إردوغان يدقّ طبول الحرب في إدلب للضغط على روسيا

صدمة من موقف موسكو ومنتقدوه ضد استدعاء دعم واشنطن

إردوغان يدقّ طبول الحرب في إدلب للضغط على روسيا
TT

إردوغان يدقّ طبول الحرب في إدلب للضغط على روسيا

إردوغان يدقّ طبول الحرب في إدلب للضغط على روسيا

كشفت التطورات الأخيرة في محافظة إدلب السورية مع استمرار تقدّم قوات نظام الأسد فيها، وفي أجزاء من محافظة حلب المجاورة، عن خلاف يتفاعل تحت السطح لأشهر طويلة بين تركيا وروسيا على الرغم من حرص الجانبين على إظهار التوافق بشأن الوضع في إدلب. والمعروف أن الجانبين يرتبطان هناك بعدد من الِتفاهمات التي أمكن التوصل إليها، إما في إطار «مباحثات آستانة» بمشاركة إيران، أو المباحثات الثنائية وأبرزها «تفاهم سوتشي» الموقّع في منتجع سوتشي بأقصى جنوب روسيا يوم 17 سبتمبر (أيلول) 2018 بشأن إنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح للفصل بين قوات الحكومة والمعارضة.
ترى روسيا بالنسبة للوضع في شمال غربي سوريا، كما أعلنت غير مرة، أن تركيا أخفقت في تنفيذ التزاماتها بموجب مذكرة «تفاهم سوتشي»، وعجزت عن إداء دورها في الفصل بين «المقاتلين المتشددين» - قاصدة بهم عناصر «هيئة تحرير الشام» («جبهة النصرة» سابقاً) - وفصائل المعارضة الوطنية المعتدلة إلى جانب التخلف عن طريقي حلب – اللاذقية (إم 4) وحلب دمشق (إم 5).
في المقابل، بدأت تصدر عن تركيا للمرة الأولى خلال الأسابيع الأخيرة تصريحات للهجوم على روسيا، وتحميلها المسؤولية عن استهداف المدنيين في إدلب بسبب دعمها تحركات قوات نظام الأسد الساعية للسيطرة على إدلب، وانتهاكها «تفاهم سوتشي»، وكذلك «اتفاق مناطق خفض التصعيد» في إدلب الذي سبق التوصل إليه في آستانة (عاصمة كازاخستان) خلال مايو (أيار) 2017، الذي بموجبه أنشأت تركيا نقاطاً عسكرية للمراقبة في إدلب بدأت بـ12 نقطة أنشئت خلال أكتوبر (تشرين الأول) من العام ذاته.
- تحرشات... وحشد للحرب
قبل أشهر تحرّشت قوات النظام بنقاط المراقبة التركية في محافظة إدلب قتل فيها عدد من الجنود. ومع تقدم النظام داخل المحافظة بدأت تركيا زيادة عدد نقاط مراقبتها على محاور عدة في شرقها وجنوبها وشمالها، حتى وصل عددها إلى 37 نقطة. وفي الوقت ذاته، تقدمت قوات النظام – المدعومة من الروس – أكثر في إدلب، حيث حاصرت 4 نقاط للمراقبة تابعة للجيش التركي، وقتلت على مدى الأسبوعين الماضيين 13 عسكرياً تركياً، إضافة إلى إصابة عدد آخر. هذا، دفع الأتراك للرد المباشر، وأعلنت وزارة الدفاع التركية عن قتل العشرات من جنود النظام، فضلاً عن الخسائر في الآليات والمعدات العسكرية وإسقاط طائرتين.
وإزاء هذه التطوّرات هدد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بشن عملية عسكرية ضد قوات الأسد ما لم تنسحب إلى حدود «تفاهم سوتشي»، أي خلف نقاط المراقبة الـ12 في منطقة خفض التصعيد في محافظة إدلب. وبالفعل، باشرت تركيا حشد قواتها الخاصة (الكوماندوز) والدفع بتعزيزات عسكرية ضخمة إلى داخل المحافظة وعلى حدودها مع سوريا. ووفق تقديرات، حشدت تركيا 10 آلاف جندي داخل إدلب وفي محيطها، كما أصدرت أوامر للفصائل السورية الموالية في الهيئة الوطنية للتحرير بإرسال عناصرها للقتال مع القوات التركية.
