سنوات السينما: The Naked City

باري فيتزجرالد (وسط الصورة) في «المدينة العارية»
باري فيتزجرالد (وسط الصورة) في «المدينة العارية»
TT

سنوات السينما: The Naked City

باري فيتزجرالد (وسط الصورة) في «المدينة العارية»
باري فيتزجرالد (وسط الصورة) في «المدينة العارية»

The Naked City
‪(‬1948‪)‬ (ممتاز)
«المدينة العارية» فيلم بوليسي أنجزه المخرج جول داسين سنة 1948 واستوحى له أسلوباً واقعياً نابعاً من ميله للسينما ذات المعالجة التوثيقية للحياة. سينما رأى أن لديها رسالة ومضامين اجتماعية عليها أن تتصدى لها.
بدأ داسين الإخراج سنة 1942 وأم هذا الأسلوب باكراً، لكن «المدينة العارية» هو أفضل ما أنجزه حتى ذلك الحين. والمتميز فيه ليس أسلوبه الواقعي في نوع الأفلام البوليسية فقط، بل لخلوه، بالتالي، من الفانتازيات التي كانت، ولا تزال سائدة في الكثير من الأفلام البوليسية. صوّره في أماكنه الطبيعية (مدينة نيويورك) وطلب من ممثليه (باري فيتزجرالد في المقدمة) تمثيلاً خالياً من الدراما وذلك إمعاناً في معالجة الفيلم كدراما واقعية.
لتفعيل أسلوبه هذا ودفع فيلمه الروائي صوب شيء أشبه بالتوثيق، استعان بصوت سارد للقصّة (صوت منتج الفيلم مارك هلنجر) الذي يوسع قليلاً في إطار ما يدور متناولا خلفيات وجوانب وملاحظات نجدها تثري العمل وتضيف عليه. صوت المعلق يبتعد عن شرح ما هو من اختصاص الصورة ويمضي في تعليق اجتماعي مواز لما نراه. يتجنب المخرج في الوقت ذاته عن الخطابة لذلك يأتي التعليق كمسألة واقعية أكثر مما هو رأي فيما يدور.
يتابع داسين في البداية التفاصيل الصغيرة التي تقع أمام الكاميرا كتأكيد على معالجته غير الدرامية قبل أن ينتقل إلى القصة ذاتها.
إنه عن ستة أيام من البحث والتنقيب يقودها الضابط دان (فيتزجرالد) والتحري جيمس (دون تايلور) لمعرفة من قتل المرأة التي وجدت غارقة في حمامها. من سرق مجوهراتها. يتابع الاثنان سلسلة من التحقيقات لمعرفة خلفية تلك المرأة وكيف يمكن لها أن تمتلك مجوهرات ثمينة من دون أن تكون ورثت المال أو وجدت عملاً مجزياً.
بالتدرج يصبح الموضوع الشاغل ليس الجريمة وحدها بل حال المدينة. يلاحظ الضابط كيف أن راتبه بالكاد يكفي بينما تلتقط الكاميرا حياة الناس في القاع وفي القمة. هذا كان أمراً مختلفاً تماماً عما اعتادت هوليوود إنتاجه في تلك الفترة.
رجل القانون، حينها، لم يكن من النوع الذي يشكو أو يتساءل. لم يكن الشخص الذي يشعر بأن الحياة قاسية عليه وعلى أمثاله ممن يخدمون القانون ومغدقة على الأشرار. رأيناهم في أفلام الفترة أبطالاً يؤمنون بأميركا المعجزة، ثم وجدنا هذا الفيلم يطلب منا الهدوء قليلاً ليعرض رؤيته الخاصة التي تتناقض مع الأفلام المحيطة به.
الواقع أن أحد كاتبي السيناريو هو ألبرت موتز الذي وجدته لاحقاً لجنة مكارثي للتحقيق في النشاطات «غير الأميركية» مذنباً بسبب توجهاته اليسارية. جول داسين نفسه أدرك أنه على قاب قوسين أو أدنى من التهمة ذاتها وعقوبتها الأدنى منعه من العمل والقصوى السجن فهرب من البلاد إلى فرنسا وبعد ذلك إلى اليونان. مؤلف الموسيقى ميكلوش روشا كان بدوره من الممنوعين من العمل لكن داسين أصر عليه.
على ذلك، لا تنتظر فيلماً خطابياً ولا تدع يساريته تغنيك عن مشاهدته. السياسة، يمينية كانت أو يسارية، تبلورت في مئات الأفلام وأصبحت مع التاريخ وجهة نظر أكثر منها مبدأ. ما يجب أن يسترعي الاهتمام هنا هو معالجة الفيلم الواقعية لحياة المدينة وشخصياتها والفصل الأخير الذي يطارد فيه رجال البوليس القاتل وقد تم حصاره فوق أحد الجسور. حتى في هذا الفصل من المشاهد لا يفوت المخرج تصوير المناخ والمكان على نحو خاص. يدمج الإثارة بالمضمون ويخرج بوصف المدينة التي تقع فيها الأحداث على نحو غير مطروق.


مقالات ذات صلة

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).