من التاريخ: الخوارج والدولة الأموية

من التاريخ: الخوارج والدولة الأموية
TT

من التاريخ: الخوارج والدولة الأموية

من التاريخ: الخوارج والدولة الأموية

قتل الخوارج الإمام علي بن أبي طالب، وكفّروا أيضا أغلبية الأطراف التي لم تتبع مذهبهم المتشدد خاصة في عملية التحكيم بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، وأمروا عليهم من لم يكن له حق الإمامة، ومن بعد ذلك رفضوا كل ما تم الاتفاق عليه في عام الجماعة بعدما تنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، فلقد رفضوا عليا ثم الحسن بن علي ثم معاوية من بعده، فكتبوا على أنفسهم الدخول في حرب ضروس ضد الخلافة الأموية الجديدة، ولم يكن الخليفة الجديد بغافل عن فكرهم وتطرفهم، وأدرك على الفور أنه لا مجال لاجتذاب هؤلاء إليه رغم قدراته السياسية الفائقة وأساليبه الدبلوماسية المميزة، فلقد تعامل معهم باللغة الوحيدة التي يمكن التصرف بها معهم، وهي لغة السيف، فأمثالهم ممن كفّروا المجتمع واستباحوا قتل من لم يتبع فكرهم بمن فيهم الأطفال والنساء والشيوخ ما كان للكلمة أن تكون أداة لاستقطابهم إلى الجماعة مجددا ولم شمل الدولة، فعقد الخليفة العزم على محاربتهم حربا ضروسا، وتبعه في ذلك سائر الخلفاء من بعده.
لقد بدأ صراع الخوارج مع الدولة الأموية منذ البداية، فلقد كانوا رافضين تماما لخلافة معاوية ولأسسها الشرعية وكان موقفهم أكثر تشددا من موقفهم مع خلافة علي بن أبي طالب،، فجمعوا شملهم تحت قيادة شخصية تدعى فروة بن نوفل وخرجوا على الأمويين، وهنا لجأ معاوية بن أبي سفيان إلى سياسة حكيمة للغاية، فلقد جرد لهم جيشا قويا يحاربهم، ولكنه استعمل أيضا وسيلة مبتكرة وهي تهديد أهل الكوفة بجملته الشهيرة «لا أمان لكم عندي حتى تكفوا بوائقكم»، كما ركز هذا السياسي الحكيم جزءا من جهده لمحاربة البيئة الحاضنة لهؤلاء المتطرفين حتى تلفظهم فيساعد ذلك جيوشه على مواجهتهم، وقد رضخ أهل الكوفة لهذا ولفظوا كثيرا منهم، ولكن هذا لم يمنع من ظهور موجة ثانية منهم بقيادة حيان بن ظبيان، فواجههم والي معاوية المغيرة بن شعبة وهزمهم ولكن بثمن كبير وبجهد ومال وفيرين.
لقد أدرك معاوية أن مواجهة الخوارج ستمتد، ولذلك قرر أن يُحَمِّل أخاه بالتبني زياد بن أبيه - الذي يقال إنه كان أخا له - فأسند له ولاية الكوفة بكل مشاكلها وفتنها، وقد استطاع هذا الرجل أن يسيطر على الأمر بقوة السلاح وأخمد فتن الخوارج لفترة زمنية كبيرة حتى مات، وعندما أُسند إلى ابنه عبيد الله بن زياد ولاية الكوفة، فإن الابن صار على نهج أبيه تماما، واستطاع أن يقضي على نفوذهم الذي كان يظهر بقوة بين فترة وأخرى، خاصة عندما لجأوا إلى «الأهواز» وبلاد فارس لأن البيئة السياسية هناك كانت مواتية لتقبل أفكارهم المتطرفة، واستخدموها كقاعدة لشن الهجمات منها، وقد عانت الدولة الأموية معاناة شديدة من فتنهم خاصة بعد موت عبيد الله بن زياد.
ولقد تحالف الخوارج بقوة مع عبد الله بن الزبير الذي أعلن خلافته الإسلامية في المدينة وكاد يعصف بالدولة الأموية تماما لولا حنكة مروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان من بعده، ومع ذلك فإن الخوارج كانوا على عهدهم بالتشدد وعدم الاستقرار، فكانوا حلفاءه، ثم تخلوا عنه لأسباب مرتبطة برؤيتهم لإمامته، فكانوا فرقة ضالة غير قادرة على حسم أمرها لفترات ممتدة بسبب رؤيتهم الضيقة وفكرهم المتصلب، وقد قام بمواجهتهم شخصية عسكرية فذة وهو المهلب بن