عباس يدعم لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي

رغم الرفض الفصائلي والشعبي لعملها واتهامها بـ«التطبيع»

TT

عباس يدعم لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي

دعم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لجنة التواصل الفلسطينية مع المجتمع الإسرائيلي، في وقت تواجه فيه غضباً فصائلياً وشعبياً متزايداً.
وقال عباس، بعد استقباله رئيس وأعضاء اللجنة الذين تعرضوا لهجوم شعبي وفصائلي كبير، في الأيام القليلة الماضية، على خلفية لقائهم إسرائيلية، «إن العمل الذي تقومون به عمل وطني بكل المقاييس، نقدر لكم جميعاً، على رأسكم الأخ محمد المدني، الذي تعرض فيما مضى لبعض الصعوبات، ولكن يجب علينا كلنا أن نعرف أن هذا العمل قد لا يفهمه الآخرون، لذلك يأخذون القشور ولا يأخذون الحقيقة، لذلك يتصرفون مثل هذه التصرفات».
وأضاف: «نحن نعمل وفق قرار مجلس وطني، وليس على هوانا، هذا عمل مشروع». وتابع: «أنتم تعملون بقرار من القيادة، ولأن هذه اللقاءات تتم بأوامر، فأنتم لا تذهبون بشكل منفرد، والحرية شيء أساسي، لذلك على الجميع تقديم كل الاحترام لكم، ونرفع لكم القبعة، وأنتم تقومون بهذا العمل الصعب في الوقت الصعب، وتتحملون ما تتحملون، ولكن نحن يجب أن نتحمل عنكم، ونحن نقف في وجه كل من يسيء لكم، وأن يمسكم بأي شيء». وأردف: «أنتم تؤدون هذه الرسالة، لذلك أنا أحييكم وأقول لكم نحن معكم، الرئاسة معكم بكل ما أوتينا من قوة، لأنه لا يصح أن نرسلكم بمهمة ونقول لكم اذهبوا بمفردكم، ونحن معكم وندافع عنكم بكل الوسائل القانونية الممكنة، وبدأنا بهذا من اليوم، وأحييكم على هذا الجهد».
ولقاء عباس وتصريحاته جاءت في محاولة للدفاع عن اللجنة التي أثارت الكثير من الجدل والغضب بعد استمرارها في لقاء إسرائيليين، على الرغم من تصريحات المسؤولين الفلسطينيين حول وقف الاتفاقات مع إسرائيل وانتهاء «أوسلو»، وتجسيد الدولة، وتفعيل المقاومة، ومواجهة «صفقة القرن».
وهاجمت فصائل وكتاب ونشطاء عمل اللجنة، واعتبروا عقدها لقاءات مع الإسرائيليين بمثابة طعنة في الظهر أو عمل بلا جدوى في أقل تقدير. وهاجم فتحاويون إلى جانب «حماس» وباقي الفصائل، عمل اللجنة التي تعرضت لوابل من الانتقادات حول نتائج عملها، فيما يجنح المجتمع الإسرائيلي لليمين أكثر. وشكلت هذا اللجنة في عام 2012 بقرار من عباس نفسه، لكنها لم تلق قبولاً فلسطينياً.
وصنفت اللجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة، (BDS)، عمل اللجنة بأنه تطبيعي، وطالبت مراراً، بوقف التطبيع المستمر الذي تقوم به «لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي»، المنبثقة عن منظمة التحرير الفلسطينية. وذكرت حركة المقاطعة أن التطبيع الرسمي الفلسطيني يوفر ورقة توت خطيرة لتمرير وتبرير التطبيع الرسمي العربي، فضلاً عن الخطر الذي يشكّله على نضالنا الوطني. واضطر رئيس اللجنة محمد المدني، وهو عضو لجنة مركزية، إلى الاستقالة قبل يومين بسبب ما قال مسؤولون إنه ترك وحيداً بدون دفاع من زملائه. وهو ما يفسر كلام عباس له ودعمه كذلك.
ورفض عباس استقالة المدني، وكلفه ثانية بترؤس اللجنة. لكن الجبهة الشعبية المنضوية، تحت إطار منظمة التحرير، طالبت مجدداً، أمس، بحل ما يسمى بـ«لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي»، ومقاطعة رموزها وطنياً وشعبياً، مؤكدة أن هذه اللجنة تمثل فقط موقف القيادة الرسمية المتنفذة في منظمة التحرير، ولا تمثل شعبنا ولا حركته الوطنية، كما أنها تساهم في تشويه صورة نضال شعبنا، ولا تُعبّر عن قناعاته وحركته الوطنية.
ورفضت الجبهة ما جاء في تصريحات على لسان رئيس اللجنة التنفيذية حول «لجنة التواصل»، متسائلة عن المعايير التي بموجبها برر العمل الذي تؤدّيه بأنه «وطني بكل المقاييس»، في الوقت الذي يدرك شعبنا تماماً النتائج الكارثية للتطبيع، وما أدى إليه هذا النهج المدمر لقضيتنا الوطنية.



