لبنان يقترب من تشريع زراعة الحشيش ويعوّل على مردودها

مشروط بالاستخدام الطبي والصناعي... وتحذيرات من فوضى

مزارعون يعتنون بنبات الحشيش في منطقة اليامونة بالبقاع (غيتي)
مزارعون يعتنون بنبات الحشيش في منطقة اليامونة بالبقاع (غيتي)
TT
20

لبنان يقترب من تشريع زراعة الحشيش ويعوّل على مردودها

مزارعون يعتنون بنبات الحشيش في منطقة اليامونة بالبقاع (غيتي)
مزارعون يعتنون بنبات الحشيش في منطقة اليامونة بالبقاع (غيتي)

سلك اقتراح قانون زراعة الحشيش في لبنان طريقه إلى التشريع بعدما أقرته اللجان النيابية، أول من أمس، تمهيداً لإقراره في الهيئة العامة للبرلمان. وفيما ربط الاقتراح زراعة «القنب» بالاستخدام الطبي والصناعي مرفقاً بشروط وقوانين ترعى تنفيذه، يحذّر البعض من الفوضى التي قد ترافق هذا التشريع في ظل الواقع السياسي الذي يتحكّم بلبنان، والذي يحول دون تطبيق القوانين، وبالتالي انعكاس هذا القرار سلباً على المواطن اجتماعياً وصحياً.
ومع بعض الأصوات المنتقدة للقانون، الذي أقرته اللجان النيابية للمال والموازنة والإدارة والعدل والصحة العامة والعمل والشؤون الاجتماعية والدفاع الوطني والداخلية والبلديات والزراعة والسياحة، في جلسة مشتركة، لجهة عدم تضمينه للجدوى الاقتصادية والتشكيك بالقدرة على ضبط زراعة ما يسمّى «الذهب الأخضر»، يؤكد وزير الزراعة عباس مرتضى أن هناك دراسة تفصيلية لمردود تشريع الحشيش اللبناني الذي كانت خطة «ماكينزي» الأميركية حول تطوير الاقتصاد اللبناني، قد أوصت به مع تقديرات بأن يدر مليار دولار سنوياً لخزينة الدولة.
ويوضح مرتضى لـ«الشرق الأوسط» أن «سهل البقاع يعتبر من أفضل الأراضي لزراعة القنّب الذي يصنّف ضمن أجود الأنواع في العالم وهو لا يحتوي على أكثر من 1 في المائة من المادة المخدرة، وتفيد التقديرات بأن كل ألف متر مزروع ينتج 250 كيلو من زهرة القنّب». ويضيف: «إذا عمدنا في لبنان إلى بيع الكيلو منها من دون تصنيع بخمسين دولارا نكون قد دعمنا المزارع اللبناني وأمّنا مردوداً كبيراً للدولة، أما إذا ذهبنا باتجاه إنشاء المعامل ومصانع الأدوية فعندها ستتضاعف الأرباح، إضافة إلى إمكانية أن يؤدي هذا القانون إلى قدوم شركات أجنبية للاستثمار في لبنان بهدف تصنيع الأدوية».
من جهته، يقول الباحث محمد شمس الدين إن «مساحة الأراضي المزروعة في البقاع تقدر بحوالي ثلاثة أو أربعة آلاف هكتار، وهي مرجّحة للزيادة بشكل كبير مع تشريع الزراعة، ويقدر مردود كل ألف متر مربع منها بنحو 20 ألف دولار، أي أضعاف مردود أي زراعة أخرى»، مشيراً في الوقت عينه إلى أن التشريع لا يعني ضبط هذه التجارة التي قد تتفاقم إذا لم تترافق مع مراقبة دقيقة وتنفيذ للقوانين.
من هنا، وانطلاقاً من المساحات المزروعة حالياً بالحشيش، يقدّر دخل المزارعين، بحسب شمس الدين، بنحو 600 مليون دولار بينما قد يصل بالنسبة إلى التجار إلى مليارين أو أكثر، علما بأن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة كان قد صنّف لبنان كثالث مصدر رئيسي للحشيش في العالم لعام 2018 بعد أفغانستان والمغرب.
لكن في المقابل، يشكّك رئيس «الهيئة الوطنية الصحية»، النائب السابق إسماعيل سكرية، بالتقديرات حول المردود المادي لتشريع القنّب، محذراً في الوقت عينه من استغلاله في غياب الدولة وتنفيذ القوانين وخطر إدخاله في إطار المحاصصة السياسية والطائفية.
ويعتبر سكرية تشريع زراعة الحشيش «تهريباً، وإن قدّم لأهداف طبية وهي كلمة حق يراد بها باطل، فإنها تحمل الكثير من المخاطر والأذى الاجتماعي والقليل من المردود الاقتصادي الذي يدعيه أصحاب نظرية الذهب الأخضر، ممن يتقنون ترجمة ثقافة التقريش، إلا إذا اعتبر مسكناً لآلام الناس ومخدراً لعقولها». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «في الإطار العام لست ضد القول إن للقنب فوائد طبية، إنما هي لا تتعدّى المسكنّات للألم، وبالتالي المبالغة في الحديث عنها قد تؤدي إلى استغلالها لأهداف تجارية، إضافة إلى مخاوف اجتماعية وإدمان في أوساط الأجيال الشابة التي تقدر نسبة المدخنين في أوساطهم 40 في المائة».
وأضاف: «انطلاقاً من خبرتي في المجال الطبي، في دولة مهترئة لا تطبق القوانين فإن تشريع زراعة القنب سيؤدي إلى تجاوزات تتخطى أهدافه الطبية إلى أهداف تجارية من بعض المستشفيات وبعض الجهات الطبية، إضافة إلى احتكار تصديرها».
وعن هذه الشكوك المرتبطة بتطبيق القوانين، يقول وزير الزراعة إن «القانون لحظ بشكل دقيق ضوابط زراعة القنب، وسنعمل قدر الإمكان على تنفيذها بحيث تؤدي إلى نتائج لمصلحة المزارع وضبط التهريب الذي يستفيد منه اليوم التجار».
ولطالما شكّل الحشيش اللبناني صناعة مزدهرة خلال الحرب الأهلية كان يقدر مردودها بملايين الدولارات قبل أن تتخذ الدولة قراراً بمنعها وتنظيم حملات لمنع زراعته، بحيث يقدّر عدد الذين أوقفوا على خلفية إنتاجه وتهريبه وتجارته بنحو 30 ألفاً، مع وعود لسنوات طويلة بتأمين الزراعات البديلة، وهو ما لم يلق طريقه إلى التنفيذ.
وفي هذا الإطار، يؤكد وزير الزراعة أن الحديث عن الموقوفين على خلفية الحشيش وقانون العفو، له «حساباته الخاصة» التي قد يعاد طرحها بعد إقرار قانون زراعة الحشيش في مجلس النواب.
وارتكز القانون الذي يرمي إلى تنظيم زراعة القنب للاستخدام الطبي، على إنشاء «الهيئة المنظمة لزراعة القنب للاستخدام الطبي والعلمي»، وتكون سلطة الوصاية عليها لمجلس الوزراء. وتتولى هذه الهيئة مهمة منح التراخيص لاستيراد البذور والشتول وإنشاء المشاتل والزرع والحصاد ضمن مساحة مضبوطة، إضافة إلى التصنيع والبيع والتوزيع وإنشاء مراكز الأبحاث والمختبرات، وفق معايير وشروط محددة ترتكز على الاستخدام الطبي والصناعي، كما عملية المراقبة لمنع الاحتكار وإغراق السوق وعلى عملية الاستيراد والتصدير.



هل أثّرت «حرب غزة» على جهود التنمية المصرية في سيناء؟

القطار يشق طريقه في سيناء ضمن جهود التنمية (وزارة النقل المصرية)
القطار يشق طريقه في سيناء ضمن جهود التنمية (وزارة النقل المصرية)
TT
20

هل أثّرت «حرب غزة» على جهود التنمية المصرية في سيناء؟

القطار يشق طريقه في سيناء ضمن جهود التنمية (وزارة النقل المصرية)
القطار يشق طريقه في سيناء ضمن جهود التنمية (وزارة النقل المصرية)

تكثف الحكومة المصرية جهود التنمية في سيناء، رغم شكواها من اضطرابات أمنية وسياسية واقتصادية تسببت فيها الحرب الدائرة في قطاع غزة، على الحدود الشمالية الشرقية لشبه الجزيرة المصرية، فيما عد مسؤولون ومراقبون مشاريع التنمية في سيناء «عنصراً رئيسياً في جهود تأمينها ومواجهة أي مخططات خارجية تستهدفها».

وتضمنت جهود التنمية في سيناء على مدار السنوات الماضية «إنشاء وتطوير7 مدن جديدة ونحو 110 آلاف وحدة سكنية، ووصول نسبة تغطية المحافظة بمياه الشرب 96.5 في المائة عام 2025، مقابل 84.4 في المائة، العام الماضي، وإنشاء 5 أنفاق و7 جسور عائمة و5 آلاف كم طرقاً تربط سيناء بالوادي وتدعم التنمية الشاملة»، حسب بيان للمركز الإعلامي لمجلس الوزراء، الخميس.

واعتبر عضو مجلس النواب (البرلمان) عن محافظة شمال سيناء النائب جازي سعد، التنمية هناك «أمناً قومياً» لبلاده، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «متابعته للتطورات التنموية داخل المحافظة تؤكد أن خطة التنمية الحكومية ماضية في طريقها رغم تداعيات حرب غزة، الدائرة من عام 2023»، معتبراً أن مواصلة المشاريع التنموية بـ«الوتيرة نفسها رد عملي على مخطط الرئيس الأميركي دونالد ترمب للتهجير».

واقترح ترمب في 25 يناير (كانون الثاني)، إخلاء قطاع غزة من سكانه ونقلهم إلى مصر والأردن، وهو ما رفضته الدولتان.

