نوفق بين العمق والمقروئية. إن كتاب عناني يشتمل على أفكار خصبة ونظر سديد. لكن صفحاته الثلاثمائة ترهق القارئ (ولو كان من المتخصصين) من أمره عسراً. وهو يتطلب ثقافة موسوعية قادرة على تتبع إشارات المؤلف إلى فلسفة كانط وأنماط كارل يونج الفطرية الكبرى وشكية بيرون (الفيلسوف الإغريقي الشاك وليس الشاعر الرومانتيكي الإنجليزي). وثمة كثرة من المصطلحات البلاغية ذات أصول اشتقاقية يونانية ولاتينية، وأسماء أعجمية غريبة على القارئ العربي، وكلمات وعبارات باللاتينية والفرنسية والألمانية. وهل من الحكمة أن يستخدم عناني مصطلحاً غير مألوف (من نحت دارس الترجمة جدعون تورى) مثل Tertium comparationisفي مطلع كتابه ثم لا يشرح معناه للقارئ حتى يصل إلى صفحة 251؟ إن جهود عناني المتواصلة إنشاء وترجمة وتدريساً عاماً بعد عام لا تدع مجالاً للشك في أنه أعظم أساتذة الأدب الإنجليزي وأقدر من يترجم من الإنجليزية وإليها في عالمنا العربي اليوم. ولكن أما كان يجدر به أن يرفق بالقراء ويضع في حسبانه اختلاف مستوياتهم الثقافية؟ أما كان من الممكن أن يقول ما يريده على نحو أقل تعقيداً وأقرب إلى الأفهام؟ مشكلة ولا أبا حسن لها، أو هي كما كانت العرب قديماً تقول «أعقد من ذنب الضب».



«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
TT

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

أسدل مهرجان «القاهرة السينمائي الدولي» الستار على دورته الـ45 في حفل أُقيم، الجمعة، بإعلان جوائز المسابقات المتنوّعة التي تضمّنها. وحصدت دول رومانيا وروسيا والبرازيل «الأهرامات الثلاثة» الذهبية والفضية والبرونزية في المسابقة الدولية.

شهد المهرجان عرض 190 فيلماً من 72 دولة، كما استحدث مسابقات جديدة لأفلام «المسافة صفر»، و«أفضل فيلم أفريقي»، و«أفضل فيلم آسيوي»، إلى جانب مسابقته الدولية والبرامج الموازية.

وكما بدأ دورته بإعلان تضامنه مع لبنان وفلسطين، جاء ختامه مماثلاً، فكانت الفقرة الغنائية الوحيدة خلال الحفل لفرقة «وطن الفنون» القادمة من غزة مع صوت الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، وهو يُلقي أبياتاً من قصيدته «على هذه الأرض ما يستحق الحياة».

وأكد رئيس المهرجان الفنان حسين فهمي، أنّ «الفنّ قادر على سرد حكايات لأشخاص يستحقون الحياة»، موجّهاً الشكر إلى وزير الثقافة الذي حضر حفلَي الافتتاح والختام، والوزارات التي أسهمت في إقامته، والرعاة الذين دعّموه. كما وجّه التحية إلى رجل الأعمال نجيب ساويرس، مؤسِّس مهرجان «الجونة» الذي حضر الحفل، لدعمه مهرجان «القاهرة» خلال رئاسة فهمي الأولى له.

المخرجة السعودية جواهر العامري وأسرة فيلمها «انصراف» (إدارة المهرجان)

وأثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعالياته؛ فقالت الناقدة ماجدة خير الله إنّ «عدم حضوره قد يشير إلى وقوع خلافات»، مؤكدةً أنّ «أي عمل جماعي يمكن أن يتعرّض لهذا الأمر». وتابعت لـ«الشرق الأوسط» أنّ «عصام زكريا ناقد كبير ومحترم، وقد أدّى واجبه كاملاً، وهناك دائماً مَن يتطلّعون إلى القفز على نجاح الآخرين، ويعملون على الإيقاع بين أطراف كل عمل ناجح». وعبَّرت الناقدة المصرية عن حزنها لذلك، متمنيةً أن تُسوَّى أي خلافات خصوصاً بعد تقديم المهرجان دورة ناجحة.

وفي مسابقته الدولية، فاز الفيلم الروماني «العام الجديد الذي لم يأتِ أبداً» بجائزة «الهرم الذهبي» لأفضل فيلم للمخرج والمنتج بوجدان موريشانو، كما فاز الفيلم الروسي «طوابع البريد» للمخرجة ناتاليا نزاروفا بجائزة «الهرم الفضي» لأفضل فيلم، وحصل الفيلم البرازيلي «مالو» للمخرج بيدرو فريري على جائزة «الهرم البرونزي» لأفضل عمل أول.

وأيضاً، حاز لي كانغ شنغ على جائزة أفضل ممثل عن دوره في الفيلم الأميركي «قصر الشمس الزرقاء»، والممثل الروسي ماكسيم ستويانوف عن فيلم «طوابع البريد». كما حصلت بطلة الفيلم عينه على شهادة تقدير، في حين تُوّجت يارا دي نوفايس بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في الفيلم البرازيلي «مالو»، وحصل الفيلم التركي «أيشا» على جائزة أفضل إسهام فنّي.

