تسوية قانونية بين المالكين والمستأجرين لـ«تقاسم الأعباء»

ارتفاع سعر صرف الدولار بالسوق الموازية فرض أزمة

TT

تسوية قانونية بين المالكين والمستأجرين لـ«تقاسم الأعباء»

لم يلجأ إبراهيم، الذي يستأجر إحدى الشقق في منطقة الصنائع بالعاصمة اللبنانية بيروت، إلى القضاء عندما طلب منه المالك دفع بدل الإيجار على سعر الصرف غير الرسمي للدولار مقابل الليرة اللبنانية، بل اختار تسوية ترضيهما في آن واحد.
وبدأت المشكلة مع انفجار أزمة الدولار في لبنان، حين استفاق المواطنون في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي على قرار منع المصارف المودعين من سحب العملة الأميركية، مقابل وجود سوقين لسعر الصرف: رسمية تحدّدها مصرف لبنان على سعر 1515 ليرة لبنانية، وموازية في سوق سوداء يلامس سعر الصرف فيها أحياناً الـ2500 ليرة للدولار الواحد.
هذا الواقع الذي فرض نفسه على الشأن الاقتصادي اللبناني ككل «دغدغ» مشاعر بعض المؤجّرين إما بداعي «الطمع»، وإما بانخفاض قدرتهم الشرائية، حالهم كحال أغلب اللبنانيين، فطالبوا المستأجر بدفع بدل الإيجار بالعملة الصعبة أو على سعر صرف السوق السوداء.
ويشرح إبراهيم لـ«الشرق الأوسط» أنه يدفع للمالك سعرا وسطيا بين الرسمي والموازي توافقا عليه وهو 1800 ليرة للدولار، وبالتالي يصبح إيجاره الشهري البالغ 600 دولار، أي مليوناً و80 ألف ليرة، بدلاً من 900 ألف على السعر الرسمي ونحو مليون ونصف المليون على سعر السوق. ويتحدّث عن سببين دفعاه إلى هذا الحل: «أحبّ البيت من جهة، ولا أريد أن أتركه، ومن جهة أخرى أتعاطف مع المالك لأنه رجل كبير في السن ويعيش من إيجار المنزل».
ورغم تيقّن المستأجرين من أن الليرة اللبنانية هي وحدة النقد والعملة الرسمية المستخدمة رسمياً في لبنان، وأن كل مدين يبرّئ ذمته بالعملة اللبنانية الرسمية، ولا يمكن رفض التعامل بالليرة اللبنانية تحت طائلة عقوبة الحبس والغرامة، إلا أن البعض اختار اللجوء إلى تسويات مع المؤجرين.
وترى رنا وهي من المالكين في منطقة عرمون (جنوب بيروت)، أن «لا علاقة للمستأجر بتغيّر سعر الدولار، لكن المشكلة تقع على عاتق المالك والمستأجر معاً». وتقول رنا لـ«الشرق الأوسط» إنها اتفقت مع المستأجر على «زيادة 50 دولاراً على قيمة الإيجار ليصبح 450 دولاراً، على أن يدفع بالليرة اللبنانية على سعر صرف 1515 أي سعر الصرف الرسمي».
وعن سبب قبول المستأجر بهذه التسوية رغم أن القانون في صفّه، تجيب بأن «عقد الإيجار ينتهي بعد أربعة أشهر والمستأجر يستصعب إجمالاً التنقّل من منزل إلى آخر، خصوصاً أن لديه عائلة، كما أن هذا الحل ينصف الطرفين بشكل أو بآخر... فنحن تقاسمنا العبء».
وفي هذا الإطار، يوضح الخبير القانوني حسن بزّي لـ«الشرق الأوسط» أن «المادة 166 من قانون الموجبات والعقود تفيد بأنه خاضع لمبدأ حرية التعاقد، فالأفراد يرتبون علاقاتهم القانونية كما يشاءون بشرط أن يراعوا مقتضى النظام العام والآداب العامة والأحكام القانونية التي لها صفة إلزامية»، وبمعنى آخر بحسب بزّي، فإن «الموضوع الرضائي يجوز قانونيا، شرط أن يتوافق عليه الطرفان، المالك والمستأجر، وألا يشترط دفع الإيجار بالدولار أو بالليرة اللبنانية على سعر الصرف غير الرسمي».
ويشرح أنه «في الأصل معظم عقود الإيجار القديمة نظمت بالعملة اللبنانية وتمدد بحكم القانون، أما بشأن التعاقد الحر (الاستثمار)، فإنّ المادة 7 و8 من قانون النقد والتسليف نصت صراحة على أنّ العملة اللبنانية لها القوة الإبرائية، وبالتالي يمكن تسديد بدلات الإيجار بالليرة اللبنانية نقداً أو بموجب شيك مصرفي، على سعر الصرف الرسمي للدولار».
لكنه يؤكد أيضاً «لجوء البعض، إذا كان التعاقد حراً، إلى إجراء تعديل بالدفع»، مشيراً إلى أن «لا مانع من ذلك إذا كان المستأجر راضياً، شرط ألا يدفع بدل الإيجار على سعر صرف الدولار غير الرسمي، وألا يكون قد دخل هو والمالك بجرم جزائي عقوبته السجن من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وفقا للمادة 112 من قانون النقد والتسليف».
ويرى بزي أن الأزمة هي أزمة مجتمع وليست فردية، وعلى المالك أن يدرك أن قدرة المستأجر الشرائية انخفضت وما لحق بالأول قد أصاب الثاني أيضاً، داعياً الجميع إلى وضع «الأمن الاجتماعي فوق الأمن الشخصي».



