أنقرة تتمسك بسحب دمشق قواتها خلف «نقاط المراقبة» في إدلب

TT

أنقرة تتمسك بسحب دمشق قواتها خلف «نقاط المراقبة» في إدلب

تمسكت تركيا، أمس (الجمعة)، بموقفها في خصوص تطورات أزمة إدلب في شمال غربي سوريا، مؤكدة أنها لن تسحب نقاط المراقبة التي أقامها جيشها في المحافظة بموجب «تفاهم سوتشي» مع روسيا، على الرغم من أن بعضها بات ضمن المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام السوري في الأسابيع الماضية.
وصدر هذا الموقف الرسمي عن أنقرة قبل إجراء الاتصال الهاتفي بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين مساء أمس. وقبل إردوغان، قبل الاتصال، لمجموعة من الصحافيين في إسطنبول إنه سيناقش مع بوتين كل التطورات في إدلب «من الألف إلى الياء». وأضاف أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، قد اقترحا عقد قمة رباعية مع روسيا في إسطنبول يوم 5 مارس (آذار) المقبل، لكن بوتين لم يرد بعد. وشدد على أن تركيا لن تسحب قواتها من شمال غربي سوريا، وهي مستمرة في العمل على إقامة مأوى يضم النازحين السوريين في «منطقة آمنة»، بعمق يتراوح بين 30 و35 كيلومتراً في سوريا على الحدود مع تركيا.
وعن الاشتباكات التي وقعت بين القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها وقوات النظام بدعم من روسيا على مشارف النيرب في إدلب أول من أمس، قال إردوغان إنه تم تحييد نحو 150 عنصراً من قوات النظام، وتدمير 12 دبابة و3 عربات مدرعة و14 مدفعاً وعربتي «دوشكا».
وفي السياق ذاته، أكد وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أن بلاده ليس لديها النية لخوض مواجهة مع روسيا في سوريا، مشدداً على أن غاية ما تسعى إليه أنقرة هو التزام نظام الرئيس السوري بشار الأسد بوقف إطلاق النار. وأضاف أكار، في مقابلة تلفزيونية الليلة قبل الماضية، أن تركيا بذلت، وتواصل بذل، كل الجهود لمنع وقوع مواجهة بين القوات التركية وروسيا في سوريا. وأوضح أن تركيا لم تغيّر موقفها حيال الشأن السوري، وأن أنقرة تفي بمسؤولياتها، وتتطلع إلى التزام الأطراف الأخرى بمسؤولياتها، فيما بدا رداً على قول موسكو إن أنقرة لم تنفذ المطلوب منها في إدلب بموجب سوتشي (مثل فصل المعارضة المعتدلة عن المتشددين).
وأشار أكار إلى أن حدود منطقة خفض التصعيد في إدلب واضحة، بموجب مذكرة التفاهم التي تم التوصل إليها مع روسيا في سوتشي في سبتمبر (أيلول) 2018، مشدداً على ضرورة التقيد بهذه الحدود. وأضاف أن الجانب التركي يدعو نظيره الروسي في الاجتماعات الثنائية إلى استخدام نفوذه على النظام السوري لمنعه من انتهاك حدود منطقة خفض التصعيد، وإرغامه على التزام مذكرة تفاهم سوتشي.
وأكد أكار أن مباحثات بلاده مع الجانب الروسي حيال إدلب مستمرة، وستستمر، وأن تركيا تطالب نظام الرئيس السوري بالانسحاب إلى ما وراء نقاط المراقبة التركية في المنطقة، مبيّناً أن لتركيا 12 نقطة مراقبة داخل منطقة خفض التصعيد، وستلجأ إلى القوة إذا اضطرت، لتحقيق وقف النار في المنطقة، بموجب المادة الخامسة من تفاهم آستانة حول سوريا. وتنص هذه المادة، بحسب ما يقوله الأتراك، على أن «الأطراف ستتخذ تدابير إضافية للحد من التوتر في منطقة خفض التصعيد بإدلب».
وحول إمكانية تقديم دعم أميركي محتمل لتركيا في إدلب، نفى أكار أن يكون هناك دعم بالجنود على الأرض، لافتاً إلى «إمكانية أن تقدم واشنطن دعماً عبر بطاريات باتريوت، لأن هناك تهديدات صاروخية موجهة نحو تركيا. كما أن أمين عام الناتو (ينس ستولتنبرغ) لديه تصريحات بهذا الصدد».
وفي السياق ذاته، ذكرت تقارير تركية أمس أن طائرة شحن إيطالية نقلت منظومات باتريوت إلى قاعدة إنجيرليك بولاية أضنة، جنوب البلاد، في إطار «التضامن» بين أعضاء حلف (ناتو). وقالت وسائل الإعلام التركية إن نقل الباتريوت جاء عقب طلب السلطات التركية من الولايات المتحدة تزويدها بالمنظومة الدفاعية عقب تصاعد وتيرة الاشتباكات في محافظة إدلب. وأشارت، نقلاً عن مسؤول تركي رفيع، إلى أن تركيا طلبت من المبعوث الأميركي إلى سوريا، جيمس جيفري، الأسبوع الماضي، إبلاغ سلطات بلاده بحاجة تركيا إلى المنظومة كي تستطيع القيام بطلعات جوية في إدلب، على اعتبار أن روسيا تتحكم حالياً بالمجال الجوي السوري.
وأضاف المسؤول أن منظومة باتريوت ستنشر في ولاية هطاي الحدودية مع سوريا، وبعد ذلك ستتمكن المقاتلات التركية من القيام بعمليات جوية داخل المجال الجوي لإدلب.
وقام وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، ورئيس هيئة الأركان يشار جولار، وقائد القوات البرية أوميت دوندار، بجولة تفقدية على الوحدات العسكرية المنتشرة على الحدود السورية من جهة ولاية هطاي، جنوب البلاد، أمس.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.