بروفايل: جوزيب بوريل أمام التحديات الأوروبية

انتقاه لسياسة «رعاة البقر» استدعى احتجاجاً شديداً أميركياً

بروفايل: جوزيب بوريل أمام التحديات الأوروبية
TT

بروفايل: جوزيب بوريل أمام التحديات الأوروبية

بروفايل: جوزيب بوريل أمام التحديات الأوروبية

عندما وقف النائب الاشتراكي الإسباني جوزيب بوريل أمام زملائه في البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ يطلب تأييدهم له كمرشّح لرئاسة البرلمان، خاطبهم بقوله: «أترشح لهذا المنصب انطلاقاً من انتماءاتي المتعددة؛ أولاً إلى كاتالونيا ثم إلى إسبانيا وأوروبا والأسرة الاشتراكية الواسعة». وفي خطابه الأول بعد انتخابه بأغلبية ساحقة رئيساً للبرلمان الأوروبي في 20 يوليو (تموز) 2004، قال بوريل: «إن الأزمات الجيوسياسية التي تعصف اليوم بالعالم تفرض على الاتحاد الأوروبي أن يجد موقعه بوضوح على الساحة الدولية التي تسيطر عليها سياسة القوّة الصمّاء، حيث نرى بعض القادة لا يتورعون عن اللجوء إلى استخدام القوّة أو التهديد باستخدامها، وحيث تتحوّل الأدوات الاقتصادية إلى أسلحة فتّاكة».

