تقليص خطة لإنشاء وكالة تجسس سرية منافسة لـ«سي آي إيه»

بسبب معارضة أعضاء من الكونغرس تساءلوا حول الهدف من الوكالة الجديدة وتكلفتها

مقر البنتاغون
مقر البنتاغون
TT

تقليص خطة لإنشاء وكالة تجسس سرية منافسة لـ«سي آي إيه»

مقر البنتاغون
مقر البنتاغون

عمد البنتاغون لتقليص حجم خطته لإنشاء وكالة تجسس خارجية كان بمقدورها تبعا للخطة الأصلية منافسة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) من حيث الحجم. وجاء تراجع البنتاغون بعد مواجهته معارضة من أعضاء الكونغرس الذين تساءلوا حول الهدف من الوكالة الجديدة وتكلفتها، حسبما أفاد مسؤولون أميركيون سابقون وحاليون.
تبعا للخطة المنقحة، ستتولى وكالة استخبارات الدفاع تدريب ونشر ما يصل إلى 500 ضابط سري، ما يعادل قرابة نصف العدد الذي كان مقترحا في الخطة الأصلية منذ عامين عندما تم الإعلان عن إنشاء «خدمة الدفاع السرية».
كانت الخطة السابقة قد دعت لنشر ألف ضابط سري بالخارج للعمل جنبا إلى جنب مع «سي آي إيه» وقيادة العمليات الخاصة المشتركة التابعة للمؤسسة العسكرية الأميركية للتعاون في مهام لمكافحة الإرهاب وأهداف أخرى تتعلق بالأمن القومي بمفهومه الواسع. أما الآن، فقد جرى تقليص جدول التدريب، ومن المقرر تكليف غالبية المشاركين بمهام تركز بصورة أكبر على المهمة الأساسية لوكالة استخبارات الدفاع المتعلقة بجمع استخبارات لصالح وزارة الدفاع. ويتمثل الهدف المنقح من الخطة الجديدة في «الحفاظ على حجم صغير، لكن مع فاعلية كبرى»، حسبما أوضح مسؤول أميركي بارز سابق بمجال الاستخبارات، رفض كشف هويته.
وأضاف المسؤول السابق أن البنتاغون سيمضي في عزمه على نشر عشرات الضباط السريين «في أماكن صعبة للغاية بمختلف أرجاء العالم»، بما في ذلك أجزاء من أفريقيا والشرق الأوسط، حيث تملك «القاعدة» و«داعش» معاقل قوية. واستطرد موضحا أن الجهود الاستخباراتية لهؤلاء الضباط «ستركز على ما تحتاجه وزارة الدفاع». ويمثل هذا التحول تراجعا من جانب البنتاغون الذي سعى لإحداث تحول في خدمة سرية يجري النظر إليها منذ أمد بعيد على أنها كيان ثانوي مقارنة بـ«سي آي إيه»، وإعدادها لحقبة تتسم بوجود تهديدات على نطاق أوسع بعد عقد من الحروب في العراق وأفغانستان. وتزعم جهود الإصلاح وكيل وزارة الدفاع لشؤون الاستخبارات، مايكل جي. فيكرز، العميل السابق لدى «سي آي إيه» الذي صاغ نموذج خدمة التجسس التابعة للبنتاغون على نحو جعلها شبيهة بـ«سي آي إيه»
ولا تزال جوانب من الخطة الأصلية من دون تغيير، مثل مشاركة أعضاء خدمة الدفاع السرية في الدورات نفسها التي يشارك فيها نظراؤهم من «سي آي إيه» داخل مجمع تدريبي يتبع الأخيرة يعرف باسم «المزرعة»، قرب ويليامزبرغ.
ومن المنتظر أن يعمل الأفراد الذين ينجزون تدريبهم بالتنسيق الوثيق مع رؤساء محطات «سي آي إيه» الذين يتمتعون بسلطات واسعة فيما يخص عمليات التجسس الأميركية بالخارج.
من جانبهم، أكد مسؤولون أن الحجم الأصلي للخطة تم تقليصه بدرجة كبيرة بعدما اتضحت صعوبة حصوله على تأييد وتمويل كافيين من الكونغرس.
من جهتهم، رفض مسؤولون بوزارة الدفاع مناقشة تفاصيل «خدمة الدفاع السرية»، بما في ذلك ميزانيتها وعدد المناصب بالخارج، مشيرين إلى أن هذه الأرقام سرية. إلا أنهم لم ينفوا أن خطة إنشاء الخدمة حسبما تمت صياغتها داخل البنتاغون بادئ الأمر جرى تقليصها.
