حفل صاخب بآلات موسيقية من جليد سيبيريا

يُفترض أن الجليد يرمز نوعاً ما إلى «توقف الحياة»، إلّا أنّ الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى سكان سيبيريا، المنطقة التي تبدو بمثابة مملكة الجليد على الأرض. هناك اعتاد الناس على صنع الحياة والفرحة من الجليد. هذا ما أكّده في التطبيق العملي مجموعة من الشبان والشابات، عشاق الغناء والموسيقى، حين أخذوا من الجليد مادة رئيسة لتصنيع أدوات موسيقية يحيون بها حفلاً في صالة من الجليد أيضاً، على ضفاف بحيرة البايكال، وذلك ضمن فعاليات مهرجان المنحوتات الجليدية المعروف باسم «مهرجان عش عند البايكال».
ولم تمنع درجات الحرارة المتدنية في مقاطعة إركوتسك الروسية، شرق سيبيريا، خلال هذا الوقت من السنة، آلاف المواطنين والسياح الأجانب من التوجه إلى قرية ليستفيانكا على ضفاف بحيرة البايكال، للمشاركة في فعاليات هذا المهرجان «الجليدي»، الذي يمثل إطلالة جديدة على الحياة المفعمة بالنشاط، في آخر أيام الشتاء السيبيري. وكما جرت العادة شملت فعاليات المهرجان هذا العام مشاركة عدد كبير من الفنانين ذوي المهارات المتميزة في النحت على الجليد، وقام هؤلاء بتصميم مجسمات جليدية مختلفة، تبدو في ساعات النهار مثل منحوتات من الألماس لا سيما عندما تخترق أشعة الشمس بلوراتها المتجمدة، وتنعكس عبرها خيوطاً تتلالأ في المحيط بمختلف الألوان البراقة. ويصبح المنظر أقرب للخيال في ساعات المساء، حين تقوم إضاءة فنية بلعب دور الشمس، التي لا تطول إطلالتها عادةً في تلك المناطق.
ويجري هذا كله على سطح بحيرة البايكال التي تكسوها طبقة سميكة من الجليد في فصل الشتاء. وعلى المساحة التي تنتشر فيها المنحوتات الفنية الجليدية، جرى تنظيم فعاليات ترفيهية متنوعة، بينها سباق بين العربات التي تجرّها الكلاب، أو الخيول، ومبارزات رمي، فضلاً عن عروض فنية قدمها مظليون، وما إلى ذلك من نشاطات تجمع بين الرياضة والترفيه، بينها بالطبع وبكل تأكيد، التزلج على الجليد، والسباحة في قسم من البحيرة بعد تحطيم الجليد الذي يغطي سطح الماء.
إلّا أنّ العرض الموسيقي كان الحدث الأهم في المهرجان هذا العام، إذ لم يكن عرضاً تقليدياً. ومنذ الساعات الأولى للمهرجان، انشدّت أنظار الزوار نحو واحدة من الصالات الجليدية، التي تم تصميمها للحفل الموسيقي. هناك كانت تنتشر مجموعة من الآلات الموسيقية الغريبة، التي تم تصنيعها أيضاً من الجليد، وآلات موسيقية أخرى «مدمجة»، أي مصنوعة من الجليد مع مكونات تقليدية للآلة الموسيقية، بينها غيتار كهربائي، نصفه من الخشب والنصف الآخر من الجليد. وظن البعض أن تلك الآلات الموسيقية جزء من معرض المنحوتات الجليدية. لكن عندما بدأ الحفل الموسيقي، اتضح أن تلك «القطع الجليدية» هي في الواقع أدوات موسيقية يمكن استخدامها، وعزفت الفرقة الفنية بواسطتها أكثر من مقطوعة موسيقية، كما كانت مرافقة لهم في الحفل الغنائي.
وقال المنظمون إنّ هذه ليست المرة الأولى التي يستخدمون فيها الجليد لتصنيع الآلات الموسيقية، لافتين إلى أنّهم قاموا خلال المهرجان العام الماضي بتقديم عرض موسيقي «جليدي» تجريبي، قبل اعتماده فقرة رئيسية هذا العام. وقد صنّع أعضاء الفرقة الموسيقية، وهم ستة شبان ومغنية، من سكلن غركوتسك، الآلات الموسيقية الجليدية بنفسه، دفعهم إلى ذلك عشقهم للموسيقى ورغبتهم باختبار أحاسيس موسيقية جديدة، «لا يخافون الصعاب، ولا العزف على الجليد». هذه التجربة تركت انطباعات مفعمة بالخيال لدى الموسيقيين الذين شاركوا في العرض، وقال أحدهم: «إنها آلات موسيقية من نوع مختلف، بعضها تشعر كأنه يعطيك صوت الريح، والبعض الآخر تنبعث منه موسيقى الجليد بهدوء، أمّا الغيتار الجليدي، فتشعر كأنّه يحدّثك عن صخب الحياة في جليد نعتقد أنّ الحياة توقفت فيه».