استقالة غسان سلامة من مهمته في ليبيا «انتكاسة» لجهود السلام

غوتيريش ناقش معه ضمان «انتقال سلس» حفاظاً على «المكاسب التي تحققت»

المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا غسان سلامة قدّم استقالته من مهمته (إ.ب.أ)
المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا غسان سلامة قدّم استقالته من مهمته (إ.ب.أ)
TT

استقالة غسان سلامة من مهمته في ليبيا «انتكاسة» لجهود السلام

المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا غسان سلامة قدّم استقالته من مهمته (إ.ب.أ)
المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا غسان سلامة قدّم استقالته من مهمته (إ.ب.أ)

باستقالة غسان سلامة من مهمته كرئيس لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا «أونسميل»، خسرت الأطراف الليبية المتحاربة وسيطاً أممياً هو الأبرز عقب سنوات من العمل بلا كلل على إنهاء حال النزاع والفوضى التي سادت البلاد منذ نهاية حكم العقيد معمر القذافي عام 2011.
وعزا سلامة استقالته هذه لأسباب صحية، إذ غرّد على «تويتر» قائلاً: «سعيت لعامين ونيف للم شمل الليبيين وكبح تدخل الخارج وصون وحدة البلاد»، مضيفاً: «عليّ اليوم، وقد عقدت قمة برلين، وصدر القرار 2510، وانطلقت المسارات الثلاثة رغم تردد البعض، أن أقر بأن صحتي لم تعد تسمح بهذه الوتيرة من الإجهاد». وقال: «لذا طلبت من الأمين العام (أنطونيو غوتيريش) إعفائي من مهمتي، آملاً لليبيا السلم والاستقرار».
وكانت المفارقة أن هذه التغريدة على «تويتر» سبقت اطلاع الأمين العام على رسالة إلكترونية كتبها له سلامة لإبلاغه بقرار التنحي، وفقاً لمعلومات حصلت عليها «الشرق الأوسط» من مصدر أممي واسع الاطلاع، برر رد الفعل الأولي من الأمم المتحدة بأن «الأمين العام لطالما كانت لديه كل الثقة بالجهود الاستثنائية التي يقوم بها سلامة». وأضاف أن الأمين العام «لم يتلق رسالة رسمية» من مبعوثه الخاص.
ولاحقاً أفاد الناطق باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك أن الأمين العام «تلقى لتوه رسالة من السيد سلامة يعرب فيها عن اعتزامه ترك منصبه كممثل خاص إلى ليبيا». وأضاف أنه «كانت للأمين العام دائماً ثقة تامة في عمل السيد سلامة والجهود الكبيرة التي بذلها لإحلال السلام في ليبيا». وأشار إلى أن الأمين العام سيناقش مع سلامة «السبيل لضمان انتقال سلس، لئلا نفقد قوة الدفع للمكاسب التي تحققت».
وفوجئ عدد من الدبلوماسيين بقرار سلامة بالاستقالة لأنه «حاول القيام بذلك سابقاً، وأجمع جميع أعضاء مجلس الأمن على ضرورة بقائه في هذه المهمة»، وفقاً لما قاله أحد أعضاء مجلس الأمن لـ«الشرق الأوسط»، معترفاً بأن الاستقالة «ستكون انتكاسة كبيرة للجهود الدبلوماسية التي تبذلها الأمم المتحدة في ليبيا». ورفض أعضاء مجلس الأمن طلبات سابقة من جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي بتعيين «مبعوث مشترك» إلى ليبيا.
والشهر الماضي، أصدر مجلس الأمن قراره 2510 الذي دعا أطراف النزاع الليبي إلى الالتزام بوقف إطلاق النار في ليبيا، ضمن نتائج مؤتمر برلين الدولي.
وكان سلامة تولى منصبه في يونيو (حزيران) 2017 خلفا للألماني مارتن كوبلر، فصار المبعوث الأممي السادس، وهو الثاني كلبناني بعد الوزير السابق طارق متري.
وسلامة أكاديمي مرموق حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة باريس الأولى، وعلى دكتوراه في الآداب من جامعة باريس الثالثة.
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، استضافت العاصمة الألمانية برلين مؤتمر قمة شاركت فيه 12 دولة و4 منظمات دولية وإقليمية، كان من أبرز بنود بيانه الختامي، ضرورة الالتزام بوقف النار، والعودة إلى المسار السياسي لمعالجة النزاع.
إلى ذلك، أشار دوجاريك إلى أن الأمين العام أصدر خلال عطلة نهاية الأسبوع بياناً يندد فيه بشدة بـ«القصف العشوائي لعدد من المناطق في طرابلس، بما في ذلك المناطق السكنية والمطار في طرابلس». ودعا إلى «وقف فوري للأعمال القتالية»، مذكراً بقرار مجلس الأمن الرقم 2510 الذي اعتمد أخيراً ويحض على تنفيذه.