من ناحيته، قالت آمي ديريك فروست، القائدة البحرية والمتحدثة الرسمية باسم البنتاغون: «قمنا بالفعل بإعادة تقييم برنامج خدمة الدفاع السرية بعد مناقشات مبدئية مع الكونغرس»، مشددة على أنها «كانت دائما خطة قائمة على مراحل» يمكن أن يستغرق تنفيذها سنوات. وأضافت: «لم تطرأ تغييرات تذكر» منذ تقديم مقترح معدل إلى الكونغرس».
من ناحية أخرى، ذكر مسؤول استخباراتي رفيع المستوى أن الأرقام الجديدة تعكس أيضا توجها مختلفا حيال أسلوب إحصاء ضباط خدمة الدفاع السرية، ففي البداية تضمنت التوقعات الأولية كل شخص جرى اعتباره جزءا من الخدمة السرية، بغض النظر عن موقع تمركزه. واستطرد بأنه الآن لم يتم إحصاء سوى من يتم نشرهم بالخارج لجمع استخبارات كجزء من الـ500 ضابط، بمعنى أن أولئك المشاركين بمهام داخل المقار الرئيسة أو يخضعون للتدريب لن يتم حسابهم في العدد الإجمالي.
وأوضح المسؤول أنه: «لا نحسب من يجلسون على مكاتبهم أو يخضعون للتدريب»، وذلك في إشارة إلى أن قرار خفض الأعداد ليس بالصورة الحادة التي قد يبدو عليها الأمر نظرا لحدوث تغيير في أسلوب الإحصاء. واعترف المسؤول أن المناقشات المبدئية حول خدمة الدفاع السرية دارت حول ألف منصب.
الملاحظ أن التحركات باتجاه توسيع نطاق خدمة الدفاع السرية واجه معارضة شبه فورية من قبل «كابيتول هيل»، خاصة أعضاء لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ، الذين أبدى كثيرون منهم رفضا شديدا للفكرة.
وأثار السيناتور كارل ليفين، رئيس اللجنة، وآخرون المخاوف حيال استخدام ضباط خدمة الدفاع السرية في الجزء الأكبر منهم في سد فجوات بمجالات تعتبرها «سي آي إيه» ذات أولوية منخفضة، مما يعني اضطلاعهم فعليا بمهام الوكالة لكن على حساب البنتاغون. كما صادفت لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ مشكلات أخرى تتعلق بمقترح خدمة الدفاع السرية، حيث ذكرت خلال تقرير أصدرته العام الماضي أن الخطة «تفتقر إلى التفاصيل الضرورية لضمان عمليتي مراجعة وتنفيذ فاعلتين»، وصرح مساعد رفيع المستوى لدى مجلس الشيوخ، الجمعة، بأن إصلاح خدمة الدفاع السرية «لا يزال محل اهتمام ومراجعة دقيقة من جانب اللجنة» حتى بعد التنقيحات الأخيرة التي أدخلها البنتاغون على الخطة. ويتزامن هذا الجدال المتعلق بأبعاد وتوجه خدمة الدفاع السرية مع فترة توتر تمر بها الخدمة التي تضم مئات المحللين والملحقين الدفاعيين - وهم مسؤولون بالسفارات يعنون بجمع استخبارات حول المؤسسات العسكرية الأجنبية - داخل أكثر من 140 دولة.
يذكر أن المدير السابق لخدمة الدفاع السرية، مايكل فلين (هو ميجور جنرال (لواء) متقاعد تقلد مناصب رفيعة داخل أفغانستان والعراق) أعفي من منصبه في وقت سابق من العام، قبل انتهاء فترة عمله المقررة بوقت طويل. وعانت عمليات خدمة الدفاع السرية داخل مناطق الحروب خلال السنوات الأخيرة، حيث أشار المسؤول الاستخباراتي السابق إلى أن الخدمة كان لديها في بعض الأحيان ما يصل إلى 4 ضباط في بعض المناطق، ومع ذلك أخفقوا في تقديم تقارير استخباراتية تحمل أي أهمية تذكر.

* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.