عندما أُعلن عن اختياره ليتولّى منصب الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في المفوضية الأوروبية الجديدة أواخر العام الماضي، كان بوريل يشغل منصب وزير الخارجية في الحكومة الإسبانية ويدلي بتصريحات يعلّق فيها على تهديدات الإدارة الأميركية بالتدخّل عسكريّاً في الأزمة الفنزويلية، قائلاً: «لا يجوز اللجوء إلى سياسة (رعاة البقر) والتهديد بشهر السلاح لمعالجة هذه الأزمة المعقّدة»، ما استدعى احتجاجاً شديداً من واشنطن وتسارعاً أوروبياً لاحتواء التوتّر الذي كان قد بدأ يخيّم على العلاقات الصعبة أصلاً مع الولايات المتحدة قبل أيام من تولّي بوريل مهامه الرسمية في مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
من هو إذن هذا الذي يقول معاونوه إنه جاء ليهزّ شجرة السياسة الخارجية الأوروبية التي «تتراوح بين العقم والخمول» على حد قوله، والذي لم يعد سراً أن الدوائر العليا في الاتحاد الأوروبي تجهد لاحتواء اندفاعه والحد من صلاحياته؟
وُلد جوزيب بوريل عام 1947 في بلدة «بوبلا دي سيغور» من أعمال إقليم كاتالونيا في كنف عائلة ناضلت سياسياً ونقابياً ضد ديكتاتورية الجنرال فرنكو. في عام 1964، بدأ دراسته الجامعية في برشلونة حيث التحق بكلية الهندسة الصناعية، لينتقل بعد ذلك إلى مدريد التي تخرج من جامعتها مهندساً في علوم الملاحة الجوية والبحرية. بعد ذلك، قرر مواصلة تحصيله العلمي في الخارج، فنال شهادة الماجستير في البحوث التطبيقية من جامعة «ستانفورد» الأميركية، ثم في اقتصاد الطاقة من المعهد الفرنسي الأعلى للبترول، وعاد إلى مدريد، حيث نال شهادة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية من جامعتها، وأصبح أستاذاً للتحليل الاقتصادي والرياضيات التجارية.
في عام 1974، انتسب بوريل إلى الحزب الاشتراكي العمّالي، حيث تدرج بسرعة ليتولى بعد 5 سنوات الإشراف على السياسة المالية في حكومة مدريد الإقليمية. وعندما حقق الاشتراكيّون فوزهم التاريخي في انتخابات 1982 العامة بقيادة فيليبي غونراليس، عُيّن بوريل أميناً عاماً لوزارة الاقتصاد والمال، وفي عام 1984، كُلّف الإشراف على مكافحة الفساد الضريبي برتبة وزير دولة، ثم انتخب نائباً في البرلمان عن إقليم برشلونة في عام 1986.
في عام 1991، أجرى فيليبي غونزاليس تعديلاً واسعاً على حكومته وكلّف بوريل حقيبة الأشغال العامة والنقل، التي أضاف إليها صلاحيات السياحة والاتصالات، وبعد انتخابات عام 1993 التي جدّد فيها بوريل مقعده النيابي، احتفظ بحقيبته الوزارية التي أضيفت إليها هذه المرة صلاحيات البيئة. وعندما فاز الحزب الشعبي بانتخابات عام 1996، انتقل بوريل ليصبح عضواً في اللجنة التنفيذية للحزب الاشتراكي الذي كان غونزاليس قد استقال من أمانته العامة، ثم فاجأ الجميع عندما انتخبته قاعدة الحزب أميناً عاماً ومرشحاً لرئاسة الحكومة. لكنه اضطر للاستقالة بعد 3 سنوات بسبب صراعات داخلية في الحزب وإثر فضيحة مالية طالت اثنين من معاونيه السابقين في وزارة المالية، ثم أعيد انتخابه نائباً في البرلمان ليتولّى في عام 2004 رئاسة اللائحة الاشتراكية لانتخابات البرلمان الأوروبي الذي يُنتخب رئيساً له بأغلبية 388 صوتاً. وبعد مغادرته رئاسة البرلمان الأوروبي، تولى بوريل رئاسة المعهد الجامعي الأوروبي في مدينة فلورانس الإيطالية، الذي يعدّ من أهمّ المعاقل الفكرية في الاتحاد الأوروبي.
مع اندلاع الأزمة الانفصالية في كاتالونيا إثر الاستفتاء على الاستقلال الذي دعت إليه الحكومة الإقليمية في خريف عام 2017، أعلن بوريل رفضه الانفصال وشنّ حملة قاسية مدعّمة بالحجج الاقتصادية والأرقام على القوى والأحزاب الانفصالية التي أصبح من ألدّ خصومها.
وقد تبنّت حكومة بيدرو سانشيز تصوّر بوريل لمعالجة الأزمة الانفصالية في كاتالونيا، الذي يمكن تلخيصه كالتالي: استئناف الحوار بين الحكومة المركزية والقوى الانفصالية، والتدقيق في المعلومات المتداولة حول المزايا المزعومة للانفصال، والتشديد على الاحترام المتبادل بين القوى المؤيدة والمعترضة، والإسراع في إجراء التعديلات الدستورية والإصلاحات المالية الضرورية، لأن قسماً مهماً من المجتمع الكاتالوني يعتقد أن الخروج عن الدولة الإسبانية أفضل.
في 4 يونيو (حزيران) 2018، أي بعد 3 أيام من السقوط المفاجئ لحكومة ماريانو راخوي اليمينية إثر طرح الثقة الذي تقدّم به سانشيز في البرلمان، أبلغ بوريل الأمين العام للحزب الاشتراكي، الذي أصبح مكلفاً تشكيل الحكومة الجديدة بصورة تلقائية كونه الذي تقدّم بطرح الثقة، أنه يقبل عرضه لتولّي حقيبة الخارجية التي أضاف إليها سانشيز صلاحيات التعاون الدولي. وعندما قام زملاؤه في الحكومة بأداء اليمين الدستورية أمام الملك فيليبي السادس وتلاوة الصيغة الجديدة التي تشير إلى «مجلس الوزيرات والوزراء»، اكتفى هو وحده بالقول: «مجلس الوزراء».
وخلال القمّة التي عقدها رؤساء الدول والحكومات في الاتحاد الأوروبي مطلع يوليو (تموز) 2019، عُيّن بوريل ممثلاً أعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية خلفاً للإيطالية فيديريكا موغيريني التي تولّت المنصب طوال 5 سنوات.
الممثل الأعلى للشؤون الخارجية الأوروبية يشرف على إدارة السياسة الخارجية والأمنية المشتركة في الاتحاد الأوروبي، وهو الناطق بلسان الاتحاد وممثله في الشؤون الخارجية. وقد حدّدت معاهدة الاتحاد صلاحياته ومهامه على الشكل التالي:

