حكايات شعبية تمثل خلاصة التجربة الإنسانية

من التراث الشعبي اليمني

حكايات شعبية تمثل خلاصة التجربة الإنسانية
TT

حكايات شعبية تمثل خلاصة التجربة الإنسانية

حكايات شعبية تمثل خلاصة التجربة الإنسانية

يزخر كتاب «حكايات من التراث الشعبي اليمني»، للباحث الفنان التشكيلي اليمني محمد سبأ، بكثير من القصص التي تجسد الوجدان العام، وطبيعة الشخصية اليمنية عبر العصور، كما يكشف خصوصية تراثها الحضاري، ومدى ارتباطه بالإرث الثقافي والاجتماعي، ودور الأرض والطبيعة في تشكيل كل هذه الروافد.
ويقسّم المؤلف الكتاب، الواقع في 270 صفحة، الصادر حديثاً عن دار «ابن الوليد» بالقاهرة، إلى 7 فصول، يتناول كل منها نوعاً من الحكايات، حيث تحمل الفصول على الترتيب عناوين: «الحكايات الشعبية التاريخية في اليمن»، و«حكايات الأرض»، و«حكايات التهذيب والحكمة»، و«حكايات الحب والعشق»، و«حكايات الكواكب والجن والوحوش»، و«حكايات من أيام الإمام»، و«حكايات شعبية فكاهية».
واللافت أن الخيال يشحذ الذاكرة الشعبية في معظم هذه الحكايات إلى تخوم تشارف الأسطورة والخرافة فـ«وريقة الحناء» اسم لحكاية شعبية يمنية بطلتها الفتاتان «كرام» و«وريقة الحناء»؛ الأولى تذهب لتغتسل في البركة فتخرج مغطاة بالثعابين والعقارب، وتعود إلى منزلها على تلك الحالة، وتنادي على والدها لكي يقوم بإحضار أداة القطع لإزالتها عنها. أما «وريقة الحناء» التي كانت تعمل على مساعدة سيدة عجوز، وتمدها بالطعام وتنقي شعرها، فكانت مكافأتها أن تحولت هذه العجوز إلى جنية تحقق لها أحلامها.
ويهدف الخيال الشعبي اليمني من وراء الحكاية إلى صقل وتهذيب عقول الأطفال، فيزرع في نفوسهم كراهية الشر وحب الخير، فالفتاة «كرام» يكون مصيرها موحشاً، وكذلك حالُ كل طفل لا يساعد الناس. وعلى العكس من ذلك، من يفعل الخير سيكون مصيره سعيداً مثل «وريقة الحناء»، وهو ما يجسد حكمة الشعب اليمني.
ويعتمد المؤلف في جمع الحكايات على عدة مصادر، منها الرواة ممن قابلهم وعايشهم، والكتب والمراجع، سواء التاريخية أو كتب الرحلات، للتأكد من مصداقيتها، ومن ثم تدوينها وجمعها حتى تخرج للعيان، لما لها من أهمية كبيرة في الحياة، وخشية عليها من النسيان والضياع.
ويلفت إلى هذا في مقدمة كتابه، قائلاً: «أدى ظهور وسائل الإعلام الحديثة ووسائل التواصل إلى نسيان كثير من حكاياتنا الشعبية. وكانت بداية فقدان هذا التراث عندما احتل الراديو ثم التلفزيون مكان الحكواتي أو السامر أو كبار السن، الذين كانوا يحفظون الحكايات المتوارَثة عبر أجيال طويلة. فلم يعد الحكواتي يحيى السهرات الليلية بالحكايات والسير التي كانت الأجيال الصاعدة تتعلم من خلالها كثيراً من القيم النبيلة، وتزرع في النفوس حب الخير والكرم والتعاون والشجاعة، فتحفز الهمم وتوجه الشباب والمجتمعات لعمل الخير وترك الشر».
وحول أسلوبه في جمع مادة الكتاب، يوضح: «حرصت على ألا أكرر ما قد جمع منها في كتب الحكايات الشعبية اليمنية في كتابات سابقة، إلا ما كان منها مختلفاً في صياغة النص، ورأيت فيه اختلافات كثيرة عما دوَّنه من سبقني، فأحببت أن أدونها كما سمعتها، بصيغتها في البيئة التي ولدتْ ونشأتْ فيها هذه الحكايات، وقد حرصت في هذا الكتاب على جمع الحكايات الشعبية التي تعكس ثقافة الشعب اليمني، بما يملكه من روح الفكاهة والحكمة والتأريخ والشخصيات والأماكن».
وبحسب الكاتب، فإن هذه الحكايات كافة لم تأتِ من فراغ، فهي نتاج تجربة وخبرات طويلة صقلتها التجربة الشعبية عبر العصور، وتحمل في طياتها كثيراً من المفاهيم والأهداف التعليمية والتربوية.
فأحياناً ونحن نقرأ هذه الحكايات «قد نجد نصوصاً مستفزة لمشاعرنا في بعض مقاطعها، لكن هذا لا يعنى أن الوعي الشعبي لم يكن يدرك ذلك، بل كان على دراية بكل التفاصيل، ولكن الوعي الجمعي أبقى على هذا النوع من الحكايات لما له من تأثير إيجابي. فإذا تعمقنا في خفاياها أكثر، سنجد أن وراءها كثيراً من الحكم، فهي خلاصة خبرات طويلة لأجيال سابقة. فنجدها تارة تعلم الأبناء حب الأرض وحب الخير، وتنفرهم من الشر».
ويضيف: «إذا تعمقنا أكثر في مفاهيم هذه الحكايات، وقارنا ما جاء فيها بأساليب التربية وعلم النفس الحديث، لوجدنا أن هذه القيم هي التي ينادي بها خبراء علم النفس في وقتنا الحاضر. وقد قرأت في دراسة حديثة صدرت مؤخراً أن الأطفال الذين تربوا في أسر تعودوا فيها على سماع الحكايات الشعبية يصبحون أكثر شجاعة وإقداماً في أمور حياتهم من غيرهم. ومن هنا، تتضح لنا القيمة الحقيقية التي من أجلها بقي هذا الموروثُ الشعبي حياً متناقلاً بين الأجيال، فحُفظت هذه الحكاياتُ الشعبية التي كان الهدف منها تعليم الأبناء خلاصة التجربة الإنسانية، وخلاصة الخبرات التي صقلت بعد مرورها بعقول كثير من الحكماء الشعبيين».