- سوتشي: اتساع الفجوة
وفي محاولة لوقف التصعيد والحفاظ على مساحة التوافق بينهما، أجرت تركيا وروسيا ثلاث جولات من المباحثات على مستوى وفود دبلوماسية وعسكرية، انتهت آخرها يوم الثلاثاء الماضي في موسكو، بالفشل في تحقيق أي تقدم يغيّر مواقف الطرفين. تركيا ذكرت أن نتائج المباحثات كانت بعيدة جداً عما كانت ترجوه، معلنة أنها لن تنسحب من نقاط المراقبة، بل سترد بأشد الطرق على أي هجوم من جانب النظام. وأضافت أنها تتمسك بانسحاب قوات النظام إلى ما وراء نقاط المراقبة، وأنها أكملت تحضيراتها لشن عملية عسكرية لإجبارها على ذلك ما لم تنسحب قبل نهاية فبراير (شباط) الحالي. وفي المقابل، أعلن الكرملين أن تنفيذ عملية عسكرية تركية ضد قوات الأسد السورية سيكون «أسوأ سيناريو»، لكن روسيا وتركيا ستواصلان الاتصالات بشأن إدلب السورية لمنع تصاعد التوتر بدرجة أكبر.
ولقد أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن بلاده لم تبلغ تركيا خلال مباحثات موسكو وأنقرة بأي خطط جديدة بشأن إدلب. وشدد أيضاً على أن الأوضاع في المحافظة لن تعود إلى ما كانت عليه قبل سنة ونصف السنة، ولا سيما أن تركيا لم تنجح في الفصل بين المتشددين والمعارضة الوطنية المعتدلة في إدلب. وتابع، أن «تفاهم سوتشي» لا يتضمن ما ينص «على حماية الإرهابيين». وأردف، أن عمليات قوات نظام الأسد في شمال غربي البلاد، عبارة عن «رد على الاستفزازات الصادرة من الإرهابيين»، وذلك يجري بموجب ما اتفق عليه الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان.
أيضاً، لفت لافروف إلى أن من وصفها بـ«الجماعات الإرهابية في إدلب» واصلت خلال الفترة الماضية «استفزازاتها» عبر القصف على قاعدة حميميم الروسية وعلى المدنيين وقوات الأسد، وإن ما تقوم به الأخيرة هو «الرد على هذه الاستفزازات»، وهو ما تدعمه روسيا لاستعادة سيطرة «الحكومة على أراضيها». واستطرد قائلاً، إن الاتفاق الروسي - التركي في سوتشي «لم ينص أبداً على تجميد الوضع في إدلب، وترك حرية التصرف للإرهابيين هناك، ولم يقدم أي أحد وعوداً بعدم المساس بالإرهابيين» على حد تعبيره.
- «العملية المباغتة» واردة
المباحثات حول إدلب أظهرت في الواقع عمق الخلاف بين أنقرة وموسكو، إلى الحد الذي بدا فيه أن موسكو غير راغبة في رفع مستوى الاتصالات مع أنقرة. إذ أعلنت أنه «لا نية في الوقت الراهن» لعقد لقاء بين بوتين وإردوغان، بخلاف ما كرّرته أنقرة عن عقد لقاء بين الرئيسين إذا لم تنجح مباحثات الوفود في إحراز تقدم.
ومن ثم، عقب إعلان الجانبين فشل المباحثات بالتوصّل إلى النتائج المرجوة، هدّد إردوغان، أمام نواب حزبه في البرلمان، يوم الأربعاء الفائت، بإطلاق عملية عسكرية مباغتة في إدلب. وأضاف، أن تركيا «لم تحصل على النتيجة التي تريدها من المباحثات مع روسيا التي جاءت بعيدة جداً عما ترغب فيه». وبالتالي، أعدت خطة لعملياتها العسكرية في إدلب. وطالب الرئيس التركي، مجدداً، نظام الأسد بسحب قواته من بعض المواقع هناك بحلول نهاية الشهر الحالي قائلاً: «هذا آخر تحذيراتنا... بات شن عملية في إدلب وشيكاً... قد نأتي ذات ليلة على حين غرة».
