توقف إنتاج النفط يهدد بمفاقمة معاناة الليبيين

TT

توقف إنتاج النفط يهدد بمفاقمة معاناة الليبيين

كلما أعلنت مؤسسة النفط الليبية عن تراجع مستوى إنتاج الخام، زادت المخاوف لدى قطاع كبير من المواطنين في عموم البلاد الذين باتوا يتحسّبون للحظة إعلان توقف عملية إنتاجه بشكل كامل، بعد إقدام قبائل موالية لـ«الجيش الوطني» على إغلاق غالبية الموانئ الشهر الماضي.
ورغم أن رمزي الأغا، رئيس لجنة أزمة السيولة بمصرف ليبيا المركزي بشرق ليبيا، يقول في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن هناك محاولة من جانب حكومة «الوفاق» لـ«إثارة المخاوف بين المواطنين»، فإن هناك من بات يخشى فعلياً هذه اللحظة، في ظل ارتفاع أسعار المحروقات والبوتاجاز المنزلي حالياً في مناطق كثيرة، وخاصة بجنوب ليبيا.
ويبلغ إنتاج النفط في ليبيا حالياً نحو 120 ألف برميل يومياً، وفق آخر الأرقام الصادرة عن المؤسسة الوطنية للنفط، علماً بأن الإنتاج كان قد وصل إلى 1.2 مليون برميل يومياً، قبل أقل من شهر.
وقال مواطن ليبي ينتمي إلى إحدى مدن غرب البلاد إن القيادات السياسية والعسكرية في شرق البلاد وغربها تتبادل الاتهامات حول أسباب وقف إنتاج النفط «لكن الفقراء هم الذين يدفعون الثمن»، لافتاً إلى أن «المواطن كان يعاني قبل توقف عملية الضخ، والآن المعاناة في تزايد، والأيام المقبلة ستشهد ارتفاعاً كبيراً في الأسعار». وأضاف: «حرمنا من التمتع الحقيقي بعوائد ثرواتنا النفطية، فلم نحصل على أموال، ولم تشيد المستشفيات أو الطرق، والآن أوقفوا ضخ النفط». ورغم تفهمه لوجود قدر من «المطالب العادلة» لمواطني شرق البلاد في توزيع عوائد الثروة النفطية، خاصة مع الانقسام السياسي والصراع المسلح، لم يخفِ هذا المواطن تخوفه من تأثر وضعه المعيشي بالآثار السلبية المقبلة، خاصة فيما يتعلق بارتفاع سعر الدولار بالسوق الموازية، وبالتالي تصاعد أسعار السلع والخدمات، بل واحتمال خفض الرواتب الحكومية أو التوقف عن صرفها.
وفي مقابل هذه المخاوف، يرى الأغا في حديثه إلى «الشرق الأوسط» أن محاولة حكومة «الوفاق» والميليشيات الموالية لها بالعاصمة إثارة المخاوف تستهدف الضغط النفسي على المواطنين لإعلان غضبهم في مواجهة عملية إغلاق موانئ النفط. وقال: «ربما تصعّد حكومة (الوفاق)، وتأمر المصرف المركزي بطرابلس بالتوقف عن بيع العملة الأجنبية، وهو الأمر الذي سيؤدي لرفع الأسعار بشكل كبير».
وأقر الأغا بأن «عوائد النفط هي المصدر الرئيسي الذي يرتكز عليه الاقتصاد الليبي، والتوقف يعني حدوث أزمة وانهيار»، مستدركاً: «الوضع لن يكون كارثياً، كما يحاولون تصويره. والمفروض أن تلك الحكومة (الوفاق) تمتلك خططاً بديلة للإنفاق العام من خلال احتياطي النقد الأجنبي. وإذا انتهى، يجري العمل على منع تعديل سعر الصرف، وتقليل النفقات لحين انتهاء المشكلة، عبر معالجة الأسباب الجدية التي أدت لتوقف الحقول، وهي ضرورة طرد (المرتزقة) الذين تدفع لهم (الوفاق) رواتب من عوائد هذا النفط، وإيجاد قيادة رشيدة تحسن التصرف في عائداته».
وأشار الأغا إلى أن «الشرق الليبي، وتحديداً الحكومة المؤقتة بالبيضاء، وكل ما يتبع لها من مؤسسات، لم تتلقَ أي أموال من قبل حكومة (الوفاق) المستأثرة مع المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط بعوائد النفط»، مشدداً على أن «إغلاق الحقول لم يكن قراراً رسمياً، أو بدافع وتحريض من الجيش، كما يحلو للبعض أن يردد، بل كان قراراً شعبياً بسبب تضرر المواطنين في شرق البلاد».
رؤية الأغا هذه عارضها محمد الضراط، مدير عام مكتب دعم السياسات العامة لرئيس المجلس الرئاسي في طرابلس، إذ قال لـ«الشرق الأوسط» إن «استمرار الاعتماد على الاحتياطات ليس حلاً، وسيقود حتماً لأزمة اقتصادية خانقة، كما أن الشركات الكبرى والدول التي تمثلها لن تقبل باستمرار عملية إغلاق الموانئ، كونه يعرضها لخسائر دولية».
وأضاف: «ليس حقيقياً أن شرق ليبيا لا يتلقى أموالاً من عوائد النفط (...) نعم، هناك بنود لا تُصرف، كبنود البنية التحتية وإعادة الإعمار، كونها متوقفة في الوقت الراهن في كل من الشرق والغرب، أما الرواتب فيتم دفعها بشكل منتظم».
وفي السياق، يحذّر ميلود الأسود، المدير السابق لحقلي المبروك الصحراوي جنوب سرت، والجوف البحري شمال ليبيا، من تعرض الاقتصاد الليبي لخسائر عدة جراء توقف عمل مصافي التكرير، بالإضافة إلى تكلفة الصيانة والإصلاح لمضخات الآبار والأنابيب النفطية، فضلاً عن الشروط الجزائية المبرمة في العقود بين المؤسسة الوطنية والشركات الدولية.
وأضاف الأسود لـ«الشرق الأوسط»: «إذا وصلنا لتوقف الإنتاج الكامل، فقد نتحمل تكلفة إصلاح ربما لا تقل عن مائة مليون دولار للمصافي والمضخات والأنابيب التي تتعرض للتلف بسبب التوقف النهائي»، لافتاً إلى أن ذلك «سيفقد الثقة في ليبيا كدولة ومؤسسة قادرة على الوفاء بالتزاماتها».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.