«هاناو» تحت الصدمة بعد مجزرة اليمين المتطرف

أقارب وأصدقاء الضحايا يتحدثون عن غضبهم

«هاناو» تحت الصدمة بعد مجزرة اليمين المتطرف
TT

«هاناو» تحت الصدمة بعد مجزرة اليمين المتطرف

«هاناو» تحت الصدمة بعد مجزرة اليمين المتطرف

بعيدا عن مكان الجريمة التي قتل فيها يميني متطرف تسعة أشخاص، تبدو مدينة هاناو الصغيرة، هادئة». والحياة فيها وكأنها عادت إلى طبيعتها. عندما تصل هذه المدينة قادما من فرانكفوت التي تبعد رحلة نصف ساعة في القطار، تستقبلك سيارتا شرطة في الخارج، ولكن رغم ذلك، لا شيء أكثر يوحي بأن مجزرة وقعت هنا قبل ساعات قليلة». فالمحطة مليئة بالزوار القادمين والمغادرين». والسيارات والباصات تمر في شوارع سالكة مفتوحة».
قد تكون الإشارة الأولى بأن شيئا ما حصل هنا، وجوه سائقي سيارات الأجرة التي تنتظر في الخارج. كان أربعة منهم يقفون عابسين، وجوههم سوداء، وهو يدخنون السجائر بصمت. كانوا من أصول مهاجرة. السائق الذي صعدنا معه من أصل باكستاني، يعيش في هاناو منذ أكثر من 10 سنوات. قال بأن صديقه كان يعرف القاتل توبياس الذي أردى بدم بارد 9 أشخاص، إضافة إلى والدته، قبل أن يقتل نفسه.
وأخبرنا السائق بأن صديقه صافح حتى توبياس مرة ولم يخطر بباله أنه يميني متطرف». ويروي السائق وغيره كثيرون تحدثنا إليهم في هاناو، كيف يعيش اللاجئون والأتراك والأكراد من الجيل الثالث الذي قدم إلى هنا، إلى جانب الألمان منذ سنوات، من دون أي مشاكل. يقول مصطفى وهو شاب لا يزيد عمره على الثلاثين عاما، فقد أصدقاء له في المجزرة، بأنه ولد وكبر في هاناو، وهو يعمل مع ألمان ولم يشعر يوما بالتمييز. ويضيف: «بالطبع بين الحين والآخر نتعرض لنظرات وكلام ولكن لم يحصل أبدا أن شاهدنا رد فعل من يميني متطرف بهذا الشكل». يعتبر مصطفى نفسه محظوظا لأن نجا وعائلته من المجزرة. فكان بالإمكان لأي منهم أن يكون في المكانين اللذين شهدا إطلاق النار. يتحدث مصطفى بحزن كبير ويقول بأن قلبه «ينزف دما» حزنا على ما حصل وعلى الضحايا. ورغم أنه لا يعر بالخوف من أن يتعرض للقتل هو نفسه، ولكنه يقول إن هذه العملية ستطارده وستبقى في ذهنه في كل الأوقات». شتين، شاب ألماني من أصول تركية، فقد شقيقه غوكان في العملية، يبدو حاقدا على الطبقة السياسية في ألمانيا. هو بات وحيدا الآن مع أمه وأبيه، بعد أن فقد شقيقه الأوحد ليميني متطرف. يقول خارج صالة العزاء حيث تجمع أقارب وأصدقاء العائلة يواسون بعضهم: «لم نشهد هكذا حادث مروع بهذا الحجم لا في هاناو ولا في ألمانيا من ذي قبل». ويضيف: «ليست لدي مخاوف من الموت، لدي فقط خوف بألا يتم فعل شيء على الصعيد السياسي وأن تستمر هذه الحالة». ويرى شتين بأنه «طالما هناك حزب نازي اسمه البديل لألمانيا موجود في البرلمان، سنواجه هكذا مشاكل ليس فقط في هاناو بل في كل ألمانيا».
شتين ليس وحده الذي يعتقد بأن حزب البديل لألمانيا، «يمنح العنصريين الثقة والقوة ويشجعونهم للقيام بهكذا أفعال». وتتعالى الأصوات من السياسيين كذلك، وليس فقط من أهالي الضحايا، للتصدي بجدية للبديل لألمانيا. وكثيرون يحملونه مسؤولية الهجمات المتزايدة لليمينيين المتطرفين، بسبب تشجيعه وترويجه لخطاب الكراهية ضد اللاجئين».
وفي هاناو، هذه المدينة التي لا يزيد عدد سكانها على الـ100 ألف، وتقع في ولاية هسن، يعيد البعض ما حصل لارتفاع نسبة اللاجئين ومن هم من أصل مهاجر بشكل كبير».
ورغم أن الكلام العلني الذي يخرج من السكان هنا يشدد على التضامن، إلا أن بعضهم خاصة الكبار في السن، لا يخفون انزعاجهم من الأعداد المتزايدة لـ«الغرباء».
وبالهمس، أوقفني رجل مسن أمام موقع الجريمة ليخبرني بأنه رغم إدانته لما حصل، فإن هناك «بعض الأجانب لا يتمتعون بحسن اللياقة»، وأعطاني مثلا على أن رجلين «غريبين» أوقفاه ليسألاه شيئا من دون إلقاء التحية حتى». ولكن آخرين واضحون بإدانة ما حدث. لارس مثلا، شاب في الـ22 من العمر، يقول إنه يعرف بوجود عدد من الأشخاص الذين يصوتون لأحزاب تحرض ضد اللاجئين، إلا أنه ليس منهم. ويضيف: «أنا أؤيد قدوم اللاجئين، هم بشر مثلنا، هناك بعض الناس الذين ينتخبون أحزابا تكره الأجانب ولكن أنا لست كذلك».
يصف لارس ما حدث بأنه «سيئ جدا» ويقول: «سمعنا أصوات الطلقات وحاولنا النظر من النافذة ورأينا كيف كانت الناس تهرب من المقهى. كان هناك عدد كبير من الناس وكان أمرا مرعبا للغاية». ورغم أن الحياة الطبيعية تكمل في أجزاء كبيرة من هاناو، فمن الواضح بأن هذه الجريمة غيرت كل شيء هنا، النظرات بين الألمان «والغرباء» زادت حدة، وحتى «الخوف» من الآخر بدا واضحا على الكثيرين.


مقالات ذات صلة

رئيس مخابرات تركيا استبق زيارة بلينكن لأنقرة بمباحثات في دمشق

المشرق العربي مئات السوريين حول كالين والوفد التركي لدى دخوله المسجد الأموي في دمشق الخميس (من البثّ الحرّ للقنوات التركية)

رئيس مخابرات تركيا استبق زيارة بلينكن لأنقرة بمباحثات في دمشق

قام رئيس المخابرات التركية، إبراهيم فيدان، على رأس وفد تركي، بأول زيارة لدمشق بعد تشكيل الحكومة السورية، برئاسة محمد البشير.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا سيارات همفي تابعة لـ«طالبان» متوقفة أثناء مراسم جنازة خليل الرحمن حقاني جنوب كابل 12 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

تشييع وزير اللاجئين الأفغاني غداة مقتله في هجوم انتحاري

شارك آلاف الأفغان، الخميس، في تشييع وزير اللاجئين خليل الرحمن حقاني، غداة مقتله في هجوم انتحاري استهدفه في كابل وتبنّاه تنظيم «داعش».

«الشرق الأوسط» (شرنة (أفغانستان))
شؤون إقليمية عناصر من قوات مكافحة الإرهاب التركية أثناء عملية استهدفت «داعش» (إعلام تركي)

تركيا: القبض على 47 من عناصر «داعش»

ألقت قوات مكافحة الإرهاب بتركيا القبض على 47 من عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي، في حملة شملت 5 ولايات؛ بينها أنقرة وإسطنبول.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)

الجيش الموريتاني: لن نسمح بأي انتهاك لحوزتنا الترابية

أفرجت السلطات في دولة مالي عن 6 مواطنين موريتانيين، كانت قد اعتقلتهم وحدة من مقاتلي مجموعة «فاغنر» الروسية الخاصة.

الشيخ محمد (نواكشوط)
المشرق العربي مسيّرات تركية قصفت مستودع أسلحة يعود لقوات النظام السابق بمحيط مطار القامشلي (المرصد السوري)

مصادر لـ«الشرق الأوسط»: تركيا ستطالب أميركا بموقف حاسم من «الوحدات» الكردية

أكدت تركيا استمرار الفصائل الموالية لها في التقدم بمناطق «قسد»، وقالت مصادر إنها ستطلب من وزير الخارجية أنتوني بلينكن موقفاً أميركياً ضد «الوحدات» الكردية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».