«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

شبكات إرهابية جديدة للفرار من مراقبة الاستخبارات الغربية

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.



«الداعشيات»... ماضٍ مظلم ومستقبل مجهول

حراس يرافقون محتجزة في مخيم الهول الذي يديره الأكراد للنازحين حيث تحتجز عائلات مقاتلي {داعش} بمحافظة الحسكة في شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)
حراس يرافقون محتجزة في مخيم الهول الذي يديره الأكراد للنازحين حيث تحتجز عائلات مقاتلي {داعش} بمحافظة الحسكة في شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)
TT

«الداعشيات»... ماضٍ مظلم ومستقبل مجهول

حراس يرافقون محتجزة في مخيم الهول الذي يديره الأكراد للنازحين حيث تحتجز عائلات مقاتلي {داعش} بمحافظة الحسكة في شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)
حراس يرافقون محتجزة في مخيم الهول الذي يديره الأكراد للنازحين حيث تحتجز عائلات مقاتلي {داعش} بمحافظة الحسكة في شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)

في مخيم الهول في شمال شرقي سوريا، الذي بات ملاذاً آمناً للفارين من مناطق التنظيم سابقاً في سوريا والعراق، يوجد اليوم نحو 72 ألف نازح ولاجئ، 90 في المائة منهم نساء وأطفال، بحسب المسؤولين عن المخيم. وتُعَد نسبة العراقيين الأعلى من بين القاطنين، حيث يعيش 30875 ألفاً ضمن 8746 عائلة، أما السوريون فيبلغ عددهم 30593 ألفاً ويبلغ تعداد العائلات 8983.
وتم تخصيص قسم خاص في المخيم للنساء الأجانب وأطفالهنّ المتحدرين من دول غربية وعربية ويبلغ عددهم نحو 10734 ألفاً، من بينهم 3177 امرأة بعضهن قاصرات، أما الباقي فأطفال دون سن الخامسة عشرة. ويخضع القسم لحراسة أمنية مشددّة، حيث يمنع خروج ودخول النساء إلا بإذن خطي من إدارة المخيم وبرفقة عناصر من قوى الأمن الداخلي. وتأتي روسيا على رأس القائمة من الأجانب ويبلغ عدد النساء مع أطفالهن 2010. ويليها دول آسيا الوسطى بما مجموعه 2320 ومن ثم دول أوروبية 1200، إضافة إلى عدد آخر من المتحدرين من أميركا وأستراليا».
أما عدد النساء العربيات المهاجرات وأطفالهنّ فهو 1453، عدا العراقيات، ويأتي المغرب على رأس القائمة ويبلغ تعداد النساء والأطفال منه 582. تليه مصر 377 امرأة وطفلاً، ثم تونس 251. بينما يبلغ تعداد النساء والأطفال من الجزائر 98 سيدة وطفلها، ومن الصومال 56. ومن لبنان 29. ومن السودان 24. ومن ليبيا 11. ومن فلسطين 8، والرقم نفسه من اليمن، إضافة إلى 9 من دول أخرى.
ومن الغريب أن نجد عدد الأجنبيات من روسيا وآسيا الوسطى والدول الغربية أكثر بكثير من اللاتي أتين من الدول العربية، وربما يعكس هذا أيضاً نسبة الدول التي يأتي منها المقاتلون الأجانب المنضمون لصفوف التنظيم. وقد تتشابه الأسباب التي أدت إلى انضمام النساء من هذه الدول ومن الدول العربية، مثل الإيمان بالآيديولوجية والمعاناة من القمع والجهل والفقر والتمييز والرضوخ لرغبة الزوج، ولكن لا تزال هناك تساؤلات حول تأثر هؤلاء النساء بفكر ودعاية «داعش» خارج نطاق محيطهم الاجتماعي العام العلماني أو المتحرر أو غير الإسلامي وكذلك الطريقة التي استطعن بها الوصول إلى سوريا من بلدانهن البعيدة.