الفنانة كندة علوش شاركت في لجنة تحكيم أفلام «المسافة صفر» (إدارة المهرجان)

وأنصفت الجوائز كلاً من فلسطين ولبنان، ففاز الفيلم الفلسطيني «حالة عشق» بجائزتَي «أفضل فيلم» ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية»، ولجنة التحكيم الخاصة. وأعربت مخرجتاه منى خالدي وكارول منصور عن فخرهما بالجائزة التي أهدتاها إلى طواقم الإسعاف في غزة؛ إذ يوثّق الفيلم رحلة الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة داخل القطاع. ورغم اعتزازهما بالفوز، فإنهما أكدتا عدم شعورهما بالسعادة في ظلّ المجازر في فلسطين ولبنان.

وكانت لجنة تحكيم «أفلام من المسافة صفر» التي ضمَّت المنتج غابي خوري، والناقد أحمد شوقي، والفنانة كندة علوش؛ قد منحت جوائز لـ3 أفلام. وأشارت كندة إلى أنّ «هذه الأفلام جاءت طازجة من غزة ومن قلب الحرب، معبِّرة عن معاناة الشعب الفلسطيني». وفازت أفلام «جلد ناعم» لخميس مشهراوي، و«خارج التغطية» لمحمد الشريف، و«يوم دراسي» لأحمد الدنف بجوائز مالية قدّمتها شركة أفلام «مصر العالمية». كما منح «اتحاد إذاعات وتلفزيونات دول منظمة التعاون الإسلامي»، برئاسة الإعلامي عمرو الليثي، جوائز مالية لأفضل 3 أفلام فلسطينية شاركت في المهرجان، فازت بها «أحلام كيلومتر مربع»، و«حالة عشق»، و«أحلام عابرة».

ليلى علوي على السجادة الحمراء في حفل الختام (إدارة المهرجان)

وحصد الفيلم اللبناني «أرزة» جائزتين لأفضل ممثلة لبطلته دياموند بو عبود، وأفضل سيناريو. فأكدت بو عبود تفاؤلها بالفوز في اليوم الذي يوافق عيد «الاستقلال اللبناني»، وأهدت الجائزة إلى أسرة الفيلم وعائلتها.

وفي مسابقة الأفلام القصيرة التي رأست لجنة تحكيمها المخرجة ساندرا نشأت، فاز الفيلم السعودي «انصراف» للمخرجة جواهر العامري بجائزة لجنة التحكيم الخاصة. وقالت جواهر، في كلمتها، إن المهرجان عزيز عليها، مؤكدة أنها في ظلّ فرحتها بالفوز لن تنسى «إخوتنا في فلسطين ولبنان والسودان». أما جائزة أفضل فيلم قصير فذهبت إلى الصيني «ديفيد»، وحاز الفيلم المصري «الأم والدب» على تنويه خاص.

كذلك فاز الفيلم المصري الطويل «دخل الربيع يضحك» من إخراج نهى عادل بـ4 جوائز؛ هي: «فيبرسي» لأفضل فيلم، وأفضل إسهام فنّي بالمسابقة الدولية، وأفضل مخرجة، وجائزة خاصة لبطلته رحاب عنان التي تخوض تجربتها الأولى ممثلةً بالفيلم. وذكرت مخرجته خلال تسلّمها الجوائز أنها الآن فقط تستطيع القول إنها مخرجة.

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

كما فاز الفيلم المصري «أبو زعبل 89» للمخرج بسام مرتضى بجائزة أفضل فيلم وثائقي طويل، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة، بالإضافة إلى تنويه خاص ضمن مسابقة «أسبوع النقاد». ووجَّه المخرج شكره إلى الفنان سيد رجب الذي شارك في الفيلم، قائلاً إنّ الجائزة الحقيقية هي في الالتفاف الكبير حول العمل. وأكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «النجاح الذي قُوبل به الفيلم في جميع عروضه بالمهرجان أذهلني»، وعَدّه تعويضاً عن فترة عمله الطويلة على الفيلم التي استغرقت 4 سنوات، مشيراً إلى قُرب عرضه تجارياً في الصالات. وحاز الممثل المغربي محمد خوي جائزة أفضل ممثل ضمن «آفاق السينما العربية» عن دوره في فيلم «المرجا الزرقا».

بدوره، يرى الناقد السعودي خالد ربيع أنّ الدورة 45 من «القاهرة السينمائي» تعكس السينما في أرقى عطائها، بفضل الجهود المكثَّفة لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا، وحضور الفنان حسين فهمي، وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أنّ «الدورة حظيت بأفلام ستخلّد عناوينها، على غرار فيلم (هنا) لتوم هانكس، والفيلم الإيراني (كعكتي المفضلة)، و(أبو زعبل 89) الذي حقّق معادلة الوثائقي الجماهيري، وغيرها... وكذلك الندوات المتميّزة، والماستر كلاس الثريّة».