الأحزاب السياسية في ليبيا... «حضور باهت» واتهامات لزمن القذافي

بعضها يمارس نشاطاً محدوداً في مقابل «كيانات كرتونية»

ليبيون في طرابلس يحتفلون بذكرى الثورة (أ.ف.ب)
ليبيون في طرابلس يحتفلون بذكرى الثورة (أ.ف.ب)
TT

الأحزاب السياسية في ليبيا... «حضور باهت» واتهامات لزمن القذافي

ليبيون في طرابلس يحتفلون بذكرى الثورة (أ.ف.ب)
ليبيون في طرابلس يحتفلون بذكرى الثورة (أ.ف.ب)

أحدثت ثورة 17 فبراير (شباط) 2011، التي أسقطت نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، طفرة ملحوظة في ممارسة العمل السياسي إلى حد كبير بالبلاد، ما سمح بتأسيس أكثر من 70 حزباً، بعضها يمارس نشاطه، وإن كان على استحياء، والبعض الآخر اكتفى بتدشين صفحات له على «فيسبوك»، ولا يُعرف على وجه الدقة هل ما زالت هذه الأحزاب قائمة أم حلت نفسها!
ويرى عضو مجلس النواب زياد دغيم أن السبب الرئيسي لضعف الحياة الحزبية في ليبيا يرجع إلى النشأة الحديثة للدولة التي بدأت في خمسينات القرن الماضي، بعد الاستقلال، بالإضافة إلى ما أعقب ذلك من «تصحر» سياسي، بسبب منع تأسيس الأحزاب، سواء في عهد الملك محمد إدريس السنوسي، أو في ظل نظام القذافي، لدرجة أن الداعين لإنشائها كانوا يخوَّنون.
وأضاف دغيم، وهو نائب رئيس حزب التكتل الاتحادي الوطني الفيدرالي، الذي أُسس عقب سقوط نظام القذافي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الإرث التاريخي الذي خلفه النظام السابق أدى إلى عدم إدراك الليبيين لأهمية دور الأحزاب، بل المجتمع المدني»، وذهب إلى أن «الحياة الحزبية تحتاج إلى وقت طويل للتعمّق والتجذر».
وأكمل: «للأسف تجربة التعددية الحزبية التي تأسست عقب (ثورة) 17 فبراير كانت قصيرة جداً، وسرعان ما تم (تخوين) قيادات، عبر تحميلهم مسؤولية الصراع السياسي وما تلاه من شيوع الفوضى بالبلاد، قبل الانقسام عام 2014». و«رغم ارتفاع عدد الأحزاب لما قارب 70 حزباً، لم يعد هناك دور يذكر لكثير منها، باستثناء تمثيل نوابها داخل المؤسسات التشريعية».
واكتفى محمود الفطيسي رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «تجمع المشروع الوطني»، الذي أُسس عام 2018 في طرابلس، بالقول لـ«الشرق الأوسط» إن «حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني التي أعقبت ثورة فبراير والتدخلات الإقليمية والدولية أدت إلى تراجع التجربة الحزبية».
وقالت فيروز النعاس، الأمينة العامة لحزب الجبهة الوطنية، إن التراجع الراهن لدور الأحزاب، وفقدان كثير منها فعاليته، باستثناء عدد قليل، يرجعان أيضاً إلى تأثيرات الصراع الذي كان على أشده عام 2014 بين تيارين، الأول مدني، مثّله تحالف «القوى الوطنية» برئاسة الدكتور محمود جبريل، والثاني «إسلامي»، تمثل في حزب «العدالة والبناء» الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين» في ليبيا. ورأت أن ذلك أدى إلى «تحميل العملية السياسية والأحزاب تبعات الانقسام السياسي الذي شهدته البلاد».
ورفضت النعاس في حديثها إلى «الشرق الأوسط» اتّهام الأحزاب الموجودة في الغرب الليبي باقتصار دورها على تأييد المجلس الرئاسي والترويج له مقابل الحصول على تمويل، وقالت إن حزبها كباقي الأحزاب الليبية يموَّل من تبرعات أعضائه. وتابعت: «نمارس حق النقد للمجلس الرئاسي وحكومة (الوفاق)، وهو ما دفع كثيراً من المواطنين للتفاعل مع الحزب مؤخراً لنقل شكاواهم ومقترحاتهم للمؤسسة التنفيذية».
ويُرجع الكاتب والباحث السياسي أحمد العبود، تراجع دور الأحزاب في ليبيا «لتأسيس أغلبها على عجل، بهدف التفاعل مع الاستحقاق الانتخابي الأول بعد الثورة، ما أضعف دور بعض منها، وانقسام البعض الآخر، وسط تحول كثير منها مع الزمن إلى أحزاب كرتونية عبارة عن لافتات فقط على مقرات».
وتحدث العبود لـ«الشرق الأوسط» عما سماه «خيبة الأمل» التي أصابت الليبيين، وقال إنه رغم فوز التيار المدني والليبرالي في انتخابات المؤتمر الوطني عامي 2012 و2014، فإن قوى الإسلام السياسي باتت في الحالتين هي المسيطرة على المشهد العام في ليبيا، تارة عبر قانون انتخابي يمنح الأغلبية للمستقلين من حلفائهم، وتارة بواسطة «العنف المسلح» كما حدث عام 2014.
وأضاف: «تلك الخيبة جرى تعميقها بما تكشف حول تبعية وولاء كثير من أحزاب الإسلام السياسي لتنظيمات عابرة للحدود ودول»، مشدداً على أن «(الجيش الوطني) عبر سلسلة إنجازاته على الأرض منذ العام 2014 في محاربة الإرهاب والفوضى المسلحة، بات هو المؤسسة الوحيدة التي تحظى بثقة الليبيين، سواء أهل القبائل والمدن».
ورداً على من يقول بـ«عسكرة البلاد» وتأثير ذلك على الحياة الحزبية، قال العبود: «البعض يزعم وجود تقييد للحراك والعمل السياسي في مناطق سيطرة الجيش في مدن الشرق والجنوب، غافلين عن نشأة أحزاب سياسية في بنغازي مؤخراً، من بينها (التكتل المدني الديمقراطي)، فضلاً عن وجود مقارّ ونشاطات كثير من المنظمات المدنية والحقوقية في تلك المناطق».
أما نائب رئيس حزب العدالة والبناء فرج المعماري، فخلافاً لآراء كثيرة، يرفض بشدة توصيف حزبه كذراع سياسية لجماعة «الإخوان»، مؤكداً أن لحزبه دوراً فاعلاً على الساحة السياسية، ليس فقط على صعيد الدعوة لتأييد المسار السياسي لحل الصراع، وإنما عبر العمل الخدمي مع الشباب والمرأة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».