قيود روسية جديدة على الحصة الأجنبية في المواقع الإخبارية

تنفيذ قانون «الإنترنت السيادي» يصطدم بعقبات تقنية

احتجاجات خريف العام الماضي ضد قانون «الإنترنت السيادي» طالب المشاركون فيها بحرية الإنترنت
احتجاجات خريف العام الماضي ضد قانون «الإنترنت السيادي» طالب المشاركون فيها بحرية الإنترنت
TT

قيود روسية جديدة على الحصة الأجنبية في المواقع الإخبارية

احتجاجات خريف العام الماضي ضد قانون «الإنترنت السيادي» طالب المشاركون فيها بحرية الإنترنت
احتجاجات خريف العام الماضي ضد قانون «الإنترنت السيادي» طالب المشاركون فيها بحرية الإنترنت

تواصل روسيا فرض قيود إضافية على مساهمة رأس المال الأجنبي في مختلف المنصات التي تُستخدم لنقل ونشر الأخبار، وذلك في إطار «توطين» الإعلام على حد تعبير برلماني روسي، أكد دعم البرلمان لجهود السلطات في هذا المجال. في موازاة ذلك كشفت وسائل إعلام روسية عن عقبات «تقنية» خلال التجارب على أداء المعدات التي يُفترض أن تضمن تنفيذ قانون «الإنترنت السيادي» المثير للجدل، والذي تقول السلطات إنه يهدف إلى حماية الإنترنت الوطني من التدخل الخارجي والهجمات الإلكترونية، بينما رأى فيه مراقبون خطوة إضافية تساهم في إحكام الدولة قبضتها على عمل الشبكة العنكبوتية، لا سيما فيما يخص تبادل المعلومات والأخبار بواسطتها.
وكانت لجنة مجلس الدوما للسياسة الإعلامية وتقنيات الاتصال، أكدت مطلع شهر فبراير (شباط) الحالي، دعمها سياسة الدولة في تقييد حصة المساهمين الأجانب في وسائل الإعلام الروسية، وذلك في الوقت الذي بدأت فيه اللجنة مناقشة مشروع قانون لإدخال تعديلات إضافية جديدة على قانون الإعلام، تنص على تقييد المساهمة الأجنبية في مواقع الإنترنت «مع محتوى إخباري مهم»، أي مواقع الإنترنت الكبرى التي تمتلك صفحات تنقل فيها الأخبار، عن وكالات وصحف روسية وعالمية، مثل «ياندكس. رو» و«مايل. رو».
وفي تعليقه على التعديلات المقترحة، قال ألكسندر هينشتين، رئيس لجنة مجلس الدوما للسياسة الإعلامية، إن «اللجنة تدعم بشكل عام سياسة الدولة الرامية إلى توطين وسائل الإعلام، والموارد الإعلامية (على الإنترنت)».
ويستمر الجدل حول مشروع القانون المذكور منذ أن طرحته مجموعة من البرلمانيين، من حزب «روسيا الموحدة»، حزب السلطة، وآخرين من «الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي» في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2018، على مجلس الدوما. وبموجب مشروع القانون المقترح، وهو عبارة عن تعديلات يُقترح إضافتها إلى «قانون الإعلام»، لا يحق للدول الأجنبية، والمنظمات الدولية، والشخصيات الاعتبارية الأجنبية، والشخصيات الاعتبارية الروسية بمساهمة أجنبية تزيد عن 20 في المائة، وكذلك لا يحق للمواطنين الأجانب والمواطنين من دون جنسية، والمواطنين الروس الذين يحملون جنسية ثانية، امتلاك حصة تزيد عن 20 في المائة من رأس المال الأساسي لشركات تخديم الإنترنت مع محتوى إخباري. ويتم حجب أي مخدم في حال عدم الامتثال لنص القانون.
وفي توضيح الأسباب التي دفعتهم لطرح تلك التعديلات، يقول البرلمانيون الروس إن الموارد الإخبارية على الإنترنت، حالها حال وسائل الإعلام «تمارس التأثير الإعلامي على المواطنين». وأشاروا في مذكرة ملحقة بنص مشروع القانون، إلى أن «الإمكانيات المتوفرة اليوم لدى الدول الأجنبية أو الشخصيات التابعة لها، في توجيه نشر المعلومات في روسيا، تؤثر على تطور المؤسسات الديمقراطية، وتهدد النظام العام في بلدنا».
ومنذ اللحظات الأولى لطرح مشروع القانون، هبطت أسهم كبرى شركات الإنترنت في روسيا، وفي مقدمتها «ياندكس. رو» التي تراجع سعر أسهمها بمعدل 20 في المائة خلال يوم واحد. وحذرت شركات الخدمات السياحية من تداعيات تبني ذلك القانون، وقالت إنه قد يؤثر على الحجوزات عبر صفحاتها الرسمية عبر الإنترنت، وأشارت إلى أن نص القانون لا يحدد بدقة مخدم الإنترنت الذي ينطبق عليه تصنيف «مخدم مع محتوى إخباري»، وبالتالي يمكن أن يؤدي إلى حجب أي موقع على الإنترنت، أو حتى صفحات شخصية لمستخدمين. كما اعترضت كبرى شركات الإنترنت الروسية على صيغة مشروع القانون، وحذرت شركة «ياندكس» من أنه «سيلحق الضرر ببيئة (البيزنس) على الإنترنت في روسيا؛ حيث يدور تنافس بين اللاعبين المحليين والشركات العالمية، وفي نهاية المطاف سيُلحق هذا الضرر بالمستخدم النهائي». وكذلك تحفظت شركة «مايل. رو غروب» على صيغة مشروع القانون، وقالت إنه لا يمكن اعتماده وهو بهذا الشكل.