- دعم أميركي قوي
في هذه الأثناء، حصلت أنقرة على دعم أميركي قوي في ظل التوتر مع موسكو على خلفية التطورات في إدلب. وأكدت واشنطن دعمها لتركيا، حليفتها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، في كل الخطوات التي تتخذها لحماية أمنها و«مصالحها المشروعة». وأكد جيمس جيفري، المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، أثناء زيارته للعاصمة التركية الأسبوع الماضي، أن بلاده لن ترسل قوات إلى إدلب، لكنها مستعدة لدعم تركيا لوجيستياً واستخباراتياً.
كذلك، جددت واشنطن على لسان كيلي كرافت، المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، دعمها القوي للمصالح المشروعة لحليفتها الأطلسية تركيا. إذ اعتبرت أنها «قدمت أكثر من أي دولة أخرى مساعدات للاجئين السوريين بإدلب»، وذلك خلال جلسة لمجلس الأمن في نيويورك حول الأوضاع الإنسانية والسياسية في سوريا، يوم الأربعاء الماضي. وأردفت كرافت «نحن نتفهم قلقها (أي تركيا) بشأن تدفقات اللاجئين الإضافية نتيجة الأعمال العدائية المستمرة»، مضيفة «... ونرفض رفضاً قاطعاً التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الروس، والتي تلقي باللوم على تركيا كذباً في تصعيد العنف في شمال غربي سوريا... إن نظام الأسد وروسيا، وليس تركيا، مسؤولان عن تنظيم وتنفيذ هذه الحملة العسكرية».
كذلك، شددت المندوبة كرافت على أن «الولايات المتحدة، ستواصل التنسيق مع تركيا بشأن النهج الدبلوماسي، لاستعادة وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد بإدلب»، معتبرة أن «عملية آستانة أثبتت فشلها في تحقيق خفض التصعيد في إدلب. ومن ثم، طالبت الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ومبعوثه الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، بتسلم المهمة واعتبارها أولوية قصوى للأمم المتحدة.
هذا، وعلق الرئيس التركي على تصريحات لنظيره الأميركي دونالد ترمب بشأن التعاون مع تركيا في ملف إدلب، قائلاً: «يمكن أن يكون هناك تعاون بيننا على مختلف الصعد في أي لحظة».
- معضلة حقيقية
في أي حال، يرى مراقبون أن تركيا تجد نفسها الآن أمام معضلة حقيقية. فمن ناحية، تريد أن تتفادى وقوع كارثة إنسانية على حدودها الجنوبية بينما هي غير مستعدة لاستقبال مزيد من اللاجئين، ومن ناحية أخرى، لا ترغب في تدمير علاقتها مع روسيا.. ولا ترغب في تأجيج التوتر أو وضع علاقتها مع روسيا على المحك بسبب تطورات إدلب. وتدرك أن روسيا هي الطرف الوحيد القادر على كبح خطوات نظام دمشق المحتملة ضد المصالح التركية في أي وقت.
حقاً، تركيا غير راغبة في التضحية بعلاقتها الوثيقة مع روسيا، ولقد حرصت على بنائها خلال السنوات الأربع الأخيرة، مقابل العزلة الدولية التي تعانيها من جانب قوى الغرب، وأيضاً بعض دول الشرق الأوسط، بسبب مغامرتها الأخيرة في ليبيا ومنافستها على موارد النفط والغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، فضلاً عن تدخلاتها في شؤون دول المنطقة. ولذا؛ فهي تسعى إلى «اتفاق سوتشي جديد» مع روسيا، يشمل إيران أيضاً بسبب خياراتها المحدودة في سوريا حالياً.
