علايا وبالنسياغا... النحاتان المتمردان

عاشا في حقب مختلفة واجتمعا على المثالية وحب التفرد في عالم تحكمه الأرباح

صورة للمصمم الراحل عز الدين علايا تعود إلى عام 1988
صورة للمصمم الراحل عز الدين علايا تعود إلى عام 1988
TT

علايا وبالنسياغا... النحاتان المتمردان

صورة للمصمم الراحل عز الدين علايا تعود إلى عام 1988
صورة للمصمم الراحل عز الدين علايا تعود إلى عام 1988

في عام 2017، فقدت الموضة عبقرياً لا يزال يُلهم كثيراً من المصممين، ألا وهو المصمم التونسي الأصل عز الدين علايا. وقبله، في عام 1968، فقدت الساحة عبقرياً آخر، هو كريستوبال بالنسياغا. الأول ترك عالم الموضة بعد أن وافته المنية، والثاني انسحب منه مُحبطاً، مفضلاً العودة إلى موطن رأسه إسبانيا لكي يعيش فيها آخر أيامه. ورغم أنهما عاشا في حقب مختلفة، ولم يلتقِ أحدهما بالآخر، فإن بينهما قواسم كثيرة مشتركة، حسب معرض تشهده باريس هذه الأيام بعنوان «علايا وبالنسياغا»، يتتبع العلاقة التي تربط بينهما من الناحية الإبداعية.
بالنسياغا الذي انسحب من عالم الموضة طواعية لم يكن موافقاً على ما آلت إليه الحال، في وقت بدأت فيه صناعة الأزياء الجاهزة تتقدم بسرعة لتهدد الأزياء الراقية، وتُزعزع مكانتها كفن قائم بذاته، بحسب رأيه. وفي يوم حزين، أذاع إعلاناً مهيباً عبر محطات الراديو، وكأنه يعلن عن وفاة شخص، أخطر من خلاله زبوناته وأصدقاءه ووسائل الإعلام أن «ملك الموضة الإسباني» سيتوقف عن تصميم الأزياء. كان القرار مفاجئاً صادماً، وخلف عدة تساؤلات. ومن بين هذه التساؤلات كان مصير إرثه، وماذا ستؤول إليه التصاميم التي كان قد أبدعها لعرضها في باريس لكنها لم ترَ النور، فضلاً عن أرشيفه الغني.
بدأ القلق يساور مدموازيل رينيه التي قضت عقوداً في العمل مع بالنسياغا في منصب نائب المدير العام للدار: كيف يمكنها إنقاذ هذه التصاميم ومخزون الأقمشة التي لم تستعمل بعد؟ في الأخير، خطر ببالها مصمم صاعد، كان اسمه قد بدأ يتردد بصورة متزايدة على ألسنة عميلات الـ«هوت كوتور»، ويقال إنه من أهم هواة اقتناء التصاميم الفنية. كان هذا المصمم هو عز الدين علايا. فرغم محدودية الموارد التي كانت متاحة له في بداية مسيرته المهنية، كان جامعاً نهماً لقطع الموضة والأزياء الفريدة، تدفعه رغبة قوية في حفظ كل شيء قيم ليورثه لأجيال قادمة. وبالفعل، وجهت رينيه الدعوة إليه للحضور إلى مكتبها كي يختار ما يشاء من تصاميم كريستوبال بالنسياغا. وكانت تأمل في أن يحفظها ويعيد الحياة إليها.
انبهر علايا بحيوية التصميمات وشكل القطع والجرأة الفنية والهندسية الكامنة في كل قطعة عرضتها أمامه، لدرجة أن رد فعله الفوري كان أن تعديل في أي من هذه التصميمات سيكون جريمة لن يغفرها التاريخ. كان بإمكانه الاقتباس منها أو حتى استنساخها، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن مفهوم الصيحات القديمة لم يكن دارجاً في ذلك الوقت، لكن عز الدين علايا كان، مثل بالنسياغا، فناناً يؤمن بالإبداع من وجهة نظر مثالية بعيدة عن أي أجندات خاصة أو دوافع استغلالية. في منزله، الذي كان أيضاً مكان عمله، وضع المصمم التونسي الأصل كل القطع أمامه وهو مبهور