إلا أن تأثير مشروع القانون قد لا يقتصر على شركات الإنترنت الكبرى. وقالت وكالة «تاس» إن النص يقدم شرحاً واسعاً لمعنى «موارد إخبارية على الإنترنت»، وتشمل وفق مشروع القانون: مواقع و- أو صفحات عليها، ومنظومات المعلومات، وبرامج الكومبيوتر. وجاء نص مشروع القانون حول تقييد حصة رأس المال الأجنبي في «الموارد المهمة الإخبارية» نسخة طبق الأصل تقريباً عن قانون يجري العمل به في روسيا منذ عام 2016. وينص على ألا تتجاوز حصة رأس المال الأجنبي 20 في المائة من رأس مال وسائل الإعلام الروسية، ما دفع العشرات منها إلى تغيير هيكل التمويل والحصص في رأس المال، حتى لا تتعرض للمساءلة بعد تبني القانون.
في غضون ذلك، فشلت الاختبارات الأولية على تقنيات «تشغيل» قانون «الإنترنت السيادي» الروسي في حجب موقع «تلغرام»، وتسبب تشغيل تلك التقنيات في خلل بعمل الإنترنت في المدن والمناطق التي تجري فيها الاختبارات. وكانت السلطات الروسية قد تبنت هذا القانون خريف العام الماضي، ودخل حيز التنفيذ في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، على الرغم من معارضة واسعة له في البلاد. وقالت السلطات إنها تسعى عبر هذا القانون إلى ضمان استمرار عمل الإنترنت داخل البلاد، بحال قررت شركات التخديم العالمية فصل روسيا عن الشبكة العنكبوتية.
ويضع القانون قيوداً على نقل البيانات المتبادلة بين المستخدمين الروس إلى الخارج، ويُلزم شركات الاتصالات تثبيت وسائل تقنية، تقدمها لهم مؤسسة الرقابة مجاناً، لمواجهة التهديدات السيبرانية؛ وتقوم الوكالة الفيدرالية للرقابة بمراقبة تشغيل الإنترنت وتحديد التهديدات الأمنية، ويتيح لسلطات الرقابة إمكانية التحكم المركزي في حركة مرور البيانات والمعلومات المتبادلة، في حال وجود تهديد أمني. كما ينص مشروع القانون على إنشاء نظام أسماء نطاقات (DNS) وطني.
وللتعبير عن موقفهم من هذا القانون، نظم معارضون احتجاجات وسط العاصمة الروسية موسكو وفي مدن أخرى، خريف العام الماضي، قال عنها بافل دوروف، مؤسس «تلغرام» إنها كانت الأكبر خلال السنوات الأخيرة. كذلك عبرت قوى برلمانية عن رفضها قانون «الإنترنت السيادي»، وقال الحزب الشيوعي الروسي إن «أي محاولات لوضع قيود في مجال الإنترنت، خطيرة للغاية من وجهة نظرنا، وغير مجدية». وكذلك رفضه فلاديمير جيرينوفسكي زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي، وأحال ذلك إلى مواقف الناخبين، وقال: «نحن نعرف موقف عدد كبير من المواطنين والمدونين الذين ينظرون بألم لأي اعتداء على الحرية في الإنترنت». بينما حذرت غرفة الحساب الروسية من أن «الإنترنت السيادي يحمل مخاطر زيادة الإنفاق»، في إشارة إلى التكلفة الباهظة للتقنيات الضرورية لتنفيذ نص القانون، أما مجلس الخبراء التابع للحكومة الروسية، فقد حذر من مخاطر التسبب في خلل بعمل الإنترنت خلال تنفيذه. وتحفظت شركات حكومية كبرى، بينها «غاز بروم» على نص القانون، ورأت فيه مصدر تهديد لعمل شبكتها التقنية.
ولم تتضح بعد الجوانب المتصلة بالمخاوف من «الإنترنت السيادي» والقيود التي قد تنجم عنه في مجال تبادل المعلومات، وحماية البيانات الشخصية في روسيا. إلا أن الواضح حتى الآن أن مجلس الخبراء لدى الحكومة الروسية كان محقاً في مخاوفه «التقنية». إذ كشفت صحيفة «آر بي كا» الروسية أخيراً عن رسالة وجهتها شركات الاتصالات الروسية الكبرى إلى وزارة الاتصالات، في النصف الثاني من نوفمبر الماضي، حول نتائج اختبار تقنيات «الإنترنت السيادي» في مدن منطقة الأورال. وأشارت تلك الشركات إلى حالات تدني سرعة الإنترنت، وضعف الإشارة، خلال تشغيل معدات الإنترنت السيادي في عقد الاتصالات الكبرى، وقالوا إنهم لم يتمكنوا في كثير من الحالات من حجب بعض المواقع، مثل «تلغرام». وقالت شركة «فيمبل كوم» للاتصالات إن الاختبارات في منطقة الأورال غير كافية لتقييم قدرة التقنيات المقترحة على العمل مع حزم كبيرة، ولا بد من اختبارات على نطاق أوسع.
ويبدو أن تنفيذ قانون «الإنترنت السيادي» على مستوى روسيا مؤجل حالياً، وسيجري تنفيذه على مراحل، على حد تعبير مصدر مقرب من الشركات التي تختبر تقنيات «الإنترنت السيادي»، وقال لصحيفة «آر بي كا» إنه هناك إدراك بـأن الاستمرار في اختبار تلك التقنيات والمعدات لم يعد مجدياً، وأكد أن تثبيتها في عقد الاتصالات وتشغيل الإنترنت، سيتم على مستوى الأقاليم الروسية. أي لن يتم تثبيتها مباشرة ضمن شبكة موحدة على مستوى روسيا.



