هل تعد الفوضى في جنوب سوريا نموذجاً لمناطق استعادها النظام؟

اغتيالات وخطف بعد سنتين على «اتفاقات التسوية»

TT

هل تعد الفوضى في جنوب سوريا نموذجاً لمناطق استعادها النظام؟

تعيش مناطق جنوب سوريا الخاضعة لـ«اتفاقات تسوية» تدهوراً أمنياً، حيث وثق ناشطون محليون في الشهر الماضي أكثر من 15 حادثة، منها اغتيالات وخطف بحق عناصر أو قادة من المعارضة سابقاً أو مدنيين، وشخصيات مقربة من النظام السوري، وأخرى كانت مروجة لإيران و«حزب الله» في المنطقة، في وقت تصاعدت أيضاً فيه ظاهرة استهداف نقاط وحواجز تابعة للنظام المنتشرة في المنطقة نفذها مجهولون، ومنها حالات حجز لعناصر من النظام من قبل الأهالي رداً على اعتقال أحد ذويها، كما حصل مؤخراً في بلدة ناحتة والكرك، بريف درعا الشرقي. ويعتقد مراقبون غربيون أن حالة الفوضى الأمنية هي نموذج لمناطق استعادت قوات النظام السيطرة عليها من معارضين.
وقال ناشطون معارضون: «لا تزال المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية جنوب سوريا (درعا والقنيطرة) في حالة عدم استقرار أمني. وإن ظاهرة الانفلات الأمني في المنطقة تجسدت بتعرض شخصيات كانت محسوبة على المعارضة سابقاً لعمليات اغتيال أو خطف أو اعتقال، واستمرار قوات النظام في ارتكاب الخروقات بحق اتفاق التسوية، واعتقال كثير من الأشخاص الحاملين لبطاقات التسوية على حواجز قوات النظام البعيدة عن مناطق التسوية، أو الخطف بدلاً من عمليات المداهمة للمنازل، بعد أن تعرضت قوات النظام للمواجهة مع الأهالي في أكثر من مرة خلال عمليات المداهمة لمنازل المطلوبين، كما حدث في مدينة جاسم ومدينة درعا البلد».
وتلقت عائلة راتب الجباوي في مدينة جاسم نبأ وفاته قبل أيام في سجن صيدنايا بعد اعتقال دام لأكثر من عام، إثر دخول قوات النظام إلى المدينة، واستدعائه لتحقيق في أحد مقراتها في مدينة جاسم. وكان الجباوي يشغل منصب رئيس المجلس المحلي لمدينة جاسم في أثناء سيطرة المعارضة على المنطقة.
وخطفت مجموعة تابعة للنظام شابين من المدينة كانا من عناصر «الجيش الحر» سابقاً، ونقلتهما إلى أحد أفرع النظام الأمنية، ما أثار حالة من التوتر والاستنفار في المدينة وتهديدات لقوات النظام حتى عودة الشابين المخطوفين اللذين تم إطلاق سراحهما في اليوم التالي. وعلى أثرها، هدد أدهم الكراد، أحد قادة فصائل المعارضة سابقاً في درعا البلد، بعودة تشكيل «غرفة عمليات البنيان المرصوص» التي كانت تنضوي تحتها عدة فصائل من المعارضة سابقاً، في حال استمرت انتهاكات النظام المتمثلة في عمليات الاغتيال والخطف. وقال عبر معرفه الشخصي في وسائل التواصل الاجتماعي إن «القوى الدولية فرضت علينا في أعتى الظروف، وخاننا من يدعي أنه صديق للشعب، وكانت شعاراتنا الأولى (يا الله ما إلنا غيرك)، ونسينا هذا الشعار، ونسينا أننا أصحاب حق. وعليه، بدأ النظام الغادر عبر أيادي الزنادقة عمليات الخطف والقتل والاعتقال والترويع، متناسياً أننا لقناه دروساً عبر 9 سنوات. ولن تخدمك روسيا على الأرض كثيراً حين تلتحم القوات، وإذا ما استمرت هذه الحالة المزرية، وبنفس الأسلوب، فإن فتح غرفة عمليات البنيان المرصوص ليس بالأمر المستحيل، فلا يزال ليوثها الذين أبكوكم مراراً لم يغادروا تراب أرضنا، وقد أعذر من أنذر».
ووقّع وجهاء مدينة درعا البلد على ميثاق يقضي بأن تكون المدينة عائلة واحدة، وموقفهم واحداً تجاه أي اعتداء. كما خرج أهالي البلد بوقفة احتجاجية عند المسجد العمري في مدينة درعا البلد للمطالبة بالمعتقلين، والإفراج عنهم ومعرفة مصيرهم، حيث وصل عدد حالات الاعتقال في المنطقة لأكثر من 500 شخص منذ بدء اتفاق التسوية في المنطقة الجنوبية، في تجاوز واضح لاتفاق التسوية والتهدئة في المنطقة الجنوبية من قبل قوات النظام السوري.