منظمة دولية: الحوثيون يعرّضون المساعدات الإنسانية للخطر

يمني يحمل حصة المساعدات التي حصل عليها في طريقه إلى منزله (إعلام محلي)
يمني يحمل حصة المساعدات التي حصل عليها في طريقه إلى منزله (إعلام محلي)
TT

منظمة دولية: الحوثيون يعرّضون المساعدات الإنسانية للخطر

يمني يحمل حصة المساعدات التي حصل عليها في طريقه إلى منزله (إعلام محلي)
يمني يحمل حصة المساعدات التي حصل عليها في طريقه إلى منزله (إعلام محلي)

اتهمت منظمة حقوقية دولية بارزة الجماعة الحوثية بقمع المجتمع المدني، وتعريض المساعدات الإنسانية للخطر، وقالت إنهم مستمرون في احتجاز وإخفاء موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمحلية. كما انتقدت الهجمات الإسرائيلية على موانئ الحديدة، واستهداف الحوثيين إسرائيل.

ووفق التقرير العالمي لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» عن عام 2025، فإن الأطراف المتحاربة في اليمن، وخاصة الحوثيين، قمعت المجتمع المدني بشكل أكبر، وعرقلت تقديم المساعدات الإنسانية وعرَّضتها للخطر في عام 2024. كما احتجز الحوثيون وأخفوا تعسفياً العشرات من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني.

وقالت نيكو جعفرنيا، الباحثة في شؤون اليمن والبحرين بالمنظمة: «إن الحوثيين أظهروا نفاقاً حقيقياً، حيث قالوا إنهم يقفون مع الفلسطينيين الذين يواجهون القمع الإسرائيلي، بينما هم أنفسهم يضطهدون المجتمع المدني اليمني».

وطالبت الباحثة الحكومات والأمم المتحدة بالضغط على الجماعة للإفراج عن جميع الأفراد المعتقلين تعسفياً، وإدانة جميع الجهات الفاعلة التي تهدد المجال المدني والمساعدات الإنسانية باليمن، بما في ذلك إسرائيل.

الهجمات الإسرائيلية تهدد وصول المساعدات الإنسانية إلى اليمن لجهة استهدافها الموانئ (إكس)

ومع تأكيد المنظمة أن الهجمات الإسرائيلية على ميناء الحديدة؛ وهو نقطة دخول رئيسية للمساعدات الإنسانية، تُهدد توفير المساعدات، وقد ترقى إلى جرائم حرب، قالت إن الهجمات العشوائية التي شنها الحوثيون، والتي أصابت سفناً مدنية في البحر الأحمر وأسفرت عن مقتل مدنيين، وأصابت أهدافاً مدنية في إسرائيل، قد ترقى أيضاً إلى جرائم حرب.

اعتقالات وقيود

وفق التقرير، فإنه، ومنذ 31 مايو (أيار) 2024، اعتقل الحوثيون وأخفوا قسراً عشرات الأشخاص، بما في ذلك ما لا يقل عن 17 موظفاً في وكالات الأمم المتحدة وعدد من موظفي المنظمات غير الحكومية والسفارات الأجنبية والشركات الخاصة العاملة بالأراضي التي يسيطرون عليها.

كما أدت عرقلة الحوثيين للعمليات الإنسانية وقطع المعلومات داخل أراضيهم، إلى تفاقم تفشي الكوليرا الذي انتشر في جميع أنحاء اليمن وتسبَّب في وفاة 258 شخصاً من بين 95000 حالة مشتبه بها.

مناصرون للجماعة الحوثية خلال حشد في صنعاء دعا له زعيمهم (رويترز)

واتهمت المنظمة جميع الأطراف اليمنية المتحاربة بفرض مزيد من القيود على حرية حركة النساء، وفي كثير من الحالات طلب منهن عند السفر ضرورة مرافقة أحد الأقارب من الذكور (المحرم). وذكرت أنه وفي 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، استولى الحوثيون على السفينة التجارية «جالكسي ليدر»، واحتجزوا طاقمها المكون من 25 فرداً تعسفياً.

وأكد تقرير المنظمة أن الحوثيين هاجموا عدة سفن تجارية، وأطلقوا صواريخ عشوائية على إسرائيل، وهو ما يرقى إلى جرائم حرب محتملة. وقالت إنه يتعين عليهم وعلى جميع الأطراف المتحاربة الإفراج فوراً عن جميع المعتقلين تعسفياً، والتوقف عن الاحتجاز التعسفي للأشخاص.

انتقاد الضربات الإسرائيلية

وفي تقرير آخر، انتقدت المنظمة الدولية قصف الجيش الإسرائيلي ميناءيْ رأس عيسى والحديدة، بالإضافة إلى محطة توليد كهرباء حزيز في صنعاء، وكلها تقع في مناطق سيطرة الحوثيين. وهي موانئ ضرورية لنقل الغذاء وغيره من احتياجات السكان الذين يعتمدون على الاستيراد، فنحو 70 في المائة من الواردات التجارية، و80 في المائة من المساعدات الإنسانية، يمر بهذين الميناءين.

ونقلت المنظمة عن أوكي لوتسما، الممثل المقيم لـ«برنامج الأمم المتحدة الإنمائي»، القول إنها موانئ «بالغة الأهمية للأنشطة التجارية والإنسانية». في حين تصف روزماري ديكارلو، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، هذه الموانئ بأنها «خط الحياة لملايين البشر»، وأنها يجب أن تبقى «مفتوحة وتعمل». كما أن محطة توليد كهرباء حزيز هي المحطة المركزية في صنعاء، وتؤمِّن الكهرباء لسكان المدينة.

الهجمات الإسرائيلية استهدفت أعياناً مدنية في اليمن (إكس)

وأكدت المنظمة أن الهجمات المتعمَّدة على أعيان لا غنى عنها للبقاء على قيد الحياة هي جرائم حرب، خاصة أنها ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل بنى تحتية مهمة في اليمن.

فمنذ يوليو (تموز) 2024، هاجم الجيش الإسرائيلي بشكل متكرر موانئ الحديدة ورأس عيسى والصليف ومحطات توليد الكهرباء في البلاد. وقُتل ستة مدنيين على الأقل، وأُصيب 80 آخرون جراء الهجوم في 20 يوليو على ميناء الحديدة وحده. ورأت المنظمة أن هذا الهجوم يرقى، على الأرجح، إلى مستوى جريمة حرب.

وقالت «هيومن رايتس ووتش» إنه إذا كانت هجمات الحوثيين بالطائرات المُسيّرة والصواريخ على إسرائيل تستهدف مدنيين أو أعياناً مدنية بشكل متعمَّد أو عشوائي، فقد ترقى هي أيضاً إلى مستوى جرائم حرب. وقالت إنه على السلطات الإسرائيلية والحوثية أن تُنهي فوراً جميع هجماتها غير القانونية، بما فيها تلك التي تستهدف المدنيين والبنى التحتية المدنية.