- يدير السياسة الخارجية والأمنية، ويسهم بمقترحاته في وضع هذه السياسة وتنفيذها بتكليف من المجلس، ويحرص على إعمال القرارات المتخذة في هذا المجال.
- يرأس مجلس وزراء خارجية الاتحاد.
- هو أيضاً أحد نوّاب رئيس المفوضية التي يسهر على تنسيق نشاطها الخارجي، وهو مكلّف مسؤولياتها في مجال العلاقات الخارجية وتنسيق الجوانب الأخرى المتصلة بهذه العلاقات.
- يمثّل الاتحاد في كل ما يتصّل بالسياسة الخارجية والأمنية، ويدير بالنيابة عن الاتحاد الحوار السياسي مع الأطراف الخارجية، ويتحدّث باسم الاتحاد في المنظمات والمؤتمرات الدولية.
- يشرف على إدارة «الجهاز الأوروبي للسياسة الخارجية»، المرادف للسلك الدبلوماسي الأوروبي، وبعثات الاتحاد الأوروبي في الخارج ولدى المنظمات الدولية.
منذ اليوم الأول لتولّيه مهام منصبه الجديد يشدّد بوريل على ضرورة أن «يغيّر الأوروبيّون خرائطهم الذهنية للتعاطي مع العالم كما هو وليس كما نتمنى أن يكون، ولكي لا تكون أوروبا الخاسر في التنافس المحتدم بين الولايات المتحدة والصين في كل المجالات». ويضع كشرط أساسي لذلك الخروج عن قاعدة الإجماع التي تحكم السياسة الخارجية الأوروبية وتصيبها بالشلل، وأن «تتعلّم أوروبا لغة السلطة وتتصرف من موقعها كطرف جيوستراتيجي من الفئة الأولى»، كما قال في محاضرة ألقاها مؤخراً في المعهد الجامعي الأوروبي.
ويدعو بوريل إلى إسناد السياسة الخارجية الأوروبية إلى السياسة التجارية والاستثمارية، وإلى القوة المالية والانتشار الدبلوماسي الواسع وأدوات الأمن والدفاع التي في متناول الاتحاد من أجل أن يكون تأثير أوروبا ونفوذها بمستوى حضورها العالمي وقوتها الاقتصادية، ويقول: «مشكلة أوروبا ليست في افتقارها للقدرات، بل في عدم وجود الإرادة السياسية الكافية لتفعيل هذه القدرات وتسخيرها في الاتجاه الصحيح».
أما عن أولوياته، فهو يضع في صدارتها الاهتمام بالأزمات في البلدان المحيطة بالاتحاد الأوروبي، ووضع استراتيجية جديدة لشراكة عميقة مع أفريقيا، واعتماد سياسة واضحة للتعامل مع المثلث الاستراتيجي الذي يسيطر على عالم اليوم؛ الولايات المتحدة والصين وروسيا، التي رغم اختلافها في أوجه عدة تلتقي حول إخضاع العلاقات السياسية والمفاوضات لثقل القوتين العسكرية والاقتصادية.
أما الملف النووي الإيراني والعلاقات مع دول الخليج، فيوليه بوريل اهتماماً خاصاً لاعتباره أن «المنطقة التي يتدفّق منها ربع الطاقة في العالم تشكّل الشريان السباتي للاقتصاد العالمي»، ويدعو إلى «تجديد» الاتفاق النووي مع إيران، مذكّراً بأن هذا الاتفاق الذي بدأ التفاوض حوله في عام 2007 ووقّعه الاتحاد الأوروبي والأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن مع ألمانيا «ليست له صفة المعاهدة الدولية، لأن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لم يكن قادراً على التعهد بضمان مصادقة الكونغرس عليه».
ويقول الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية إن الهدف من هذا الاتفاق المقصور على البرنامج النووي الإيراني هو منع إيران من إنتاج القنبلة النووية، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها «وأن تنفتح إيران على العالم الخارجي ويتعزّز موقع القوى المعتدلة داخلها، لكن النتيجة كانت أن إيران ازدادت عدوانية على الصعيد الإقليمي، خصوصاً في الأزمة السورية، رغم تحالفها الظرفي مع الغرب والولايات المتحدة لمحاربة تنظيم داعش، واستمرت في خطابها المناهض للمملكة العربية السعودية ودول الخليج».
ويُعدّ بوريل مدافعاً شرساً عن النظام الدولي متعدد الأطراف ومنظمة الأمم المتحدة التي يدعو إلى إجراء بعض الإصلاحات الجذرية في أجهزتها، خصوصاً في مجلس الأمن، بحيث يعكس التوزيع الراهن للموازين الاقتصادية والديموغرافية الراهنة في العالم التي أصبحت تختلف كثيراً عمّا كانت عليه في أعقاب الحرب العالمية الثانية. كما يدعو إلى إعادة النظر في شروط استخدام حق النقض داخل المجلس للحد من هيمنة الدول الكبرى على قراراته.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.