الجدار أمامهم وجحيم المعارك خلفهم... نازحون سوريون يحلمون بالأمان

أطفال يحاولون تسلق الجدار الإسمنتي على الحدود مع تركيا (أ.ف.ب)
أطفال يحاولون تسلق الجدار الإسمنتي على الحدود مع تركيا (أ.ف.ب)
TT

الجدار أمامهم وجحيم المعارك خلفهم... نازحون سوريون يحلمون بالأمان

أطفال يحاولون تسلق الجدار الإسمنتي على الحدود مع تركيا (أ.ف.ب)
أطفال يحاولون تسلق الجدار الإسمنتي على الحدود مع تركيا (أ.ف.ب)

هرباً من المعارك في شمال غربي سوريا، قرر أبو جابر الإقامة قرب الجدار الإسمنتي الذي شيّدته تركيا عند حدودها. وخشية من تقدم قوات النظام أكثر، صنع سلّماً ينوي تسلّقه وعائلته لاجتياز العوائق نحو الضفّة الأخرى.
ودفع التصعيد العسكري لقوات النظام وحليفتها روسيا في محافظة إدلب ومحيطها منذ مطلع ديسمبر (كانون الأول) نحو 900 ألف شخص إلى النزوح، توجّه عدد كبير منهم إلى مناطق قريبة من الحدود التركية باعتبارها أكثر أماناً.

قرب بلدة كفرلوسين، تقيم عشرات العائلات النازحة في غرف متواضعة تم بناؤها في مخيم عشوائي على بعد أمتار من الجدار الإسمنتي الفاصل بين الأراضي السورية والتركية. ويعلو بعضها خزانات مياه بلاستيكية أو ألواح للطاقة الشمسية. وباتت الغرف، التي شُيّدت تباعاً وبينها خيام يقطنها نازحون جدد، أشبه بقرية صغيرة. ويلهو أطفال قرب الجدار محاولين تسلقه، ويرتدي أحدهم بزة عسكرية عليها العلم التركي.
ويقول أبو جابر (45 عاماً) الذي يقيم مع عائلته المؤلفة من والده ووالدته وزوجته وأطفالهما الأحد عشر في المخيم العشوائي لوكالة الصحافة الفرنسية: «أتينا إلى المكان الآمن إلى جانب الجدار التركي».

وفرّت العائلة من ريف حماة الشمالي، المجاور لإدلب، قبل ستة أشهر على وقع تقدّم قوات النظام في المنطقة. وجراء التصعيد الأخير في إدلب، يخشى أبو جابر ألا يكون أمامه من خيار إلا اجتياز الحدود حفاظاً على أرواح أطفاله، الذين فقد أحدهم وعمره 10 سنوات عينه وبُترت يده جراء قصف سابق، قبل نزوحهم من قريتهم.
ويوضح: «في هذه المرحلة السيئة (...) قررت تجهيز سلّم وفي حال تقدّم النظام... قررت أن أقطع الجدار لأحافظ على حياة الأطفال». ويسأل «أين سنذهب؟ إما أن يبيدوا البشر أو ندخل إلى تركيا».
يدرك أبو جابر أن اجتياز الحدود مهمة محفوفة بالمخاطر مع وجود «قناصة» وحرس حدود يمنع العبور نحو الأراضي التركية. ويشرح بحزم: «أنا لا أختار الذهاب إلى تركيا، سوريا عندي أغلى من مال الدنيا ومن بلدان العالم كلها، لكن أريد الأمان، أريد أن أنام وأريد المأوى والتدفئة وإطعام الأطفال».
وغالباً ما يطلق حرس الحدود التركي الرصاص على كل من يحاول اجتياز الجدار لمنع تدفق اللاجئين نحو أراضيه، مما تسبب بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان بمقتل العشرات منذ إقفال تركيا لحدودها مع سوريا. ويدفع آخرون مبالغ مرتفعة جداً لمهرّبين لمساعدتهم على عبور الحدود.
وتقفل تركيا التي تستضيف 3.6 مليون لاجئ سوري على أراضيها، حدودها بإحكام خشية تدفّق موجات لاجئين جديدة بفعل التصعيد في شمال غربي سوريا. وأرسلت في الأسابيع الأخيرة تعزيزات إلى إدلب حيث تقدم الدعم للفصائل المقاتلة. كما تنشر نقاط مراقبة في المنطقة بموجب اتفاق تهدئة مع روسيا، أبرز داعمي دمشق.

وتدفّق عشرات آلاف النازحين إلى مناطق حدودية أو قريبة منها على وقع تقدّم قوات النظام منذ ديسمبر (كانون الأول). وناشد رئيس المفوضية العليا لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي الخميس «الدول المجاورة (لسوريا) بما في ذلك تركيا توسيع نطاق استقبال الواصلين، حتى يتمكن من هم أكثر عرضة للخطر من الوصول إلى بر الأمان».
واتهمت منظمات حقوقية وناشطون سوريون تركيا العام الماضي بترحيلها المئات من اللاجئين بالقوة نحو سوريا، الأمر الذي نفته أنقرة متحدثة عن عودة «طوعية».
تسبب الهجوم على إدلب بأكبر موجة نزوح في سوريا منذ بدء النزاع عام 2011. وتصف منظمات دولية المحافظة بـ«المخيم الضخم» كونها تؤوي أساساً ثلاثة ملايين شخص، نصفهم تقريباً نازحون فروا على مدى السنوات الماضية من محافظات أخرى.
قبل أسبوعين، نزح عبد الرزاق سلات (55 عاماً) مع زوجته وثمانية أولاد بينهم أطفال من بلدة بنّش القريبة من مدينة إدلب بعدما استهدفها القصف. ويقيمون حالياً مع عائلة شقيقة زوجته في خيمة عند الجدار الحدودي.
ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية: «نحن 19 شخصاً، سكنا هنا بحثاً عن الأمان».
وتكتظ الخيمة التي تتوسطها مدفأة تعمل على المازوت بالقاطنين فيها مع مقتنياتهم. ويعملون نهاراً على تكديس حاجياتهم من أغطية وفرش في إحدى الزوايا ليتمكنوا من الجلوس داخلها.
وليلاً، يروي عبد الرزاق: «لا نستطيع النوم لضيق المكان. ننام ونحن جالسون».
ويشكل اجتياز الحدود الأمل الوحيد لهذه العائلة في ظل الظروف المعيشية الصعبة ونقص الإمكانيات المادية والمساعدات. ويشرح عبد الرزاق بحسرة: «انظر خلف الجدار إلى الحياة هناك ما أجملها ونحن هنا في ظروف سيئة»، متسائلاً: «ألسنا بشراً؟».
ولا يتردّد في التأكيد على أنه «إذا اضطر الأمر، سندخل إلى تركيا، سندفع الجدار وندخل».



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.