وكان رد تركيا، الذي وُصف بـ«الخجول» على مقتل عسكرييها في إدلب مؤشراً – بالنسبة لمراقبين – إلا أن التهديد بالعملية العسكرية ما كان إلا محاولة للضغط على روسيا من أجل إقرار هدنة جديدة. والدليل أن الجانبين أكدا أن المباحثات ستستمر رغم فشلها حتى الآن في تحقيق تهدئة. وبينما يواصل إردوغان تهديداته لسوريا، وتحديد مواعيد نهائية لشن ضربة عسكرية لقوات الأسد في نهاية فبراير الحالي، ما لم تنسحب إلى «حدود اتفاقية سوتشي»، يرى مراقبون أن إردوغان، الذي راهن على أن تهرع موسكو إليه لعقد اتفاقية جديدة تحت التهديد، غير مرتاح لردّ الفعل الروسي السلبي. ولهذا زاد ضغطه بإرسال المزيد من الدبابات والصواريخ والمدافع والجنود إلى منطقة إدلب، في عملية انتشار استباقية هدفها خلق «أمر واقع» جديد في المنطقة.
- مخاوف... وتحذيرات
مع ذلك، ترى دوائر مقربة من إردوغان، أن بإمكان واشنطن فعل الكثير، من تسليح المعارضة، إلى ضرب قواعد النظام الحساسة، ووصولاً إلى اقتراحات جديدة للأمن القومي التركي. أما بالنسبة لأوروبا، فتعتقد هذه الدوائر أنه من غير المنتظر أن تقدّم دعماً لتركيا بخلاف الدعم المالي من ألمانيا للاجئين السوريين. كذلك ترى أن تركيا إنما اضطرت إلى التعاون مع روسيا بسبب سياسة واشنطن الخاطئة تجاه سوريا... وفي حال أخذت الولايات المتحدة زمام المبادرة، فسيكون بإمكانها توسيع نفوذها في سوريا، وفي حال لم تفعل، سيتعذّر البحث في إعادة تصحيح العلاقات التركية - الأميركية.
باريش دوست أر، الكاتب في صحيفة «جمهوريت» التركية، حذّر من أن استدعاء واشنطن للأزمة «لن يؤدي إلى حلّ، بل سيصعّبه؛ إذ إن واشنطن تتراجع في العالم، ولم تستطع حتى الآن حلّ مشكلاتها مع إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا، كما أنها لا تريد سوى تقسيم دول المنطقة عبر التنظيمات الإرهابية». وتابع الكاتب التركي، إن من يريد دعم «ناتو» - في إشارة إلى مطالبة وزير الدفاع التركي خلوصي أكار للحلف بتقديم الدعم لتركيا في إدلب – «إنما يستدعي التدخل والانتداب الأميركي على تركيا، وهذا يجب ألا يحدث».
ورأى المحلل السياسي متين يغين، أن أنقرة «لا ترغب في حل الأزمة السورية، وهي لم تحل أي مشكلة تورطت فيها». لافتاً إلى أنه «بعد مرور 46 سنة على الاحتلال التركي لقبرص، ليس هناك من يعترف بقبرص الشمالية غيرها، وكذلك بالنسبة إلى المشكلة الكردية التي لم تحل بعد».
وتابع يغين «في العراق تركيا موجودة ولا أفق لهذا الوجود. والأمر ينسحب على سوريا أيضاً، حيث استراتيجية إردوغان فيها هي اللاحل». وكم هو مؤسف أنه ينجح فيها».
أيضاً، لفت الكاتب أورهان بورصالي إلى ما رآه «توظيف إردوغان الأزمة السورية داخلياً وتقديمها على أنها شأن تركي داخلي». ورأى أن «هذا يعني أن الحرب في سوريا ستستمر كأداة أساسية لاستمرار سلطته في الداخل؛ ولذا فإنه يضع (عربة الحرب) أمام السلام، وتتطابق سياساته مع الذهنية العثمانية... وفي هذا السياق، تأتي مسألة كسب الأرض في سوريا لتوسيع حدود تركيا، وذلك هو عصب سياسة إردوغان في سوريا منذ العام 2011. ومن الزاوية نفسها ينظر إلى البلقان والآن إلى ليبيا؛ سعياً إلى تحقيق هدفه في إقامة تركيا الجديدة في عام».
- «سيناريوهات» الأزمة
وفي الاتجاه السياسي نفسه، يرى الكاتب محمد علي جولار أربعة خيارات أمام تركيا للخروج من الأزمة السورية: الأول، هو التعاون المباشر مع نظام الأسد في دمشق، لكن لأن حزب العدالة والتنمية لم يتخلّ عن أجندته الخاصة تجاه سوريا والأسد فإن هذا الخيار غير قابل للتطبيق.