أبي صفرة الذي استطاع بكل قوة أن يضربهم ضربات موجعة خاصة أتباع قطري بن الفجاءة واستطاع أن يقضي عليه بعد أن حقق نجاحات إيجابية وكان من فسلفته أن يتركهم كلما تجمعوا إلى أنفسهم وأفكارهم فينقسمون على أنفسهم ثم يواجههم متفرقين، ورغم ذلك فإن هذا الداء السياسي ظل موجودا مرة بعد أخرى، حتى بعدما سَيّر الخليفة الأموي عامله الحجاج بن يوسف الثقفي إلى العراق، فيروى أن فريقا منهم قويت شوكته واستطاع أن يحاصر الكوفة ومقر الحجاج نفسه تحت قيادة بطل مغوار هو شبيب بن يزيد، ولكن الحجاج كانت له أساليبه العسكرية والسياسية فاستطاع دحرهم في النهاية.
ثار الخوارج مرة أخرى في عهد عمر بن عبد العزيز، وقد سَيّر لهم هذا الخليفة الورع مسلمة بن عبد الملك على رأس جيش قوي، ولكنه طلب منه التأني في قتالهم، وتورد المصادر التاريخية الإسلامية وجود الكثير من الحوارات بين الخليفة عمر وبعضهم والتي تعكس بوضوح ضآلة فكرهم ونظرتهم الضيقة إلى حد السذاجة، فلقد كانت أفكارهم متشددة ولكنها لم تكن صلبة الجذور لاعتمادها على التفسيرات المتشددة وليس لب الدين الحنيف، وقد ساهمت هذه الحوارات في تهدئة ثورتهم، خاصة لما كان لهذا الخليفة من سمعة طيبة رقت معها عقلية بعض الخوارج بعض الشيء وإن كانت الحرب ضدهم قد استمرت بعد ذلك أيضا، ولكن شوكتهم انكسرت بشكل كبير في نهاية عهده، ومع ذلك فقد ظلت ثوراتهم ممتدة في الشمال الأفريقي عندما حاولوا الاستقلال بدولتهم الخاصة هناك ولكنهم دحروا أيضا، ثم ثاروا على فترات متقطعة، وكانت آخر ثوراتهم في المدينة خلال حكم آخر الخلفاء مروان بن محمد، وانتهت المواجهة بهزيمتهم ولكن ليس قبل أن يضعفوا هذا الخليفة تماما، ويساهموا بشكل ملحوظ في نهاية الدولة الأموية خاصة أن ذلك تزامن مع الزحف العباسي، ومع ذلك فإن شرهم لم يقف عند حد الأمويين، بل استمروا في نشاطهم المناوئ كما سنرى خلال الدولة العباسية، ولكن هذه الدولة الفتية استطاعت أن تنهي خطرهم السياسي عليها، وساعدهم في ذلك كثرة هزائمهم أمام الدولة المركزية ولجوء الكثير منهم للاحتفاظ بفكرهم بعيدا عن العمل السياسي والعسكري، وهكذا هدأت حركة الخوارج وخملت وانكفأت على نفسها في أحيان كثيرة.
واقع الأمر أنني كثيرا ما أعود بالفكر والتأمل لهذه المرحلة الحاسمة من التاريخ الأموي، فأشرد الذهن بعض الشيء وأتساءل ماذا كان سيحدث لو أن الفتن لم تدب في الجسد السياسي الإسلامي بسبب الخوارج؟، فيعود لي الفكر الشارد خاسئا وهو حسير، ليس لغياب أي أفكار إيجابية يمكن لي أن أتخيلها حول مستقبل مواز للدولة أو الدول الإسلامية حتى الوقت الحالي، ولكن لاقتناعي القوي بأن أمثال هذه الفئة الضالة قد كلفت الدولة الإسلامية الكثير من الفرص الضائعة، فلو أن القيادة السياسية الإسلامية، أيما كانت، سواء ممثلة في الأمويين أو علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أو غيرهما، كانت مسيطرة على المشهد السياسي الداخلي بعيدا عن الفتن والاقتتال السياسي مع الفرق المتطرفة، لكان الوضع قد تغير ولتمكنت الجيوش الإسلامية من تثبيت أركان هذه الدولة الوليدة، ولما تأخر فتح القسطنطينية ولكانت الجيوش الإسلامية قد استطاعت حسم معركة «بلاط الشهداء» وتوسيع أركانها في كل أوروبا، ولأصبح من الممكن أن تكون الخلافة الإسلامية أو الدول والكيانات المتتالية في عالمنا قوة لا يُستهان بها في عالم اليوم، فكان من الممكن أن تملك خيوطا هامة من زمام عوامل التغير التاريخي وحركته.



الهند أصرَّت على رفض «مبادرة الحزام والطريق» الصينية

الزعيمان الهندي والصيني مودي وشي، وبينهما بوتين خلال تجمّع للقادة المشاركين (رويترز)
الزعيمان الهندي والصيني مودي وشي، وبينهما بوتين خلال تجمّع للقادة المشاركين (رويترز)
TT

الهند أصرَّت على رفض «مبادرة الحزام والطريق» الصينية

الزعيمان الهندي والصيني مودي وشي، وبينهما بوتين خلال تجمّع للقادة المشاركين (رويترز)
الزعيمان الهندي والصيني مودي وشي، وبينهما بوتين خلال تجمّع للقادة المشاركين (رويترز)

> على الرغم من ذوبان الجليد في العلاقات الصينية - الهندية، رفضت الهند في اجتماع «منظمة شنغهاي للتعاون»، الذي اختتم أعماله حديثاً في باكستان، الانضمام إلى الأعضاء التسعة الآخرين في دعم «مبادرة الحزام والطريق» الصينية للاتصال والبنية الأساسية. وبذا تمضي نيودلهي في إصرارها على رفض المبادرة عبر مؤتمرات «منظمة شنغهاي للتعاون»، وبالتالي، لم تكن تلك القمة استثناءً.

رفْض الهند يتناقض بشكل صارخ مع البيان المشترك الصادر بنهاية القمة، الذي أكدت في إطاره جميع الدول الأعضاء الأخرى في «المنظمة» - وهي روسيا، وبيلاروسيا، وإيران، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وباكستان، وطاجيكستان وأوزبكستان - دعمها المبادرة الصينية. ولقد دعا رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، الذي ترأس الاجتماع، إلى إنشاء إطار اتصال لـ«منظمة شنغهاي للتعاون»، عبر توسيع مشروعات «مبادرة الحزام والطريق» و«ممر الصين - باكستان الاقتصادي» و«الممر الدولي بين الشمال والجنوب».

في المقابل، أعلن وزير الشؤون الخارجية الهندي إس جايشانكار - الذي بات أول وزير خارجية هندي يسافر إلى إسلام آباد منذ ما يقرب من عقد - أن التعاون داخل «منظمة شنغهاي للتعاون» بشأن الاتصال والتجارة، «يجب أن يعترف بالسلامة الإقليمية والسيادة، ولا يمكن بناؤه على أجندات أحادية الجانب». وتتوافق هذه الخطوة مع موقف الهند المعلن بشأن «مبادرة الحزام والطريق» الرائدة التي أطلقها الرئيس الصيني. إذ انتقدت نيودلهي «المبادرة» بحجة أنها لا توفر تكافؤ الفرص أمام الشركات الهندية. والواقع أن موقف نيودلهي نابع في المقام الأول من اعتراضها على «ممر الصين - باكستان الاقتصادي»، الذي تزعم أنه ينتهك سلامة أراضيها من خلال المرور عبر جزء من كشمير (تعتبره أرضاً تحتلها باكستان). وللعلم، تُعدّ الهند واحدة بين عدد قليل من البلدان في آسيا التي لم توقع على «المبادرة»، رغم دعوات بكين للانضمام.