أصحاب المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية وتحدّي الاستمرار

جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
TT

أصحاب المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية وتحدّي الاستمرار

جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)

غادرت لينا الخليل ضاحية بيروت الجنوبية، بعد بدء إسرائيل قصفاً مدمّراً على المنطقة قبل نحو شهرين، لكنها تعود كل يوم لتخوض تحدّياً، يتمثل بفتح أبواب صيدليتها ساعتين تقريباً، ما لم تمنعها الضربات الجوية من ذلك، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وتصف المرأة الخمسينية الصيدلية التي أنشأها والدها في الضاحية الجنوبية في عام 1956 بأنّها «أهم من بيتي... ففيها يمكن أن تشتمّ رائحة أدوية صُنعت منذ 60 عاماً».

في كثير من الأحيان، تسارع الخليل إلى إقفال أبواب الصيدلية، عندما يُصدِر الجيش الإسرائيلي إنذارات للسكان للإخلاء قبل البدء بشنّ غارات.

وبات عملها يقتصر على بيع ما تبقى في الصيدلية من أدوية وسلع، بعدما نقلت 70 في المائة من موجوداتها إلى منزلها الصيفي في إحدى القرى.

وهي مقيمة حالياً داخل العاصمة، وتتوجّه يومياً إلى بلدة عالية الواقعة على بُعد نحو 20 كيلومتراً من بيروت، لإحضار أدوية تُطلب منها، وتوصلها إليهم أو يحضرون إلى الصيدلية في حال تمكّنوا من ذلك لأخذها.

وحال لينا الخليل كما حال كثير من سكّان الضاحية الجنوبية لبيروت الذين غادروها واضطرّوا إلى البحث عن بدائل لأعمالهم أو مواصلتها بما تيسّر من قدرة أو شجاعة.

وتؤكد الخليل أنّ «الخسائر المادية كبيرة»، مشيرة إلى أنّها تعطي موظفيها حالياً نصف مرتّب، بسبب تزايد المصروف وتضاؤل المدخول.

«عائدون من الموت»

مع استمرار الحرب، لا يزال من غير الواضح حجم الدمار الذي طال المصالح التجارية في الضاحية الجنوبية التي كان يسكنها 600 - 800 ألف شخص قبل الحرب، وفق التقديرات، وباتت شبه خالية من سكانها.

في الضاحية، خاض علي مهدي مغامرته الخاصة مع شقيقه محمد بعد انتهاء دراستهما الجامعية، فعملا على تطوير تجارة والدهما التي بدأها قبل 25 عاماً. ووسّعا نطاقها من متجر لبيع الألبسة بالجملة إلى مستودع ومتجرين، إضافة إلى متجرين آخرين في صور والنبطية (جنوب) اللتين تُستهدفان بانتظام بالغارات في جنوب البلاد. وكل هذه المناطق تُعتبر معاقل لـ«حزب الله» الذي يخوض الحرب ضد إسرائيل.

لكن مهدي اضطر أن يبحث عن بديل لمشروع العائلة بعد اندلاع الحرب المفتوحة بين «حزب الله» وإسرائيل.

