مفاوضات «سد النهضة»: مصر تترقب اتفاق واشنطن وتُعد «خيارات بديلة»

TT

مفاوضات «سد النهضة»: مصر تترقب اتفاق واشنطن وتُعد «خيارات بديلة»

تترقب مصر اجتماعاً يجري في واشنطن، نهاية فبراير (شباط) الحالي، قد يُنهي نزاعاً إقليمياً مع إثيوبيا، بسبب سد تبنيه الأخيرة على أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل، وتتحسب مصر لتأثيره على حصتها من المياه. ويرى مراقبون أن القاهرة تسعى لإنهاء الخلاف، عبر اتفاق عادل يراعي مصالح أديس أبابا، ويحمي حقوق مصر المائية، لكنها في المقابل أعدت بدائل لاحتمالية تعثر الاتفاق، في ظل «تعنت إثيوبي».
ووجه وزير الخزانة الأميركي الدعوة لوزراء خارجية ومياه مصر وإثيوبيا والسودان، للاجتماع في العاصمة الأميركية يومي 27 و28 فبراير الحالي، بحضور رئيس البنك الدولي، في لقاء مزمع أن يجري خلاله توقيع اتفاق نهائي، لكن الشكوك ما زالت تحوم حول قدرة الدول الثلاث، على التغلب على كل العقبات أمام بنوده، وسط إفادات متزامنة بإمكانية تأجيل التوقيع عدة أسابيع.
وترعى الولايات المتحدة والبنك الدولي، المفاوضات الثلاثية، منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، في محاولة لإنقاذ المفاوضات التي تجري منذ أكثر من 8 سنوات ووصلت إلى طريق مسدود. وسبق أن أكد محمد السباعي، المتحدث الرسمي باسم وزارة الري المصرية لـ«الشرق الأوسط»، أن «بلاده ملتزمة بالإعلان المشترك الأخير، الذي حدد نهاية الشهر الحالي موعدا نهائيا للمفاوضات».
وتستهدف المفاوضات الجارية الاتفاق على قواعد ملء السد وتشغيله، بما يجنب مصر والسودان أزمات مائية. ورغم وثوقه من الوصول إلى حل سياسي في النهاية، فإن مفيد شهاب، أستاذ القانون الدولي، والوزير المصري السابق، توقع أن تمتد المفاوضات إلى شهر مارس (آذار) المقبل على أقصى تقدير.
ووفق الخبير القانوني، فإن موقف مصر هو التوافق على حق إثيوبيا في بناء السد، والاختلاف حول المواصفات الفنية وقواعد ملء السد والتي تؤثر سلباً على حصة مصر من مياه النيل، والتي يحميها العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية، وأكد أن مصر ملتزمة بكل الإجراءات الدبلوماسية للحفاظ على حقوقها، نافيا احتمالية «استخدام القوة».
ووضع الخبير القانوني، بدائل أمام القاهرة حال فشل دورة المفاوضات، موضحا خلال ندوة عقدت بالقاهرة، مساء الأحد، عن تسوية نزاع سد النهضة، أن «إشراك وسطاء دوليين مطروح، وكذلك الاستعانة بمنظمات إقليمية، يعقبها طرح المسألة على الجمعية العمومية للأمم المتحدة للحصول على إدانة ضد موقف إثيوبيا». غير أنه استبعد طرح المسألة أمام مجلس الأمن أو الحصول منه على توصية - غير ملزمة - باللجوء إلى التحكيم الدولي.
وأشار شهاب إلى أن الدبلوماسية المصرية تدرس كل البدائل للوصول إلى حل، وعلى المستوى نفسه تدرس إمكانية ترشيد استغلال مياه النيل، مؤكداً أن مصر تعتمد على 97 في المائة من مواردها المائية عليه، وأن نهر النيل يعتبر نهرا دوليا يمر بـ11 دولة ما يجعل استغلال مياهه مشروط بمصالح باقي الدول.
وقال إن المفاوضات تنجح في علاج 90 في المائة من النزاعات الدولية، يليها تدخل القوى الإقليمية ثم التحكيم أو القضاء الدولي والذي يصدر حكما نهائيا ملزما للأطراف.
وتبني إثيوبيا السد منذ عام 2011 بهدف توليد الكهرباء، لكن مصر تقول إنه يهدد حصتها في المياه، المقدرة بـ55.5 مليار متر مكعب.
وتستطيع إثيوبيا تسوية الخلاف فوراً إذا ما قررت التخلي عن «تعنتها» ووقعت على الاتفاق، بينما لا تملك مصر تقديم أي تنازلات أخرى، بحسب الدكتور نصر الدين علام، وزير الموارد المائية والري المصري الأسبق، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أن أديس أبابا حصلت بالفعل على اعتراف مصر بالسد بسعته الكبيرة، وكذلك تحمل أضرار الملء، لكنها ما زالت تطمع في الحصول على حصة مائية من «النيل الأزرق» (الرافد الرئيسي لنهر النيل في مصر) لتوسعات زراعية مستقبلية وبناء مزيد من السدود، وهو الأمر الذي يمثل خطا أحمر للمفاوض المصري، الذي لا يمكنه التخلي عن موارد الشعب من المياه.
وإذا ما تعثر اتفاق واشنطن، قال علام، إن بلاده تمتلك أوراقا عدة من بينها «تحييد دور الولايات المتحدة والغرب في القضية»، وترويج مصر لقضيتها بما يمكنها من تحقيق أمنها المائي وعدم التفريط في حقوقها. محذراً من مغبة أي تصعيد في النزاع، خاصة أن منطقة القرن الأفريقي تعاني من هشاشة أمنية ولا تحتمل أي أزمات إقليمية، كما أن إثيوبيا لديها أزمات داخلية.
وتعاني مصر من «ندرة مائية»، ووفقا لوزير الموارد المائية الحالي محمد عبد العاطي، تواجه مصر تحديات كبيرة نتيجة محدودية الموارد المائية وزيادة الاستخدامات، انخفض على أثرها نصيب الفرد نتيجة النمو السكاني المتزايد لأقل من 570م3/ عام، بينما من المتوقع أن تؤدي التغيرات المناخية لانخفاض كمية الأمطار، وزيادة احتياجات المحاصيل الزراعية.
وتعمل مصر على سد تلك الفجوة بين الاحتياجات والموارد المائية عن طريق إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والصرف الصحي المعالج والمياه الافتراضية؛ وفق خطة قومية للموارد المائية (2017 - 2037).



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.