«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)
TT

«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)

مرة أخرى يتجدَّد الصراع بين عملاقَي التكنولوجيا «أبل»، و«ميتا»، مثيراً تساؤلات بشأن مدى «حماية خصوصية بيانات المستخدمين». وبينما رأى خبراء التقتهم «الشرق الأوسط» أن المعركة الأخيرة جزء من نزاع مستمر بين «أبل»، و«ميتا» يتيح لهما البقاء على عرش التكنولوجيا الرقمية، فإنهم أشاروا إلى أن تأثير الصراع بشأن الخصوصية قد يمتد إلى مواقع الأخبار.

المعركة الأخيرة بدأت منتصف الشهر الحالي، مع تحذير وجَّهته شركة «أبل» بشأن تقديم منافستها «ميتا» مالكة «فيسبوك» و«إنستغرام» نحو «15 طلباً للوصول العميق إلى البيانات، في إطار قانون الأسواق الرقمية الجديد بالاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يضعف حماية بيانات المستخدمين».

ووفق «أبل»، فإنه «إذا حصلت طلبات (ميتا) على الموافقة، فسيكون باستطاعتها من خلال تطبيقاتها: (فيسبوك)، و(إنستغرام)، و(واتساب)، رؤية كل الرسائل القصيرة ورسائل البريد الإلكتروني والصور والمواعيد، وكل بيانات مكالمات المستخدمين». ونبَّهت «أبل»، في بيانها، إلى أن «مجموعة من الشركات تستخدم قانون الأسواق الرقمية الأوروبي؛ للوصول إلى بيانات المستخدمين». ولكن في المقابل، نفت «ميتا» هذه الاتهامات، وعدَّتها «حججاً تستخدمها (أبل) في إطار ممارساتها المضادة لحرية المنافسة». وقالت، في بيان لها، إن «(أبل) لا تعتقد بالتوافق بين الأجهزة الأخرى».

تعليقاً على ما هو حاصل، قال أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) هو امتداد لمعارك سابقة متكررة ومتجددة بين عملاقَي التكنولوجيا». وأردف: «هناك قانونان يحكمان السوق الرقمية في أوروبا: الأول هو قانون الخدمات الرقمية الذي يستهدف منع الاحتكار وحماية بيانات المستخدمين. والثاني هو قانون الأسواق الرقمية الذي يجبر الشركات على إتاحة معلوماتها للمطوّرين».