ويقول الشاب الثلاثيني إنّه تمكّن بصعوبة من نقل البضائع الموجودة في المتاجر الـ4 والمستودع، إلى 3 مواقع داخل بيروت وفي محيطها.

ويشير إلى أنّ عمّال النقل كانوا يرجعون من النبطية وصور، وكأنهم «عائدون من الموت»، بعد سماعهم بالإنذارات للسكان لإخلاء مناطق والغارات الجوية والتفجيرات المدمّرة التي تليها.

كان يعمل لدى علي وشقيقه 70 موظفاً نزح معظمهم إلى مناطق بعيدة؛ ما دفع الشابين إلى التخلّي عن كثيرين منهم. وبهدف الحفاظ على عملهما، تخلَّيا عن آخرين، وبدآ بدفع نصف الرواتب لمن بقي.

ويؤكد مهدي أنّ تجارته تتمحور حالياً حول «تصفية ما لدينا من بضائع»، مضيفاً أنّ حركة البيع خفيفة.

وتأثر القطاع التجاري في لبنان بشدة جراء الصراع الذي بدأ بين «حزب الله» وإسرائيل قبل أكثر من عام، وشهد تصعيداً في سبتمبر (أيلول).

وفي تقرير صدر عن البنك الدولي، الخميس، تُقدّر الأضرار اللاحقة بالقطاع التجاري بنحو 178 مليون دولار والخسائر بنحو 1.7 مليار دولار.

وتتوقع المؤسسة أن تتركّز نحو 83 في المائة من الخسائر في المناطق المتضرّرة، و17 في المائة منها في بقية أنحاء لبنان.

«لم تبقَ إلا الحجارة»

ويترقّب علي مهدي المرحلة التي ستلي نفاد البضائع الموجودة لديه. ونظراً إلى عدم استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية والأمنية والسياسية، يتساءل عمّا إذا كان عليه «مواصلة الاستيراد أو الحفاظ على السيولة التي يملكها».

ويقول بينما يجلس بين بضائع مبعثرة نُقلت إلى متجره الجديد في شارع الحمرا داخل بيروت: «هناك خسائر كبيرة».

بشكل رئيسي، يُرجع التقرير الصادر عن البنك الدولي الخسائر التي مُني بها قطاع التجارة في المناطق المتضرّرة، إلى نزوح كلّ من الموظفين وأصحاب الأعمال؛ ما تسبب في توقف شبه كامل للنشاط التجاري وانقطاع سلاسل التوريد من وإلى مناطق النزاع والتغييرات في سلوك الاستهلاك بالمناطق غير المتضرّرة، مع التركيز على الإنفاق الضروري.

وتنطبق على عبد الرحمن زهر الدين صفة الموظف وصاحب العمل والنازح، تُضاف إليها صفتان أخريان هما المتضرّر والعاطل عن العمل جراء الدمار الذي طال مقهاه في الرويس بالضاحية الجنوبية، في غارة إسرائيلية.

بعدما غادر، في نهاية سبتمبر (أيلول)، إلى وجهة أكثر أماناً، عاد قبل أيام ليتفقّد مقهاه الذي استحال حديداً وحجارة متراكمة.

على يساره، متجر صغير لبيع أدوات خياطة تظهر من واجهته المحطّمة كُتل من الصوف على رفّ لا يزال ثابتاً على أحد الجدران. وبجانبه، متجر آخر كان مالكه يصلح بابه الحديديّ المحطّم ليحمي ما تبقى بداخله.

يقول زهر الدين بينما يتحرّك بين أنقاض الطابق العلوي: «لم تبقَ إلا الحجارة».

ويعرب ربّ الأسرة عن شعور بـ«الغصّة والحزن»، جراء ما حلّ بـ«مصدر رزقه» الوحيد.

ويقول إنّه لم يبدأ بالبحث عن بديل، في ظل ارتفاع بدل الإيجار وأسعار الأثاث والمعدّات، مؤكداً أنّ الخسائر التي تكبّدها «كبيرة، وقد تبلغ 90 ألف دولار».