«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
TT

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي»، بدولة قطر، مساء الثلاثاء، الفائزين في فئات الدورة العاشرة، وذلك خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد آل ثاني الممثل الشخصي لأمير البلاد، وشخصيات بارزة، وأعضاء البعثات الدبلوماسية، ونخبة من الباحثين والعاملين بمجال الترجمة.

وتهدف الجائزة إلى تكريم المترجمين وتقدير دورهم في تمتين أواصر الصداقة والتعاون بين شعوب العالم، وتقدير دورهم عربياً وعالمياً في مد جسور التواصل بين الأمم، ومكافأة التميز في هذا المجال، وتشجيع الإبداع، وترسيخ القيم السامية، وإشاعة التنوع، والتعددية والانفتاح.

الشيخ ثاني بن حمد لدى حضوره حفل تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كما تطمح إلى تأصيل ثقافة المعرفة والحوار، ونشر الثقافة العربية والإسلامية، وتنمية التفاهم الدولي، وتشجيع عمليات المثاقفة الناضجة بين اللغة العربية وبقية لغات العالم عبر فعاليات الترجمة والتعريب، ويبلغ مجمل قيمة الجائزة في مختلف فئاتها مليوني دولار أميركي.

وقال الدكتور حسن النعمة، أمين عام الجائزة، إنها «تساهم في تعزيز قيم إنسانية حضارةً وأدباً وعلماً وفناً، اقتداءً بأسلافنا الذي أسهموا في بناء هذه الحضارة وسطروا لنا في أسفار تاريخها أمجاداً ما زلنا نحن اليوم الأبناء نحتفل بل ونتيه مفتخرين بذلك الإسهام الحضاري العربي في التراث الإنساني العالمي».

وأشاد النعمة بالكتاب والعلماء الذين ترجموا وأسهموا في إنجاز هذه الجائزة، وبجهود القائمين عليها «الذين دأبوا على إنجاحها وإخراجها لنا في كل عام لتكون بهجة ومسرة لنا وهدية من هدايا الفكر التي نحن بها حريُّون بأن نرى عالمنا أجمل وأسعد وأبهج وأرقى».

الدكتور حسن النعمة أمين عام الجائزة (الشرق الأوسط)

من جانب آخر، أعربت المترجمة والأكاديمية، ستيفاني دوغول، في كلمة نيابة عن الضيوف وممثلة للمترجمين، عن شكرها لجهود دولة قطر وجائزة الشيخ حمد للترجمة في تكريم المترجمين والمثقفين من كل أنحاء العالم، موجهة التحية لجميع الفائزين، وللغة العربية.

يشار إلى أنه في عام 2024، توصلت الجائزة بمشاركات من 35 دولة حول العالم، تمثل أفراداً ومؤسسات معنية بالترجمة، من بينها 17 دولة عربية. وقد اختيرت اللغة الفرنسية لغة رئيسية ثانية إلى جانب اللغة الإنجليزية، بينما اختيرت الهنغارية والبلوشية والتترية واليوربا في فئة اللغات القليلة الانتشار.

الفائزون بالدورة العاشرة

وفاز بالجائزة هذا العام «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية»، في المركز الثاني رانية سماره عن ترجمة كتاب «نجمة البحر» لإلياس خوري، والثالث إلياس أمْحَرار عن ترجمة كتاب «نكت المحصول في علم الأصول» لأبي بكر ابن العربي، والثالث (مكرر): ستيفاني دوغول عن ترجمة كتاب «سمّ في الهواء» لجبور دويهي.