ضربات في صعدة... والحوثيون يطلقون صاروخاً اعترضته إسرائيل

عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
TT

ضربات في صعدة... والحوثيون يطلقون صاروخاً اعترضته إسرائيل

عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)

تبنّت الجماعة الحوثية إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من اعترافها بتلقي ثلاث غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

وفي حين أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض الصاروخ الحوثي، يُعد الهجوم هو الثاني في السنة الجديدة، حيث تُواصل الجماعة، المدعومة من إيران، عملياتها التصعيدية منذ نحو 14 شهراً تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

وادعى يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية، في بيان مُتَلفز، أن جماعته استهدفت بصاروخ فرط صوتي من نوع «فلسطين 2» محطة كهرباء «أوروت رابين» جنوب تل أبيب، مع زعمه أن العملية حققت هدفها.

من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان، أنه «بعد انطلاق صفارات الإنذار في تلمي اليعازر، جرى اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن قبل عبوره إلى المناطق الإسرائيلية».

ويوم الجمعة الماضي، كان الجيش الإسرائيلي قد أفاد، في بيان، بأنه اعترض صاروخاً حوثياً وطائرة مُسيّرة أطلقتها الجماعة دون تسجيل أي أضرار، باستثناء ما أعلنت خدمة الإسعاف الإسرائيلية من تقديم المساعدة لبعض الأشخاص الذين أصيبوا بشكل طفيف خلال هروعهم نحو الملاجئ المحصَّنة.

وجاءت عملية تبنِّي إطلاق الصاروخ وإعلان اعتراضه، عقب اعتراف الجماعة الحوثية باستقبال ثلاث غارات وصفتها بـ«الأميركية البريطانية»، قالت إنها استهدفت موقعاً شرق مدينة صعدة، دون إيراد أي تفاصيل بخصوص نوعية المكان المستهدَف أو الأضرار الناجمة عن الضربات.

مقاتلة أميركية على متن حاملة طائرات في البحر الأحمر (أ.ب)

وإذ لم يُعلق الجيش الأميركي على الفور، بخصوص هذه الضربات، التي تُعد الأولى في السنة الجديدة، كان قد ختتم السنة المنصرمة في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، باستهداف منشآت عسكرية خاضعة للحوثيين في صنعاء بـ12 ضربة.

وذكرت وسائل الإعلام الحوثية حينها أن الضربات استهدفت «مجمع العرضي»؛ حيث مباني وزارة الدفاع اليمنية الخاضعة للجماعة في صنعاء، و«مجمع 22 مايو» العسكري؛ والمعروف شعبياً بـ«معسكر الصيانة».

106 قتلى

مع ادعاء الجماعة الحوثية أنها تشن هجماتها ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، في سياق مناصرتها للفلسطينيين في غزة، كان زعيمها عبد الملك الحوثي قد اعترف، في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وأن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

وكانت الولايات المتحدة قد أنشأت، في ديسمبر 2023، تحالفاً سمّته «حارس الازدهار»؛ ردّاً على هجمات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها الجوية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، بمشاركة بريطانيا في بعض المرات؛ أملاً في إضعاف قدرات الجماعة الهجومية.

دخان يتصاعد من موقع عسكري في صنعاء خاضع للحوثيين على أثر ضربة أميركية (أ.ف.ب)

واستهدفت الضربات مواقع في صنعاء وصعدة وإب وتعز وذمار، في حين استأثرت الحديدة الساحلية بأغلبية الضربات، كما لجأت واشنطن إلى استخدام القاذفات الشبحية، لأول مرة، لاستهداف المواقع الحوثية المحصَّنة، غير أن كل ذلك لم يمنع تصاعد عمليات الجماعة التي تبنّت مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ نوفمبر 2023.

وأدّت هجمات الحوثيين إلى إصابة عشرات السفن بأضرار، وغرق سفينتين، وقرصنة ثالثة، ومقتل 3 بحارة، فضلاً عن تقديرات بتراجع مرور السفن التجارية عبر باب المندب، بنسبة أعلى من 50 في المائة.

4 ضربات إسرائيلية

رداً على تصعيد الحوثيين، الذين شنوا مئات الهجمات بالصواريخ والطائرات المُسيرة باتجاه إسرائيل، ردّت الأخيرة بأربع موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة الحوثية بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

كذلك تضررت مدرسة إسرائيلية بشكل كبير، جراء انفجار رأس صاروخ، في 19 ديسمبر الماضي، وإصابة نحو 23 شخصاً جراء صاروخ آخر انفجر في 21 من الشهر نفسه.

زجاج متناثر في مطار صنعاء الدولي بعد الغارات الجوية الإسرائيلية (أ.ب)

واستدعت هذه الهجمات الحوثية من إسرائيل الرد، في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وفي 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، قصفت إسرائيل مستودعات للوقود في كل من الحديدة وميناء رأس عيسى، كما استهدفت محطتيْ توليد كهرباء في الحديدة، إضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات، وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً.

وتكررت الضربات، في 19 ديسمبر الماضي؛ إذ شنّ الطيران الإسرائيلي نحو 14 غارة على مواني الحديدة الثلاثة، الخاضعة للحوثيين غرب اليمن، وعلى محطتين لتوليد الكهرباء في صنعاء؛ ما أدى إلى مقتل 9 أشخاص، وإصابة 3 آخرين.

وفي المرة الرابعة من الضربات الانتقامية في 26 ديسمبر الماضي، استهدفت تل أبيب، لأول مرة، مطار صنعاء، وضربت في المدينة محطة كهرباء للمرة الثانية، كما استهدفت محطة كهرباء في الحديدة وميناء رأس عيسى النفطي، وهي الضربات التي أدت إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة أكثر من 40، وفق ما اعترفت به السلطات الصحية الخاضعة للجماعة.