وأوضح بنضريف أن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) مرتبط بقانون التسويق الرقمي، إذ تعدّ (ميتا) من المطوّرين المتاحة تطبيقاتهم، مثل (إنستغرام) و(فيسبوك) على هواتف (أبل)». وتوقّع أن تنتهي المعركة لصالح «ميتا»، مبرراً ذلك بأن «حجة (أبل) ضعيفة وغير كافية، وخصوصية بيانات المستخدمين محمية قانوناً في أوروبا، إلا أن مخالفة (ميتا) لقوانين حماية الخصوصية تُعرِّضها لغرامات كبيرة... وفي أي حال الصراع هو جزء من معركة تستهدف الضغط على (أبل) لفتح خدماتها وإتاحتها على منتجات تابعة لشركات أخرى».

للعلم، حسب قانون الأسواق الرقمية الأوروبي، لا يسمح للشركات المشغّلة للمنصّات الحصول على امتيازات خاصة. وتطالب المفوضية الأوروبية شركة «أبل» بأن تغدو أجهزتها متوافقة مع التكنولوجيا التي تنتجها شركات أخرى.

وبموجب إجراءات المفوضية الأوروبية يتوجب على «أبل» تقديم وصف واضح للمراحل والمواعيد النهائية المختلفة والمعايير والاعتبارات التي ستطبقها أو تأخذها في الاعتبار عند تقييم طلبات التشغيل البيني من مطوري التطبيقات، مع تزويد المطورين بتحديثات منتظمة، وتقديم التعليقات وتلقيها فيما يتعلق بفاعلية حل التشغيل البيني المقترح. ومن المتوقع صدور قرار من المفوضية بشأن ما إذا كانت «أبل» تلتزم بشرط قابلية التشغيل البيني، بحلول مارس (آذار) المقبل، وفق ما نقلته «رويترز».

من جهة ثانية، صرَّح محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في الرصد والتحليل الإعلامي، لـ«الشرق الأوسط» شارحاً أن «التوترات المستمرة بين (أبل) و(ميتا)، إلى جانب قانون الأسواق الرقمية في الاتحاد الأوروبي، تسلط الضوء على الأهمية المتزايدة لتنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى، خصوصاً فيما يتعلق بالخصوصية والمنافسة». وأضاف أن «التحذير الذي أطلقته (أبل) بشأن (ميتا) أثار ذلك جدلاً حول ما إذا كانت مثل هذه الممارسات قد تضعف حماية البيانات للمستخدمين، والتركيز المتجدد على قانون الأسواق الرقمية يعد جزءاً من جهود الاتحاد الأوروبي لمنع شركات التكنولوجيا الكبرى من استغلال هيمنتها، حيث يهدف القانون إلى ضمان المنافسة العادلة عن طريق تقييد الشركات من منح نفسها مزايا خاصة، أو الوصول إلى بيانات المستخدمين بشكل مفرط دون موافقة».

وأشار الصاوي إلى أن «تأثير قانون الأسواق الرقمية يمتد إلى ما هو أبعد من شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث قد يؤثر أيضاً على المواقع الإخبارية، لا سيما تلك التي تعتمد على منصات مثل (فيسبوك) في توزيع منتجاتها». وأوضح أن «القانون قد يجبر المنصات على معاملة أكثر عدلاً، ما يضمن ألا تتضرر المواقع الإخبارية من الخوارزميات أو ممارسات البيانات المتحيزة، كما يفرض إعادة التفكير في كيفية جمع البيانات الشخصية ومشاركتها وحمايتها عبر المنصات، مما يشير إلى تحول نحو أنظمة رقمية أكثر شفافية».

وعدّ الصاوي «قانون الأسواق الرقمية محاولةً لإعادة التوازن في ديناميكيات القوة في السوق الرقمية، ما قد يؤثر بشكل كبير على المبدعين في مجال المحتوى، بما في ذلك المواقع الإخبارية، في كيفية تفاعلهم مع المنصات... في حين يضمن استمرار الصراع بين (أبل) و(ميتا) بقاءهما متربعتين على عرش المنافسة الرقمية».

وحقاً، يأتي الصراع الأخير بين «أبل» و«ميتا» في وقت قرَّرت فيه هيئة حماية البيانات الآيرلندية فرض غرامة قيمتها 251 مليون يورو على شركة «ميتا»؛ بسبب عملية اختراق واسعة لبيانات نحو 29 مليون مستخدم على مستوى العالم في عام 2018.