والثاني، الذي وصفه بـ«الخيار الجيد»، فهو استمرار التعاون مع روسيا ومنع الولايات المتحدة من انتهاز الفرص.
والثالث، الذي وصفه بالخيار الخاطئ، فهو الصدام بين تركيا ونظام الأسد في إدلب. والرابع، وهو الأكثر سوءاً من وجهة نظر الكاتب، فهو أن تتعاون تركيا مع الولايات المتحدة لتقسيم سوريا.
واعتبر الكاتب أن الهدف المركزي الذي يسعى إليه إردوغان اليوم هو إنشاء ممر لـ«الجيش السوري الحر»، على أنقاض الممر الكردي، ولو لم يكن هدفه كذلك لكان دخل مع روسيا منذ البداية في مسار اتفاق مع الأسد.
- إدلب... مأساة إنسانية بلا نهاية
> حذّر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة من تفاقم الأوضاع الإنسانية «المُزرية» في محافظة إدلب مع استمرار التصعيد في مختلف مناطق المحافظة الواقعة في شمال غربي سوريا. وقال المتحدث باسم المكتب، ينس لاركيه، إن المكتب سجل مقتل أكثر من ألف و500 مدني خلال الأشهر التسعة الأخيرة في المحافظة، «... ولم يبق مكان آمن في إدلب. القنابل تتساقط في كل مكان، وحتى الذين نجحوا في الفرار من أماكن القصف ليسوا بمأمن».
وأضاف لاركيه: «استمرار الهجمات والقصف طوال الشهرين الأخيرين، تسبب في نزوح المدنيين من مختلف مناطق المحافظة، وأكبر مشكلة هي التغذية، إضافة إلى ظروف الشتاء الصعبة». وأوضح أن 3 ملايين مدني بالمنطقة في مأزق، نصفهم من الأطفال والكهول، في حين يشكل نقص المساعدات مشكلة أخرى، رغم الجهود المبذولة في هذا الخصوص من قبل المكتب والمنظمات المدنية الأخرى. وأشار إلى نزوح 520 ألف مدني بالمحافظة، منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
من جانب آخر، وجهت منظمات إغاثة سورية نداءً عاجلاً لوقف إطلاق النار، وطلبت مساعدة دولية لنحو مليون شخص نزحوا بسبب هجوم قوات النظام على إدلب في أكبر موجة نزوح خلال النزاع المستمر منذ 9 سنوات. وقال تحالف المنظمات السورية غير الحكومية، إن النازحين «يفرّون بحثاً عن الأمان، لكنهم يموتون بسبب الظروف الجوية القاسية وانعدام الموارد المتاحة». وأضاف التحالف، خلال مؤتمر صحافي في إسطنبول «إننا نواجه واحدة من أسوأ أزمات توفير الحماية، ونتعامل مع حركة كبيرة لنازحين ليس لديهم أي مكان يذهبون إليه». وأكد التحالف الحاجة إلى ما مجموعه 336 مليون دولار أميركي لتوفير المواد الأساسية والماء والملجأ، والحاجة أيضاً إلى موارد تعليمية لنحو 280 مليون طفل نازح.
هذا، وخلال الأسبوع الماضي، أعلنت الأمم المتحدة، أن النازحين هم في غالبيتهم من النساء والأطفال وحذرت من أن الأطفال يموتون بسبب البرد لأن مخيمات الإغاثة ممتلئة. وقال مارك لوكوك، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، إن العنف في شمال غربي سوريا بلا تمييز. فقد تعرضت منشآت صحية ومدارس ومناطق سكنية ومساجد وأسواق للقصف. وأعلنت منظمة الصحة العالمية، الثلاثاء الماضي، أنه من أصل 550 منشأة صحية في شمال غربي سوريا، ظل النصف فقط في الخدمة. وكان مدير المنظمة تيدروس أدهانوم غيبرييسوس قد شدّد أمام الصحافيين «إننا نكرّر القول: المرافق الصحية وعمال الصحة ليسوا أهدافاً مشروعة».



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.