وتتعرض أيضاً مقرات وحواجز تابعة للنظام في «مناطق التسوية» جنوب سوريا لهجمات ينفذها مجهولون منذ دخولها المنطقة وفرض سيطرتها عليها، كان آخرها هجوم مجهولين على مركز لتجمع قوات النظام بين بلدات تل شهاب وزيزون في ريف درعا الغربي، أسفر عن مقتل 3 عناصر من قوات النظام، بينهم ضابط، كما قتل مساعد أول في فرع الأمن العسكري على يد مجهولين في مدينة إنخل بريف درعا الشمالي، وتلت ذلك حالات اغتيال لعناصر من المعارضة سابقاً انضموا مؤخراً لفرع المخابرات الجوية في مدينة جاسم بريف درعا الشمالي، كما تعرض أحد أبرز الأطباء في مدينة بصر الحرير لعملية اغتيال قبل أيام، وهو الطبيب مأمون الحريري الذي كان يعرف بعمله السابق في المشافي الميدانية في مناطق المعارضة سابقاً قبل سيطرة النظام على المنطقة.
ومن جهته، أفاد مصدر مقرب من لجنة التفاوض في درعا بأن مناطق الجنوب «تشهد حالة من عدم الاستقرار، وحالات اغتيال وقتل وخطف بشكل شبه يومي، وخاصة بحق السابقين في المعارضة. ورغم الضغوطات من قبل لجان التفاوض في حوران على الجانب الروسي، فإنه ما تزال قوات النظام ترتكب خروقات وتجاوزات باتفاق التسوية»، معتبراً أن ملف المعتقلين واستمرار الاعتقالات من أبرز الملفات العالقة باتفاق التسوية، وأن «تصاعد وتيرة الاغتيالات في درعا التي تستهدف المعارضين السابقين للنظام السوري من قادة وعناصر أدى إلى زيادة الغضب الشعبي، الأمر الذي عكسته الهتافات والشعارات الغاضبة في أثناء عمليات تشييع الذين تعرضوا لعمليات اغتيال». ورجح أن العمليات العسكرية التي شهدتها مناطق التسوية ضد قوات النظام السوري قد تكون أسبابها «الرد على استمرار الانتهاكات، باعتبار أن هذه الهجمات تختفي لفترة وتعود للواجهة عند ارتكاب قوات النظام لأي خروقات، كتصفية المعارضين السابقين الذين رفضوا التهجير أو تنفيذ اعتقالات تطال أبناء المنطقة».
وأضاف المصدر أن الأهالي في عدة مناطق من جنوب سوريا لا يزالون «يطالبون عبر مظاهرات واحتجاجات بمعرفة مصير أبنائهم المعتقلين والإفراج عنهم، فمنهم المغيب في السجون منذ بدء الأحداث في سوريا قبل 9 أعوام. وقد كانت الاستجابة بعد اتفاق التسوية في جنوب سوريا بالإفراج عن أعداد قليلة من المعتقلين، أغلبهم من المعتقلين حديثاً، بينما يحتوي ملف المعتقلين في المنطقة الجنوبية على أكثر من 4 آلاف حالة اعتقال منذ عام 2011».
وأكد «مكتب توثيق الشهداء» في درعا، في تقريره عن الشهر الماضي، أن «ما لا يقل عن 14 حالة اعتقال وخطف حدثت في محافظة درعا خلال شهر يناير (كانون الثاني) 2020، تم توثيق إطلاق سراح 5 منهم في وقت لاحق من الشهر ذاته، علماً بأن هذه الإحصائية لا تتضمن من تم اعتقالهم بهدف سوقهم للخدمتين الإلزامية والاحتياطية في قوات النظام».
وقالت مصادر: «لا يخفى على أحد أن المستفيد الوحيد من عمليات التصفية التي يتعرض لها قادة المعارضة سابقاً في المنطقة الجنوبية هو النظام، لكن الحالة الأمنية المتردية التي تعيشها مناطق جنوب سوريا تجعله على مفترق طرق، خاصة أن صراع النفوذ بين الدول الحليفة للنظام لكسب المنطقة حاضر منذ أن بدأ اتفاق التسوية في المنطقة، لا سيما أن بعض عمليات الاغتيال التي شهدتها المنطقة كانت بحق أشخاص متهمين بالتعامل مع إيران و(حزب الله)، أو قادة سابقين في المعارضة انخرطوا بالفرقة الرابعة التابعة لجيش النظام أو بالفيلق الخامس الذي تشرف عليه روسيا بعد التسويات، وآخرين عناصر وقادة رفضوا الانخراط في أي تشكيلات عسكرية تابعة للنظام».
وبحسب مراقبين، فإن صراع النفوذ في المنطقة الجنوبية يهدف إلى «كسب الأعداد الكبيرة من قادة وعناصر فصائل المعارضة التي بقيت في المنطقة، والانفراد بهم لتشكيل قوة عسكرية بالجنوب، وترتيب المصالح مع الدول الإقليمية بالمنطقة الجنوبية، أو بهدف تغيير الوضع الأمني في مناطق التسويات، ليصبح نظاماً أمنياً مشدداً، بذريعة الهجمات التي تتعرض لها مواقع النظام في المنطقة».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.