في محاولة لتعزيز التواصل الإنساني والإبقاء على علاقات وطيدة بين أفراد الأسرة بعيداً عن الاستغراق في الحياة الافتراضية التي يعيشها البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي، اتجهت فنانتان مصريتان أخيراً إلى التخصص في إبداع ألعاب Board games أو ألعاب الألواح الذهنية المعتمدة على الذكاء والحظ على غرار الشطرنج، والطاولة، بشكل فني جاذب؛ حيث تقومان بتصنيعها من الخشب بطرق يدوية تعتمد على رسم زخارف وموتيفات وأشكال مستلهمة من التراث، وممتزجة بلمسات وخطوط عصرية.
سارة رأفت، وداليا الجوهري بدأتا حياتهما الفنية بتصنيع منتجات خشبية يدوية، مثل صواني وأدوات وطاولات الطعام الفاخرة، كتحف فنية غنية بمفردات من الفنون العربية والإسلامية، إلى أن قادتهما الصدفة إلى التخصص في إنتاج ألعاب الألواح يدوياً، تمهيداً لإحياء مختلف الألعاب التراثية الأخرى التي تزخر بها مصر وسائر الدول العربية، لتتفاجأ الفنانتان الشابتان بنجاح تجربتهما بسرعة، ولا سيما بعد أن اجتذبت ألعابهما الجمهور، وخصوصاً السيدات، بعد مرور أقل من سنة واحدة على بدء إطلاق منتجاتهما. وخلال جلوس الشابتين في أحد مقاهي القاهرة الراقية، لفتت أنظارهما مجموعة من الفتيات يلعبن الطاولة في أجواء مبهجة، فتساءلتا: «لماذا لا نحول هذه اللعبة المسلية التي تعتمد على الذكاء، وتساعد لاعبيها على قضاء وقت الفراغ بشكل مفيد وممتع إلى قطع فنية، تستعيد دورها كوسيلة مجتمعية تساعد على التواصل بين الناس، على أن نقدمها بشكل مغاير يساهم أيضاً في نشر الفن؟ حتى تطورت الفكرة لتشمل إلى جانب لعبة النرد مختلف الألعاب اللوحية الأخرى عبر استخدام الرسم اليدوي والديكوباج.
تقول سارة رأفت: «بعد بدء إنتاج هذه القطع بفترة قصيرة، فوجئنا بالإقبال اللافت على اقتنائها من مختلف الأعمار والجنسيات العربية، إلى حد أنه أصبحت لدينا قوائم انتظار، ما دفعنا للتفرغ لها والتوقف عن تصنيع المنتجات الخشبية الأخرى، ووجدت نفسي أفكر بجدية في ترك مجال تخصصي، وهو الصيدلة والتفرغ للفن».
افتقاد الجمهور، ولا سيما المرأة، إلى تبادل الحوار، وتعطشهم لاستعادة دفء الأسرة و«لمة العائلة» والأصدقاء بعيداً عن الاستغراق في عالم «السوشيال ميديا» يقف وراء هذا الترحاب والإقبال الحافل من وجهة نظر سارة.
وتعتمد الأعمال التي تقدمها الفنانتان المصريتان للألعاب على رسم الزهور والنقوش الملونة الزاهية، وكتابة الاسم على سطحها حين تكون موجهة للمرأة، بينما تزدان للرجل بزخارف وأشكال هندسية، وفي الحالتين يكون الاستلهام من الفنون العربية والإسلامية، وتكون تفاصيل الشكل كافة خاضعة لرغبة المقتني، ومن بين المقتنيين الذين لا تنساهم سارة، سيدة مصرية تعيش في دبي أهدت أسرة عراقية عاشقة لأوبريت «الليلة الكبيرة» 6 قطع من النرد، مرسومة عليها شخصيات الأوبريت، ومشاهد منها، أيضاً هناك مقتنٍ من الكويت يعشق جمع ألعاب الألواح من جميع دول العالم طلب أن يقتني من أعمالهما طاولة وشطرنجاً بزخارف مصرية.
ووفق سارة، فإن كثيراً من الزوجات المصريات يطلبن الطاولة أو الشطرنج للزوج لمشاركتها اللعب هي والأبناء، وفي أحيان أخرى يكون طلب الطاولة إهداء لصديق عزيز.
هذا الاحتفاء وثيق الصلة أيضاً بالحضور البارز لهذه الألعاب في العالم العربي في الماضي. حيث يرى كثير من الباحثين أن أول اكتشاف للنرد وجد في العراق، وقد عرفتها المرأة منذ القدم، فلم تكن مقتصرة على الرجال، بحسب سارة.
ولطالما ارتبط المصريون في جلساتهم بالبيوت والمقاهي والنوادي بالألعاب اللوحية التقليدية؛ حيث كانت على حد تعبير صديقتها داليا الجوهري، المديرة المالية في إحدى الشركات الخاصة، «واحدة من سبل التقارب بين الناس قبل طوفان الإنترنت الذي اجتذبهم من زخم العلاقات الاجتماعية والأسرية، فعلى سبيل المثال كان الشطرنج بما يتميز به من ذكاء وحنكة، أو النرد هذا الصندوق الأنيق المزخرف أو المطعم بالصدف أو بقطع خشبية ثمينة من الأبنوس، وغيرهما من الألعاب، يجمع اللاعبين في جلسات حميمة تتخللها أحاديث في شتى مناحي الحياة، في لحظات أكثر فائدة وسعادة ومرح من الشغف بالألعاب الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي»
وتعتبر سارة وداليا أن احتفاءهما بإعادة إحياء الألعاب اللوحية في المجتمع العربي، ونشرها بشكل جديد ومبتكر، ولا سيما بين الشباب، جزء من رسالتهما الفنية، وكان التحدي الكبير الذي يواجههما هو كيفية صناعة ألعاب لوحية قوية تجمع بين الوظيفة والشكل الجميل، كقطع فنية، وقد نجحتا في ذلك عبر الدقة في الصنع واختيار الخامات والمعالجة الفنية.
وتنتشر في مصر، وخصوصاً الأحياء التراثية القديمة، هواية لعب الشطرنج والطاولة بين الرواد في الفترات المسائية على ألحان أغنيات «كوكب الشرق» أم كلثوم، في محاولات للترويح عن النفس وتقوية الروابط، وهو ما تطمح سارة وداليا إلى تحقيقه على مستوى الأسرة، عبر مشروعهما الذي استطاع لفت الأنظار إليه أخيراً في مصر.
ألعاب ألواح ذهنية مستلهمة من التراث المصري والعربي
تتميز بزخارفها وألوانها المبهجة وتهدف إلى تعزيز الترابط الأسري
ألعاب ألواح ذهنية مستلهمة من التراث المصري والعربي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة