الحريري يؤكد نهاية «التسوية الرئاسية» وحرصه على الحوار مع «الثنائي الشيعي»

اجتماع استثنائي للمجلس المركزي لـ«تيار المستقبل»

الرئيس سعد الحريري في اجتماع «تيار المستقبل» أمس (الوكالة الوطنية)
الرئيس سعد الحريري في اجتماع «تيار المستقبل» أمس (الوكالة الوطنية)
TT

الحريري يؤكد نهاية «التسوية الرئاسية» وحرصه على الحوار مع «الثنائي الشيعي»

الرئيس سعد الحريري في اجتماع «تيار المستقبل» أمس (الوكالة الوطنية)
الرئيس سعد الحريري في اجتماع «تيار المستقبل» أمس (الوكالة الوطنية)

أكد رئيس الحكومة السابق ورئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري أن «البلد متجه إلى حالة جديدة من التحالفات السياسية لم تتبلور حتى الساعة»، مشدداً في جلسة داخلية مع قيادات في «المستقبل»، على أن قرار الحرب والسلم يجب أن يكون بيد الدولة حصراً، وضرورة وضع استراتيجية دفاعية آن الأوان لوضعها.
وردّ الحريري على ما قاله رئيس «التيار الوطني الحر»، النائب جبران باسيل، عن عودة الحريري، قال: «إذا هو بقرر أي متى برجع يعني متل ما قلت إنو الرئيس الظل أو لا؟».
وترأس الحريري اجتماعاً موسعاً لتيار «المستقبل» هو الأول من نوعه منذ سنوات، شارك فيه النواب المنتمون للتيار وأعضاء المكتب السياسي والمجلس المركزي والمكتب التنفيذي والمنسّقيات، خُصص لتقويم الوضعين التنظيمي والسياسي وصولاً إلى إجراء مراجعة نقدية شاملة لتبيان أين أصاب وأين أخطأ يُراد منها إعادة تفعيل مؤسساته انطلاقاً من الإصرار على ردم الهوّة بين القيادة وجمهوره.
وكشفت مصادر من داخل الاجتماع لـ«الشرق الأوسط» أن الحريري أكد أن «التسوية الرئاسية انتهت، وكانت في موت سريري»، مؤكداً: «إنني حريص على الحوار مع الثنائي الشيعي لمنع الفتنة والحفاظ على الاستقرار وقطع الطريق على أي شكل من أشكال الاحتقان».
واعتبر الحريري أن الانتفاضة الشعبية «قلبت الطاولة، ونحن الآن أمام مرحلة سياسية جديدة غير تلك التي كانت قائمة قبل 17 أكتوبر (تشرين الأول)، ولم يعد ممكناً تجاوزها». وأضاف: «كل القوى السياسية متهمة، ونحن من هذه القوى، ولا بد من تغيير طريقة العمل مع الناس».
وأكد الحريري: «إننا على موقفنا بالتمسك بـ(الطائف)، والحفاظ على السلم الأهلي، وتعليق أهمية على (المحكمة الدولية)، لكشف مَن اغتال الرئيس رفيق الحريري». وأكد على حصرية قرار السلم والحرب بيد الدولة، و«ضرورة وضع الاستراتيجية الدفاعية، وآن الأوان لوضعها».
وأشار الحريري إلى أن «البلد متجه إلى حالة جديدة من التحالفات السياسية لم تتبلور حتى الساعة، والحزب التقدمي الاشتراكي هو بالنسبة إلينا حجر الزاوية في التحالفات. مشروعنا الدولة، ودورنا في حراسة عروبة لبنان، وكنا وسنبقى حراساً لها».
وقال الحريري: «لا بد من العمل لوضع قانون انتخاب جديد، بعد القيام باستشارات شعبية واسعة، لأنه لا بد من الوقوف على رأي السواد الأعظم من اللبنانيين، وضرورة إجراء تغييرات في الهيكلية التنظيمية لـ(تيار المستقبل)، وتجاوز الأخطاء التي وقعنا فيها، والعمل على تصحيحها، والتواصل مع الناس. وتطرق إلى موضوع سندات (اليوروبوندز)»، مضيفاً: «نحن أمام قرارين؛ أما أن ندفع أو لا ندفع. وفي كلتا الحالتين، يجب أن يأتي القرار ضمن خطة متكاملة ورؤية اقتصادية واضحة حتى تكون النتائج مضمونة».