واستشهد النائب بتسليم أهالي مدينة رفح القديمة - ممن تركوا مساكنهم خلال الحرب على الإرهاب قبل عدة سنوات - مساكن في مشروع مدينة «رفح الجديدة»، ما يعني إعادة توطين لمصريين في منطقة حدودية قريبة من قطاع غزة.

مدينة رفح الجديدة (صفحة محافظة شمال سيناء فيسبوك)
مدينة رفح الجديدة (صفحة محافظة شمال سيناء فيسبوك)

ووفق الموقع الرسمي «خريطة مشروعات مصر»، تبعد مدينة رفح الجديدة 2 كيلومتر عن الحدود مع قطاع غزة، وتبلغ مساحتها الكلية 535 فداناً، بعدد إجمالي للوحدات 10 آلاف و16 وحدة سكنية (625 عمارة).

محافظ شمال سيناء خلال زيارة مدينة رفح (محافظة شمال سيناء)
محافظ شمال سيناء خلال زيارة مدينة رفح (محافظة شمال سيناء)

ونالت مدينة رفح الجديدة، التي تسلم أهالي سيناء أول دفعة من وحداتها في يناير الماضي، قسطاً من الشائعات المتعلقة بمخطط «التهجير»، حيث نشر البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي صوراً للمدينة على اعتبار أنها دُشنت لتضم الفلسطينيين الذين سيُهجرون من قطاع غزة.

ونفى محافظ شمال سيناء اللواء خالد مجاور، في 4 أبريل (نيسان) الماضي، ذلك قائلاً عبر «إكس» إنها «جزء من المشروعات القومية التي تهدف إلى إعادة الإعمار».

وخلال مؤتمر صحافي، الأربعاء، بمناسبة احتفالات المحافظة بعيد تحرير سيناء، أكد مجاور مواصلة «معركة التنمية» في شمال سيناء، وأضاف أن خطة التنمية تقوم على توفير «شبكة طرق لجذب الاستثمارات، ومنفذ مائي، وآخر جوي»، مشيراً إلى أن عملية جذب الاستثمار عقب السنوات التي عانت فيها المحافظة من الإرهاب ليست سهلة، وتحتاج إلى جهد كبير. وشكا المحافظ من «متغيرات أمنية وسياسية تؤثر (على التنمية)»، في إشارة إلى حرب غزة.

محطة قطار بسيناء (وزارة النقل المصرية)
محطة قطار بسيناء (وزارة النقل المصرية)

ولفت رئيس جمعية مجاهدي سيناء وأحد عواقل قبيلة الترابين في شمال سيناء، عبد الله جهامة، إلى خط السكة الحديد الذي افتتحت الحكومة أولى مراحله في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بمدينة بئر العبد، لنقل الركاب والبضائع، بينما يتواصل العمل على مد هذا الخط في عمق سيناء.

يتفق حاتم البلك، عضو المكتب السياسي لحزب «الكرامة» بالعريش (شمال سيناء)، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» مع أن «مشاريع التنمية تسير بشكل طبيعي خلال الحرب على غزة، حيث افتتحت الحكومة في العامين الماضيين محطات لتحلية المياه، لمواجهة أزمة تعاني منها المحافظة منذ 43 عاماً».

وأنشأت الحكومة بالتعاون مع منظمات مجتمع مدني 4 محطات لتحلية مياه الشرب في مدينة الشيخ زويد في فبراير (شباط) الماضي.

من جانبه، قال المسؤول السابق في الجهاز الوطني لتنمية سيناء، عادل محسن، إن «سيناء تأثرت بالحرب على غزة تبعاً للتأثر الذي شهدته مصر ككل»، لافتاً إلى استمرار العمل في المشاريع السكنية في رفح الجديدة، والمشاريع الصناعية التي تجري في مدينة بئر العبد.

الحياة تسير بشكل طبيعي داخل مدينة رفح الجديدة (محافظة شمال سيناء - فيسبوك)
الحياة تسير بشكل طبيعي داخل مدينة رفح الجديدة (محافظة شمال سيناء - فيسبوك)

وتستكمل الحكومة تطوير ميناء العريش الذي بلغت نسبة العمل فيه 74 في المائة حتى الآن، حسب حوار صحافي لمحافظ شمال سيناء مع جريدة «الأخبار»، الأربعاء. ورغم عدم اكتماله، أشار المحافظ خلال مؤتمر صحافي في اليوم نفسه إلى أن «الميناء بدأ العمل باستقبال 24 سفينة بينها سفن ضخمة محملة بالمساعدات».

وعلى مدار الشهور الماضية، استغلت الحكومة المصرية زيارات مسؤولين دوليين إلى معبر رفح البري لمتابعة تدفق المساعدات إلى غزة، لإطلاع هذه الوفود على حقيقة التطورات التنموية في سيناء، حسب مجاور، الذي أشار إلى أن كثيراً من الوافدين يكونون «مشوشين، ولا يدركون حقيقة الأوضاع في مصر».