بدقتها وجمالها. حينها، نذر على نفسه أن يعمل على تصميم قطع خالدة تتحدى الزمن تماماً مثل التحف التي كانت أمامه، وبأن يُخلص لفنه من دون أن يخضع لإملاءات السوق. ففي نهاية الستينات، وعندما كان أغلب معاصريه يستثمرون في الفنون الحديثة والمعاصرة، تركز اهتمامه على جمع قطع أزياء تتمتع بتقنيات هندسية معينة. وأظهر شغفاً واضحاً لتصاميم الثلاثينات والخمسينات التي تجاهلها آخرون، باعتبارها ماضياً لم يعد مهماً. وبالفعل، جمع علايا قطعاً من تصميم مبدعين كبار كانوا يعدون بالمئات، وبمرور الوقت تحولوا إلى الآلاف. وفي الأخير، ترك مجموعات غنية قيمة، من بينها فساتين لمدام غري وفيونيه وسكياباريلي، وطبعاً بالنسياغا. وكانت هذه المقتنيات تُعزز بداخله شغف المؤرخ ومهارته في الانتقاء حفاظاً على إرث المبدعين من الأسماء الكبرى، إلى جانب أسماء أخرى لا يعرفها سوى قلة من العارفين. كان اهتمامه بجمعها في البداية نابعاً من رغبته في استيعاب تقنياتها وتفاصيلها الدقيقة، ثم تطور إلى خوفه من ضياعها أو تلفها أو تهريبها إلى خارج البلاد. ومن بين كل المصممين الذين كان يقتني أعمالهم، ظلت لبالنسياغا مكانته الخاصة في نفسه؛ كان مثلاً أعلى بالنسبة له يستوحي منه، وفي الوقت ذات يشبهه، حرصاً على تحقيق توازن مثالي في كل قطعة، بجانب ميله إلى الألوان الهادئة، والأسود تحديداً.
وقبل رحيله بأشهر قليلة، أعاد عز الدين علايا سرد هذه الواقعة بشغف شديد، خصوصاً أن احترامه لتاريخ الموضة زاد بمرور الوقت، تماماً مثل احترامه لكريستوبال بالنسياغا. بالنسبة له كان تعرفه على أعمال هذا الأخير بمثابة صحوة حقيقية فتحت عينيه على أهمية ذلك التاريخ، وضرورة صيانته والحفاظ عليه.
وفي العقود الأخيرة، وفى علايا بالوعد الذي نذره على نفسه، ولم يتبع اتجاهات السوق بشكل أعمى، بل كان يقدم عروضه فقط عندما يشعر بأن لديه جديداً يستحق العرض. وبادلته وسائل الإعلام والزبونات الاحترام والحب، بحيث كان الوحيد الذي يتمتع بهذا الترف من دون أن يخاف أن يطاله النسيان أو يجافيه عالم قاسٍ يتميز بإيقاع سريع ينتظر 4 تشكيلات في السنة على الأقل. لكنه كان آخر مصممي الأزياء الحقيقيين، وبالتالي المصمم الوحيد الذي يعرف الجميع أن انتظارهم لجديده وصبرهم عليه سيُسعدهم، لما كان يتمتع به من حرفية في تفصيل وتقطيع القماش، ومهارة في الحياكة. كان الوريث الشرعي لسلالة بأكملها من مصممي الأزياء الذين كانوا أيضاً بمثابة نحاتين ومهندسين معماريين.
جولة في المعرض تؤكد أن بين كل فستان سهرة أو معطف من تصميمهما، عز الدين علايا وكريستوبال بالنسياغا، حوار فني شيق يظهر على شكل منحوتات. وسواء كانت للنهار أو المساء، طويلة أم قصيرة، تعكس عشقهما لفنون العمارة والضوء، من دون الارتباط بإملاءات الموضة. وكانت ثمرة هذه الاستقلالية قطعاً قيمة لا ترتبط بزمان أو مكان، وهو أمر يتجلى بوضوح في هذا المعرض من خلال 80 قطعة تُعرض للمرة الأولى، وكانت جزءاً من أرشيف عز الدين علايا.
وبدأ المعرض يوم الاثنين 20 يناير (كانون الثاني)، وسيستمر حتى الأحد 28 يونيو (حزيران) 2020، وهو يفتح أبوابه يومياً من الساعة الـ11 ص حتى الـ7 مساءً، وثمن التذاكر: 5 يوروات.



