فيروس كورونا يصيب الموضة في مقتل

صناعة تقدر بتريليوني جنيه إسترليني «على كف عفريت»

الكمامات أصبحت أهم إكسسوار في عروض الأزياء هذا الموسم وفي الأماكن المزدحمة
الكمامات أصبحت أهم إكسسوار في عروض الأزياء هذا الموسم وفي الأماكن المزدحمة
TT

فيروس كورونا يصيب الموضة في مقتل

الكمامات أصبحت أهم إكسسوار في عروض الأزياء هذا الموسم وفي الأماكن المزدحمة
الكمامات أصبحت أهم إكسسوار في عروض الأزياء هذا الموسم وفي الأماكن المزدحمة

حالة قلق شديدة تسود عالم الموضة حالياً، والسبب فيروس كورونا، الذي أصاب صناعة تقدر بتريليوني جنيه إسترليني على المستوى العالمي في مقتل.
صناع الموضة والترف متشائمون للغاية، إذ يتوقعون تراجع مبيعاتهم بشكل غير مسبوق، يجعل البعض يتحسر على أزمة 2008 ويعتبرها مجرد مزحة ثقيلة بالمقارنة.
لحد الآن، أعلنت مجموعة «كابري هولدينغ» المالكة لكل من «مايكل كورس» و«فرساتشي» و«جيمي شو» أنها تتوقع انخفاض أرباحها هذا العام بما لا يقل عن 100 مليون دولار، بعد أن أغلقت نحو 150 من محلاتها منذ الإعلان عن انتشار الفيروس. مجموعات أوروبية أخرى مثل «إل.في.آم.آش» و«كيرينغ» لن تسلم هي الأخرى من آثار الفيروس، كذلك دار «بيربري» التي أغلقت كثيراً من محلاتها، متوقعة تراجعاً في أرباحها هذا العام، بالإضافة إلى «برادا» و«باندورا» شركة الحلي الدانماركية. ألكسندر لاسيك، الرئيس التنفيذي لشركة «باندورا» صرح لوكالة «رويترز» بأن الأعمال في الصين توقفت تماماً وتعاني من «حالة جمود كامل»، واصفاً الأوضاع بأنها انخفاض حاد «غير مسبوق» في الأعمال لشركته.
«باندورا» و«برادا» و«بيربري» ليست المتضررة فقط، فأنت لو سألت أي شخص يرتبط عمله بالموضة، من قريب أو بعيد، لأجاب من دون تردد أن الصين أهم مُغذٍ للموضة ومنتجات الترف في العالم. من مصمم صغير يعمل في ضواحي لندن إلى دار أزياء كبيرة في باريس، الكل يُعول على هذه السوق، التي كانت حتى الأمس القريب تعد بالكثير، وكلما زاد تنامي الطبقات المتوسطة فيها زاد أملهم في مزيد من الأرباح واختراق مناطق نائية أصبحت متعطشة لتذوق الترف.
شركة «باين أند كو» الاستشارية أكدت أن هذه السوق تسهم بنحو 35 في المائة من المبيعات العالمية، وقدرت الشركة قيمة هذا المساهمة في العام الماضي بنحو 281 مليار يورو. ثم لا يجب أن ننسى أن الصين ليست مجرد مستهلكة للترف، بل هي أيضاً مصنعة له. فأغلب المنتجات المستعملة في أوروبا وأميركا تُصنع في معاملها، كما أن كثيراً من الخامات والمواد الضرورية في صناعة الموضة تُستورد منها، مثل الحرير والكشمير الذي تستعمله كبريات بيوت الأزياء الإيطالية مثل «لورو بيانا» و«برونيللو كوتشينيللي» وغيرهما.
الآن بعد إغلاق هذه المعامل سيصاب كثير من الشركات الأوروبية هي الأخرى بالشلل، وهو ما يجعل الصورة بين الأمس واليوم شاسعة. فشتان بين أجواء الأمل التي كانوا يشعرون بها في العام الماضي واستنفارهم اليوم، خصوصاً أنهم يُدركون أن تأثيرات فيروس كورونا، ستمتد لسنوات طويلة حتى بعد التوصل إلى لقاح مضاد له. يقول مسؤول في هذا القطاع إنه يتوقع تراجعاً في الأرباح بنسبة 1.8 في المائة في النصف الأول من العام الجاري. وقال كارلو كاباسا رئيس الغرفة التجارية للأزياء في إيطاليا: «التأثير الاقتصادي الكامل لا يمكن تقديره بعد، لكن سنكون محظوظين إذا حقق القطاع نمواً نسبته واحد في المائة هذا العام».
الآثار كانت واضحة في كل أسابيع الموضة العالمية، التي انطلقت في نيويورك وستنتهي في باريس هذا الأسبوع.
مجلس الموضة البريطاني حرص على تعقيم أماكن العرض وتطهيرها طوال أسبوع لندن. في نيويورك سجلت بيوت أزياء صينية غيابها مثل «أينجل تشين» و«ريكوسترو وهوي»، كما تم إلغاء أسبوع الموضة بشانغهاي. أسبوع ميلانو كان أكثر المتضررين بعد اكتشاف عدد متزايد من الإصابات شمال إيطاليا، الأمر الذي زعزع كيانه. فإلى جانب غياب وجوه كانت تحتل الصفوف الأمامية من المشترين أو النجوم أو الزبائن المهمين الآتين من الصين، اختتم الأسبوع جيورجو أرماني في صالة من دون جمهور.
وأوضح المصمم الإيطالي أن هذا القرار يندرج في إطار تدابير الحكومة الإيطالية لتجنب التجمعات في مواجهة الانتشار السريع لفيروس كورونا المستجد في شمال البلاد، الذي أدى إلى عدد من الوفيات في إيطاليا. وعوض عرض تقليدي، قدّمت العارضات تصاميمه أمام كاميرات كانت تبث مشاهد مباشرة على الشبكات الاجتماعية والموقع الإلكتروني للعلامة التجارية الإيطالية. ولتقديم تحية للصين، اختتمت دار «أرماني» عرضها بتقديم 12 نموذجاً من الأزياء الراقية المنتجة بين عامي 2009 و2019 مستوحاة من هذا البلد الآسيوي.
قبل ساعات قليلة من عرضه، قدمت الدار الإيطالية «لورا بياجوتي» أيضاً تشكيلتها من دون جمهور. ورغم المخاوف المتزايدة من الأماكن المزدحمة، فإن عدداً من المتابعين الشباب من عشاق الموضة حضروا إلى المكان متسلحين بالجوالات لتصوير العروض وتسجيل الحدث. أما في داخل القاعات، فقد كان لافتاً غياب وسائل إعلام مهمة مثل رؤساء تحرير مجلات «فوغ» و«إيل» و«هاربز بازار» و«ماري كلير» و«إينستايل» النسخ الصينية. كلهم غابوا ليس لأنهم فضلوا عدم السفر، بل لأن السفر أصبح ترفاً وعملة نادرة نتيجة القوانين الصارمة التي تطبقها الصين والعالم خوفاً من انتشار الفيروس.



هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)
الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)
TT

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)
الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن الأوضاع لن تكون جيدة في عام 2025. فالركود الاقتصادي مستمر، وسيزيد من سوئه الاضطرابات السياسية وتضارب القوى العالمية.

حتى سوق الترف التي ظلت بمنأى عن هذه الأزمات في السنوات الأخيرة، لن تنجو من تبعات الأزمة الاقتصادية والمناوشات السياسية، وبالتالي فإن الزبون الثري الذي كانت تعوّل عليه هو الآخر بدأ يُغير من سلوكياته الشرائية. مجموعات ضخمة مثل «إل في إم آش» و«كيرينغ» و«ريشمون» مثلاً، وبالرغم من كل ما يملكونه من قوة وأسماء براقة، أعلنوا تراجعاً في مبيعاتهم.

أنا وينتور لدى حضورها عرض «بيربري» في شهر سبتمبر الماضي (رويترز)

لكن ربما تكون بيوت بريطانية عريقة مثل «مالبوري» و«بيربري» هي الأكثر معاناة مع قلق كبير على مصير هذه الأخيرة بالذات في ظل شائعات كثيرة بسبب الخسارات الفادحة التي تتكبدها منذ فترة. محاولاتها المستميتة للبقاء والخروج من الأزمة، بتغيير مصممها الفني ورئيسها التنفيذي، لم تُقنع المستهلك بإعادة النظر في أسعارها التي ارتفعت بشكل كبير لم يتقبله. استراتيجيتها كانت أن ترتقي باسمها لمصاف باقي بيوت الأزياء العالمية. وكانت النتيجة عكسية. أثبتت أنها لم تقرأ نبض الشارع جيداً ولا عقلية زبونها أو إمكاناته. وهكذا عِوض أن تحقق المراد، أبعدت شريحة مهمة من زبائن الطبقات الوسطى التي كانت هي أكثر ما يُقبل على تصاميمها وأكسسواراتها، إضافة إلى شريحة كبيرة من المتطلعين لدخول نادي الموضة.

المغنية البريطانية جايد ثيروال لدى حضورها عرض «بيربري» في شهر سبتمبر الماضي (رويترز)

هذا الزبون، من الطبقة الوسطى، هو من أكثر المتضررين بالأزمة الاقتصادية العالمية، وبالتالي فإن إمكاناته لم تعد تسمح له بمجاراة أسعار بيوت الأزياء التي لم تتوقف عن الارتفاع لسبب أو لآخر. بينما يمكن لدار «شانيل» أن ترفع أسعار حقائبها الأيقونية لأنها تضمن أن مبيعاتها من العطور ومستحضرات التجميل والماكياج وباقي الأكسسوارات يمكن أن تعوض أي خسارة؛ فإن قوة «بيربري» تكمن في منتجاتها الجلدية التي كانت حتى عهد قريب بأسعار مقبولة.

المعطف الممطر والأكسسوارات هي نقطة جذب الدار (بيربري)

«مالبوري» التي طبّقت الاستراتيجية ذاتها منذ سنوات، اعترفت بأن رفع أسعارها كان سبباً في تراجع مبيعاتها، وبالتالي أعلنت مؤخراً أنها ستعيد النظر في «تسعير» معظم حقائبها بحيث لا تتعدى الـ1.100 جنيه إسترليني. وصرح أندريا بالدو رئيسها التنفيذي الجديد لـ«بلومبرغ»: «لقد توقعنا الكثير من زبوننا، لكي نتقدم ونستمر علينا أن نقدم له منتجات بجودة عالية وأسعار تعكس أحوال السوق».

الممثل الآيرلندي باري كيغن في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

«بيربري» هي الأخرى بدأت بمراجعة حساباتها؛ إذ عيّنت مؤخراً جاشوا شولمان، رئيساً تنفيذياً لها. توسّمت فيه خيراً بعد نجاحه في شركة «كوتش» الأميركية التي يمكن أن تكون الأقرب إلى ثقافة «بيربري». تعليق شولمان كان أيضاً أن الدار تسرّعت في رفع أسعارها بشكل لا يتماشى مع أحوال السوق، لا سيما فيما يتعلق بمنتجاتها الجلدية. عملية الإنقاذ بدأت منذ فترة، وتتمثل حالياً في حملات إعلانية مبتكرة بمناسبة الأعياد، كل ما فيها يثير الرغبة فيها.