وحتى الدول العربية التي تأتي معظم النساء منها، وغالباً الرجال أيضاً، لا تنطبق عليها الصورة النمطية للمجتمعات المسلمة المتشددة، بل العكس هي دول معروف عنها الوسطية والاستقرار وتمكين المرأة. لذلك فإن تأثر هؤلاء النساء والرجال بالفكر المتطرف لا يمكن إرجاعه لعامل واحد فقط كالمناهج التعليمية أو المنابر الدينية أو وسائل التواصل الاجتماعي، وإنما يبدو أنها عوامل متعددة غذّى بعضها بعضاً، وقد يكون العامل الأسري والاقتصادي والنفسي المحرك الأقوى والذي تم استغلاله من قبل جماعات منظمة لأهداف سياسية.
الآن فإن وضع هؤلاء النسوة وأطفالهن في مخيم الهول أقل ما يوصف به أنه كارثي. فالموجودون بحاجة ماسة إلى المساعدة وإعادة التأهيل، حيث تعرض القسم الأكبر منهم لفظائع وشهدوا حروباً ومشاهد موت فظيعة ومعاناة بدنية ونفسية. وهؤلاء يحتاجون إلى الأمان والمأوى والغذاء والرعاية الصحية والصرف الصحي، ويفتقر المخيم لمراكز صحية ومؤسسات تعليمية وترفيهية ولأبسط مقومات الحياة. ويفيد تقرير أعدته الأمم المتحدة بأن 126 قاصراً لقوا حتفهم في هذا المخيّم خلال الأشهر الأولى من هذا العام بسبب المرض أو سوء التغذية أو نتيجة إصابات تعذّرت معالجتها، وأن نحو 40 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين السادسة والثانية عشرة يعيشون في ظروف مأساوية ولا يعرف أحد ماذا ينتظرهم.
وبطبيعة الحال، يبقى الأطفال الضحية الأكبر في هذا كله. ما هو مصيرهم؟ آباؤهم الداعشيون إما قُتلوا أو اعتُقلوا أو لا يعرف أحد مكان وجودهم ولا ما إذا كانوا أحياء أم في عداد الأموات. وفي بعض الحالات يكون الأب مجهولاً لأن الأم لا تعرف اسم زوجها الحقيقي. وقد بدأت بعض الحكومات بتسلم عدد بسيط من رعاياها الأطفال من عائلات مقاتلي تنظيم «داعش» الموجودين في مخيم الهول مثل ألمانيا والدنمارك وهولندا والنرويج والولايات المتحدة الأميركية وبلجيكا وأستراليا وروسيا وفرنسا. وأشارت التقارير إلى أن دول آسيا الوسطى الأعلى استعادة لمواطنيها من نساء وأطفال مثل أوزباكستان وكازاخستان. أما الدول العربية فإن المغرب والسودان هما الوحيدان اللذان يبدو أنهما تسلما عدداً قليلاً من رعاياهما. وبلغ مجموع النساء اللاتي عدن إلى بلدانهن الأصلية من الجنسيات الأجنبية 319 سيدة مهاجرة مع طفلها، إضافة إلى الأطفال اليتامى الذين قتل والداهم جراء المعارك في سوريا.
أما العراقيات فمنذ بداية العام الحالي، توقفت رحلات إعادة العراقيات الراغبات بالعودة إلى مناطقهن لأسباب تتعلق بالجانب العراقي، بحسب المسؤولين عن المخيم. وفي سوريا تدخل وجهاء عشائر وشيوخ عربية وطالبوا بالسماح بإخراج النساء السوريات برفقة أطفالهن، لا سيما المتحدرات من مناطق الإدارة الذاتية في شمال سوريا وشرقها، وبدأ العمل بنظام «الكفالة» قبل العيد الماضي، وإخراجهن على دفعات. كما يوجد نساء وأطفال لدى دوائر الإصلاح العراقية وإقليم كردستان يقدر عددهم بنحو 1500 طفل بشبهة الانتماء إلى تنظيم «داعش»، بينهم 185 أجنبياً على الأقل أُدينوا بتهم متصلة بالإرهاب. وقد أشار بيان للخارجية العراقية شهر يوليو (تموز) الماضي إلى أنها شاركت في عدد من عمليات ترحيل الأطفال من مختلف الجنسيات، وعددهم 473. ومن هذه الجنسيات: الروسية، والطاجيكية، والأذرية، والألمانية، والفرنسية، والجورجية، والبيلاروسية، والفنلندية، والأوكرانية، والتركية.