سروال الساق الواحدة يقسم الباريسيين... هل ينجح مثل الجينز المثقوب؟

صرعات الموضة (آيماكستري)
صرعات الموضة (آيماكستري)
TT

سروال الساق الواحدة يقسم الباريسيين... هل ينجح مثل الجينز المثقوب؟

صرعات الموضة (آيماكستري)
صرعات الموضة (آيماكستري)

لفتت النظر في عروض باريس لموضة الربيع والصيف المقبلين، عارضات يرتدين سراويل ذات ساق واحدة، وأيضاً بساق مغطَّاة وأخرى مكشوفة. ومنذ ظهور تلك البدعة، تضاربت الآراء وسط المُشتغلين بالتصميم بين مُعجب ومُستهجن. هل يكون الزيّ في خدمة مظهر المرأة أم يجعل منها مهرّجاً ومسخرة؟

لم يقتصر تقديم تلك الموضة على مجموعات المصمّمين الجدد والشباب، وإنما امتدّ إلى أسماء شهيرة، مثل عروض أزياء «لويس فويتون»، و«كوبرني»، و«فيكتوريا بيكام»، و«بوتيغا فينيتا». ففي حين يرى المعجبون بالسراويل غير المتناظرة أنها تعبّر عن اتجاه جريء يحمل تجديداً في التصميم، وجد كثيرون أنها خالية من الأناقة. فهل تلقى الموضة الجديدة قبولاً من النساء أم تموت في مهدها؟

طرحت مجلة «مدام فيغارو» الباريسية السؤال على محرّرتين من صفحات الأزياء فيها؛ الأولى ماتيلد كامب التي قالت: «أحبّ كثيراً المظهر الذي يعبّر عن القوة والمفاجأة التي نراها في هذا السروال. إنه يراوح بين زيّ المسرح وشكل البطلة المتفوّقة. وهو قطعة قوية وسهلة الارتداء شرط أن تترافق مع سترة كلاسيكية وتنسجم مع المظهر العام وبقية قطع الثياب. ثم إنّ هذا السروال يقدّم مقترحاً جديداً؛ بل غير مسبوق. وهو إضافة لخزانة المرأة، وليس مجرّد زيّ مكرَّر يأخذ مكانه مع سراويل مُتشابهة. صحيح أنه متطرّف، لكنه مثير في الوقت عينه، وأكثر جاذبية من سراويل الجينز الممزّقة والمثقوبة التي انتشرت بشكل واسع بين الشابات. ويجب الانتباه إلى أنّ هذا الزيّ يتطلّب سيقاناً مثالية وركباً جميلة ليكون مقبولاً في المكتب وفي السهرات».

أما رئيسة قسم الموضة كارول ماتري، فكان رأيها مخالفاً. تساءلت: «هل هو نقص في القماش؟»؛ وأضافت: «لم أفهم المبدأ، حيث ستشعر مرتدية هذا السروال بالدفء من جهة والبرد من الجهة الثانية. وهو بالنسبة إليّ موضة تجريبية، ولا أرى أي جانب تجاري فيها. هل هي قابلة للارتداء في الشارع وهل ستُباع في المتاجر؟». ولأنها عاملة في حقل الأزياء، فإن ماتري تحرص على التأكيد أنّ القطع المبتكرة الجريئة لا تخيفها، فهي تتقبل وضع ريشة فوق الرأس، أو ثوباً شفافاً أو بألوان صارخة؛ لكنها تقول «كلا» لهذا السروال، ولا تحبّ قطع الثياب غير المتناظرة مثل البلوزة ذات الذراع الواحدة. مع هذا؛ فإنها تتفهَّم ظهور هذه الصرعات على منصات العرض؛ لأنها تلفت النظر وتسلّي الحضور.