بحور المصري جميل شفيق تطرح تشكيلياً رغم الرحيل

رغم رحيله عن عالمنا قبل 4 سنوات، فإن استضافة معرض يحمل اسمه ما زال حدثاً يحمل وعوداً بالجمال، وأنفاس البحر، ومُتع بصرية لا تغرُب، حيث ينظم غاليري «موشن آرت» بالقاهرة معرضاً لأعمال الفنان التشكيلي المصري الراحل جميل شفيق، يستمر حتى 10 مارس (آذار) المقبل.
24 لوحة و23 منحوتة خشبية تتحدث بلسان صاحبها الغائب الحاضر، ما بين كائنات أليفة حُرّة، ونساء بملامح مُكتنزة ونظرات مشحونة بالشجون، وأسماك خرجت لتوّها من بحور جميل شفيق الإبداعية، لتسكن لوحاته وتُشكل نحته، وتراث شعبي يُعانق الأسطورة في أسفار طويلة يعبر بها شفيق إلى فضاء الأحلام.
قامت بإعداد المعرض الاستيعادي لجميل شفيق الفنانة التشكيلية المصرية هبة حلمي، التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» عن فكرة تنظيم هذا المعرض الذي تراه حنيناً لروحه وإنسانيته وفنه، واحتفاءً بقيمته الفنية الكبيرة التي يجب أن تقترب منها الأجيال الجديدة في عالم الفن التشكيلي، على حد تعبيرها.
تتراوح أعمال المعرض ما بين لوحات بالأبيض والأسود «حبر على ورق وفحم على ورق»، ولوحات أخرى مُلوّنة ما بين أحبار على ورق وإكريليك على خشب، بالإضافة إلى المنحوتات الخشبية ما بين تماثيل وشمعدانات من مجموعة طرح البحر، ومعظمها أعمال غير معروفة لشفيق.
تقول هبة حلمي: «هذا هو المعرض الثاني من نوعه الذي يستعيد أعمال الراحل شفيق في 23 ديسمبر (كانون الأول) 2016. وكان المعرض الأول قد تم تنظيمه عقب وفاته، وبسبب النجاح اللافت لهذا المعرض، وجدت أنه من الضروري أن يكون هناك معرض ثانٍ له، خصوصاً أن هناك مجموعة مُكتملة من أعماله لم يتم عرضها تحكي عن مشواره الفني كانت موجودة لدى أسرته، فقمت بترتيبها وأرشفتها، وهي أعمال لم تُعرض وتنتمي لمراحل مختلفة من مشروعه، وظل التفكير قائماً حول تنظيم معرض استيعادي آخر له، إلى أن تم تنظيم هذا المعرض بما يليق باسم جميل شفيق».
«جميل شفيق قامة كبيرة في الحركة التشكيلية المصرية، كان له طابع خاص، استخدم الأبيض والأسود وما بينهما ليصنع بها عالماً يخصه وحده»، وفق حلمي، التي تضيف: «الفنان الراحل تأثر بالفن القبطي واستخدم رموزاً منه، كالسمكة مثلاً، السمك الذي كان يبحث عنه في الحياة أيضاً، لأنه كان صيّاداً شبه محترف، ساعده الصيد على التأمل، كان شديد الالتصاق بالطبيعة، والحيوانات، والصحراء، والأفق المفتوح كما في لوحاته».
المرأة كانت لها كذلك مكانة مهمة جداً في فنه، كانت بطلة قوية يُعتمد عليها، ذات جسد يبتعد تماماً عن الصورة النمطية للسيدة الرقيقة ممشوقة القوام، كانت عنده هي أصل الحياة، وهو أيضاً ليس فقط فنان الأبيض والأسود كما يختصره البعض، فقد كانت له تجارب أخرى بالأحبار على الورق، علاوة على سنوات التكوين وكل إنتاجه قبل المعارض، والجداريات، حسب حلمي.
وعن علاقته بالبحر وهداياه توضح هبة: «خلال أكثر من عشر سنوات اشتغل جميل شفيق على نحت الخشب، من أخشاب طرح البحر، التي كان البحر يُهديها له على شاطئ (قرية الصحافيين)، بالساحل الشمالي لمصر، كان بها مرسمه وصومعته، وهي منبت أجمل أعماله، كان يجمع هذا الخشب، ويُعيد صياغته من جديد، فهو يحترم تماماً الخامة وشكلها والتاريخ الذي تنتمي إليه، ويُكون منها شمعدانات وتماثيل وأيقونات، وفي آخر أربع سنوات من حياته كان يشارك في ملتقى البرلس الفني، حيث كان يقوم بالرسم على المراكب والجدران، ويوزع البهجة على الفنانين المشاركين بالملتقى، ويبني علاقات مع أهل البلد، وكان من بينهم صاحب المقهى الذي زيّن جدرانها برسومه، ثم كتب على لافتة القهوة اسم صاحب القهوة ومعه اسمه جميل، ففنه وحياته لا ينفصلان».
اقتربت الفنانة هبة حلمي من الراحل جميل شفيق، المولود في عام 1938، الذي تصفه بـ«الصديق والأب الذي كان يمنحني دعماً وحباً غير مشروطين»، وتقول إنه «لم يتوقف يوماً عن الفن، ومات وهو يرسم، كان عاشقاً للحياة، ولا شيء كان يوقفه عن البحث عن السعادة، ومنحها للآخرين، بالفن والعطاء وإبداع اللحظات الصغيرة الممتعة في أي مكان يحل فيه».