واشنطن لن تسلم تركيا «باتريوت» لأن خلافها مع روسيا في سوريا «مشكلة ثنائية»

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يصافح نظيره التركي رجب طيب إردوغان خلال اجتماع سابق (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يصافح نظيره التركي رجب طيب إردوغان خلال اجتماع سابق (أرشيفية - رويترز)
TT

واشنطن لن تسلم تركيا «باتريوت» لأن خلافها مع روسيا في سوريا «مشكلة ثنائية»

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يصافح نظيره التركي رجب طيب إردوغان خلال اجتماع سابق (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يصافح نظيره التركي رجب طيب إردوغان خلال اجتماع سابق (أرشيفية - رويترز)

مع عودة الدوريات الروسية - التركية المشتركة في محافظات حلب والرقة والحسكة شمال سوريا، في «مسارات متفق عليها»، بحسب رئيس القاعدة العسكرية الروسية في حميميم، أوليغ جورافلوف، ظهرت أسئلة عن نهايات جولة عضّ الأصابع الأخيرة بين أنقرة وموسكو.
وقالت أوساط أميركية إن نتائج هذه المواجهة كانت متوقعة، خصوصاً أن الطلبات التركية التي تلقتها واشنطن الأسبوع الماضي، لإرسال بطاريات «باتريوت» لحماية حدودها الجنوبية، أو من حكومة فائز السراج الليبية لإقامة قاعدة عسكرية «في مواجهة التمدد الروسي»، كان واضحاً أن الشروط السياسية لتحقيقها غير متوافرة في ظل تنافر المواقف الغربية والأميركية من أنقرة في أكثر من ملف.
لم يؤكد ولم ينفِ متحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، لـ«الشرق الأوسط»، أن تكون واشنطن تلقت من تركيا طلباً لنشر صواريخ «باتريوت»، لكن نُقل عن مسؤول أميركي استبعاده تحريك تلك البطاريات لمساعدة تركيا في النزاع الدائر في منطقة إدلب، رغم وجود طلب تركي رسمي في هذا الصدد.
وفي حين لم يصدر بعد أي بيان رسمي عن وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) حول هذا الطلب، فقد أضاف هذا المسؤول لقناة «الحرة» الأميركية، أن «أنقرة بدأت تشعر بأن روسيا ليست شريكاً صادقاً يمكن الاتكال عليه»، وتركيا «ستكتشف قريباً أن صفقة النظام الصاروخي (إس400) مع موسكو لم تكن ذات فاعلية». وأكمل أن «واشنطن تدرك أهمية العلاقات الاستراتيجية مع تركيا، إلا إن حلف شمال الأطلسي (ناتو) لن يساعد القوات التركية في أي نزاع في سوريا، لأن المسألة (مشكلة ثنائية)».
من جهته، قال أيكان أرديمير، الباحث المختص في الشؤون التركية في «معهد الدفاع عن الديمقراطيات» بواشنطن، إنه من غير المحتمل أن تنشر واشنطن صواريخ «باتريوت» لتركيا ما دام الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مستمراً في خططه لنشر صواريخ «إس400» الروسية. وأضاف أنه علاوة على ذلك، سيستمر الكونغرس الأميركي في الضغط من أجل فرض العقوبات على تركيا بموجب قانون «كاتسا» لشرائها تلك المنظومة الروسية.
وأشار أرديمير إلى أنه رغم ذلك، فإن حلفاء تركيا في الـ«ناتو» يرون أن أزمة أنقرة الحالية مع موسكو فرصة لإعادة تركيز تركيا تحالفها مع الحلف، «لكن يبدو أن إردوغان مستثمر بعمق مع الرئيس الروسي، ولن يكون من السهل قطع علاقاته معه».
ولفتت تلك الأوساط الأميركية إلى أنه مع تمسك وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالهجوم المدعوم من موسكو في إدلب، يتوقع حدوث جولات جديدة من المواجهات، للتوصل إلى تفاهم لبلورة اتفاق أضنة جديد، يلبي «مصالح تركيا التي لا يمكن القفز عليها»، ويضمن لها حرية حركة في مناطق «درع الفرات» و«نبع السلام»، التي لا تعترض موسكو عليها، ما دامت على حساب الأكراد والأميركيين على حد سواء.
وكان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قال الخميس الماضي إن الولايات المتحدة قد ترسل صواريخ «باتريوت» إلى بلاده بعد مقتل جنود أتراك في هجمات نسبت إلى قوات النظام السوري في منطقة إدلب في شمال غربي سوريا. وأضاف لشبكة «سي إن إن» التركية: «هناك تهديدات بضربات جوية وصواريخ تستهدف بلدنا... قد يكون هناك دعم من (باتريوت)»، إلا إنه استبعد أي مساندة برية من القوات الأميركية.
وكانت تركيا قد اشترت منظومة الصواريخ الدفاعية الروسية «إس400» رغم اعتراض الأميركيين، الأمر الذي أثار خلافات بين البلدين.
وقال أكار إن صواريخ «(إس400) ستفعّل... لا يَشُكّنّ أحد في ذلك»، مضيفاً أن تركيا لا تزال رغم ذلك تسعى إلى شراء صواريخ «باتريوت»، التي تعادل صواريخ «إس400» الروسية في فعاليتها.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