التعامل مع نساء تنظيم «داعش» يختلف عن الرجال. فرغم أن بعضهن حملن السلاح وقمن بعمليات انتحارية وكن أعضاء فاعلات في عمليات التخطيط والإمداد ونقل المعلومات والتجنيد، يظل واقع الحال يقول إن معظم نساء هذا التنظيم القابعات في المخيمات هن ضحية ظروفهن الأسرية والحرب، ومع ذلك تتعامل معهن بلادهن بحذر وقلق شديد وتخشى من عودتهن. ويقول مسؤولو الاستخبارات الأميركية، إن معسكر الهول، الذي يديره حلفاء أكراد سوريون بقليل من المساعدات والأمن، قد بات يتطور ليصبح بمثابة بؤرة جديدة لآيديولوجية تنظيم «داعش»، وأصبح يشكل تربة خصبة هائلة لتفريخ الإرهابيين في المستقبل. كما توصل تقييم حديث للأمم المتحدة إلى النتيجة نفسها، حيث أكد التقرير أن الأشخاص الذين يعيشون في الهول «قد يشكلون تهديداً إذا لم يتم التعامل معهم بشكل مناسب». وتشير هذه المعلومات إلى أن تنظيم «داعش» يصعد من جديد، وذلك ليس في العراق وسوريا فحسب، ولكن في أماكن أخرى من غرب أفريقيا إلى سيناء، وكذلك في أفغانستان.
ونبهتُ في مقالة سابقة على أنه يجب أخذ تهديد الإرهاب النسائي على محمل الجد وعلى ضرورة معالجة الأسباب والدوافع من جذورها وتقييم وتشخيص تبعات انضمام النساء للجماعات المتطرفة، سواء كان ذلك عن قناعة أو على نحو قسري وما نتج عن ذلك، ولا سيما بالنسبة للأطفال، على المستوى النفسي والاجتماعي والأمني والاقتصادي وكيفية التعامل معها، فما دامت البيئة التي أفرزت هذه الآيديولوجيا والعوامل التي ساعدت على نشرها ونموها موجودة فسيستمر ظهور المزيد من الحالات. ومن المهم إعادة تثقيف النساء بأمور دينهن وتأهيلهن نفسياً واجتماعياً وتمكينهن اقتصادياً ليصبحن أمهات صالحات لتربية أبنائهن بعيداً عن فكر وبيئة «داعش». وبالنظر إلى تأثير مواقع الإنترنت فإنه إضافة إلى متابعتها وإغلاقها من الجهات المعنية يجب إجراء دراسة للمواقع لتحديد مدى جاذبيتها وأساليبها في الاستقطاب ولماذا يلجأ إليها هؤلاء.
وشكلت المناقشة بخصوص دور المرأة ذاتها في مكافحة الإرهاب أحد المحاور الرئيسية في الاجتماع الوزاري التشاوري وخبراء من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي في القاهرة في شهر يونيو (حزيران) الماضي حول تمكين المرأة، والذي كان يهدف إلى بلورة ما يمكن أن تضطلع به منظمة تنمية المرأة التابعة للمنظمة من دور فور بدء نشاطاتها، والذي من المؤمل أن يكون العام المقبل. وركزت النقاشات على التحديات التي تواجهها المجتمعات المعاصرة في مجال مكافحة التطرف، وأهمية إشراك المرأة في التدابير والاستراتيجيات التي تضعها الدول الأعضاء في المنظمة في هذا المجال. وأكد الخبراء أن الأسباب والدوافع لانضمام النساء للجماعات المتطرفة ليست واحدة، وبالتالي لا يمكن التصدي لها باستراتيجية واحدة يتم تعميمها، إذ يجب مراعاة خصوصية كل منطقة وتنوعها السياسي والاجتماعي والثقافي، مشيرين، في الوقت ذاته، إلى أن هناك بعض الإجراءات والسياسات التي يمكن أن تتفق بخصوصها جميع الدول المعنية بهذه الظاهرة، ومنها على الخصوص زيادة التوعية حول وجود إرهاب نسائي وإمكانية تطرف النساء، بشكل ربما يضاهي أو يكون أكثر تشدداً من تطرف الرجل، إضافة إلى ضرورة توسيع دائرة المعنيين بمواجهة التطرف، وعلى رأسهم المرأة، من خلال تمكينها من القيام بدورها الاستباقي في منع ومواجهة علاماته التي يمكن أن تظهر على أبنائها ومحيطها الاجتماعي.