سوار معصم يراقب وضعك الصحي أثناء ممارسة الرياضة

علماء «كاوست» يطورون مادة تحلل عرق الإنسان وترسل النتيجة فوراً إلى الهاتف المحمول

رقعة خفيفة الوزن ومطاطة بإمكانها تحليل العرق لمعرفة العلامات الحيوية المهمة أثناء التمرين
رقعة خفيفة الوزن ومطاطة بإمكانها تحليل العرق لمعرفة العلامات الحيوية المهمة أثناء التمرين
TT

سوار معصم يراقب وضعك الصحي أثناء ممارسة الرياضة

رقعة خفيفة الوزن ومطاطة بإمكانها تحليل العرق لمعرفة العلامات الحيوية المهمة أثناء التمرين
رقعة خفيفة الوزن ومطاطة بإمكانها تحليل العرق لمعرفة العلامات الحيوية المهمة أثناء التمرين

نقلة جديدة يشهدها الجيل الجديد من أجهزة استشعار اللياقة البدنية، قد تعطي نظرة أعمق على العلامات الحيوية المهمة للإنسان من خلال اختبار سوائل الجسم بطريقة غير تدخلية. هذا هو ما توفره رقعة مطاطة طورها باحثون في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، باستخدام مادة شبيهة بالغرافين تسمى «مكسين» MXene، التي تجعل من السهل رصد المؤشرات الحيوية للجسم عبر تحليل العرق، وإرسال النتائج لصاحبها في رسالة قصيرة على هاتفه المحمول، دون الحاجة إلى التدخلات الجراحية أو الاستعانة بطبيب.
من المعروف أن العرَق البشري يحتوي على كميات طفيفة جداً من جزيئات عضوية يمكن أن تعمل كمؤشرات صحية قابلة للقياس؛ فبعض الاختلافات في نسب الغلوكوز مثلاً قد يدل على وجود مشكلة في سكر الدم، بينما تشير المستويات العالية لحمض اللاكتيك إلى وجود نقص في الأكسجين. ولرصد هذه الجزيئات، يعمل الباحثون على تطوير نماذج أولية لمستشعرات مرنة تلتصق على الجلد وتوجِّه العرق إلى أقطاب كهربائية خاصة مُغطاة بالإنزيم، حيث تسمح الطبيعة الخاصة بعملية الربط بين الإنزيم والركيزة لتلك المستشعرات أن ترصد كهربياً تركيزات طفيفة جداً من المركبات المُستهدفة.
غير أنه ثمة عقبة تعرقل عمل المستشعرات الحيوية الإنزيمية، ألا وهي عمرها القصير نسبياً حسب قول الباحث يونج جيو لاي والذي يضيف: «رغم النعومة الفائقة لجلد الإنسان، فإن تلك النعومة قد تفصل طبقة الإنزيم عن المستشعر الحيوي بالكامل».
ومن هنا، طور لاي وزملاؤه في مجموعة البروفسور حسام الشريف، أستاذ هندسة وعلوم المواد بـ«كاوست»، جهازاً قابلاً للارتداء حول المعصم بوسعه التعامل مع مصاعب التماس مع الجلد، وضمان رصدٍ مُحسَّن للمؤشرات الحيوية. يتكون من مادة سيراميكية رقيقة مُسطحة تُعرف باسم «مكسين» تشبه الغرافين، لكنها تحوي مزيجاً من ذرات الكربون والتيتانيوم. وتشير الدراسات إلى أن تلك المادة وما يميزها أن سُميَّتها المنخفضة تجعلها أداة مثالية للمستشعرات الإنزيمية، فضلاً عن قدرتها على التوصيل المعدني وطبيعتها المحبة للماء.
وتشير الدراسات إلى أن الغرافين والـ«مكسين» يتشابهان في كونهما مادة ثنائية الأبعاد تتكون من طبقة وحيدة من ذرات الكربون، ويتميزان بالقوة والصلابة والمرونة والشفافية، فضلاً عن كونهما موصلين ممتازين للكهرباء، لذا يستخدمان بشكل واسع في الأجهزة الإلكترونية والحساسات وغيرها من التطبيقات.
ألحق الفريق البحثي جسيمات نانويَّة صبغية برقائق مادة المكسين لتعزيز حساسيتها لبيروكسيد الهيدروجين، المنتج الثانوي الأساسي للتفاعلات المُحفَّزة بالإنزيمات في العَرَق. ثم غلّفوا هذه الرقائق بألياف أنابيب نانوية كربونية قوية ميكانيكياً، ونقلوا المُرَكَّب إلى غشاء مُصمم لسحب العرق دون تجميعه. وبإضافة غطاء أخير من إنزيمات أوكسيديز الغلوكوز أو أوكسيديز اللاكتوز اكتملت عملية تركيبَ القطب الكهربائي.
يمكن تركيب الأقطاب الكهربائية الجديدة واستبدالها عدة مرات داخل رقعة بوليمر مطاطة تمتص العرق وتنقل الإشارات المُقاسة من بيروكسيد الهيدروجين لمصدر خارجي، كالهاتف الذكي مثلاً. وعندما وضعَ فريق العمل المستشعرَ الحيوي داخل أسورة يرتديها متطوعون يركبون دراجات هوائية ثابتة، اكتشفوا أن تركيزات اللاكتوز في العرق تزداد وتقل تبعاً لقوة التمرين الرياضي.
يقول البروفسور حسام الشريف، والذي قاد المشروع: «تعمل (كاوست) وبالتعاون مع جهات دولية متعاونة تحت مظلة مبادرة المستشعرات لدمج مولدات كهربائية دقيقة في الرقعة المطاطة، بما يمكنها من توليد طاقتها الكهربائية لرصد الحالة الصحية المطلوبة».



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً