الحكومة تقترح خيارين لسداد السندات شرط التلازم مع خطة كاملة

الضغوط تتنامى لاعتماد الحلول الدائمة لـ«الكهرباء»

TT

الحكومة تقترح خيارين لسداد السندات شرط التلازم مع خطة كاملة

قالت مصادر سياسية مواكبة للمحادثات التي أجرتها بعثة صندوق النقد الدولي مع الحكومة اللبنانية وحاكمية «مصرف لبنان»، للوقوف على مشورتها حول كيفية تعاملها مع سداد سندات الدين بالـ«يوروبوند» التي يستحق القسط الأول منها في 9 مارس (آذار) المقبل، إن على الحكومة أن تعتمد أحد خيارين: الأول يتعلق بسداد الفوائد أساساً لإعادة جدولة الدين شرط الاتفاق مع الجهات الحاملة لهذه السندات، والثاني يقوم على تسديد القسط الأول من مستحقات الدين لإعادة جدولته.
وأكدت المصادر نفسها لـ«الشرق الأوسط» أن على الحكومة أن تحسم أمرها باعتمادها واحداً من الخيارين قبل 6 مارس المقبل، وقالت إن بعثة الصندوق تجنّبت في محادثاتها مع الجهات المعنية في الدولة وحاكمية «مصرف لبنان»، أن توصي بأي خيار يمكن أن يستقر عليه الموقف الرسمي.
ولفتت إلى أن بعثة الصندوق التي غادرت بيروت أمس، رفضت أن تنوب عن الحكومة في اتخاذ القرار، وعزت السبب إلى أن مهمتها محصورة في إبداء مشورتها التقنية بخصوص سداد سندات الدين لأنها ليست في وارد أن تتحمل التداعيات المترتبة على القرار النهائي للحكومة، وبالتالي حرصت على عدم إسداء نصيحة تتعلق بسداد الدين أو تأجيل سداده.
ورأت هذه المصادر أن الخيار الذي ستتخذه الحكومة يجب أن يتلازم مع التفاهم مع الجهات الدائنة، أي حاملي هذه السندات، ليكون في وسع الحكومة تمديد التفاوض معها لإعادة جدولة عملية سدادها.
وقالت إنه يمكن للحكومة الإفادة من تمديد التفاوض حول إعادة جدولة الديون شرط أن تتقدم بمشروع متكامل، خصوصاً أن موازنة العام الحالي لا تصلح، لأنها قائمة على أرقام وهمية تتعلق بالموارد التي ما زالت تتراجع منذ انطلاق الانتفاضة الشعبية في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بسبب الركود الاقتصادي والمالي الذي بات يدفع باتجاه مزيد من التدهور.
وعدّت أن تعهدات الحكومة للجهات الدائنة حيال الخيار الذي ستتخذه «تبقى منقوصة لأن الحسابات الواردة في موازنة عام 2020 يشوبها أكثر من شائبة لأنها تقوم على أرقام وهمية، وبالتالي لا خلاص للبنان من دون الحصول على مساعدات مالية عاجلة من دول الاتحاد الأوروبي والدول العربية القادرة وصندوق النقد الذي لديه القدرة على تأمينها».
وقالت هذه المصادر إن دور البنك الدولي يقتصر على دعم تنفيذ بعض المشاورات، وسألت عما إذا كانت الظروف السياسية؛ أكانت عربية أم دولية، مواتية لتقديم المساعدة المالية للبنان، وسألت: «أين تقف الولايات المتحدة الأميركية؟ وهل هي مستعدة الآن للتدخل لدى الجهات المانحة والطلب منها الإسراع في توفير الدعم لإنقاذ لبنان قبل فوات الأوان؟ خصوصاً أن الإفادة من مقررات مؤتمر (سيدر) لمساعدته للنهوض من أزماته الاقتصادية والمالية، ليست موضوعة الآن على نار حامية ما دامت الإصلاحات المالية والإدارية لم تأخذ طريقها إلى التنفيذ مع أن مقرراته ليست كافية لأنها لا تؤمن ضخ السيولة المطلوبة لإعادة الانتظام إلى القطاع المصرفي».
وبكلام آخر، فإن مقررات «سيدر» مخصصة لتنفيذ رزمة من المشاريع الاستثمارية لإيجاد فرص عمل جديدة، وبالتالي فإن لبنان - كما تقول هذه المصادر - في حاجة إلى كفيل دولي للعب دور في تأمين حاضنة دولية وعربية تُسهم في إنقاذ لبنان، «فهل يتأمن، أم إنه لا يزال بعيد المنال لاعتبارات خارجية ومحلية تضعه على لائحة الانتظار، ولن يُدرج اسمه للإفادة من المساعدات ما لم يثبت أنه يلتزم بالأفعال لا بالأقوال بسياسة (النأي بالنفس) والابتعاد عن التحاقه بمحاور تصنّفه في خانة الانقياد للمحور الإيراني بضغط من (حزب الله)، خصوصاً أن الحكومات السابقة لم تلتزم بما تعهدت به في هذا الشأن؟».
وعليه، فهل ستبادر واشنطن إلى إطلاق الضوء الأخضر الذي يفتح الباب على مصراعيه لمساعدة لبنان «مع أن الترحيب العربي بولادة حكومة الرئيس حسان دياب لم يكن كما يجب، بخلاف ما تم الترويج له من جهات محلية محسوبة على (العهد القوي) في محاولة لتعويمها؟»، فالجواب عن هذا السؤال لا يزال، بحسب هذه المصادر، متعلقاً بـ«ردود فعل بعض الدول العربية وجهات دولية، مع أن البعض الآخر حصر موقفه في الترحيب بتشكيل الحكومة، لأن وجودها أفضل من استمرار الفراغ».
لذلك لا بد من مراقبة ما سيحدث من الآن فصاعداً بعد مغادرة بعثة الصندوق بيروت منهية جولتها الأولى من مهمتها الاستشارية التقنية.
لكن هذا لن يصرف الأنظار عن عودة ملف الكهرباء إلى التفاعل مع استعداد «الحزب التقدمي الاشتراكي» لعقد مؤتمر صحافي اليوم يؤكد فيه موقفه الرافض لاستمرار تسلُّط «التيار الوطني الحر» على إدارته منذ أكثر من 12 عاماً، رافضاً إعطاء الأولوية للحلول الدائمة على المؤقتة لاستجرار الكهرباء من البواخر التركية.
ويلتقي «التقدمي» في موقفه مع كل الأطراف المعارضة، وهو يتناغم أيضاً مع «كتلة التنمية والتحرير» برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري الذي يصر على المباشرة اليوم قبل الغد في إنشاء معملين لتوليد الطاقة لأنه من المعيب الإبقاء على الحلول المؤقتة.
ويصر الرئيس بري في موقفه على حشر الحكومة رغم أن «حزب الله» لا يحرك ساكناً في تبنّيه موقف حليفه على الأقل في العلن، مراعاة منه لحليفه الآخر «التيار الوطني»، علماً بأنه لم يعد أمام لبنان سوى الأخذ بنصيحة صندوق النقد التي هي بمثابة نسخة طبق الأصل من نصيحة مؤتمر «سيدر»، لأنه من غير الجائز الإبقاء على استنزاف مالية الدولة بخسارة تقدّر بنحو ملياري دولار، فيما يعاني البلد ارتفاعاً ملحوظاً في حجم الدين العام وفي خدمته.
ويبقى السؤال: لماذا الإصرار على إبعاد ملف الكهرباء عن الشبهات، وهل من مبرر للسير في الحلول الدائمة بعيداً عن كل أشكال العمولة والسمسرة لأن الشفافية في حال اعتمادها لبناء معملين لتوليد الطاقة تحجز للبلد جواز مرور للحصول على مساعدات خارجية باعتبار أنه تخطى بنجاح اختبار مدى التزامه بوقف هدر المال العام ومكافحة الفساد، خصوصاً وهو يبحث عن مخرج لإعادة هيكلة سداد سندات الدين المستحقة عليه؟



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».