«خيبة أمل» إثيوبية من الوساطة الأميركية بشأن سد النهضة... ومصر تشيد بجهود واشنطن

جانب من اجتماع ترمب بوزراء الخارجية والموارد المائية لمصر والسودان وإثيوبيا حول سد النهضة (أرشيفية - حساب المتحدث باسم الخارجية المصرية)
جانب من اجتماع ترمب بوزراء الخارجية والموارد المائية لمصر والسودان وإثيوبيا حول سد النهضة (أرشيفية - حساب المتحدث باسم الخارجية المصرية)
TT

«خيبة أمل» إثيوبية من الوساطة الأميركية بشأن سد النهضة... ومصر تشيد بجهود واشنطن

جانب من اجتماع ترمب بوزراء الخارجية والموارد المائية لمصر والسودان وإثيوبيا حول سد النهضة (أرشيفية - حساب المتحدث باسم الخارجية المصرية)
جانب من اجتماع ترمب بوزراء الخارجية والموارد المائية لمصر والسودان وإثيوبيا حول سد النهضة (أرشيفية - حساب المتحدث باسم الخارجية المصرية)

أعربت إثيوبيا، اليوم (السبت)، عن «خيبة أملها» من جهود الولايات المتحدة الأخيرة لحل النزاع المستمر منذ مدة طويلة بشأن مشروع سد النهضة على النيل الأزرق، مشيرة إلى أن التوصل إلى اتفاق قد يكون مسألة بعيدة المنال، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وتسبب السد الهائل الذي يتوقع أن يكون أكبر مصدر للطاقة الكهرومائية في أفريقيا، بتوتر بين أديس أبابا والقاهرة منذ بدأت إثيوبيا بالعمل على تشييده في 2011.
وتدخلت وزارة الخزانة الأميركية العام الماضي لتسهيل المحادثات بين إثيوبيا ومصر والسودان، الواقع كذلك عند مصب نهر النيل، بعدما دعا الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، للتدخل.
وكان من المفترض أن تختتم المفاوضات بحلول منتصف يناير (كانون الثاني)، لكن مسؤولين أجّلوا الموعد النهائي حتى نهاية فبراير (شباط) ومع ذلك، لم تثمر المحادثات.
ولم تتضح بعد نتائج الوساطة الأميركية، بينما اختارت إثيوبيا الامتناع عن إرسال وفد إلى جولة المحادثات الأخيرة التي جرت في واشنطن هذا الأسبوع، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وبدلا من ذلك، عقد وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين لقاءات ثنائية مع وزراء من مصر والسودان.
وأصدرت وزارة الخزانة، الجمعة، بيانا قالت فيه إنه تم التوصل إلى اتفاق وصفته بـ«المنصف والمتوازن» وأشارت إلى أنه «يصب في مصلحة البلدان الثلاثة»، لكن إثيوبيا أكدت في بيانها السبت أنها «لا تقبل اعتبار أن المفاوضات استكملت»، وأشار البيان الإثيوبي إلى وجود «مسائل عالقة»، دون أن يفصح عن مزيد من التفاصيل.
وترى إثيوبيا أن السد ضروري من أجل تزويدها الكهرباء وتنميتها، بينما تخشى مصر أن يؤثر المشروع على إمداداتها من النيل الذي يوفّر 90 في المائة من المياه التي تحتاج إليها للشرب والري.
وتعد تعبئة خزّان السد القادر على استيعاب 74 مليون متر مكعّب من المياه بين أبرز النقاط العالقة.
وتخشى القاهرة أن تملأ أديس أبابا الخزّان بشكل سريع للغاية، ما من شأنه أن يخفض تدفق المياه إلى مصب النهر.
وفي بيانها الجمعة، أفادت وزارة الخزانة الأميركية أبن على «الاختبارات النهائية وعملية التعبئة ألا تتم من دون اتفاق»، وهو موقف يؤيّده السودان.
لكن إثيوبيا تسعى إلى أن يبدأ السد بإنتاج الطاقة بحلول نهاية العام الحالي وذكرت، السبت، أنها ستبدأ بملء الخزّان «بالتزامن» مع عمليات بناء السد.
ومن جانبها، أكدت مصر أن مشاركتها في الاجتماع الذي دعت إليه الولايات المتحدة يومي 27 و28 فبراير الحالي جاءت من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، وتنفيذاً للالتزامات الواردة في اتفاق إعلان المبادئ المبرم بين مصر والسودان وإثيوبيا في 23 مارس (آذار) 2015.
وقالت الخارجية المصرية، في بيان، بحسب وكالة الأنباء الألمانية: «اتسم موقف مصر خلال جميع مراحل التفاوض المضني على مدار الخمس سنوات الماضية، والتي لم تؤت ثمارها، بحسن النية وتوفر الإرادة السياسية الصادقة في التوصل إلى اتفاق يلبي مصالح الدول الثلاث».
وتابعت: «أسهم الدور البناء الذي اضطلعت به الولايات المتحدة والبنك الدولي ورعايتهما لجولات المفاوضات المكثفة التي أجريت على مدار الأشهر الأربعة الماضية في بلورة الصيغة النهائية للاتفاق، والتي تشمل قواعد محددة لملء وتشغيل سد النهضة، وإجراءات لمجابهة حالات الجفاف والجفاف الممتد والسنوات الشحيحة، وآلية للتنسيق، وآلية ملزمة لفض النزاعات، وتناول أمان سد النهضة والانتهاء من الدراسات البيئية».
وتابع البيان: «وعلى ضوء ما يحققه هذا الاتفاق من الحفاظ على مصالح مصر المائية وضمان عدم الإضرار الجسيم بها، فقد قامت مصر بالتوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق المطروح تأكيداً لجديتها في تحقيق أهدافه ومقاصده، ومن ثم فإن مصر تتطلع لأن تحذو كل من السودان وإثيوبيا حذوها في الإعلان عن قبولهما بهذا الاتفاق والإقدام على التوقيع عليه في أقرب وقت باعتباره اتفاقاً عادلاً ومتوازناً ويحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث».
وجاء في البيان: «وتجدد مصر تقديرها للدور الذي تقوم به الإدارة الأميركية وحرصها على التوصل إلى اتفاق نهائي بين الدول الثلاث، وتأسف على تغيب إثيوبيا غير المبرر عن هذا الاجتماع في هذه المرحلة الحاسمة من المفاوضات».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.