وعن «فئة الترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية»، فاز بالمركز الثاني الحُسين بَنُو هاشم عن ترجمة كتاب «الإمبراطورية الخَطابية» لشاييم بيرلمان، والثاني (مكرر) محمد آيت حنا عن ترجمة كتاب «كونت مونت كريستو» لألكسندر دوما، والثالث زياد السيد محمد فروح عن ترجمة كتاب «في نظم القرآن، قراءة في نظم السور الثلاث والثلاثين الأخيرة من القرآن في ضوء منهج التحليل البلاغي» لميشيل كويبرس، والثالث (مكرر): لينا بدر عن ترجمة كتاب «صحراء» لجان ماري غوستاف لوكليزيو.

من ندوة «الترجمة من اللغة العربية وإليها... واقع وآفاق» (الشرق الأوسط)

أما (الجائزة التشجيعية)، فحصل عليها: عبد الواحد العلمي عن ترجمة كتاب «نبي الإسلام» لمحمد حميد الله. بينما فاز في «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية»، حصلت على المركز الثالث: طاهرة قطب الدين عن ترجمة كتاب «نهج البلاغة» للشريف الرضي. وذهبت الجائزة التشجيعية إلى إميلي درومستا (EMILY DRUMSTA) عن ترجمة المجموعة الشعرية «ثورة على الشمس» لنازك الملائكة.

وفي (فئة الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية) حصل على المركز الثاني مصطفى الفقي وحسام صبري عن ترجمة كتاب «دليل أكسفورد للدراسات القرآنية» من تحرير محمد عبد الحليم ومصطفى شاه، والثاني (مكرر): علاء مصري النهر عن ترجمة كتاب «صلاح الدين وسقوط مملكة بيت المقدس» لستانلي لين بول.

وفي «فئة الإنجاز»، في قسم اللغة الفرنسية: (مؤسسة البراق)، و(دار الكتاب الجديد المتحدة)، و«في قسم اللغة الإنجليزية»: (مركز نهوض للدراسات والبحوث)، و(تشارلز بترورث (Charles E. Butterworth)، وفي لغة اليورُبا: شرف الدين باديبو راجي، ومشهود محمود جمبا. وفي «اللغة التترية»: جامعة قازان الإسلامية، و«في قسم اللغة البلوشية»: دار الضامران للنشر، و«في اللغة الهنغارية»: جامعة أوتفوش لوراند، وهيئة مسلمي المجر، وعبد الله عبد العاطي عبد السلام محمد النجار، ونافع معلا.

من ندوة «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة» (الشرق الأوسط)

عقدٌ من الإنجاز

وعقدت الجائزة في الذكرى العاشرة لتأسيسها ندوة ثقافية وفكرية، جمعت نخبة من أهم العاملين في مجال الترجمة والمثاقفة من اللغة العربية وإليها، تتناول الندوة في (الجلسة الأولى): «الترجمة من اللغة العربية وإليها: واقع وآفاق»، بينما تتناول (الجلسة الثانية): «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة، وكيفية تطوير هذا الدور».

وخلال مشوارها في عشر سنوات، كرّمت الجائزة مئات العاملين في الترجمة من الأفراد والمؤسسات، في نحو 50 بلداً، لتفتح بذلك آفاقاً واسعة لالتقاء الثقافات، عبر التشجيع على الاهتمام بالترجمة والتعريب، ولتصبح الأكبر عالمياً في الترجمة من اللغة العربية وإليها، حيث اهتمت بها أكثر من 40 لغة، كما بلغت القيمة الإجمالية السنوية لمجموع جوائزها مليوني دولار.

ومنذ تأسيسها، كرمت الجائزة 27 مؤسسة ودار نشر من المؤسسات التي لها دور مهم في الترجمة، و157 مترجماً و30 مترجمة، حيث فاز كثيرون من مختلف اللغات الحية عبر العالم. حتى اللغات التي يتحدث بها بضعة ملايين بلغتها الجائزة وكرمت رواد الترجمة فيها من العربية وإليها. أما اللغات الكبرى في العالم فكان لها نصيب وافر من التكريم، مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألانية والصينية والكورية واليابانية والتركية والفارسية والروسية.

وشملت الجائزة كذلك ميادين القواميس والمعاجم والجوائز التشجيعية للمترجمين الشباب وللمؤسسات الناشئة ذات الجهد الترجمي، وغطت مجالات الترجمة شتى التخصصات الإنسانية كاللغوية والتاريخية والدينية والأدبية والاجتماعية والجغرافية.

وتتوزع فئاتها على فئتين: «الكتب المفردة»، و«الإنجاز»، تختص الأولى بالترجمات الفردية، سواء من اللغة العربية أو إليها، وذلك ضمن اللغات الرئيسية المنصوص عليها في هذه الفئة. وتقبل الترشيحات من قبل المترشح نفسه، ويمكن أيضاً ترشيح الترجمات من قبل الأفراد أو المؤسسات.

أما الثانية فتختص بتكريم الجهود الطويلة الأمد المبذولة من قبل الأفراد والمؤسسات في مجال الترجمة من اللغة العربية أو إليها، في عدة لغات مختارة كل عام، وتُمنح الجائزة بناء على عدد من الأعمال المنجزة والمساهمة في إثراء التواصل الثقافي والمعرفي.