وتناول الحريري زيارة رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني إلى بيروت، وقال: «بعكس ما قاله السيد حسن نصر الله، فإن زيارته تستدعي الضغوط الدولية على لبنان، ونحن في غنى عنها، لأننا في حاجة ماسّة إلى المجتمع الدولي لضمان وقوفه إلى جانبنا حتى نتجاوز الأزمات الحادة التي نمر بها على المستويات المالية والاقتصادية والاجتماعية».
ويأتي الاجتماع الموسّع الذي عُقد عصر أمس في «بيت الوسط»، الذي تعامل معه أكثر من مراقب سياسي على أنه بمثابة «ميني» مؤتمر عام لـ«المستقبل»، في ظل ظروف سياسية واقتصادية شديدة الخطورة، باتت تدفع باتجاه وصول البلد إلى طريق مسدود، وتُنذر بمزيد من الانهيارات، ما لم يُصَر إلى إنقاذ الوضع.
وقال المكتب الإعلامي للرئيس الحريري إن الاجتماع خُصّص للتداول في التحولات السياسية بعد الانتفاضة الشعبية في 17 أكتوبر (تشرين الأول)، والتحديات الاقتصادية التي تواجه اللبنانيين وتحاصرهم في مدخراتهم ولقمة عيشهم اليومية.
ونقل عن الحريري قوله في مستهل الاجتماع إنه «سيكون من الصعوبة في مكان وربما من المستحيل التوصل إلى حلول إنقاذية جديدة بمعزل عن التعاون مع المجتمعين العربي والدولي، لافتاً إلى أن الثقة المفقودة مع معظم الدول المؤثرة باتت تشكل حاجزاً لا يمكن تجاهله أمام الوضع الاقتصادي».
واعتبر الحريري أن أكثر ما يؤذي مصلحة لبنان في هذه المرحلة هو الإصرار على التصرف كما لو أن الوقت متاح لجولات جديدة من التذاكي على المجتمعين الدولي والعربي، واتخاذ لبنان ساحة لتوجيه الرسائل الإقليمية، وأن جميع التصرفات التي تعمل على تظهير لبنان منصة للسياسات الإيرانية في المنطقة، باتت تشكل عبئاً كبيراً على البلاد، خصوصاً عندما تترافق مع الخروقات المتواصلة لقرار النأي بالنفس.
وبعد النقاش حول المعطيات التي تقدم بها الرئيس الحريري، تقرر تكليف الرئيس الحريري تشكيل لجنة من أصحاب الاختصاص والخبرة في الكتلة النيابية والتيار لإعداد اقتراح قانون انتخابات نيابية، وفقاً للقواعد التي حددها «اتفاق الطائف». كما تم تكليف المكتب السياسي للتيار بالتنسيق مع الأمانة العامة لتحديد موعد انعقاد المؤتمر العام واتخاذ جميع الإجراءات التنظيمية في هذا الشأن، وإعداد الأوراق السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تناقش في المؤتمر.
وفي دردشة مع الصحافيين، اعتبر الحريري أن «ما يجري في المصارف والهجوم على حاكم (مصرف لبنان) رياض سلامة يدل على وجع الناس، ولكن هناك فرقاء يعملون على تحوير أسباب وصولنا إلى هنا». وأكد الحريري أننا «لا نتنصل من المسؤوليات، ونحن أول فريق قال إننا كنا موجودين داخل الحكومات ونتحمل مسؤوليتنا، ويجب أن نكون صريحين؛ قمنا بأخطاء، وأي مرتكب نرفع الغطاء عنه». وقال الحريري: «لا أدافع عن المصارف، ولكن علينا معرفة أساس المشكلة وأسبابها لنعالجها، ووضع اللوم فقط عليهم لا يكفي لحل المشكلة». وسأل: «لماذا اضطررنا لأن نتحمّل نصف الدين على الكهرباء؟ لأن المشكلة الأساس هنا في قطاع الكهرباء»، معتبراً أنه «إذا أردنا حل المشكل الاقتصادي، فعلينا أن نشخّص المشكل من غير أن يلقي (التيار) اللوم على الغير، وأي شيء إصلاحي لن أقف في وجهه».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم