هل تصمد الحكومة التونسية الجديدة طويلاً أمام الخلافات؟

مراقبون يرون أن المشهد الجديد مهدّد بإعادة تشكل وتغيير محتملين للنظام السياسي

TT

هل تصمد الحكومة التونسية الجديدة طويلاً أمام الخلافات؟

بعد أدائها اليمين الدستورية أمس، من المقرر أن تستلم الحكومة التونسية الجديدة مهامها اليوم، بعد أزمة سياسية دامت شهورا طويلة، وكادت تتطور إلى حل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة. وقد حسمت هذه الأزمة في وقت متأخر من ليلة أول من أمس، بعد أن صادق أكثر من نصف أعضاء البرلمان على التشكيلة، التي اقترحها رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ، وعلى برنامجها رغم اعتراض أكثر من ثلث النواب عليها. لكن رغم ذلك، يبقى سؤال ملح تطرحه الأوساط السياسية في تونس وهو: هل ستصمد الحكومة الجديدة طويلا أمام حجم التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية الخطيرة التي تواجهها؟ أم ستنهار بسرعة مثل باقي الحكومات العشر التي تداولت على البلاد منذ انهيار حكم الرئيس زين العابدين بن علي قبل 9 أعوام؟ والأهم من ذلك كله: ما هي نقاط قوة حكومة الفخفاخ ومكامن ضعفها مقارنة بالحكومات السابقة؟
كشفت الاتهامات المتبادلة بين 150 نائبا خلال جلسة المصادقة على «حكومة الوحدة الوطنية»، أن المشهد السياسي الجديد «مهدد بهزات وإعادة تشكل، مع تغيير محتمل للنظام السياسي»، بحسب تعبير الصادق بلعيد الخبير في القانون الدستوري وعدد آخر من المراقبين المحليين. وقد أكدت تصريحات عدد من نواب المعارضة وممثلي البرلمان، والأحزاب التي تشارك في الحكومة، مثل النائبين عامر العريض وسيد الفرجاني عن حركة النهضة، استفحال الخلافات داخل «الحزام السياسي» لحكومة الفخفاخ، بسبب حدة التناقضات الفكرية والسياسية بين بعض مكوناتها. كما أكدت تصريحات نواب وقياديين من حزبي «التيار» و«الشعب» (اليساريين)، المشاركين في الحكومة اختلافات بينهم وبين بعض مكونات الائتلاف الحكومي الجديد، رغم مشاركة زعامات من الصف الأول في الحكومة، ومن بينهم رئيس حزب التيار الديمقراطي اليساري محمد عبو، ونائباه غازي الشواشي ومحمد الحامدي، والقياديان في حزب «الشعب القومي» العروبي فتحي بالحاج ومحمد المسيليني. كما قدم الجناح اليساري والقومي في الحكومة انتقادات إلى «الإسلاميين» و«الليبيراليين»، وإلى من وصفوهم بـ«رموز المنظومة القديمة» و«المتهمين بالفساد المالي والسياسي».
في المقابل، نوه الفخفاخ ومقربون منه، مثل مستشاره فتحي التوزري، والوزيرة لبنى الجريبي، بنقاط قوة الحكومة الجديدة، التي حددوها في انفتاحها على عدة أحزاب، وعلى أكثر من عشر شخصيات مستقلة، فضلا عن «قياديين من الصف الأول» في حركة النهضة الإسلامية. وفي هذا السياق، لفت طارق الكحلاوي، المستشار السابق في رئاسة الجمهورية، أن إلياس الفخفاخ نفسه كان وزيرا للسياحة والمالية في حكومتي 2012 - 2013 واعتبر أنه بدوره «صديق لراشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، قبل أن يصبح صديقا للرئيس قيس سعيد»، وذلك رغم الاختلافات التي برزت مؤخرا بين الغنوشي والفخفاخ حول مشاركة حزب قلب تونس والدستوريين في الحكومة الجديدة.
وبخصوص التحديات الكبيرة التي تنتظر الحكومة الجديدة، أوضح عدد من المراقبين وأعضاء الحكومة الجديدة وأنصارها، مثل رئيس البرلمان الانتقالي مصطفى بن جعفر (ما بين 2011 و2014)، أن التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة ستكون بالأساس اقتصادية ومالية واجتماعية، واعتبروا أن من بين نقاط قوة رئيس الحكومة أنه يمتلك مع عدد من وزرائه شبكة علاقات مالية دولية تؤهلهم لتوفير ما تحتاجه البلاد من استثمارات وودائع وقروض على المدى القصير والمتوسط، تمهيدا لتحسين مناخ الاستثمار، وفرص خلق الثروة، وتحسين القدرة الشرائية للطبقات الشعبية والوسطى.
في نفس السياق، اعتبر وزير الطاقة الجديد المنجي مرزوق، وهو خبير دولي في الاقتصاد الرقمي، أن من بين نقاط قوة الفريق الحكومي الجديد أنه يضم عددا من الخبراء العالميين في مجالات اقتصاد المعرفة، وإدخال الإصلاحات الرقمية في الإدارة ومؤسسات المالية والجباية والطاقة والاتصالات.
لكن يبقى السؤال الذي يؤرق الجميع بعد تشكيل هذه الحكومة هو معرفة مدى قدرتها على الصمود طويلا بسبب اختلاف ولاءات أعضائها. فالبعض ينحاز لرأسي السلطة التنفيذية قيس سعيد وإلياس الفخفاخ، والبعض الآخر لرئيس البرلمان وزعيم حزب النهضة راشد الغنوشي وحلفائه، الذين يعترضون على الحد من سلطات البرلمان، والدعوات إلى توسيع صلاحيات قصر قرطاج، وإلى إرجاع البلاد إلى اعتماد «النظام الرئاسي» بحجة فشل النظام السياسي المعتمد منذ انتخابات أكتوبر (تشرين الأول)2011 أي «النظام البرلماني المعدل».
فهل ينجح قادة البلاد في احتواء هذه الخلافات أو تأجيلها حتى تصمد الحكومة عاما أو عامين على الأقل؟ إنه الامتحان الحاسم للطبقة السياسية الحالية قبل اللجوء إلى تغيير النظام السياسي.



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».